أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد شاكر - قصه قصيره / أحلام يقظه















المزيد.....


قصه قصيره / أحلام يقظه


عبد شاكر

الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 08:53
المحور: الادب والفن
    


كانت ليلة عادية , مألوفة بأحداثها الرتيبة وكما هو ديدنها تعيش في داخلها تلك الامنيات البسيطه التي لاتتعدى حدود الممكن والمتاح في حياتها المليئة بالهم اليومي المسيطر على حياتها . وكل من حولها يعرف بماذا تفكر حينما تكون ساهمة النظر وتعيش حالة الشرود التي أدمنت عليها مذ كبروا الاولاد والبنات , وتعيش في
احلام اليقظه التي تبعث في نفسها الراحة والهدوء التي ينشدها الجميع , لانها ان كانت تعيش بوعيها الكامل , تكون متوتره ومستفزه وتثور لاتفه الاسباب .. في تلك الليلة كانت ترتعش في داخلها مشاعر متداخله بين الخوف والفرح , لم تألفه سابقا في حياتها ! , بحيث انها استسلمت الى أغفاءة مستندة بظهرها الى حافة السلم وهي تفترش الارض المغطاة ببساط من البلاستك لم يزل يحتفظ ببرودة تبعث في نفسها الرغبة في الحلم , بأنتظار عودة التيار الكهربائي , لتنسل الى مخدعها بعد ان يصيبها اليأس من أستدراج زوجها ليشاركها المخدع , وهو الآخر له عالمه الخاص وأحلامه وأمنياته , التي قد لاتتعدى أحيانا الاستمتاع بأتمام رشفه سيكارته بأطمئنان ! حيث غالبا ما تصرخ فيه عندما تكون متوترة وتصل الى أنفاسها خيوط دخان سيكارته الرديئة ! وأنفها الذي يرتبط لاشعوريا بحالتها النفسية .
تململت قليلا وهي متكأة على حافة السلم المزروع في وسط الرواق الضيق المؤدي الى بقية غرف الدار , بعد ان شعرت بخدر في نصف جسدها المحاذي للجدار , ثم فتحت عينيها لبرهة , فوجدت أن الظلام لم يزل يلف المكان المتناثر فيه أجساد متعبه أنهكها طول الانتظار والحر اللاهب , ثم عادت الى أغفاءتها بعينين نصف مغمضتين .
كانت تحمل في يديها أناء كبير مملوء بشراب الليمون وبالقرب منها منضدة متخمة بقطع من ( الكيك) المغطى بالكريما والشوكولاته , وكانت تتفقد كل من في الصالة التي أزدحمت بالنسوة اللائي جئن لتقديم الهدايا والتهنئة لمناسبة تعيين ولدها البكر في وظيفة مرموقة , وتخرج أبنتها الصغرى من الثانوية بمعدل كان مفاجأة للجميع, وبقدر ماكانت تعيش حالة من الفرح الممزوج بالتوجس , ورغم أنها كانت في سرها تتمتم ببعض الادعية التي تؤمن انها سوف تقي فرحها من الحساد !الا انها كانت متوترة بعض الشيئ , بسبب لامبالاة زوجها الذي كان يتسكع مع بعض أصدقائه اللذين أدمنو لعب الدومينو والنرد في باب الدار الذي تعلوه دكة كبيرة , كان يحرص على تهيأتها قبل الغروب عندما تنحسر قسوة ريح السموم اللاهب , ويبدأ طقوسه اليومية بأعداد الشاي والاركيله ! وعدم اكتراثه لما تبديه من حرص على ان يعيش في عالمها الذي تخطط له جيدا حسب أعتقادها , والذي كان له بعض التحفظات على جزء منه .. هذا الامر غالبا ما ينشأ عنه نزاعات طويلة تنتهي دائما بمغادرته الدار بطريقة أشبه بالهروب , الى حيث ينغمس في عادات رتيبة كانت تمتص منه كم هائل من الشعور بالاضطهاد , الذي كان يخفيه أمام اولاده وبناته , رأفة بهم لان مكوثه في الدار ومواجهتها يعني حدوث كارثه يعرف الجميع نتائجها , سيما وأنها من النوع الذي يحب ان يخضع الجميع لارادتها , كما حدث في احد الايام , حينما احتدم الجدل بينهما وأنتهى بان دخلت غرفتها وسكبت النفط على جسدها وفراشها واضرمت فيه النار ! مما أضطره الى اقتحام الباب وخلعه وتخليصها من عاصفة لهب كادت تودي بحياتها ! ان لم يكن الدار بأكمله . لماذا فعلت ذلك ؟ لااحد يعلم سوى هذا الرجل الكتوم الذي دجن نفسه على نوع معين من الصمت ! ولاأحد من المقربين اليهم يمكن ان يلقي اللوم عليه , لانه وكما يعرفه الجميع , يمتاز بخصائص تتسم بروح المرح , ويمتلك قلبا نقيا ودماثة خلق , جعلته محط اعجاب الجميع . هذا الكبت اورثه مرض السكري بمرحلة مبكرة من عمره الذي تبدد , ولم يبلغ تطلعاته البسيطه المتكورة كلها في ترويض هذه المخلوقة التي احبها يوما ما , وبغباء مفرط في الثقة قرر الزواج منها .. وهي ليست غير مؤهله له ! فهي مربية فاضلة وام تحنو على صغارها , لكن بقسوة تجذرت في سلوكها توهمت انها طريقة مثلى في التربية , رغم اعتراض الزوج المتكرر الذي يصل احيانا الى التصادم , لانها مستبدة برأيها , وفيها من المكابرة الفارغة ما يمنعها من التراجع عن اي فعل تقوم به , حتى وان شعرت في اعماقها ان ذلك خطأ , وقد انسحب هذا السلوك حتى في علاقتها بزوجها وبدأت تتدخل , بل تفرض آرائها على أدق تفاصيل حياته , بدءا من سيطرتها المطلقة على أدارة شؤؤن البيت ماديا , حتى وصل الامر الى تقنين مصروفه اليومي , وصولا الى اعتراضاتها المتكرره على اختياره لاصدقائه ومعارفه , كذلك حددت له اوقات لزيارة اهله واقاربه , وموعد الذهاب والعوده , وان صادف وتأخر عن العودة الى الدار لاي سبب كان , ينقلب الوضع الى جحيم , وقد تخاصمه الى ايام بل اشهر ! وحسب الجرم الذي ارتكبه ! وأبشع ما فيها من طباع هو أمتناعها عن تقديم الطعام له , وان لم يذعن ويبادر الى مصالحتها والتودد اليها , تذهب للنوم مع الاطفال , حينما يقرر مع نفسه احيانا الى مقاطعتها , وقد تعتذر له ! .. ولها قدرة عجيبة بل وحشية في الاستمرار في مخاصمته لاشهر عديدة , وبأمكانها ان تمارس حياتها بشكل طبيعي , الى حد اللعنة ..
احيانا يتوقف الزوج البائس حائرا , لتعريف نفسه أمام كبريائه الداخلي , هل هو فعلا رجل البيت ؟ هل حينما تقف امامه يشعر انه رجل وهي انثى ؟ هل بأمكانه ان يقنع دواخله بأن هذه التساؤلات مجرد احساس خادع ! لانه على هيئة رجل وله ملامح رجولة على قدر من الوسامة , ثم انه مسؤؤل مهم في دائرته , ويعمل بامرته الكثير من الرجال والنساء الذين يتعاملون معه باحترام ومحبة كبيرين , اذن فهو ايضا رجل في نظر زوجته ! ؟ لذلك فان سلوكها المستبد ما هو الا حالة مرضيه ! .. بهذه الهلوسة يحاول اقناع الرجل الرابض في داخله . بتبريرات تقنع الرجل الشرقي الذي يثار احيانا ويتمرد بهستيريه مبالغ فيها , تفقده في بعض الاحيان توازنه , وتورثه الكثير من الضغوط النفسية ! وقد حاول الاستعانه بأحد اصدقائه المقربين , وأستدراجه ليتأكد ان سلوك زوجته يشبه الأخريات ! وقد شعر حينما أخبره صديقه الذي كان على اطلاع بما يقلقه , بأن هناك خلل معين في حياته الزوجيه , وبنفس الوقت أشفق عليه وهون الامر , بأن هذا هو قدره وهو اختياره .. وقتها شعر بانزعاج أقتلع فيه كل ما كان يؤمن به من أفكار عن المرأة العصريه والمساواة , ولعن كل قصائد نزار قباني , التي كانت كلماتها تؤجج فيه , كل حواسه حينما كان يشاهدها صباحا قبل الارتباط , ويلقي عليها تحية الصباح , وكانت ترد عليه بصوت عذب يفقده صوابه ! وكان يحدث نفسه احيانا بهذيان مسموع , أيعقل انها هي نفسها التي كنت اراها قبل الزواج ؟ هذه التي حينما نتخاصم لاتفه الاسباب , تتحول الى نسره تهاجم كل رجولته ! لكنه يراها احيانا متماشية مع تطلعاته ! خصوصا ما يتعلق منها بمستقبل الاولاد وحرصها الدؤؤب على توفير كل احتياجاتهم باقل قدر من التكاليف ! ومحاولاتها الارتقاء بالمستوى المادي للعائلة , وتوفير بعض النفقات التي تراها ( تبذير ) والتي غالبا ما تكون هي نقاط الخلاف والاختلاف ! ..
