أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسام أبو حامد - أيديولوجيا الموت واغتيال عمر المختار















المزيد.....

أيديولوجيا الموت واغتيال عمر المختار


حسام أبو حامد

الحوار المتمدن-العدد: 1377 - 2005 / 11 / 13 - 09:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في فيلم ((عمر المختار))، للمخرج السوري مصطفى العقاد، يدور حوار بين بطل الفلم أنطوني كوين(عمر المختار) وأحد الثائرين من رجاله كان المختار قد منعه من الإقدام على قتل أحد الأسرى وهو ضابط إيطالي لحظة أسره. يحتج الرجل على هذا الممانعة من قبل عمر المختار فيقول له مستنكراً: "يقتلون أسرانا". أجابه عمر: "هم ليسوا قدوة لنا".
لا تزال تلك الكلمات العمرية، كما قدمها العقاد من خلال الفلم، عالقة في ذاكرتي منذ رأيت الفيلم لأول مرة حين كنت على وشك أن أنهي دراستي الابتدائية. وبالرغم من أن ذاكرتي احتفظت بها إلا أني لم أدرك حينها معناها. لكني اليوم استطيع أن أدعي أني بت افهم مغزى تلك العبارة كرسالة تمثل موقفاً أخلاقياً إنسانياً وحضارياً. إذ أن ما يحكم سلوك الإنسان من حيث هو كائن عاقل وبالتالي كائن أخلاقي هو المثل الأعلى، الذي يبرز هنا بوصفه هدفاً يجب تحقيقه. ذلك أن الفعل الإنساني الحقيقي هو الفعل المتجه إلى غاية مدركة ومرادة. وكلما كان السلوك الإنساني صادر عن إرادة وتعقل وبدت الأهداف بمثابتها مثل عليا كان الفعل إنسانياً وأخلاقياً في ان معاً. أما الأفعال التلقائية الغريزية فهي أبعد من أن تمثل حقيقة الإنسان بوصفه كائناً عاقلاً. فلو أن ذلك الثائر قتل الضابط الأسير لكان عمله تلقائياً غريزياً تحركه الرغبة في الانتقام رداً على أفعال لاأخلاقية مارسها الاحتلال الإيطالي بحق الشعب العربي الليبي، وقد برر هذا الثائر تلك الرغبة بقوله: " يقتلون أسرانا". أما موقف عمر المختار نفسه، فكان نابعاً عن المثل العربية الإسلامية التي تحلى بها، وأراد أن يعامل الغير من خلالها. لا من خلال الرغبة العمياء في الانتقام التي لا تحقق للإنسان إنسانيته بقدر ما تغييب عنه لحظة العقل، وبالتالي يخسر الكثير من إنسانيته التي يحققها فقط من خلال التمسك بالهدف الأخلاقي. وعلى هذا يكون موقف المختار هو موقف إنساني وحضاري بكل ما لهذه الكلمات من معنى.
هذه هي الرسالة التي أخذ العقاد على عاتقه أن يوصلها للعالم. واليوم، وحين يغتال الإرهاب مصطفى العقاد يغتال معه تلك الرسالة الحضارية التي حملها. فمهما كانت ممارسات العدو لا أخلاقية، فهم ليسوا قدوة لنا. والغريب أن الذين يعادون الغرب وكل منجزاته الحضارية والعلمية ومعها سياسات بعضه الاستعمارية التوسعية، هم على استعداد لأن يصبح الغرب قدوتهم حين تكون الرغبة في الانتقام هي المحرك لما يقومون به.
يقدم الإرهاب هنا رسالة مضادة. إنها رسالة لا أخلاقية لا يساندها العقل وإنما تحركها الرغبة في الانتقام. وحين يُشوه المثل الأعلى أو يُغيّب لصالح الرغبة في الانتقام يتحول الفعل خبط عشواء لا تميز بين صديق وعدو، ولا يردعها إلا العجز عن الفعل، لكنها إن تمكنت منه في لحظة ما تدمر كل شيء قبل أن تدمر نفسها. وبات مكمن الخطر في هذه الرغبة المستشرية في الانتقام أنها أخذت تتحول إلى أيديولوجيا للموت، يكون الموت فيها هو الحل، وهو الغاية والوسيلة في ان معاً. والمصيبة الكبرى حين يكون من تقتله أيديولوجيا الموت هذه ليس هو العدو الذي نصبته تلك الأيديولوجيا ونسجت نفسها من خلال العداء له. فلم نسمع عن مقتل أو إصابة أحد من رجال الاستخبارات الأمريكية أو الإسرائيلية الذين زعم بيان تنظيم القاعدة أن فنادق عمان باتت مركزاً لهم، بل كان القتلى والجرحى معظمهم عرب ومسلمون وحوالي ثلث القتلى كانوا من أهلنا الصامدين في فلسطين المحتلة، لتفتح بيوت العزاء في فلسطين إلى جانب البيوت الحزينة على من قتلهم الحقد الإسرائيلي.
يحق لنا أن نقف أمام سؤال محير للوهلة الأولى: ما الذي يدفع رجلاً وزوجته للمشاركة في اغتيال وقتل عروسين في ليلة زفافهما ومعهما جمهرة من الأقرباء والمدعوين؟ ما الذي يدفع إنسانا لأن يحرم آخر من حقه في اللحظة التي عاشها هو قبله دون أن يحرمه منها حقد من نوع ما؟ ما الذي يغذي هذا الحقد الأعمى؟ ما الذي يورط هؤلاء في أيديولوجيا الموت؟ هل يكفي أن نلقي باللوم على بوش والسياسة الأمريكية في المنطقة؟ ألم يقدم هؤلاء الإرهابيون تحت اسم الإسلام في الحادي عشر من سبتمبر، حجة كانت مجانية للإدارة الأميركية ومحافظيها الجدد، وكانت باهظة التكاليف بالنسبة للضحايا وذويهم ولامتنا العربية والإسلامية؟ أليس علينا كعرب أن نتحمل بدورنا المسؤولية كما نحملها للآخرين؟
