أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - امير شفيق حسانين - المحروم














المزيد.....

المحروم


امير شفيق حسانين

الحوار المتمدن-العدد: 5060 - 2016 / 1 / 30 - 00:43
المحور: كتابات ساخرة
    


المحروم !!

بقلم أمير شفيق حسانين
لم يكتب له القدر أن يتلقي قدراً قيماً من التعليم ، أو أن يحصد باعاً كريماً من سنوات الدراسه ، فلذا لم يكتمل حُلم الصبي بأن يلتحق بالجامعة ، ليصبح - كما تمني - موظفاً كبيراً ، وصاحب وجاهة إجتماعية مشرفة مثل أقرانه الذين أكملوا تعليمهم الجامعي ، ولكن ذهبت الأمنيه الناقصه في مهب الريح العاصف بعد أن ترك الفتي تعليمه الثانوي منذ العام الأول ، حتي دفعت به الظروف أن يصبح فلاحاً ، يُشرف علي أملاكه الزراعية الواسعة ، التي ورثها عن والده ، الذي رحل ، وهو في سن الرابعه .كان الصبي هو وحيد أُمه علي تسع من البنات ، معظمهن أخواتُ له من الأب ، وقد تزوج بعضهُنَ ، و تربي - هو - وسط باقي أخواته الأبكار ، في كنف والدته ، التي كانت تخاف عليه ، وتعتبره سندها ، حين تكبُر وتعتريها أوهان الشيخوخة .
ومع رعاية الأم ، جاءت وصاية العم الثري ، علي الصبي القاصر وأخواته ، ليرعاهم ويرعي مالهم وشئونهم ، وقد شاءت الظروف ، أن يتربي الصبي تحت سيطرة عمه ، الذي كان قاسي المعامله ، جاف الطباع ، لا يعرف اللين ، فكان يقسو علي الصبي ، وكان ينهره ، ولا يستخدم في معاملته إلا قليلاً من الرفق ، بل كان يغضب من الصبي أكثر من فرحه به ، عندما إكتشف أن شخصية الصبي العدوانيه تتطبع بالمكر الدفين والكُهن المديد ، والميل إلي حب النفس ، وعدم حب الخير للآخرين !!
تمر الأيام ليصبح الصبي شاباً ، ثم يتحرر من وصايه عمه الحازمه ، وتمر السنوات تِباعاً ، فيتزوج ، وبعدها تتجدد لحظات الحسرة وخيبة الأمل ، وتملئان قلب الفلاح المزارع ، كلما تذكر دوافع تسربه من التعليم ، وضياع أمله ، ثم كانت تتراكم أحزانه وتتوهج ، وتبدو وكأنها نار موقده تكاد تحرق عظام صدره ، عندما يغادر بحور شروده ، عائداً للواقع الأليم ، ليجد نفسه ، مجرد فلاح ، يرتدي الصديري وفوقه الجلباب البلدي ، واضعاً الطاقيه الصوف فوق رأسه ، ممتطياً ظهر حماره ، ساحباً بالبهائم إلي حيث عمله بالحقل . كان الرجل - رغم ثراؤه - يراقب أصحاب الهيئه السوية والمظهر الأنيق ، من زملائه القدامي بالمدرسه ، والذين تخرجوا في الجامعه ، وكم كان يتنهد عندما يراهم يرتدون الملابس الأفرنجي ، والبِدل الكامله ، بعدما تقلدوا المناصب الحيوية، حتي صار منهم المديرون العموم ، ووكلاء الوزارات ، وأيضاً كبار الأطباء والمهندسون ، وكانت تتوسع دائرة الحسره وينفجر بركان الندم في نفس هذا المزارع ، عندما يري الناس تُحيي هؤلاء الوجهاء المتعلمين ، بقدر واسع من الهيبه والإحترام ، وتناديهم بلقب الأستاذ فلان أو حضرة المدير عِلان ، أما هو فلا يقال له إلا يا " حاج فلان " ، لأنه لم يحصل علي أي شهادات عليا ، ونحن في مجتمع صارم العادات ، ولا تقبل أعرافه - أبداً - أن يُنادَي أو يُلقب فلاح بالمجتمع المصري بلقب " أستاذ
