أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - فرنسوا لونكل - أوروبا الغربية قوادة النساء الشرقيات















المزيد.....


أوروبا الغربية قوادة النساء الشرقيات


فرنسوا لونكل

الحوار المتمدن-العدد: 10 - 2001 / 12 / 18 - 21:44
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    




"إيرينا" من مولدافيا، في الثامنة عشرة من عمرها، غادرت مسقط رأسها شيزينو بعدما أغراها وعد بالعمل كخادمة في ميلانو. استقلت القطار برفقة رجل ساعدها في عبور مولدافيا ورومانيا. ولأن جواز سفرها مصادر فقد اجتازت الكثير من الحدود تسللاً أو بالتواطؤ مع موظفي الجمارك. ثم وجدت نفسها في ... ألبانيا حيث بدأت حياة الجحيم. فبعدما بيعت من شخص الى آخر وقعت بين يدي أحد القوادين الألبان فعمل على تدجينها عبر إخضاعها لعمليات إغتصاب متكررة. وإذ رفضت الوقوف في الشارع لاصطياد الرجال تعرضت للضرب وبيعت من قواد آخر عاملها هو بدوره بعنف واغتصبها. ثم اقتيدت الى إيطاليا في الـ"سكافو"، وهو مركب نقل لا تلتقطه أجهزة الرادار. ولم تنجُ من طريق الجلجلة هذا الا عندما استجوبتها الشرطة الإيطالية وحولتها الى مركز استقبال.

إيرينا واحدة من هؤلاء المدعوات "ناتاشا" كما يطلق على المومسات الآتيات من الشرق، ومصيرها المأسوي شبيه بمصير تلك الآلاف من النساء الآتيات من أوروبا الشرقية التي تعتبر أحد أهم المصادر البشرية للدعارة، مزاحمةً آسيا وجزر الكاريبي وإفريقيا. فبحسب السيد بيورن كلاربرغ، احد رجال الانتربول، فان "أعمال استثمار الجنس بين قسمي أوروبا قد تفجرت على نطاق واسع". ففي زمن العولمة عمّت تجارة الرقيق الأبيض النسائية، وكما تنتشر اعمال اللصوصية بات هناك أعمال قِوادة كبيرة تدر أرباحاً هائلة.

وقد سرّع في قيام هذه الظاهرة، انهيار الامبراطورية السوفياتية وتفكك يوغوسلافيا، وسببها معروف: إنه البؤس. وهي احيانا خيار طوعي لهؤلاء النساء وإن كنّ يقعن في شكل عام ضحايا الخطف أو الخديعة أو الإغراء. فهن يأملن في جمع ما يكفي من المال ليرجعن الى الوطن ويساعدن عائلاتهن في العيش، وثلاثة أرباعهن لم يسبق لهن ان مارسن مهنة الدعارة من قبل.

وقد ارتسمت في القارة الاوروبية خريطة لتوزع هذه التجارة ما بين البلدان "المصدرة" (روسيا أو أوكرانيا أو رومانيا) والبلدان الوسيطة (في شكل اساسي دول يوغوسلافيا السابقة) والدول المستقبلة (إيطاليا وألمانيا وفرنسا...). وهذه التجارة هي على توسع، وما يفسر تفجر هذه المهنة هو من ناحية الأرباح الكبيرة التي تحققها الدعارة، ومن ناحية اخرى أن "هذه الأعمال هي أقل خطراً بكثير من تجارة المخدرات إذ لم يوضع حتى الآن أي إطار قانوني دولي من اجل مكافحتها"، بحسب ما يؤكد السيد جيرار شتودمن العضو في منظمة التعاون والأمن الاوروبية.

