أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - يجوز للمسلمة أن تتزوج غير المسلم طالما كان مُسالما















المزيد.....


يجوز للمسلمة أن تتزوج غير المسلم طالما كان مُسالما


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 5095 - 2016 / 3 / 6 - 08:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة :
يجوز للمسلمة أن تتزوج من أى إنسان مسالم بغض النظر عن عقيدته ، لأن الإسلام هو دين السلام ، والمسلم فى التعامل مع البشر هو الإنسان المسالم . ويقوم المركز العالمى للقرآن الكريم بعقد الزواج المختلط مستضيئا بهدى القرآن الكريم وشريعته الاسلامية الحقيقية . وسبق أن عقدتُ قران مسلمات تزوجن من مسيحيين . ولا يزال باب المركز العالمى للقرآن الكريم مفتوحا لعقد مثل تلك الزيجات لتثبيت أواصر الصلة بين المسالمين من شتّى الملل والنحل . وهناك مشروع للترويج لهذا الزواج المختلط فى أمريكا يتبناه ـ مع المركز العالمى للقرآن الكريم ـ شركة ابن رشد الأمريكية للإعلام ، والتى أنتجت فيديو عن هذه القضية التى تشغل باب المسلمات الأمريكيات .
ونعطى هنا تفصيلا فى جواز ( زواج المسلمة من غير المسلم طالما كان مُسالما )
أولا :
1 ـ فى القرآن الكريم نوعان من الخطاب :خطاب التشريع وخطاب العقائد. الخطاب العقيدى هو خطاب خاص بالله تعالى وحده الذى يعلم ما فى القلوب والذى يحكم بين الناس يوم القيامة. هذا الخطاب لا مجال له فى تطبيق التشريعات الاسلامية الدنيوية الخاصة بتعامل البشر فيما بينهم .
2 ـ إن الله تعالى يصف أكثرية البشر بأنها لا تؤمن مهما بلغ حرص النبى على هدايتها، وحتى لو آمنوا فإن ايمانهم هو مختلط بالشرك (12 / 103 ، 106).
هذه حقيقة نلمسها فى التدين العملى لأغلبية البشر خصوصا أكثرية المتدينين تدينا ظاهريا سطحيا، فهم لا يؤمنون بالله إلا ومعه تأليه غيره من البشر والحجر ، أى لا بد أن يجمعوا بين تقديس الله تعالى وتقديس غيره من الأنبياء والأئمة والأحبار والرهبان والأولياء. وهذا ما كان قبل القرآن الكريم واستمر بعده حتى بين المسلمين الذين يقدسون فى أديانهم الأرضية آلاف البشر بدءا من النبى محمد وأصحابه والأئمة والأولياء ، بل ويحجون الى آلاف القبور المقدسة ويقدسون الألوف من الجثث التى تحولت الى تراب وعدم.
3 ـ هذه الحقيقة العقيدية لا يمكن عمليا تطبيقها فى الزواج وإلا تحولت مؤسسة الزواج الى محاكم تفتيش على العقائد والسرائر وما تخفيه القلوب. إن الله تعالى يؤكد أن أكثرية البشر مشركون فهل يعنى هذا أن نحرم الزواج بأكثرية البشر؟ ثم هذه الأقلية التى تعتبر نفسها هى المؤمنة وحدها لا بد أن تختلف فى عقائدها وآرائها وتنقسم وبالتالى تتكاثر التحريمات وتتضاءل امكانات الزواج (العقيدى ).
إن تطبيق هذا الخطاب العقيدى فى الدنيا سينشر الظلم وسيدمرالزواج.
4 ـ هذا الخطاب الالهى الخاص بالعقائد سيطبقه الله تعالى يوم القيامة بعد أن يتحدد مصير كل إنسان حسب عمله وإيمانه وعقيدته ومدى أخلاصه فى الطاعة أو مدى إنغماسه فى المعصية . ليس لنا أن نتعامل فيما بيننا فى هذه الدنيا وفق ذلك المقياس الإلهى لأن تحديد المشرك لا يكون الا بعد ان تنتهى حياة الانسان بخيرها وشرها وتحولاتها العقيدية والسلوكية من طاعة ومعصية وتوبة. بعد الموت يقفل كتاب أعمال الانسان ويتحدد مصيره وفق عمله واعتقاده. هذا كله من تخصص الرحمن جل وعلا، ولن يكون الفصل فيه إلا يوم القيامة، حيث يحكم بيننا رب العزة فيما نحن فيه مختلفون.
