|
((حسين مروّة و منهجية النقد الأدبي ))
عمار عكاش
الحوار المتمدن-العدد: 1374 - 2005 / 11 / 10 - 09:27
المحور:
الادب والفن
لعل أهم ما يميز الناقد الكبير الشهيد حسين مروة في تعامله مع الأدب نقدياً ، هو خروجه من إسار النقد التأثّري استـناداً إلى فكرة مفادها أن مثـل هذا النقد يستند في تعامله مع النص الأدبي إلى معايير فردية تتعلق بالتكوين النفسي للفرد مما يجعله ذاتياً ، و الذاتية في النقد وفقاً للفكر الماركسي مسألة قابلة لأن تجعل النقد يقف خارج إطار الشرط الموضوعي و التاريخي ، فيتجوْهَر و يحلِّق في سماء الميتافيزيقا بعيداً عن الواقعي و العياني ، و من هنا فإن حسين مروّة يعلن صراحةً رفضه النقد السائد في لبنان و الوطن العربي على اعتبار أنه نقد فاقد إلى معايير واضحة تكون أساس التعامل مع النص الأدبي ، و بذلك يؤسس لمسألة النقد المنهجي المستـند إلى معايير واضحة و منجزة ، و هذا ما يبدو من عنوان كتابه الشهير : (( دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي )) . ينطلق حسين مروّة في نقده من مسألة أساسية و هي أن الأدب و إن كان لوناً فنياً ، فهو بشكل ما يبحث عن الحقيقة ، و بطريقة أو بأخرى يقترح حلولاً للخلاص من مجمل المشاكل الاجتماعية ، لذا نجده يركز كثيراً على بيئة الأديب و ظروف الكتابة و مدى ارتباط المضمون بمشاكل المجتمع و روح العصر ، و نجده متقبلاً ذاتية الأديب طالما أنها مهما كانت استطالة أو فرع لما هو اجتماعي و عام ، و إن كان شأنه شأن النقد الماركسي الكلاسيكي يربطها دوماً بالصراع الأساسي بين قوى التقدم الاشتراكية و قوى رأس المال الرجعية بشكل اعتباطي و تلفيقي في كثير من الأحيان . و يقرّ مروّة للشعر و الأدب بوظيفة إعادة صياغة العالم ، و ممارسة فعل الخلق و الإحياء الحضاري و البعث لا سيما في مجتمعات تعاني التأخر و الفوات مثل مجتمعاتـنا ، لكن ما يمكن أن يشكل مأخذاً مهماً على مروّة هي مسألة إهماله للناحية الشكلانية و الألسنية ربما لجهله بها ، أو انطلاقاً من مرجعية إيديولوجية تقول بأسبقية المضمون على الشكل مما يقتضي تحليل الأول و إهمال الثاني ، فكان يكتفي بعبارات عمومية من قبيل (( الشكل حديث مواكب لضرورة تطوير الشكل ... الشكل مناسب للمضمون ..... إلا أن هناك كثيراً من المسائل التي استوعبها على خلاف ماركسيّي عصره ، مثل تعدد ألوان التعبير عن الواقع من خلال الفن حيث يقول : (( بما أن عالمنا لم يصبح بعد اشتراكياً و بما أن الوعي انعكاس للواقع الموضوعي فإن محاولة تعميم مذهب الواقعية الاشتراكية على الجميع أمر غير منطقي )) ، لذلك فهو يقرّ للشاعر باختيار الطريقة التي تـناسبه في التعبير رافضاً نزعة التبسيط باسم شعبية الفن ، و دوره في التوعية . و الأهم من كل ما سبق تأسيس حسين مروّة نقدياً لمسألة المزاوجة بين الشعر و الفلسفة ( كما يبدو من نقده للشاعر الوجودي خليل حاوي ) ، و ضرورة تصدي الأدب للإشكاليات الفلسفية الكبرى ( الموت ، الله ، العدالة ، الوجود ، العدم ، الخير ، الشر .... ) لأن هذه الإشكاليات هي حـقيقةً أهم ما يثير القلق الوجودي لدى الإنسان ، و بالتالي فهي إشكاليات واقعية و ليست ميتاقيزيقية أو تخصصيّة لا تمس عامة الناس ، كما يُقدَّر عالياً لحسين مروة محاولته دوماً رصد الإيجابي و السلبي لدى كل أديب تـناوله ، و بهذا يمكن أن نصف نقده بالنزاهة و الموضوعية ، و ذلك على خلاف ما كان سائداً في زمانه من قبل النُقّاد الذين كانوا يمارسون النقد بالبلدوزر هدماً أو بناءً ، نظراً لارتباط معظم النقاد بتيارات سياسية تولّوا سحب إيديولوجياتها على الأدب ، و طبعاً هذا الانتماء السياسي للناقد أمر مشروع بل و إيجابي كون الأحزاب السياسية أرقى الأشكال المؤسسية المدنية للتعبير عن موقف الإنسان من مجمل القضايا الاجتماعية ، إلا أنه في مجتمع متخلف