إن موسكو، ويبدو انها أحد المراكز الرئيسية، هي التي تزود أسواق ألمانيا (2) وبولونيا وآسيا. وبحسب السيدة إليونورا لوتشنيكوفا، إحدى المسؤولات في بلديتها، هناك 330 "شركة" روسية تمارس هذا النوع من "التجارة" ترسل سنوياً الى الخارج 50000 امرأة. في بولونيا تتركز الدعارة الأجنبية في محاور الطرق الكبرى المؤدية الى ألمانيا، والوضع نفسه قائم في الجمهورية التشيكية حيث تلتقي الأوكرانيات والروسيات. أما في بلغاريا، وبحسب جمعية "انيموس" فيبلغ عدد النساء اللواتي وقعن في شباك القوادين حوالى 10000. واحياناً تنتهي بهن مسيرتهن الى الهلاك كما حدث لتلك الشابتين اللتين قضتا من البرد في كانون الثاني/يناير عام 2000 وهما تحاولان اجتياز الحدود مع اليونان حيث كان من المفترض أن تعملا كنادلتين.

بالنسبة الى الرومانيات والمولدافيات تبدأ الرحلة غالباً في تيميشوارا حيث يجذبهن بعض السماسرة المحليين، ثم تستكمل إما في "اريزونا ماركت" في برتشكو، مركز التهريب الأكبر في البوسنة والهرسك، وإما في "نوفي ساد" في صربيا حيث ازدهرت "سوق رقيق" حقيقية، إذ إن بعض التجار الرومانيين يبيعون بالمزاد العلني الأوكرانيات والمولدافيات والرومانيات والبلغاريات والروسيات، وبعد أن يصار الى تعريتهن واستعراضهن يتم بيعهن بحوالى 500 دولار من قوادين صرب يغتصبونهن ويرهقونهن قبل أن يواكبوهن الى ألبانيا، كما حدث لنيكوليتا وهي طالبة مولدافية في السابعة عشرة من العمر تعرضت للضرب والاغتصاب على يد قواد صربي قبل أن تباع بالمزاد في مستودع حوِّل لهذا الغرض في بلغراد. وإذ وقعت بين يدي قواد صربي آخر أمضت شهرين في بيت دعارة في بودغوريكا في مونتينيغرو، ثم أعيد بيعها بـ2500 دولار من قواد ألباني أكثر وحشية. وحتى أن وزير العدل الأسوجي التقى في ساراييفو امرأة شابة جرى بيعها 18 مرة.

والسيناريو المشؤوم نفسه يتكرر في كوسوفو، وهنا نستعيد عبارة السيد باسكوالي لوبولي، رئيس منظمة الهجرة المحلية، إذ قال ان بيوت الدعارة "انتشرت كالفطر" مع تدفق 50000 جندي من قوات "الكافور" ومستخدمي بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو وموظفي المنظمات غير الحكومية. فالنساء المستقدمات من مولدافيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا يبعن من قوادين كوسوفاريين بالمزاد العلني بأسعار تراوح ما بين 1000 و2500 دولار. فبعدما أنقذ 23 امرأة منهن في بريستينا وبريتزرن (3) ، صرح الكولونيل في قوات الأمن، فينسانزو كوبولا أن "هؤلاء النساء تحولن عبيداً". وفي العام الماضي أمكن تحرير 460 امرأة فقط من 350 بيت دعارة في البوسنة فيما يبلغ عدد اللواتي يدخلنها سراً حوالى 10000.

وبحسب السيد شتودمن تشكل يوغوسلافيا السابقة مركز انطلاق الجريمة المنظمة وقد "تسربت الى بنى الدولة على مستويات عالية". وترى السيدة جوليا هارستون، ممثلة الأمم المتحدة في ساراييفو، أن البوسنة هي في آن واحد "مركز استقبال وبلد مرور ونقطة انطلاق لتجارة الشابات". ويستنتج قائد البوليس الدولي السيد فانسان كوردوروي أن هذه التجارة "منظمة بشكل لافت دونما تمييز بين جنسية او إتنية أو دين". وفي مقدونيا تمثل قرية فيليزدي حيث ما لا يقل عن سبعة مواخير مركزأ محلياً للدعارة التي تديرها المافيا الألبانية (4) . فهنا يحقق القواد ، مثل بويكو ديلالر الرهيب، ما يزيد على 16000 دولار شهرياً.

