أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسن عماشا - بصدد المسألة التنظيمية















المزيد.....


بصدد المسألة التنظيمية


حسن عماشا

الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 10:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بصدد المسألة التنظيمية
ماذا نملك وما يواجهنا فيه؟
================
- نحن لا ننطلق من فراغ ولا نسقط رغباتنا على واقع غرباء عنه وفيه. نحن جزء من تيار له جذوره الفكرية- السياسية والنضالية، يمتد عميقا في تاريخ شعبنا وله اثره العريض في وسط الجماهير. وشكل عبر تاريخه الطويل نموذجا متقدما في كفاح شعبنا التواق الى التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي. ودفع ولا زال اثمان باهضة لتحقيق الوحدة والحرية والحياة الكريمة، وتكاد لا تخلو قرية او حي او مصنع ومؤسسة من عناصر هذا التيار، التي تمتاز بخبرات- متفاوتة- في مجالات النضال كافة اقلها يمثل الحدّ الادنى الذي يؤهلها للارتقاء والتطور بحيث تستطيع وفي زمن قياسي احداث قفزة نوعية في مسار تطور الحركة السياسية اللبنانية.
والواقع: ان عناصر هذا التيار تعيش (اليوم) في حالة تشتت. منها من هو محبط ويشعر بالعجز، ومنها من يتخبط بالبحث عن مخارج ل" ازمة العمل الشيوعي". ومنها من انخرط في اطر نضالية وتنظيمية شعبوية اونخبوية مفضلا عدم التقوقع والانتظار. ومنها من افلسوا وانكشفت خياراتهم الحقيقية؛ وهؤلاء اقل شأنا من ان نقف عندهم.
ان عناصر هذا التيار بغالبيتها العظمى تنشّد وتستقطب فور تبلور الخط الشيوعي الثوري ولو باسسه العامة. وهي بدورها سوف تساهم في ارساء وتعميق هذا الخط ونشره في طول البلاد وعرضها. ومن خلال مواقع وادوار هذه العناصر الفعلية في الحياة السياسية. بغض النظر عن الاطار الذي يغطي حركتها وتبرز من خلاله.
مم لا شك فيه ان الواقع الموضوعي وفي قلب الحركة السياسية، يختزن في عناصر هذا التيار طليعة واعية وفاعلة ينقصها فقط التواصل فيما بينها بغية تكوين لغة ورؤية مشتركتين لطبيعة المرحلة واولوياتها، كمقدمة للخطوط العامة الاستراتيجية على اسس علمية. والشروع في مهمة بناء "المنظمة الشيوعية الكفاحية" عبر ايلاء عملية الانصهار الداخلي جهدا مركزا ومبرمجا وتذليل كافة العقبات التي تحول دون الوحدة المبدئية الفكرية- النضالية- السياسية والتنظيمية. بكل ما يتطلبه ذلك من مرونة وعلمية في ضوء الخصائص والامكانات الذاتية. وفي هذا السياق لابد من التنبه من الوقوع بالنزعة النخبوية الانعزالية التي لا ترى في الواقع سوى ذاتها وتتعامى عن وجود عناصر تنتمي الى تيارات فكرية- ايديولوجية مختلفة تتمتع بمواصفات كفاحية عالية.
والخطوة التالية هي النضال لتحويل نواة المنظمة الكفاحية من منظمة هواة ثوريين الى منظمة محترفين ثوريين. تنبثق من خلال"الانتخاب الطبيعي" (1) للعملية الثورية على اسس النضال الفكري- السياسي- التنظيمي والجماهيري. القادرين فعليا على تشكيل مركز حقيقي لاجل تطوير وقيادة النضال الطبقي-الوطني.

والمسافة بين منظمة الهواة ومنظمة المحترفين لا يردمها سوى النضال على مختلف الصعد، حيث يصبح للاحتراف معنى ودور وظيفي حزبي، وشرف لا يضطلع به سوى المناضلون القادرون والناذرون انفسهم كليا لقضية ومهام النضال الشيوعي. وعلى اساس موضوعي علمي بعيدا عن الاعتبارات الشخصية المعنوية. والاعتبارات الافتراضية التقديرية للمستقبل.
فنحن لسنا بصدد انشاء منظمة بطالة مقنعة، اومنظمة "خيرية " اجتماعية بغية التعويض عن عجز وقصور لحق بمناضلين سابقين. وانما نحن بصدد انشاء جهاز ثوري لتطوير وقيادة النضال الطبقي- الوطني. سيما وان الاحتراف السياسي بحسب موروث التجربة للحركة السياسية في لبنان والوطن العربي- خصوصا على مستوى الحركة الفلسطينية- اتخذ في معظم الحالات، سمة البطالة السياسية والبيروقراطية.وفضلا عن
---------------------------------------
(1) ملاحظة: " الانتخاب الطبيعي" ، هو ما تبرزه العملية الثورية بشكل موضوعي . أي ما يتجلى في الفعالية والدور للمحترف وليس الانتخاب التقليدي القائم على تعداد اصوات الناخبين. منعا للالتباس اقتض التنويه.