5 ــ أما فى هذه الدنيا فإن كل إنسان يظن نفسه على حق ويتهم خصومه بالكفر. ولا يصح أيضا تطبيق هذا الخطاب فى تكفير الأشخاص الأحياء المختلفين معنا فى العقائد ، لأننا خصوم فى مجال العقيدة ، ولا يصح أن يكون أحدنا خصما للأخر وحكما عليه فى نفس الوقت ، ولأننا جميعا فى مجال العقائد مختصمون فمرجع الحكم علينا جميعا هو الله تعالى يوم القيامة ( 22 / 19 ) وإلى أن يأتى هذا اليوم ينبغى أن نعيش فى سلام وأمن وعدل .
6 ـ وبالتالى يكون تعاملنا حسب الظاهر الذى نستطيع الحكم عليه ؛ فالمؤمن هو المأمون الجانب والمسلم هو المسالم بغض النظر عن عقيدته ورأيه فى الله تعالى والألوهية ، والكافر هو المعتدى الظالم الذى يصل ظلمه إلى القتل والقتال للمسالمين الآمنين الذين لم يبدءوا بالقتال. وفى مجال التعامل البشرى يمكن لنا بامكاناتنا البشرية الحكم على سلوكيات الناس، فالمجرم واضح حين ثبوت الجرم عليه، والكافر المعتدى القاتل واضح وقوعه فى الكفر السلوكى بما ارتكبه من جرم .هذا الكافر المشرك بالسلوك الإجرامى هو الذى يحرم تزويجه أو الزواج منه.
ثانيا :
1 ــ يتأكد هذا من قوله جل وعلا فى سورة الممتحنة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) الممتحنة ).
نزلت بعد الهجرة أية سورة الممتحنة لتضع التشريع المناسب ؛ فالزوجة المؤمنة التى تركت زوجها الكافر وهاجرت إلى دولة الإسلام لا يحل لها أن تستمر فى الزواج بعد ذلك مع هذا الكافر ، ولا يصح أن ترجع إلى عصمته لأنه لا يحل لها ولا تحل له . وفى المقابل فأن المؤمن الذى فارق زوجته الكافرة التى رفضت أن تصحبه ، عليه أن يفارقها ويطلقها ( 60 / 10 ). وبهذا التشريع أمكن رسميا تطبيق الانفصال القائم فعلا بين زوجين يستحيل تواجدهما تحت سقف واحد.
2 ـ وهناك ناحية أخرى فى سورة الممتحنة فى موضوع الزواج الذى يحدث فى ظروف طوارىء وتأزم علاقات بين معسكرين متحاربين أحدهما مسلم مسالم والآخر مشرك كافر معتد ظالم. فالمرأة المؤمنة المهاجرة لا بد من اجراء اختبار (أمنى ) لها ، ليس لاختبار عقيدتها ولكن لاختبار سلوكياتها السابقة وفق المتعارف عليه أمنيا حتى لا تكون جاسوسة للعدو. الآية تقول )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) أى فالاختبار ليس للايمان القلبى الذى لا يعلمه الا الله تعالى ولكن للايمان السلوكى الذى يمكن للبشر معرفته .
نفس الحال تكرر فى موضوع الزواج حيث يشترط فى الزوجة أن تكون مؤمنة ، ليس الايمان العقيدى ولكن الايمان السلوكى أى الأمن والأمان والسلم والسلام، يقول تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) (4 / 25 )، أى إن الله تعالى هو الأعلم بايماننا العقيدى، ولكن المطلوب منا هو اختبار الايمان السلوكى الذى فى استطاعتنا التأكد منه.
3 ـ وتأكد هذا التشريع بأية أخرى تمنع ان يتزوج مشرك بمؤمنة حتى يتوب عن اعتدائه ويرجع عنه ، وتمنع أن يتزوج مؤمن بمشركة حتى تمتنع عن الإعتداء ،يقول جل وعلا : ( وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) البقرة ). والملاحظ هنا هو قوله تعالى " حتى يؤمنوا " وبالطبع لا يمكن هنا الحكم على العقائد حيث أن محلها القلب ، إنما لنا الحكم على السلوك الظاهرى فإذا آمن أحدهم بمعنى عاد إلى الإستقامة الظاهرية مبتعدا عن الإجرام والإعتداء فقد صار مؤمنا حسب سلوكه ، وحينئذ يمكن له أن يتزوج مؤمنة مسالمه مثله ويمكن لها أن تتزوج من مؤمن مسالم مثلها.