وفي الواقع تحتل البانيا موقعأ محورياً في هذه التجارة، ومع ان السيد كريستيان أميار، رئيس المكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالبشر، قد تعود رؤية الأعمال الوحشية، فإنه أحس بالانزعاج عندما اكتشف "أن هناك معسكرات إخضاع حقيقية حيث الفتيات يتعرضن للاغتصاب والتدجين". وإذا أبدت النساء مقاومة فان القوادين لا يترددون في تعذيبهن بالنار أو الكهرباء أو التشويه او رميهن من النوافذ.

وتقدر السيدة تانا دو زولويتا، عضوة اللجنة البرلمانية الإيطالية لمحاربة المافيا، أن "الألبانيين قد اقاموا اتحاداً فعلياً للدعارة" وعقدوا علاقات عمل مع منظمات إجرامية اخرى ونوعوا في نشاطاتهم، على غرار تلك العصابة النافذة التي كانت تعمل في "ابروتسي" وقد فككتها قوى الأمن الداخلي، إذ كانت تجبر الشابات من أوروبا الشرقية على ممارسة الدعارة كما غرقت في تجارة المخدرات. ففي إيطاليا، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية، حوالى 50000 مومس نصفهن من الأجانب، وقد بلغت مداخيل هذا النوع من العمل، بحسب التقديرات الدنيا الصادرة عن الشرطة، حوالى 75 مليون دولار شهرياً.

في فرنسا خرج موضوع الدعارة الى العلن في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1999 إثر مقتل "جينكا"، الجميلة البلغارية ذات التسعة عشر ربيعاً، وقد وجدت جثتها على بولفار باريسي مصابة بـ 23 طعنة سكين. وبحسب السيد أميار أن المومسات الآتيات من هذه المنطقة اللواتي بدأن يفدن بكثافة منذ سنتين او ثلاث سنوات، يمثلن أكثر من نصف الأجنبيات اللواتي بات عددهن يعادل عدد المومسات الفرنسيات. في نيس هن في الغالب كرواتيات وروسيات وليتوانيات، وفي ستراسبورغ تشيكيات وبلغاريات وفي تولوز ألبانيات. وقد فككت الشرطة في نيس شبكة بلغارية كانت تحقق مدخولاً شهرياً يبلغ حوالى 25000 دولار كانت ترسلها الى بلدها بواسطة حوالات بريدية لتوظفها في تجارة العقارات. ونصف مومسات باريس الـ7000 هن أجنبيات، 300 منهن ألبانيات. وتؤكد السيدة كلود بوشي، المسؤولة عن بوس النساء، أن المومس الشرقية تمارس يومياً ما بين 15 و30 علاقة لأن عليها أن تجهد كي تدخل ما بين 450 و900 دولار لقوادها لئلا تتعرض للضرب. وفي الاجمال تحقق الدعارة التي تمارسها حوالى 15000 امرأة مدخولاً سنوياً يقدر بـ 2.4 مليار دولار.

وتتمركز الشبكات الألبانية غالباً في بلجيكا، وفي بروكسيل تحديداً، حيث تحتدم المزاحمة مع الأكراد والأتراك من أجل السيطرة على بيوت الإذلال، وفي أنفير حيث أحصي وجود 450 مومساً من أوروبا الشرقية. فمن هناك يديرون عمل المومسات الشابات من الألبانيات والكوسوفاريات والمولدافيات اللواتي يمارسن عملهن في باريس وبقية المدن الفرنسية الكبرى. أما الشبكات التي تستثمر الأوكرانيات والتشيكيات والسلوفاكيات والبلغاريات فتعمل في شكل أساسي عبر ألمانيا حيث يقيم القوادون والمومسات في أحد فنادق مدينة كهل حيث تبقى الشرطة عاجزة عن فعل أي شيء كونهم لا يرتكبون أي مخالفات. فتعبر النساء يومياً جسر أوروبا نحو ستراسبورغ ليمارسن "البغاء"، وقد تضاعف عددهن فيها منذ خمس سنوات.