" !!!لم يكن يقتنع الرجل - خائب الرجاء - بأن كل إنسان ، له نصيبه القدري ، بإرادة العليم الخبير، ولم يكن ينظر هذا التعيس بعين الإيمان والرضا ، حتي يري أن الله قد عوَضه بالمال الوفير والكثير من الأولاد ، ورزق أبنائه وبناته بالزيجات الصالحه ، ورزقه - هو - بالأحفاد ، وبارك له في صحته ، إلا أنه كان يغمض عينيه عن أغلي النعم الربانيه ، ويشغل البال بمن تعلموا وترقوا وإرتقوا في المناصب ، مع أن معظم هؤلاء الأشخاص ، قد تخطوا سن الستين وتقاعدوا ، وتركوا كافة مناصبهم ، ومنهم من إنشغل بآلام المرض وسعي لمداواته ، ومنهم من رحل عن الدنيا بمتاعها القليل ، ومع ذلك فكان شبح الحرمان من التعليم ، يستخدم قواه الخارقه ليهاجم عقل وفكر الفلاح المسكين في نومه وفي يقظته ، حتي أن الرجل لم يكن يهدأ هوناً ما ، إلا بإشعال السيجاره ومن ورائها الأخري ، لينفخ مع دخانها الأسود ، هموماً صنعها له شيطانه المارد .
كان الرجل ينساق وراء جهله الأعرج ، ويطاوع سوءة نفسه الماكره ، ويستخدم مخالب عناده ، الملطخه بالدهاء ، ويجيد التلون بالكلام الناعم الذي يخالف أفعاله وتعاملاته مع الناس ، حتي ضجَت الناس منه ، وعرفوا بأن في قلبه مرض وشقاء لايُرجي شفاؤهما ، ثم ازدات زلات الرجل عندما أصبح نماماً ينقل الكلام بين الناس ، فكان يجلس مع هؤلاء ، ليعرف أسرارهم ، ثم يجلس مع غيرهم ليعرف أخبارهم ، ثم يهرول بنقل الأسرار والأخبار بين الجماعتين ، ليحدث الوقيعة والعداوة بينهما ، حتي صار الرجل منبوذاً أينما حلَ وكان !!
لم يعتبر الرجل من الشيبه التي طالته ، أو الشعر الأبيض الذي كسي رأسه وغطي شاربه ، أو حتي الانحناء الذي أصاب ظهره ، وبدي ظاهراً أثناء جلوسه في الصلاه ، وقد قارب علي السبعين عاماً ، وصار علي مشارف الآخره . كان الرجل يجلس في شُرفة بيته ليتتبع بالنظرات - المطَعمه بالحقد والغيره - كل وجيهٍ وذي مقامٍ ومنصب ، ولم تكن ترتاح سريرته الشيطانيه ، أو يجد طمأنينه زائفة إلا بملازمة المشتغلين بعيوب ومساوئ الغير، وكنت تجده ومن معه ، وهم يجلسون جماعات ، فوق تل من التراب في الطريق ، وأحياناً تشاهدهم مستلقون علي جنوبهم ، ينظرون للمارين هنا وهناك ، غير معتبرين لحق الطريق ، وما له من حرمات .
كنت تتعجب وتدعوك الدهشه ، للنظر في حال هذا الفلاح الذي يحرص أن يفسح للغرباء في المجالس ، بل كان ينتفض واقفاً إحتراماً لهم ، أما الأقربون له قرابة الدم ، فكان يستهون في معاملاتهم ، ويعدهم في نفسه ، من بين أصحاب الشأن الهين ، والمقام القليل ، فلم يكن يبالي بخصومته إياهم واحداً وراء الآخر ، ولم يكن يستدعي شيئاً من الحياء أو يحفظ بضعاً من المعروف عندما يسئ إلي جيرانه ، ويسعي لضررهم ، إرضاءً لهواجس عقله الذي أوشك أن يفقده .وها هو حضرة الفلاح الثري ، لا يزال يعاني أوجاعاً نفسيه ، ويسترجي ألقاباً ومناصب فانيه ، ظاناً بأنه خسِر كل شيئ طالما لم يتعلم .. ولعله يهتدي ، ويصنع من التقي ثياباً تزينه ، ويهرول بإصلاح ذات البين ، ثم يشغل القلب واللسان بالباقيات الصالحات التي هي خير ثواباً وأملاً في دار المستقر!!
[email protected]






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - امير شفيق حسانين - المحروم