هامشية التاثير السياسي في حينه. انتج شريحة من السماسرة واثرياء الحرب المتسكعين اليوم على ابواب الطبقة الحاكمة.
ونحن من جانبنا سنلمس في حال وصولنا وتمكننا من انشاء مثل هذه المنظمة من المحترفين الثوريين بالاعتماد اساسا على امكاناتنا الذاتية المترابطة مع ضرورة التفريق بين وعي الضرورة والمهام الثورية لدى المنظمة الشيوعية الكفاحية، وبين ان تكون هي العنصر او القوة الحاسمة القادرة على تجسيدها وليست مجرد قوة مؤثرة فيها الى هذا الحد اوذاك.
وهنا في الواقع يبرز دور الوعي الثوري التاريخي المنهجي في مقابل الوعي الميكانيكي العقلاني الساذج او الرومانسي"الثوري". والوعي الذي يقف "مراهنا " على دعم القوى السياسية الحليفة الاخرى سواء من داخل الحركة السياسية اللبنانية او خارجها. او المتوهم ان الصراع مع العدو الطبقي- الوطني يحكم من خلال قواعد "عقلانية منطقية " مكتفيا هو نفسه بالارشاد والوعظ والانتظار..
والوعي الحزبي المكافح الذي يدرك ان عملية التغييرالثوري تسير في خط متعرج وهي تتطلب ممارسة نضالية عالية وروح بروليتارية طويلة ا لنفس ومبادرة وخلاقة دائما.

ان بناء المنظمة الشيوعية الكفاحية مرتبط جدليا بمدى القدرة على القيام بانجاز المهام الثورية الراهنة وبالكفاح ضد أية "نزعة للتنصل" والنفس الانهزامي "اليساري" وضد المثالية الرومانسية التي تريد من منظمة الشيوعيين ان تكون ومنذ اللحظة الاولى، اداة سحرية تغير كل شيىء دفعة واحدة.
كما اننا سنتلمس ايضا جملة اخرى من المفاهيم حول قضية الحزب سواء لناحية الموضوع او لناحية الاداة. يفترض بنا مقاومتها وعدم التعايش معها باعتبارها الغام موقوتة مهما كانت الاعتبارات التكتيكية ("الحزب يقوى بتطهير نفسه") والا سنسهم من حيث ندري او لا ندري في اعادة انتاج "الازمة" التي نسعى للخروج منها الان. فنتحمل بذلك مسؤولية مضاعفة عن الذين انتجوا "الازمة الراهنة ".


أبرز المفاهيم " اليسارية " الرائجة: موضوع الحزب.

"الحزب البديل"

