أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نورا دندشي - سامحونا على خيانتنا لكم














المزيد.....

سامحونا على خيانتنا لكم


نورا دندشي

الحوار المتمدن-العدد: 1391 - 2005 / 12 / 6 - 10:35
المحور: حقوق الانسان
    


كم تمنيت خلال متابعتي لبرنامج أدب السجون لو كنت أنا الذبابة التي كان يرسمها في مخيلته الممثل القدير عبد الحكيم قطيفان لأحمل له علبة البقلاوة التي كانت أمامي بمحض الصدفة، وكم تمنيت أيضا لو أسلخ جلدي لأقدمه للشاعر عدنان مقداد والكاتبة حسيبة عبد الرحمن ليكتبا عليه عوضا عن الورق الذي كان يمنع عنهما، ويدونا بأقلامهما سيرتهما الذاتية داخل المعتقلات السورية لتكون أحد مخطوطات التاريخ السوري الدموي.
في بداية البرنامج الذي عرض قبل أسبوعين على قناة الجزيرة الفضائية ظننت أنني أتابع أحد مسلسلات الدراما السورية الإبداعية بطله عبد الحكيم القطيفان، الذي أمتعنا بأدواره المميزة من الأرواح المهاجرة الى الوصية الى دوره كضيف شرف في مسلسل التغريبة الفلسطينية، فقد أحسن مخرج المسلسل في إختياره لهذه الشخصية الفذة وقام بتجسيد شخصية أحد المناضلين الفلسطنيين ضد الإستعمار الانكليزي ونفذ فيه حكم الاعدام، وغيرها من الاعمال، هذه الشخصية بهيبتها التي كانت ولا تزال تفرض وجودها على الشاشة الصغيرة بقوة وتؤثر بمحيط العمل الفني بمجمله، لكن القطيفان في برنامج أدب السجون فاق أي إبداع فني.
ذاك اليوم كنت في زيارة اصدقائي في البلد الاوروبي الذي أعيش فيه حيث نفتقد الى الحلويات الشرقية، لكن لا أدري هل من محاسن الصدف أم من تعاستها تقدم لي البقلاوة لضيافتي على اعتبار أنها نادرة الوجود في تلك البقعة النائية من الارض، كنت ألتهم قطع البقلاوة وأستمتع بحلاوتها، لكن حلاوة البقلاوة لم تخفف عني وطأة لحظات الحزن التي عشتها مع شهادة الأبطال الثلاث وتجربتهم المريرة في السجون والمعتقلات السورية، الى أن تحدث الممثل العملاق عبد الحكيم القطيفان عن ولعه وحبه للحلويات وكيف كان يرسم بمخيلته أنه ذبابة يخرج من بين قضبان السجن ويطير ليحط على أول صدر نمورة مغمور بالقطر (العسل) وسرد حكايته مع قطع النمورة الثلاث كما يسمونها باللغة الشامية والتي تعرف (بالبسبوسة)، عندها لم أتمالك نفسي وبدأت أذرف الدموع وشعرت بأنني أقل وضاعة من الذبابة أمام هؤلاء العمالقة الثلاث وغيرهم ممن دفعوا سنوات طويلة من شبابهم في سيبل حريتي وحرية الشعب السوري.
هي ليست المرة الأولى التي تنتابني حالة البكاء تلك فيها فقد مررت بنفس الحالة لدى قراءتي مقالة بقلم الصحفي السوري نزار نيوف عن تجربته في سجن المزة، وكيف كان هو السجين الأخير الذي غادره وأقفل أبوابه بالمفتاح بنفسه، أعتقدت يومها أن أسلوب نزار الرائع في الكتابة كان له الأثر البليغ في نفسي، وأدخلني في تلك الحالة من الحزن والغضب واليأس التي عشتها مع المقالة، وفور إنتهائي من القراءة التقطت سماعة الهاتف واتصلت بنزار معاتبة إياه "وقلت له الله يسامحك يا نزار لقد ابكتني مقالتك" والمرة الثانية التي بكيت فيها لدى سماعي شهادة القطيفان ومقداد وحسيبة أعتقدت أيضا أنهم أبدعوا في السرد أمام الشاشة "ولن اقول التمثيل كي لا يفسر كلامي بغير محله" وبالأمس وجدت نفسي أمام حالة أخرى من الحزن والغضب وكأن بركان في داخلي يتفجر وأنا أقرأ على موقع العربية مقابلة مع الدكتور عبد العزيز الخير الذي حالفه الحظ وأفرج عنه حديثا، ومع أنه لم يكتب بقلمه كي أتأثر بأسلوبه، ولم يعرض تجربته عبر شاشة التلفزيون حتى نقول أنه أبدع في التمثيل، حتى أنه لم يشتك من الظلم، ولا من وسائل التعذيب، ولا من العزلة القاتلة وراء القضبان، إنما تحدث عن واجبه الإنساني كطبيب الذي قام به وعالج مئات الآف من السجناء خلال فترة محكوميته، حيث شملته من بين من شملتهم صدقة وإحسان النظام البعثي بالعفو كمحاولة بائسة لكسب ما يمكن كسبه من ولاء الشعب السوري.
لقد علمني عبد الحكيم القطيفان درسا في الرسم بالمخيلة لا يمكن أن أنساه، كيف يمكن أن يحول الانسان حياته البائسة التعيسة الى حياة سعيدة، فرسمت بمخيلتي اليوم أنني على بساط الريح يحملني الى أرض الوطن سوريا توقفت عند أبواب السجون حاملة معي علب الحلويات أوزعها على السجناء، ثم وقفت وسط ساحة الأمويين وصرخت بأعلى صوتي لا للسجون.. لا للمعتقلات... لا لقتل الأفكار وتدمير العقول... بعدها شاركت بمسيرة شعبية حاشدة، إنطلقت من المسجد الأموي وعمت شوارع الشام من باب توما الى باب شرقي الى ركن الدين والمهاجرين مرورا بقصر الروضة، ثم توجهت الحشود الى السجون وحطمت الأبواب واطلقنا سراح جميع المعتقلين..!
كم أحلم بهذا اليوم أن يصبح حقيقة وأشهد المسيرات المناوئة لا المؤيدة للنظام المستبد، وأتساءل كيف أمام هذه الجرائم التي ترتكب بحق الوطن والمواطن ونشهد مسيرات التأييد والدعم للنظام...؟ كيف ترتاح ضمائر هؤلاء المشاركين في تلك المسيرات وهم يهتفون بحياة الرئيس ويدعون الله لإطالة أمد حكمه وحكم أجهزته الأمنية والسجون مكتظة بآلاف المناضيلن لاجل حريتهم...؟
فليسامحنا كل من ناضل لاجل حريتنا وكرامتنا، سامحونا على خيانتنا لكم، فصمتنا خيانة، وفي تخاذلنا خيانة، وبعمالتنا لأجهزة الأمن خيانة، ودعمنا للنظام خيانة، فالخيانة لها اشكالها، وخيانة المواطن لها نفس وقع خيانة الوطن..! سامحونا فليس بيدنا حلية سوى الأحلام، وأن نهتف بحياة الرئيس، ونصفق لأجهزة الأمن والمخابرات.. ونشارك في مسيرات التأييد... ونحمل الأعلام والتماثيل والأصنام.. باللات والعزة وهبل سامحونا، لأننا أصبحنا من عبدة الأوثان.



#نورا_دندشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة الى جبران تويني
- شعبانيات سورية -كراكوز وعيواظ


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نورا دندشي - سامحونا على خيانتنا لكم