وفي محاولة لوضع حدّ لتنامي هذه الآفة، اتخذت عاصمة مقاطعة الألزاس في آب/أغسطس عام 2000 قراراً رسمياً بمنع وقوف السيارات على بعض أرصفة المرافئ. أما في لندن فعمدت السلطات الى تحسين الإنارة وعدلت في خطوط السير في الأحياء الصاخبة في توتنغ وكينغزكروس من أجل ثني الزبائن عن الحضور، لكن من شأن هذه الاجراءات أن تنقل المشكلة الى مناطق اخرى، بل هي تؤكد بالأحرى ارتباك الدول الغربية في مواجهة ظاهرة جديدة بلغت حجماً مرهقاً، إضافة الى انها تزدهر في مجال الدول المنضمة الى معاهدة شنغن وتستفيد من الفروقات في التشريعات الوطنية ومن عملية الفصل بين الاجراءات القضائية.

ففي الواقع لم تتحضر أوروبا الغربية جيداً للأمر ولا تزال الانقسامات فيها عميقة بين دعاة التنظيم ودعاة التحرير. فالبعض يعتبر أن الدعارة شر لا بد منه وأن من الأفضل مراقبتها لدواعٍ اجتماعية وصحية وأخلاقية، فيما يعتبرها البعض الآخر منافية لكرامة الانسان المنصوص عليها في الاتفاق الدولي المعقود في العام 1949 لمكافحة الدعارة. وإن كانت الدول الأوروبية تختلف حول سائر ما يتعلق بهذا الموضوع إلا انها تتفق على أمر واحد هو ان الدعارة الفردية ليست مخالفة للقانون.

ومع ان عمل الدعارة يعكس الفروقات الجوهرية بين الرجال والنساء، بين الأغنياء والفقراء، بين الشمال والجنوب، وبين الغرب والشرق، يبدو الفرنسيون كأنهم يشاركون السلطة العامة لامبالاتها. وهذا ما استنكرته مارتين كوست من منظمة "ميتانويا" حين رأت أنهم لا يتحركون للتجارة الجنسية بالجسد بقدر ما يتحركون لبتر الأعضاء لأهداف تجارية أو لتأجير أرحام الأمهات للحمل. وبحسب إحصاء قامت به مؤسسة سوفر فان 52 في المئة منهم يعتبرون الدعارة قدراً لا مفر منه، فـ"المهنة الأكثر قدماً في العالم" كما يزعمون هي وسيلة "للحد من جرائم الاغتصاب". وفي هذه الحجة ما يخفي حقيقة مأسوية، وهي ان 80 في المئة من المومسات قد تعرضن في طفولتهن لاعتداءات جنسية. فليست الدعارة عملاً مهنياً، بل استثمار يمارسه الرجل على المرأة.

وبدلاً من الإغراق في هذا الجدال الصاخب بين دعاة التحرير ودعاة التنظيم، من الأفضل الاهتمام بهؤلاء المومسات الضحايا وانقاذهن من هذا "الانتحار اليومي" كما وصفه السيد جاك ميلار من جمعية "ني". فيجب العمل على نزع هذه الفكرة القائلة بأن الدعارة امر محتم، وعلى فرنسا وشركائها الأوروبيين أن يضعوا سياسة شاملة تجمع بين الردع والحظر وتحديث القوانين.