ثالثا :
1 ـ ونفس الحال مع أهل الكتاب ، فطعامهم حلال للمسلمين وطعام المسلمين حلال لهم ، وحلال لهم أن يتزوجوا من المؤمنات المسلمات وحلال للمؤمنين أن يتزوجوا من نسائهم المؤمنات المسالمات ، وطالما جرى الزواج شرعيا بمهر وعقد شرعى . يقول جل وعلا : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) المائدة : اية 5 )
2 ـ السنيون يحاول تعطيل هذا التشريع الالهى بادعاء انها تخص أهل الكتاب السابقين ولا تنطبق على أهل الكتاب اليوم. وهذا خطأ فاحش، فأحكام القرآن على أهل الكتاب والمؤمنين سارية فى كل زمان بعد نزول القرآن الكريم طالما لا يأتى فى النص القرآنى ما يؤكد قصر التطبيق على وقت معين. أكثر من هذا فيما يخص موضوع الزواج بالذات فإن التشريع القرآنى لا يدع حالة فرعية استثنائية محدودة إلا وقد وضع لها حكما خاصا بها حتى مع العلم بأنها حالات محدودة غير قابلة للتكرار طبقا لتشريع القرآن نفسه. نحن نتحدث هنا عن تحريم القرآن الكريم الزواج ممن تزوجها الأب ، وتحريمه الجمع فى الزواج بين أختين. كان هذا معروفا قبل نزول التشريع القرآنى فى الزواج . ونزل التشريع القرآنى يحرمه، ولكن لا يطبق الحكم بأثر رجعى ، اى لا ينطبق الحكم على من سبق له الزواج ممن تزوجها أبوه أو ممن جمع بين أختين، فقال ( إلا ما قد سلف ) ( 4 / 22: 23 ). هى حالات محدودة محصورة بوقتها ولكن ذكرها القرآن الكريم ، فإذا كان تشريع الزواج من أهل الكتاب يسرى على عصر نزول القرآن فقط حسبما يقول فقهاء الدين السنى فلماذا لم ينص القرآن على ذلك ؟
3 ـ و( المعتدلون ) من فقهاء الدين السنى يقولون ان تشريع الزواج من أهل الكتاب يعنى أن نتزوج من نسائهم فقط دون أن يكون لهم الحق فى الزواج من نسائنا. وهذا التشريع السنى يحمل فى طياته الاستعلاء المعهود الذى كان يمارسه المسلمون ضد غير المسلمين فى العصر العباسى وما بعده. هذا الرأى السنى يخالف جوهر الآية الكريمة لأنها تتحدث عن أن طعام أهل الكتاب حلّ لنا وطعامنا حل لهم، وأردفت نفس الحكم على الزواج ، أى فكما يحل لهم الأكل من طعامنا يحل لهم الزواج من نسائنا، وكما يحل لنا الأكل من طعامهم يحل لنا الزواج من نسائهم.
هذا الرأى السنى أيضا يخالف الجوهر الأخلاقى للتشريع الاسلامى وهو العدل ، إن الله تعالى يأمر بالعدل والاحسان ( 16 / 60 ) ، العدل الاسلامى يمنع هذا التعالى الذى يجعل من حق المسلم أن يتزوج كتابية وفى نفس الوقت لا يكون من حق الكتابى أن يتزوج مسلمة.
رابعا
1 ـ ونتوقف مع كلمة : ( اليوم ) ودلالتها فى قوله جل وعلا : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( المائدة 5 ).
2 ـ سورة المائدة من أواخر ما نزل من القرآن . وقبلها كانت حروب مسكوت عنها بين المسلمين و المعتدين من بعض اهل الكتاب و الذين سماهم القرآن الكريم ( اليهود و النصارى ) ومنع المسلمين من موالاتهم والتحالف معهم وهم فى حالة حرب مع الدولة الاسلامية فى عهد النبى محمد عليه السلام. وكان المنافقون يتحالفون مع أولئك اليهود والنصارى فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ولأنه تشريع خاص بزمانه ومكانه فقد قال تعالى عن أولئك المنافقين (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) ( المائدة 51 ـ )
واولئك اليهود والنصارى كانوا من قبائل العرب التى تشابهت عقائدها بما يقطع بأن أولئك اليهود الذين تحدث عنهم القرآن لا علاقة لهم بمن نسميهم اليوم اليهود الذين لا يعرفون عبادة عزير و تاليهه بمثل ما يفعل النصارى مع المسيح عليه السلام . يقول تعالى ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )( التوبة 30 ـ ) .
وبذلك التحالف السياسى الذى كان بينهما و التشابه العقيدى فقد كانوا صفا واحدا ضد المسلمين ، يقول تعالى ( وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( البقرة 111 ) أى احتكروا لأنفسهم الجنة . وكانوا يودون أن يتبعهم المسلمون فى عقائدهم وملتهم ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) ( البقرة 120) وكانوا يتمنون عودة المسلمين الى الجاهلية السابقة ( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( البقرة 109).