على نحو ما وعلى الرغم من كل الذي بذلته من جهد في أتمام تضييفها لجيرانها ومرافقيهم الذين جاءوا للتهنئة , الا انها شعرت ببعض الرضا الداخلي وغمرها شعور مفرط بالسعاده , وكادت ان ترقص من الحبور , الذي لامس شغاف القلب , لم تألفه على مدى سني العمر التي قضتها بمشقة . لكنها في هذه اللحظه , نست كل ما مر بها من القهر والحرمان اللذا كانا يسيطران عليها , وأنعكس دوما على علاقتها بزوجها خصوصا . وشعرت لحظتها انها قد ظلمته كثيرا , لكن عزائها فيما تحقق من انجاز قد ينسيه كل تلك القسوة التي كان يلاقيها منها .
كانت تحدث نفسها وهي عازمة للبحث عنه , كي تحتفل وأياه وفق طريقتها الخاصة , التي كانت مدركة انه لن يصدق ماسيحدث , لمجرد ان يسمع نبرات ذاك الصوت العذب الذي فرط بحريته من أجله , كما كان يعلنها مرارا وهو يتمازح معها ! وكانت تريد الافضاء له ببعض الاسرار التي كتمتها عنه طيلة عدة سنوات , كي تبدأ معه بداية توصلهما الى هدفيهما الغير معلن ! لانهما يشتركان بنفس التطلعات ! لكن تنقصهما لغة حوار مشتركة تتسم بالمودة , خالية من التشنجات والزعيق والتهديد , كما كان يحدث عادة حينما يحاول معرفة ما يدور في عقلها المستفز دوما , حين يقتربون من الدخول في موضوع الادخار وقيمته وأولويات أنفاقه , خصوصا وانه منذ البدايه سلمها مقاليد هذا المنصب ! على اعتبار ان النساء اكثر حرصا من الرجال في موضوع الانفاق ولهن معرفة دقيقة باحتياجات وشؤؤن المنزل والاطفال .. وبرغم صحة هذه النظرية , الا ان بعض النساء يندفعن بعيدا عن هذا المنطق , خصوصا اللائي تنقصهن بعض الثقافه , يذهبن الى الخلط بين اعطائها بعض الثقه في حسن تدبيرها التي تتحول تدريجيا الى المحاولة لفرض آرائها والتصرف بفردية مطلقة , تتحول الى وهم في ان لها الحق في ان يرضخ لها الرجل , ولأرائها مادام انها نجحت في ادارة شؤؤن المنزل وتربية الاطفال ! وبين ان يعتبر بعض الرجال ( امثال زوجها ) انه من الطبيعي ان تمنح المرأة بعض الحرية في ادارة مملكتها , وهذا الامر يستهوي معظم النساء , وتصل احيانا الى حد الغاء وجود الرجل وتهميشه ولشكل تعسفي . يدفع الرجل احيانا الى الفرار , ان لم يكن خارج البيت , فانه يعيش حالة من الغربة والعزلة داخل المنزل , ينزوي بصمت يشبه الاحتجاج , بل اشد قوة حينما يتجاهل الجميع , ويتخذ له ركن في المنزل يمارس فيه كل انواع الممنوعات التي كان ملتزما بها . بطريقة توحي بالتحدي لكل القواعد التي فرضت عليه , ووافق عليها مجبرا , لغرض كسب راحة باله من المناوشات والتوتر الذي يحيل اجواء المنزل الى جحيم ينعكس سلبا على الاطفال , الذين يعيشون حالة استنفار داخلي , لمواجهة ما سيقع بين الابوين , ان اختلفا ويكونوا هم ضحية , يتلقون التوبيخ والصفع احيانا بلا سبب , انما هو مجرد اسقاط توتراتهما عليهم ! .