ففي فرنسا، من الملّح العمل على زيادة الإمكانات العملانية للمكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالانسان الذي ليس في تصرفه سوى 14 ضابطاً من الشرطة. أما في أوروبا فيمكن إنشاء دائرة أوروبية لمراقبة الدعارة على غرار دائرة مراقبة المخدرات، من مهماتها العمل على تقويم هذه الظاهرة المتعددة الأوجه والمعقدة والمجهولة وتقدير الاحتياجات والقيام بمبادرات.

وطالما أن "الوحيدين الذين يخشون شيئاً ما من التعاون المتزايد في أوروبا هم المجرمون الذين يستغلون الفروقات بين التشريعات"، بحسب ما أكد وزير الداخلية البريطاني السابق السيد جاك سترو، يبدو من باب أولى تحقيق التقارب بين التشريعات الوطنية والمحاكمات الجزائية عبر وضع "تعريف مشترك" للجرائم وعبر إقامة التجانس بين "مستوى العقوبات". ففي الوقت الحالي، يعاقب القواد بالسجن ستة أشهر على الأقل في ألمانيا، وسنتين في إيرلندا وأربع سنوات في الدنمارك وخمس سنوات في فرنسا.

وإلى جانب البرامج الخاصة لمكافحة استغلال النساء والأولاد القاصرين (ستوب، دافني)، يميل الاتحاد الاوروبي، في إطار "الركيزة الثالثة" (الخاصة بالقضايا الداخلية والقضاء) الى تعزيز مكافحة الشبكات الاجرامية عبر جهازي "أوروجست" و"أوروبول" معاً، مشجعاً لتشكيل فرق تحقيق مشتركة. وأساساً ساهمت العملية المشتركة بين أجهزة الشرطة الألمانية والأوكرانية والنمسوية في تفكيك شبكة، في نيسان/أبريل عام 2001، كانت تستغل الفتيات من بيلاروسيا اللواتي كن يسجنن اولاً في بيوت دعارة في منطقتي ساكس وتوريتغ قبل إعادة بيعهن من مؤسسات في النمسا.

وبالرغم من الضغوط الكبيرة التي مارستها الدول الداعية الى تنظيم المهنة، فقد تم اجتياز مرحلة مهمة في مجال التعاون الدولي في كانون الأول/دسمبر عام 2000 في باليرمو حيث وقعت 124 دولة معاهدة في رعاية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الدول. وحتى وإن لم يتم إقرار هذه المعاهدة الا في 80 دولة من ضمنها فرنسا، الا أن البروتوكول الاضافي حول تجارة الرق البشري يشكل بحسب السيدة زولويتا، "أداة تجديدية" لأنه يوصي بمنح إجازات إقامة لضحايا الدعارة.

وتدرس المفوضية الأوروبية تطبيق هذا الإجراء وقد بات ساري المفعول في بلجيكا (منذ العام 1995) وفي إيطاليا (منذ 1998). كما ان مراكز "بايوك" في أنفير و"باغ-أزا" في بروكسيل و"سوريا" في لياج قدمت على مدى خمس سنوات دورات إعدادية ورواتب لـ700 مومس ساهمن في عمليات التحقيق، اما بالنسبة الى إجازة الاقامة التي تمنحها السلطات الايطالية فهي تعطي هؤلاء النساء حق الاستفادة من الخدمات الاجتماعية أو من متابعة التحصيل العلمي أو من العمل، وقد لفتت السيدة ليفيا توركو، وزيرة التضامن الايطالية السابقة، الى أن "600 إجازة منحت في العام 2000".