وبرغم انتمائهم الى عقائد متشابهة ووجود تحالف سياسى بينهما ألا انهم كانوا فى جدال دينى داخلهم فيما بينهم كالشأن فى كل الفرق التى تتبع دينا أرضيا واحدا (كما يحدث اليوم بين الشيعة والسنة )، يقول تعالى ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )(البقرة 113 )
3 ـ لم يكن أولئك اليهود و النصارى ـ المعتدون ـ كل اهل الكتاب فقد تحدث القرآن الكريم عن تقسيمات ثلاث لأهل الكتاب منهم السابقون ومنهم المقتصدون ومنهم الفاسقون المعتدون فى العقيدة و السلوك .
4 ــ ومن هذه المقدمة نفهم كيف أحل الله تعالى ـ بعد توطد الأمن ـ إقامة علاقات الزواج و الطعام بين المسلمين واهل الكتاب بعد أن حدد المقصودين منهم بالايمان . والايمان المطلوب هو بمعنى الأمن والأمان حسب التعامل الظاهرى ، اى بنفس معنى الاسلام الظاهرى بمعنى السلام ، ونرجو أن تراجع مقال (الاسلام دين السلام ) لمزيد من التوضيح .
5 ـ وبالطبع فطالما قال تعالى ( اليوم ) فقد كان ذلك ممنوعا بسبب وجود شقاق وحروب بين المسلمين وأهل الكتاب مرجعه وجود أولئك المعتدين ضمن أهل الكتاب و الذين سماهم القرآن باليهود و النصارى .
6 ــ ويلفت النظر ان أولئك الذين سماهم القرآن باليهود والنصارى أمر عمر بن الخطاب فيما بعد باخراجهم من الجزيرة العربية خصوصا اليمن ونجران فتحايلوا باظهار الاسلام ، وهم الذين تسببوا فى الكيد للمسلمين فى موقعة الجمل و صفين ، وهم أرباب فرقة التشيع ( رائدهم عبد الله بن سبأ ) وأرباب ما يعرف بالسنة ( كعب الأحبار استاذ ابى هريرة ، ووهب بن منبه وأخوه و قبلهم ابن سلام )
7 ــ ومصطلح المحصنة المؤمنة يعنى العفيفة المسالمة / فلا يجوز الزواج من الزانية المصممة على عدم التوبة من الزنا ـ كما لا يجوز الزواج من غير المؤمنة المسالمة اى المحاربة ـ أو بتعبيرنا الارهابية .
وتلك شروط تسرى على المسلمين واهل الكتاب من الرجال و النساء.
خامسا :
1 ـ حين تقرأ سورة التوبة ـ وهى أواخر ما نزل من القرآن الكريم تجد تقسيمات لمجتمع المدينة ذكرها رب العزة الذى يعلم خفايا القلوب ، فيهم السابقون إيمانا وعملا ، وفيهم المنافقون الذين فضحهم عملهم وتآمرهم ، وفيهم المنافقون الأشد نفاقا والذين مردوا على النفاق والذين لم يكن النبى عليه السلام يعلم بهم ، وفيهم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، وفيهم من أرجأ الله جل وعلا أمره اليه إما أن يعذبه وإما أن يتوب عليه . الحديث عن كفر المنافقين وكونهم فى الدرك الأسفل من النار وشهادة الله جل وعلا عليهم بالكذب تكرر فى سور كثيرة ، منها: البقرة وآل عمران ، والنساء والمائدة و المجادلة و المنافقون والأحزاب ..هذا بالاضافة الى أصناف من المؤمنون موصوفين بأن فى قلبهم مرضا ، ووصف بعض المؤمنين بأكل الربا وتهديدهم إن لم ينتهوا بحرب من الله ورسوله ، ونهى المؤمنين عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام . هؤلاء حكم الله جل وعلا عليهم بالكفر . ولكنهم كانوا مسالمين لا يرفعون سلاحا . لذا كان مباحا التزاوج بينهم . لم ينزل فى القرآن الكريم تحريم زواج مؤمنة بمنافق ، ولا تحريم زواج مؤمن بمنافقة .
2 ـ هذا يؤكد أن كل انسان مسالم فهو مسلم حسب الظاهر وكل انسان مأمون الجانب يأمنه الناس فهو مؤمن حسب الظاهر . ويجوز الزواج منه و تزويجه بغض النظر عن العقائد التى قد تأجل الحكم فيها لله تعالى يوم القيامة .
