أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هادي فريد التكريتي - أنتم أعلم بأمور دنياكم ..!















المزيد.....

أنتم أعلم بأمور دنياكم ..!


هادي فريد التكريتي

الحوار المتمدن-العدد: 1365 - 2005 / 11 / 1 - 15:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما هاجر النبي محمد من مكة إلى المدينة ، في بداية تأسيس دولته ، رأى أن القوم هناك يقومون بتلقيح نخيلهم ، فأصدر أمره بعدم تلقيح النخيل ، لأن الله يتولى أمرها ، فنادى المنادى بهذا الأمر ، وأمتثل أهل المدينة لهذا الحكم الذي أصدره النبي ، وبعد عدة شهور لاحظ القوم ، وجل عيشهم على ما تحمله النخيل من تمر ، أن النخيل لم تثمر ، وإن نخلهم لهذا الموسم قد " شاص " ، فجاءوا النبي محتجين ، على هذا الحكم الذي أفسد عليهم موسمهم من التمر ، فلم يجد النبي ما يقوله لهم سوى " اذهبوا فأنتم أعلم بأمور دنياكم " .. هذا الموقف يدلل ، دلالة قاطعة ، من أن فتاوى الدين إذا دخلت حياة الناس ، وشؤون معيشتهم وأمورهم الخاصة ، أفسدتها . وتنظيم حياة المجتمع ، في كل مجالاتها ، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، يقتضي أن يتولاها من لهم الخبرة والكفاءة ، وأصحاب الاختصاص عن علم ويقين ، وليس عن طريق الصح والخطأ ، أو تجريب هذا بدل ذاك ، وبالنتيجة يكون المتضررمن الخطأ هو المواطن ، في أمنه وحياته ومعيشته .
تسلمت مقاليد الحكم عندنا منذ عدة شهور ، قاربت السنة ، حكومة يقودها ائتلاف ديني ـ طائفي ، جل وزرائه من دين وطائفة واحدة، إلا أن انتماءاتهم لموزائيك مرجعيات متعددة ، ولاتجاهات مختلفة الرؤى من هذه الطائفة ، وهذا بحد ذاته إشكالية حكم سلبية ، تجلت في مواقف كثيرة ، تناقض في أهدافها ، وأوجدت، حتى صراعا مسلحا داخليا بين مكوناته ، كان الضحية هو المواطن . هذا الوضع جاء نتيجة لعدم انسجام مكونات الحكم فيما بينهم ، وغياب مفهوم المصلحة العامة عن الفهم الطائفي ، عند تشكيل قوام الحكومة ، وعدم الاعتراف بآلية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، لحل المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي ، فوزير الداخلية مهندس ، ومجال اختصاصه الهندسة والتكنولوجيا ، وليس له علاقة بالمرة بحفظ الأمن ومكافحة الجريمة المستشرية في البلد ، ووزير الثقافة شرطي ، كان يمكن أن يكون وزيرا للداخلية مثلا ، فهذا الفساد في شغل المناصب الوزارية ، هو نتيجة صراع على كراسي المسؤولية ، وهو ما فرضته المحاصصة الطائفية والعنصرية ، وشللية الانتماء لهذا الحزب أو تلك الكتلة ، دون أن تراعى فيه مصلحة البلد أو المواطن ، كما لو أن الحكم الحالي ، أراد أن يعود بنا لحكم يشبه حكم البعث ، عندما وضع الثقافة بيد جهلة وأميين ، والدفاع والداخلية بيد عريف أو سائق دراجة ، مع الاحترام لأصحاب هذه المهن . فهذا الارتباك وعدم التجانس في إسناد المهام الرسمية ، هو ما زاد في حالة التردي للوضع الأمني والمعاشي لحياة المواطنين ، بحيث لم تستطع هذه الحكومة ، منذ أن جاءت إلى السلطة ، وحتى اللحظة ، لم تكن قادرة من حل جل المشاكل التي عانى ، ولا زال يعاني ، منها الشعب العراقي ، بل عمقتها ، نتيجة لتجاهلها للأسباب الحقيقة الكامنة وراء هذا الفشل ، وعدم رغبتها البدء في حلول جذرية وجدية وواقعية للمشاكل ، مما أفقد المواطن البسيط ثقته بمثل هذه الحكومة ، فبدلا من الحل الفاعل والمجدي ، تلوذ الحكومة بالمرجعية وتتمترس خلف الدين والطائفية لتغطي قصورها وإخفاقها في تنفيذ برنامجها الوزاري ، دون أي اهتمام بما يجب ، وما ينبغي لها ، أن تقدمه للمواطن الذي تحدى الإرهاب ، من قتل وتفجير ، ليدلي بصوته للمنادين بمظلوميته ، فإذا به كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فبدلا من التأسيس لحكم بديل عادل ، يرفع الاستغلال والظلم والحيف عنه ، وينصفه في حريته دون انتقاص منها ، أو دون تمييز بين رجل وامرأة ، في الحقوق والواجبات ، نجد رجال الحكم والمسؤولين عنه ، من أعضاء في الجمعية الوطنية ، ومن وزراء ورؤساء دوائر ومؤسسات ، يرسٍخون الظلم ويمارسونه عليه ، ويزيدون ، بتجاهل معاناته اليومية ، وعدم تحقيق مطاليبه الحياتية ، بمساهمة هؤلاء المسؤولين في سرقة ثروة البلد والمال العام ، المرصود لتحسين حياة المواطن ، ويتناسون تضحياته عندما صوت لهم وجاء بهم وأجلسهم على سدة القرار ، لتكون قراراتهم تشريعات لقوانين ، تضمن دوام مصالحهم الشخصية ، دون وجه حق شرعي ، بتخصيص رواتب مجزية ، والتمتع بحقوق لا حق لهم فيها ، وما كانوا يحلمون بها ، نتيجة شيوع الفساد والثراء غير المشروع ، والتستر على القائمين به ، وابتلاع أراضٍ وأملاك وعقارات الدولة ، والاستيلاء ليس على قصور أركان النظام السابق فقط ، بل وحتى أملاك المواطنين المصادرة من قبل النظام السابق ، نتيجة للتهجير أو المواقف السياسية ، لتسجل باسمائهم وأسماء زوجاتهم ، فهل من أجل هذا كانت تضحيات الشعب العراقي .؟ وهل سيشارك المواطن العادي ، بتكرار الخطأ الذي ارتكبه في التصويت ، لمثل هذه القوى الطائفية ، التي لم تحقق له استقرارا وأمنا في حياته ؟
تجربة هذه الحقبة من الحكم الطائفي ـ العنصري المتعدد الولاءات كانت مرة وقاسية ، على عموم الشعب ، وشكلت خيبة أمل لمرجعية السيد آية الله علي السيستاني ، كما بقية المرجعيات الأخرى ،التي آزرت ودعمت قوى الائتلاف الطائفي في الانتخابات السابقة ، مما أفرز موقفا جريئا وجديدا للمرجعيات ، وخصوصا مرجعية آية الله السيستاني ، حسبما تناقلته وسائل الإعلام ، بعدم منحه الثقة والتأييد لأي من القوائم الطائفية المتنافسه مع القوى الأخرى ، وتوجيه مكاتب وخطباء الجمعة لممثلياته في المحافظات بالتزام موقف الحياد بين الكتل المتنافسة ، وعدم تكرار الخطأ الذي ألقى بظلاله على مصداقية حياد المرجعية ، وكونها لجميع المواطنين ، وعدم السماح بحصوله مرة أخرى . إن هذا الموقف يشكل نقلة نوعية لمرجعية السيد علي السيستاني ، إن تحققت صحته ، والتزمت به المرجعية حتى النهاية ، بوقوفها على الحياد دون دعم أو انحياز لأية جهة كانت من أحزاب الإسلام الطائفي ـ السياسي ، والإيمان بحق المواطن وحريته في أن يختار الجهة التي تمثله وفق البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعتقد فيه تحقيق أمنه وحريته والعيش بأمن وسلام ، بعيدا عن تدخل الدين أو المذهب أو الطائفة ، وما كان لهذا الموقف أن يرى النور ، لو لم يكن السيد آية الله السيستاني ، قد رأى وسمع وتلمس الاعتداءات الظالمة ، والقهر الذي وقع على المواطنين ، في منا طق ومدن كثيرة من العراق ، وخصوصا في المناطق التي تتميز بحكم وأغلبية قائمة الائتلاف التي دعمها وباركها السيد السيستاني ، فيما مضى ، فالقتل والتهديد به ، وتهجير المواطنين ، والاستيلاء على ممتلكاتهم ، مسلمين ومسيحيين وصابئة ، إضافة لطوائف أخرى ، والاعتداء على الحريات الشخصية للمواطنين ، فيما يتعلق بالمظهر الخارجي من ملبس وحلاقة شعر ، وغلق صالونات التجميل والحلاقة النسائية ، وفرض الحجاب بالقوة على المرأة المسلمة وغير المسلمة ، وانتهاكات أخرى كثيرة ، كالاعتقال والسطو والسرقة والتهريب وترويج المخدرات بين الناشئة ، كل هذا قامت به ، ميليشيات الأحزاب الطائفية ، تحت علم وتوجيه مسؤولي الحكومة التي باركتها المرجعيات ، سابقا . هذه الجرائم قد تحققت ، بفضل سياسة الحكومة الطائفية ، المؤيدة لإطلاق يد المليشيات في تنفيذ مخطط طائفي لصالح قوى محلية وأجنبية ، مما أبعدها عن تحقيق مطالب المواطن اليومية ، وعدم معالجتها لهمومه التي يشكو منها ، مما انعكس سلبا ليس فقط على مرجعية آية الله السيستاني ، بل على كل المرجعيات المذهبية ، وحقيقة دعاوى التزامها ، الحق، ،جانب المواطنين . الموقف الجديد للمرجعية قد ثمنته ، الكثير من القوى السياسية العراقية ، الوطنية والديموقراطية، وتأمل ، هذه القوى ، أن يعمق آية الله السيد علي السيستاني وبقية المراجع ، مواقفهم هذه بفتوى صريحة وواضحة تلتزم بها مكاتب المرجعيات ، والوكلاء ومقلدوهم في سائر المحافظات ، تبعد الدين ، ونبل أهدافه وقيمه الروحية ، عن المناورات السياسية وأساليبها المناقضة لمفاهيم القداسة وقيم التسامح والتآخي ، التي تدعو لها مبادئ الدين بين المواطنين ، والنأي عنها بمن يشينها ويسئ إليها عملا بالحديث النبوى " أنتم أعلم بأمور دنياكم "، وبدون هذا تبقى الشكوك تساور المخلصين والوطنيين ،من عدم جدية المرجعيات في معالجة فساد و تردي الأوضاع التي تمارس باسمها ، لن يكون الخاسر فيها .،فقط .جماهير الغالبية العظمى من الشعب العراقي ، بل المرجعيات نفسها ستفقد سمعتها ، وتأثيرها الروحي على مقلديها، وعموم المواطنين .