أما الشرطة الفرنسية فتفضل من جهتها ان تقوم باستقصاءاتها بدون أن ترفع المومس حكماً دعوى ضد القواد، وفي هذا ما يجنب طبعاً العمليات الانتقامية، غير أن المومسات الاجنبيات يبقين معرضات طالما أنهن يعتبرن متسللات يفترض إبعادهن، من هنا ضرورة أن يطبق عليهن فعلاً وضع الضحايا مما يساعد في حمايتهن وإعادة تأهيلهن في آن واحد. والحقيقة أن الأمر ليس بهذه السهولة، فنيكول كاستيوني، التي باتت تحتل موقعاً في برلمان جنيف بعدما تسكعت خمس سنوات في شارع "سان دوني"، كما يولاند غرنسون التي تدير مؤسسة "باندورا" بعدما مارست الدعارة في بلجيكا على مدى 17 عاماً، تتساءلان كم من الأخريات لا يوفقن الى الخروج من هذا الوضع بسبب القوانين غير الملائمة والبنى القاصرة والنقص في الموظفين المعنيين. يجب إذاً اعتماد سياسة إعادة تأهيل تجمع ما بين التفهم والاستقبال والعون وتشارك فيها السلطات العامة والجمعيات. ولا بد من هذه الشراكة كون المومسات في الغالب يتخوفن من الاعتراف للسلطات الرسمية وهذا ما يؤكده الفشل الواضح لمكاتب المكافحة وإعادة التأهيل التي أنشئت في المقاطعات في العام 1960، والتي لم يبق منها سوى خمسة مكاتب.

وفي حيز التعاو،ن هذا مجال عمل مشترك تعترف بجدواه السيدة ميراي باللسترازي، من الادارة المركزية للشرطة القضائية، فمن الانسب إذاً إعادة إحياء لجان المناطق التي أنشئت في العام 1970 والتي سقط العمل بها، فهي تساعد في القيام بعمل متماسك على الارض لأنها تضم ممثلين عن مختلف القطاعات العامة والجمعيات المعنية.

حتى الآن تخلت السلطة في شكل واسع عن مهمتها في إعادة التأهيل لتلقيها على كاهل الجمعيات، وهذه الجمعيات النشيطة والشجاعة والملمّة بالواقع (مثل جمعية ألتار في نيس وكابيريا في ليون وبينيبول في ستراسبورغ ولوبا في ديجون) تمتلك وسائل محدودة فيما مهماتها تتزايد بفعل الوفود الكثيف لسكان تجهل لغاتهم وثقافتهم. وهكذا اضطرت جمعية "أ.أل.سي." الاستعانة بخدمات وسيطة روسية. كما انه يفترض بالعاملين الاجتماعيين والمتطوعين أن يتلقوا إعداداً في مسائل الدعارة على غرار ما قامت به جمعية "د.د.أ.س.س." في لوار- اتلنتيك.

يبدو من الملح إذاً التوافق على زيادة وتثبيت المساعدات المالية الممنوحة الى الجمعيات كما نصحت به دينا ديريك العضو في مجلس الشيوخ. وهي طالبت أيضاً بمضاعفة عدد مراكز الاستقبال والعمليات على الأرض وبإقرار مساعدة مالية (او حتى تأجيل الملاحقات المالية)، وبإقامة دورات تدريبية وبالبحث عن حلول مهنية...

وفي امكان فرنسا في عملها هذا ان تستوحي تماماً التجارب التي يجري اختبارها في الخارج وتحديداً في إيطاليا، مثل تجربة كازا ريجينا باسيس في سان فوكا، محطة الحمّامات الصغيرة في منطقة بوي، حيث يؤوي الكاهن دون سيزارو لوديزيرتو ما يقارب ستين امرأة شرقية تم إنقاذهن من براثن القوادين، او ايضاً تجربة دون أورستو بنزي، كاهن ريميني، الذي نجح في إعادة تأهيل ما يزيد على 1000 مومس. كما ان الحكومة الايطالية السابقة شاركت بقوة عبر إطلاقها في خريف العام 2000 حملة تلفزيونية دعائية. وترى السيدة ليفيا توركو أنها كانت "تجربة فريدة في اوروبا" ذات بعدين، الأول عمل على إطلاع الزبائن المحتملين على ما تتعرض له المومسات من عنف، والآخر يفتح أمام هؤلاء المومسات "منفذاً للخروج" وذلك باللجوء الى خط الهاتف الأخضر الجاهز باستمرار لتلقي مكالمات المومسات، وقد تلقى في اقل من شهرين 47000 اتصال. وفي الاجمال استفادت حوالى 1000 امرأة اجنبية من برنامج إعادة التأهيل هذا. وفي الوقت نفسه تعهدت إيطاليا دعم التأهيل المهني للنيجيريات المبعدات الى وطنهن في مركز بينين سيتي مثلاً، حيث يتعلمن العمل على الكومبيوتر او مهنة الطهي.