3 ـ وطبقا لتشريعات القرآن فلكل بيوت العبادة حصانة سواء كانت كنائس أو أديرة أو بيوت عبادة لأصحاب التوراة أو أى بيت يذكر الناس فيه إسم الله كثيرا أو مساجد. ومن أجل الدفاع عن كل بيوت العبادة شرع الله تعالى الجهاد ( 22 / 40 ).
4 ـ وفى هذا الزواج ( المختلط ) يجب أن ينشأ الأولاد على حُسن الأخلاق والتمسك بالقيم العليا من الصدق والأمانة و الشجاعة والكرم والرحمة وإحترام خصوصيات الآخرين. والطفل سيتعامل مع تنوع عقيدى يجعل عقله متسامحا متفتحا متحفزا كثير الأسئلة ، ويجب أن يتمتع الأولاد بحريتهم فى إختيار ما يشاءون من عقيدة أو ملة.

أخيرا
1 ـ وفى النهاية فانه طبقا لعدل الاسلام فانه يجوز للمسلمة المؤمنة أن تتزوج من أهل الكتاب طالما كان مثلها مسالما مأمون الجانب ، وكما يجوز لنا أن نأكل من طعامهم ويأكلون من طعامنا فانه يجوز لهم الزواج من بناتنا بنفس حقنا فى الزواج من بناتهم
2 ـ ولا نملُّ من التأكيد على أن كل إنسان مسالم فهو مسلم حسب الظاهر من سلوكه بغض النظر عن دينه ومعتقده ، سواء كان مؤمنا بالقرآن أو مسيحيا أو من بنى اسرائيل أو بوذيا أو ملحدا. وحسب سلوكه المسالم نتعامل معه بنفس السلم ونزوجه نساءنا ونتزوج من نسائه .
3 ـ وفى المقابل فإن كل إرهابى وكل سفاك للدماء وكل قاتل ظالم وكل مستبد يقهر شعبه فهو بسلوكه كافر مشرك ظالم باغ طاغ بغض النظر عن دينه الرسمى. فإذا سوغ قتله وظلمه بتفسيرات دينية نسبها لدين الله تعالى فقد أصبح طاغوتا يمشى على قدمين ينشر الفساد فى الأرض ويرتكب أفظع ظلم لله تعالى والبشر. وهذا ما كان يرتكبه قادة الكنائس الأوربية والمتحالفون معهم من الحكام ، وما كان يرتكبه الخلفاء فى تاريخ ( المسلمين ) فى العصور الوسطى ، وهو ما يفعله الآن المستبد الشرقى، وما يرتكبه الثائرون عليهم من جماعات الارهاب مثل ابن لادن والظواهرى والزرقاوى .
هؤلاء ــ جميعا ــ يحرم الزواج منهم ويحرم تزويجهم .



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا إستنابة فى العبادات فى الاسلام : لا تصوم عن أحد ، ولا تحج ...
- ظلم المحمديين لرب العالمين جل وعلا
- ماذا لو تمّ نقد الفتوحات العربية فى المناهج الدراسية
- المحمديون والكيل بمكيالين فى موضوع صحابة الفتوحات :
- نتقرب الى الله جل وعلا بوصف صحابة الفتوحات بما يستحقون
- كتاب (وعظ السلاطين من الخلفاء الفاسقين الى ( حسنى مبارك ) ال ...
- أيها المحمديون : مالكم من إله غير الله جل وعلا ..!!
- القاموس القرآنى : حسب / حساب ( 3 : 4 ) ( يوم الحساب )
- القاموس القرآنى : حسب / حساب ( 3 : 4 ) ( حساب الرزق )
- القاموس القرآنى : حسب / حساب ( 2 : 3 ) ( حسب ) بمعنى يكفى
- القاموس القرآنى : حسب / حساب ( 1 : 2 ) ( من الحساب العددى ال ...
- ( وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ) ( 2/ 282 )
- معظم طقوس الموت والدفن ليست من الاسلام
- القاموس القرآنى : خائن / خوان / يختانون
- القاموس القرآنى : عفا / عفو
- الانفجار المصرى القادم بين التفاؤل والتشاؤم
- فى مصر : حرب أهلية ممكن .. تقسيم : مستحيل .!!
- القاموس القرآنى : الخلود
- أثر الفتوحات العربية فى نشر الكفر بالاسلام وبالقرآن
- تفاديا لثورة الجياع ( 2 من 2 )


المزيد.....




- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - يجوز للمسلمة أن تتزوج غير المسلم طالما كان مُسالما