بعد ان فرغ الدار من النسوة وبسرعةمدهشة , تمكنت من ازالة مخلفات الحفل , وقامت بترتيب منضدة جديدة , وضعت فوقها بعض المرطبات والحلوى التي حرصت ان تصنعها له خصيصا تتلائم مع ( السكري ) وهي أيمائة منها , توحي بغزل خفي او محاولة لاستدراجه الى عالمها , الذي تعود فيه احيانا الى حواء حقيقية , كما خلقها الرب ! لتسكنوا اليها . وبعد انتهاء الحفل الصغير الذي أقيم على نطاق ضيق جدا , هو تقليد شعبي , نادرا ما كانت تحضره , حتى وان وجهت لها دعوى , ولها اسبابها الخاصة , التي قد نكون اقتصاديه او اجتماعية , ولديها الكثير من التبريرات , حينما تقتنع بالرأب الذي كونته , بل تصر عليه حتى وان اجبرت على التخلي عنه , وقد يغير مسار حياتها , خصوصا حينما تتناقش بمثل هذه الموضوعات مع زوجها , وهذا لايعني انها منعزله او لاتتواصل مع الاخرين , بل كانت محبوبة من الجميع واحيانا كانت تتقدمهم في اداء الواجبات الاجتماعية , لكن وفق قناعتها ..
اثناء ذلك شاهدت زوجها متأهب للخروج , ورأته يهمس لابنه المحتفى بتعيينه ببعض الكلمات , أنتهت بتقبيل احدهما للآخر , أسرعت الى الالتحاق بهما قبل ان يتفرقا , واشارت الى ابنها بتركهما لوحدهما , وهمست في أذنه , على نحو أثار في داخله بعض الشكوك من انها تنازلت وهمست له ببضعة كلمات فيها من المودة والعذوبه والرقه , بأن وراء هذا التصرف حدثا تاريخيا او مصيبة , وقدر مع نفسه , ان الموضوع لايتعدى كونها فرحه , وهذا التحول أعاد لها بعض كياستها ورقتها .
جلسا بعد خروج الجميع في باحة الدار التي تتوسطها أرجوحة متهرأة , ترك المطر والحر بصماته عليها , لكن بعض الدثار الذي اكسته اياها جعلها اشبه بسرير نوم صيفي , أستأذنته لحين احضار الحلويات والمبردات , كاد ينهض لمساعدتها , لكنه لم تعطه الفرصه , لانها كانت قد اعدت كل شيئ سلفا وفق تخطيط مثلما توقعه . قدمت له بعض الحلوى التي يحبها وكانت معدة له خصيصا , تناول بعضا منها على عجالة , بحيث لم ينظر اليها ولم يعلم انها تجلس الى جانبه , وهي مسترخية تماما وكل ما فيها يوحي بانها تستدرجه للمغازله , خصوصا وان الدار فرغ الا منهما , وحتى لاتفاجأه , انهمك بالتهام تلك المعجنات , وهو منكب على المائدة الفاخرة التي اعدت قرب الارجوحة والظلام بدأ يخيم على أجواء المكان , الذي هو أشبه بحقل دواجن منه الى حديقة ! , حيث تتناثر فيه عدة شجيرات من الزيتون , وبعض اشجار السدر التي عاصرت حياتهما واصابها الهرم والشخوخة بشكل مبكر , لما تلاقيه من اهمال دائم , على عكس ( قن ) الدجاج الذي يهرع الجميع الى الاهتمام به , كونه يسد لهم معظم ما يحتاجون من البيض واللحم . واحيانا يبيعون الفائض منه , لسد نفقات اخرى .بدأت تتحدث اليه بصوت ناعم , وأقترحت عليه ببعض الافكار حول تعيين ولدهما وتفكيرها بالبحث له عن زوجه , كي تضمن بقائه معهم , خشية ان تلتف عليه احداهن في العمل ! وبعض المقترحات تتعلق بأنتساب أبنتهما الى الجامعه , خصوصا , ان معدلها يوازي سعة الحلم والاماني ... الخ من احلام اليقظه التي اقتربت من ان تصبح حقيقة .. وهمست في اذنه عن وجود بعض المال لديها , أدخرته منذ زمن بعيد , وأقترحت عليه أن يبدأ البحث له عن سيارة صغيرة جميلة , ولابأس ان عمل بها بعد خروجه من العمل , كي تتسع وتكبر مدخولاتهم , لان ابنتهما أن قبلت في كلية كتقدمة , فهي سوف تحتاج الى مصروف كبير , واقساط وأقسام داخلية وملايس تناسب الكلية التي سوف تدرس بها .