في عالمنا العربي والإسلامي الكثير من العوامل التي تغذي وتنمي ثقافة العنف وأيديولوجيا الموت، ان الأوان لأن نقول كفى هروباً منها أو تغييباً متعمداً لها. فهناك سياسة الاستبداد والفساد والبيروقراطية. وهناك تهميش لقوى المجتمع المدني وضعف حاد في عمل النقابات والأحزاب والمنظمات الشعبية والأهلية، وانعدام فاعلية و دور الأحزاب اليسارية والعلمانية، وتراجع للتيار الإسلامي المستنير في مقابل انتشار الفهم التقليدي الأكثر ظلامية للإسلام. هناك الجهل والفقر والحرمان والتهميش والإبعاد والاستعباد. هناك المناهج التربوية المتخلفة والأساليب التربوية الأكثر تخلفاً، ومدرسون لمادة التربية الدينية يعلمون الطالب كيف يموت، وكيف يعد العدة للحفرة التي سيوارى فيها بعد أن ينتهي كل شيء. يعلمونه كيف يكون الدين الإسلامي عدة لاستقبال العالم الآخر، ولا يفهمون الدين الإسلامي ، كما هو في الحقيقة، ديناً للحياة والسلام والعيش المشترك. وما أحوجنا للدين يعلمنا كيف نعيش قبل أن يعلمنا كيف نموت.
في المدرسة درسنا عمر المختار في التاريخ والأدب. أرادت مناهجنا التربوية تخليد عمر المختار في ذاكرتنا، كرمز لتضحيات الشعب العربي ورفضه للظلم وتمسكه بالمقاومة في سبيل الحرية. درسناه في الأدب من خلال أمير الشعراء أحمد شوقي:
ياويحهم نصبوا مناراً من دم يوحي إلى جيل الغد البغضاء
هكذا يمثل رفاة عمر المختار للأمة العربية لواء يستنهض هذه الأمة صباحاً ومساء. لكن بم يذكرهم وما ذا يقول لهم؟ إنه لا يذكرهم إلا بالغضب ولا يحرك فيهم إلا البغضاء. هكذا خلدت المدرسة عمر المختار، دماً ورغبة في الانتقام وحقداً على المستعمر الغاصب. ومن السبب؟ لا يتردد شوقي في تحميل المستعمر المسؤولية:
ما ضر لو جعلوا العلاقة في غد بين الشعوب مودة وإخاء
أن ما يقوله عمر المختار على لسان العقاد هو رسالة من نوع آخر: "هم ليسوا قدوة لنا". فإذا كان المستعمر الإيطالي قد خرج باستعماره للأرض وقتله لعمر المختار عن الموقف الأخلاقي الإنساني، هل يُطلب منا أن نخرج برغبتنا في الانتقام عن موقف كهذا؟ وإذا كانت الولايات المتحدة اليوم هي أبعد ما يكون عن مبادئ ثورتها، والتي كانت أسبق على الثورة الفرنسية في إقرار الحريات وحقوق الإنسان، فهل يبرر لنا هذا ابتعادنا عن الثورة الاجتماعية والأخلاقية التي أطلقها الإسلام، والتي تجسدت في سلوك الفاتحين الأوائل في تعاملهم مع الشعوب الأخرى التي خضعت لحكم الدولة الإسلامية؟
لا أدعوا إلى النسيان، فالذاكرة بمعنى من المعاني هي أحد مكونات الهوية. لكن هناك فرق بين من تحركه الذاكرة وبين من يحركه العقل. الأول فعل تلقائي غريزي أبعد عن أن يجسد موقفاً إنسانياً وحضارياً حقيقياً, أما الثاني فهو المؤسس لفعل إنساني حضاري. أنه بمثابة الفرق بين مجرد رد الفعل والفعل بمعناه الحقيقي الإنساني أي الصادر عن إرادة وتعقل.
أراد العقاد أن يظهرنا عرباً ومسلمين كأناس يرغبون في الحرية ويأبون الضيم وهم أصحاب حق ورسالة حضارية، لا على أنهم قتلة أو إرهابيون كما يصر البعض على تسويقنا غرباً. فحين يغتال الإرهاب مصطفى العقاد، ربما من دون قصد لكن لأن حقده أعمى، يغتال معه رسالة العقاد الأخلاقية والإنسانية والحضارية. والسؤال يدور حول ما إذا كانت رسالة العقاد ستبقى ممنوعة كما سبق أن منع فلمه المسمى بـ (الرسالة))؟ لا لشيء طبعاً، إلا لأن العقاد أراد أن يقدم في فلمه رسالة الإسلام،كما فهمها هو، بعيداً عن الفهم التقليدي الذي يتبناه من يقدم نفسه على أنه الإسلام الرسمي.
رحم الله العقاد وألهمنا وأهله الصبر والحلم بعالم أفضل.



#حسام_أبو_حامد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأويل ومسألة اليقين..والعلاقة بين المعرفي والأيديولوجي
- حق العودة وأزمة الخصوصية اللبنانية
- أبو حيان التنوحيدي: إغتراب المثقف بين باب الله وباب السلطان
- من النص القراني إلى الفلسفة العربية الإسلامية... ملاحظات منه ...
- المثقف العربي : من سياسة تدبير العوام و تدبير المتوحد إلى سي ...
- حركة -حماس- واستحقاقات مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من غ ...


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسام أبو حامد - أيديولوجيا الموت واغتيال عمر المختار