ما زال يعيش بعقلية القرون الوسطى حيث الوعي الديني يشكل القسم الأكبر من مخزون الوعي الجمعي لدى الإنسان ، تتلوّن أشكال التفكير بين ( ماركسية و علمانية و قومية و إسلامية و حداثيّة ) تختلف فيما بينها لكنها تـشترك باحتكار الحقيقة ، و ترى العالم من خلال فكر مَثْـنوي يتمحور ما بين ( الإيجابي بالمطلق أو السلبي بالمطلق – الخيِّر بالمطلق أو الشرير بالمطلق )، و من هنا فإن حسين مروّة يعد متجاوزاً للوعي التقليدي في نقده و هذه ميزة هامة جداً إذْ أنه من أصعب الأمور التي تجابه المثـقف هي تجاوزه الوعي السائد في مجتمعه ، و تمثله بشكل حقيقي في كتاباته و في نقده التي تشكل الجانب العملي الذي يظهر مدى تشربه للوعي الحَداثي بشكل حقيقي . أخيراً نوجز ما أوردناه من ملاحظات صغيرة عن الشهيد حسين مروة - الذي سيبقى بحق قامةً سامقة في فضاء النقد الأدبي – فيما يلي : 1 – رغم استـناد مروّة إلى مرجعية إيديولوجية تحوّلت في عصره إلى ما يشبه اللاهوت لا سيما في الوطن العربي ، إلا أنه حافظ على موضوعية و رصانة متميزتين في النقد ، و بقدرة متميزة على تقبل كافة أطياف الأدب ، و تيارات النقد ، و وضعها تحت مبضع النقد و التحليل ، و بذلك تحولتْ الإيديولوجية لديه إلى رؤية و موقف من العالم ، و ليس إلى لاهوت يُقوْلِب العالم كما يريد أن يراه . 2 – محاولته مَنْهجة النقد ، و تأكيده على ضرورة صياغة معايير عامة و مفاهيم عامة نقدية ، تساعد النقد في الخروج من العفوية و التأثرية و الذاتية إلى ما يشبه العلم من حيث الحيادية و الموضوعية ، و إن كانت هاتين الصفتين نسبيّـتين جداً فيما يتعلق بالتعامل مع الفنون بكافة ألوانها و أشكالها . 3 – اتسام نقد مروة بتاريخيّة عميقة متميزة بدتْ من خلال ربطه كل مفاصل النص الأدبي بحركة المجتمع و شروطه و ظروفه و روح العصر إضافةً إلى تفهمه المتميز لخصوصية الأديب الذاتية بل و احترامه هذه الخصوصية و دفاعه عنها . أخيراً تحية من القلب إلى حسين مروة الذي سبق عصره و دفع حياته ثمناً لألقه الفكري ، و دعوة إلى أبناء تياره الذين باتوا يحلِّقون في عوالمهم الخاصة بعيداً عن مشاكل مجتمعهم و عصرهم ، إلى تمثّله (( فالصوت إن لم يلق أذناً ضاع في صمت الأفق )) على حد تعبير الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي .
عمار عكاش – حلب [email protected] تعريف بالكاتب : عمار خليل عكاش من مواليد حلب 1981 ، طالب في قسم علم الاجتماع في جامعة حلب ، مهتم بالنقد الأدبي و الاجتماعي ، منتمي فكرياً إلى التيار اليساري .
#عمار_عكاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(( تحية حب إلى مارسيل خليفة ))
-
صورة المرأة في الشعر العربي المعاصر
-
ابن خلدون مؤسساً لعلم التاريخ
-
الماركسية و علم النفس
-
الجذور المادية للشعر و الفنون
-
الماركسية العربية و إشكالية المعرفة
-
تهويمات على نهر الرماد- من خميرة التفسخ و الانحلال تولد نواة
...
المزيد.....
-
إلكترونيــــًا.. موعد تسجيل تنسيق المرحله الثالثه 2024 الشعب
...
-
الجزيرة 360 تطلق برنامجها الساخر -الشبكة-
-
ثبتها الآن.. تردد قناة كراميش للأطفال 2024 على القمر الصناعي
...
-
جيمس كاميرون يشتري حقوق كتاب تشارلز بيليغريمو لتصوير فيلم عن
...
-
كأنها خرجت من أفلام الخيال العلمي.. ألق نظرة على مباني العصر
...
-
شاهد.. مشاركون دوليون يشيدون بالنسخة الثالثة من -أيام الجزير
...
-
وسط حفل موسيقي.. عضوان بفرقة غنائية يتشاجران فجأة على المسرح
...
-
مجددًا.. اعتقال مغني الراب شون كومز في مانهاتن والتهم الجديد
...
-
أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه
...
-
وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا
...
المزيد.....
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
المزيد.....
|