#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ..! المليشيات وتدهور الوضع الأمني
- العراق ..وجامعة الدول العربية ..وعمرو موسى..!
- الديموقراطيون الجدد..!
- ديموقراطية الاحتلال..!
- لا..لمسودة الدستور الطائفي ..!
- الحكم لازال بيد مريكا ..أيها السادة !!
- هل من علاقة بين التصعيد في البصرة والتحالفات الجديدة ..؟!
- تخبط ومحاولة تقسيم ..!
- متى يتم الافراج عن الدستور ..؟!
- من يتحمل مسؤولية جسر الأئمة ...!؟
- عثمان علي ..!
- الجعفري وعقدة الحزب الشيوعي ..!
- وعلى الجرفين عظمان ..!
- استلمنا مسودة الدستور ..لكن ..!
- المفوضية العليا للانتخابات..!
- المأزق.!
- الدستور العراقي ..وطني ام طائفي ؟القسم الرابع والأخير
- الدستور الجديد.طائفي أم وطني؟! القسم الثالث
- الدستور العراقي..وطني ام طائفي /القسم الثاني
- الدستور العراقي ..وطني أم طائفي ؟! القسم الأول


المزيد.....




- اعتقال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن
- الاحتلال يواصل إغلاق المسجد الأقصى ويعتقل 4 من حراسه
- صحفي يهودي: مشروع -إسرائيل الكبرى- هدفه محو الشرق الأوسط
- toyour el-janah kides tv .. تردد قناة طيور الجنة على القمر ا ...
- سوريا: تنظيم -داعش- الإرهابي يقف وراء تفجير الكنيسة بدمشق
- البابا ليو: يجب عدم التساهل مع أي انتهاك في الكنيسة
- حماس: إغلاق المسجد الأقصى تصعيد خطير وانتهاك صارخ للوضع التا ...
- سلي أطفالك في الحر.. طريقة تحديث تردد قناة طيور الجنة 2025 T ...
- صحفي يهودي: مشروع -إسرائيل الكبرى- هدفه محو الشرق الأوسط
- نبوءة حزقيال وحرب إيران وتمهيد الخلاص المسيحاني لإسرائيل


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هادي فريد التكريتي - أنتم أعلم بأمور دنياكم ..!