وهذا المثل يوضح أهمية العمليات الجارية في اتجاه الدول الأصلية للمومسات وبالتعاون معها، وهذا ما يصح اكثر في العملية الوقائية. وهكذا نجد ان منظمة "أو.إي.أم." أقامت في المجر حملة دعائية بواسطة الكتيبات وأشرطة الاعلام المرئي والمسموع. ومن أجل تكذيب الاعلانات الصغيرة التي تغري البلغاريات بوعود كاذبة بالتوظيف، نشرت صوفيا لائحة بالشركات المرخص لها توظيف العمال في الخارج.

وتحذير النساء من الأخطار التي قد يتعرضن لها لا يمنع إعلام الرجال، فسواء اكانوا من تجار المخدرات أم من القوادين ام من الزبائن، فهم يستغلون النساء على مستويات متعددة، فإذا كان يفترض معاقبة القوادين فهل يجب تجريم الزبائن كما يجري في أسوج؟ أم معالجتهم كما في كندا؟ أم تربيتهم كما في كاليفورنيا؟ هذا قد يوسع دائرة النقاش.

ففي أي حال من المفترض العمل على تطوير الذهنيات، وهذا يبدأ في المدرسة عبر إطلاع المراهقين في سياق دروس الجنس على الحقائق المؤلمة للدعارة. وذلك كي يدركوا أنها تشكل انتهاكاً فادحاً لحقوق الانسان، وانه لا يجوز التصرف بالجسم البشري، وان ما من مومس سعيدة بحياتها.



--------------------------------------------------------------

(1) صحافي

(2) معظم مومسات برلين البالغ عددهن 7000 وافدات من أوروبا الشرقية

(3) . وكالة الصحافة الفرنسية، 25/4/2000.

(4) تبقى الأعمال الدولية في هذا المجال متفرقة، مثل إرسال رجال الشرطة الى البارات، وإبعاد دنماركيين اتهما بانهما يترددان على المومسات، وإجبار ضابطين اميركيين على الاستقالة، وفتح تحقيق حول وجود جنود ألمان من قوات حفظ السلام (الكافور) في بيوت دعارة تشغّل المراهقات






#فرنسوا_لونكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لبنان.. تقارير تشير إلى اغتصاب 30 طفلا من قبل -تيك توكر- شهي ...
- جندي إسرائيلي سابق يكسر الصمت: استهدفنا النساء والأطفال في غ ...
- “فرح العيال”.. استقبل ترددات قنوات الاطفال 2024 Kids Channel ...
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل بالجزائر 2024 ...
- هل هناك مستقبل لمساحات العمل المخصصة للنساء فقط؟
- لأنها من أقارب ديكتاتور أحد الدول.. حرمان امرأة من الحصول عل ...
- الحكومة الأسترالية تخصص أموالاً لمساعدة النساء المعنفات والأ ...
- السعودية.. القبض على مواطن قتل امرأة بالرصاص في نجران
- هل أسهمت حالة الطوارئ في سيراليون بالحدّ من العنف الجنسي؟
- ملكة جمال ألمانيا من أصل إيراني تتعرض لحملة تنمر على مواقع ا ...


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - فرنسوا لونكل - أوروبا الغربية قوادة النساء الشرقيات