كان الزوج واجما , ولم يتفوه بكلمة واحدة , وحاول ان يستل له سيكارة من مخبأه من شدة فرحه وأنفعاله , لكنه تذكر انه وعدها بالاقلاع عن التدخين , لانه يضر بالصحة , أضافة الى انه يحرق معه الكثير من النقود , هم اولى بها من هذه السيكارة اللعينة , هذا ما كانت تقوله له عندما وصلت الامور بينهما الى حد ان تخاصما طيلة اشهر عديده لاصرارها على ان يقلع عن التدخين , وكان في قرارة نفسه مقتنع بان اصرارها لم يكن الا لدوافع ماديه ! لذلك كان يتعمد احيانا اثارة المشاكل كي يتخاصما , لكي يتمكن من التدخين بحريه , كون هذا الامر هو احد ابرز علامات التحدي لارادتها ! . في حين كا يدخن يويما اكثر من علبتين قبل خطوبتهما , وكانت حينما تخرج معه قبل الزواج ملتصقة به , رغم انديافه الكامل برائحة التبغ , ولم تكن تتذمر من شيئ , تذكر ذلك وهو لم يزل ممسكا بأحداهن في جيب قميصه الداخلي , قالت له بنوع من الموده : هل اجلب لك عود ثقاب ؟ , ازداد ارتيابه لهذه المقدمات التي اشعرته بالحيره , ولشدة انفعاله اخرج عود ثقاب واشعل سيكارته , وادخل في جوفه كم هائل من الدخان الممزوج بالرعب , ارتمى بكل جسده الى الخلف فوق الارجوحة التي كانت تتمايل ببطء , واخذ يدفع بقدميه الارض , كي يسرع تأرجحهما معا , قال لها : يبدو انك اليوم في مزاج رائق جدا , قد يكون سبب عظمة المناسبة وتحقق بعض من احلامنا , لكن هناك شيئ ما فيك بعث في داخلي نداء روحي , ممتلئ بأحساس دافئ , أرجعني الى الوراء ( ربع قرن ) كما شاهدتك في ليلة كنا بها حالمين , وغرقنا في احلام اليقظه الى حد اننا غفونا متمازجين روحا وجسدا , مشهدك اليوم وانت بهذه العذوبه والرقه والآلق , الذي أبهر حتى زميلاتك وجيرانك اللائي حضرن للحفل ! , وخشيت عليك من عيونهن , وقهقه بضحتكه المجلجله .. كان يخشى الاسترسال , لئلا تثور كعادتها عندما كان يذكرها بالماضي , التي تصر على نسيانه لسبب يحيره , قالت له بموده : انت رفيق عمري ... ! حينما سمع هذا الكلام , اخرج سيكارة ثانية وثالثه , لم يكن مصدقا ما يسمع ! , واردفت : اليوم قررت ترك الامور لك كلها , لاني اشعر بأنهاك وأعياء , بادرها قائلا : هل هذا مؤشر على الاعتراف بالشيخوخه , ام انها مجرد تواصل الفرحه التي نعيشها , لما تحقق من حلم , ام انه قرار نهائي , رغم اني لااشعر ان هناك فرق بيننا , لانك تحملين , كما اعرف عني الكثير من المسؤؤليات التي لايقدر عليها اعتى رجال الاقتصاد وانبغهم , وقد حققت موازنة مذهله ! ..
تملمت قليلا وهي لم تزل مستندة الى حافة السلم , حين أستسلمت الى أغفاءه لا أراديه .. لكنها كانت منهكة الى حد الاعياء , واخذها النوم , حيث وجدت نفسها محشورة بين قضبان السلم .. تحسست عنقها , طوحت رأسها في الهواء , بشكل اقرب الى الانتفاضه منه الى تلمس عودتها الى حالة اليقظه .. كان الظلام لم يزل يلف المكان , وزوجها قابع في ركنه المعتاد بمواجهة التلفاز الذي ادمن عليه ! وأخذته الاغفاءة وهو ينظر باتجاه التلفاز حينما انقطع التيار الكهربائي , وبين أنتظار عودة التيار بعد أطفاء ( ماكنة توليد الكهرباء ) حفاظا على ما تبقى منها من ( الوقود ) ومراعاة لمشاعر الجيران الذين غالبا ما يهرعون الى فناء الدار تلمسا لنفحات نسيم الليل البارد , التي هي ارحم من لهيب الدار , كذلك الاولاد والبنات , يقبع كل منهم في غرفته , مستسلمين الى سلطان النوم , لفت نظرها وهي بين الحلم واليقظه سطوع يشع من غرفة الضيوف ودخان كثيف يتسرب برائحة غريبة , وقد ملئ الرواق , بحيث انها كانت تشعر بدوار وحرقة في مآقي عينيها , بل شعرت بأختناق شديد ..
أنطلقت مسرعة بأتجاه مصدر الضوء , فوجدت كتلة ملتهبة تتربع فوق احدى الأرائك , ودخان كثيف يغطي سقف الغرفة , عندها أدركت ان ( الجرس ) المثبت هناك , الذي يستخدم عادة للتنبيه عن عودة التيار الطهربائي , لم يكن مطفئ , وقد انصهر بعد ان ضجر من الرنين , ولم ينتبه له أحد ( فأنتحر ) وسقط على الاريكة محترقا , مخلفا تلك الكتلة من اللهب والدخان الذي غطى مساحات الدار كله ! . صرخت بأعلى صوتها , حينما أدركت ان كارثة سوف تحل بهم وهي تعود ادراجها الى الرواق وتزعق باسماء الاولاد والبنات بطريقة أشبه بالنواح منه الى التحذير .. أتجهت فورا الى غرفة الاولاد وبدأت تضرب على أجسادهم بعنف , ثم أتجهت الى غرفة البنات , وبشكل لا أرادي أتجهت الى دولاب في غرفتها وأستلت منه ( كيس ) صغير ثم هرولت مسرعة الى موقع اللهب .. هرع الجميع خلفها بلا ادني قدره على الرؤية , انما كانوا يتبعون صراخها وعويلها . ثم فتحت الباب المؤدي الى حديقة الدار , وأخذت تدفع بالاجساد التي خلفها بعنف ونواح , يتحشرج في نداءات الأستغاثه التي أطلقتها وبعد خروج الجميع , أندفع تيار عنيف من الهواء , أوقد الكتلة الملتهبة الرابضة فوق الاريكة والتحم اللهب مع الدخان , الذي يغطي الدار بأكمله مما أدى الى أنتشار النار بسرعة هائلة بالمنزل كله ..
هرع الجيران وشباب المنطقة , وبعض النسوة والرجال , ولم يستطع احد من السيطرة على الحريق , حتى رجال الاطفاء الذين حضروا الى المكان بسرعة هائلة .. بدأت الشمس تبزغ من مخبئها , وسطعت بنورها على أشلاء متناثرة من قطع بعض الاثاث في باحة الحديقة , هو بقايا ما أستطاع البعض من خطفه من داخل النار , وكلما أرتفع نور الشمس , كلما أتضحت معالم الوجوه الملطخة بالخيبة والاسى والالم . كانت هي قد أخذت موقعا قرب ( قن ) الدجاج ! ترقب المشهد بعيون راجفه , تدور في كل الاتجاهات , غير مصدقه ماحدث . وقد بدت على وجهها الذي شاخ فجأة علامات الذهول . ولم تكن تشعر بكل الذين حولها , حيث كانت تسترجع الحلم الجميل الذي كانت تعيشه ! مع زوجها في تلك الارجوحة . أما زوجها فقد كان واجما , غير مكترث , لكن عينيه كانت متقدة كما هو اللهب , ممسكا بسيكارة ! وهو مستلق فوق الارجوحة الجرداء , ساهم النظر في أعلى اغصان شجرة السدر الهرمة .



#عبد_شاكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتقال الكاتب عبد الكريم نبيل سليمان
- قصه قصيره
- حقوق المرأة الدستورية
- قصة قصيرة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد شاكر - قصه قصيره / أحلام يقظه