يقوم هذا المفهوم على اعتبار الحزب بديلا عن كل ماهو موجود في الواقع الاجتماعي، ليس على مستوى التنظيمات والمؤسسات الاهلية وحسب. بل بديلا عن كافة الطبقات والتشكيلات الاجتماعية القائمة. ويطرح تصورات مثالية مقتبسة عن نماذج بعيدة عن الواقع الموضوعي متهما كل من يخالفه في تصوراته بالتخلف. وفي الوقت الذي لا يطرح فيه اية قضية ملموسة، يتهم كل طليعة تواجه قضية معينة باعتبارها اداة تقوم بتضليل والهاء الناس عن القضايا الاساسية؟ في حين ان اصحاب هذا المفهوم لا يقومون باي عمل من شانه ان يدلل على وجود "القضايا الاساسية" من وجهة نظرهم ويراهنون على اية ظاهرة عابرة باعتبارها حدثا نوعيا سوف يقلب الامور راسا على عقب.
اننا لا نجد عند اصحاب هذا المفهوم اية مادة ملموسة تجاه اية قضية وعلى أي مستوى من المستويات وهم يتبجحون بمعرفة كل شيىء. هذا فضلا عن اننا نجد قفزا في المواقف الفكرية والسياسية وانقلابا من موقع الى آخر، دون ان يكلفوا انفسهم عناء تبرير او تفسير مواقفهم السابقة وتصوراتهم التي ثبت بطلانها، وعند مطالبتهم بتبيان " بديلهم العتيد " او مقدماته يردون بتبجحهم المعهود انتظروا وسترون!!.
ان هذا المفهوم هو تعبير عن نهج او مجموعة مناهج فكرية تحكم منطق وعمل البرجوازية الصغيرة. وهو ان كان في ظاهره يبدو يساريا الا انه في حقيقته يميني انتهازي.
للنجاح في مقاومة هذا المفهوم والانتصار عليه لابد من ان تخاض المعركة معه بعيدا عن خلوات الذهن التجريدية بنقلها الى مسرح الواقع الموضوعي حيث الناس هم ابطال المعركة وادواتها. وهم المرآة التي تعكس قضاياهم الحقيقية.
وتبعا لكل مسالة محددة وحجمها واثرها في حياة الناس تتحرك في مواجهتها وذلك لا يمكن ان يتم عبر اسقاطات فوقية للقضايا بل عبراستكشاف حاجات الناس الملحة ومن ثم تبنيها والنضال لتحقيقها، وهكذا يتجلى الوعي العلمي الثوري وابداعه. مهما بدت هذه الحاجات تفاصيل يبقى ان كل قضية كبيرة هي بتجسدها الحقيقي مجموعة تفاصيل. اما القضايا التي تتجاوز المسائل المباشرة لعموم الناس، عادة تضطلع بها طليعة واعية وتتصدى لها انطلاقا من ادراكها بوعي الترابط بين البسيط والمركب للقضايا.
النزعة " اليسارية " الانهزامية الانتظارية:

هذه النزعة استشرت بشكل رئيسي بعد انهيارالاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي. لاسيما في الاجنحة الاكثر تاثرا بالماركسية والاكثر ارتباطا بالاتحاد السوفياتي السابق.
وخلاصة هذه النزعة:"ان المرحلة ليست مرحلتنا. على مختلف الصعد ولاجدوى من أي عمل حزبي او نضالي ما دام لا يتوفر له سند يحفظ الاستقلال والحرية"؟!!. ويذهب بعض اصحاب هذه النزعة الى ابعد من ذلك بحيث انهم يعتبرون انه لم تعد هناك قضية؟!!. ويرون في كل صراع دائر في أي بقعة من العالم انه مجرد لعب بين ادوات يحركها مرجع واحد على المستوى العالمي وان كل المتصارعين يلعبون ادوار مرسومة سلفا. ووحدهم اصحاب هذه النزعة يعتقدون ان التاريخ توقف عندهم.
وهناك من يرى ان:"أي فعل وطني تحرري لا يقوم الا اذا كان ضمن اطارعمل قومي وعالمي كبير" (2). وتوحي هذه النزعة العاجزة نظريا بان هناك وضوح لكل شيىء الا انه وضوح باطني وان هناك نضال كامن لم يحن اوانه بعد ولا بد من استكمال شروطه الموضوعية والذاتية والعمل بشكل صحيح ومضمون؟!!. وفي هذا الوقت نجد اصحاب هذه النزعة- معظمهم على الاقل- ينزلقون شيئا فشيئا الى مواقع الفكر الاستعماري وتبني مفاهيمه ويزدادون غربة عن جماهير امتهم وقضاياها، مراهنون على تناقضات الدول الاستعمارية مفترضين ان هذه التناقضات تؤدي الى تحولات في صالح الشعوب المضطهدة . كما يرون ان العالم استقر على خارطته السياسية بكياناته القائمة الى الابد. وانه لا يمكن لأي كيان ان يحقق اماله الا من خلال الدور الذي يحدد له من قبل "المركز في هذا العالم الجديد" باعتبار ان العالم بات يقوم على اساس قيم انسانية وقواعد "ديموقراطية" وقانون دولي يحقق العدالة بين الامم!!! وما علينا نحن الشعوب المتخلفة الا ان نرتقي لقيم "العولمة" ونبذ كل الحركات الاصولية القومية والدينية في مجتمعاتنا؟!!!.
ان هذه النزعة من حيث تدري او لا تدري- لافرق- لا تسقط علم التاريخ ولا تتعامىعن وقائع الصراعات في العالم ولا تساهم في تعطيل قوى يفترض بها ان تلعب دورا مهما في سبيل تحرر شعبها فحسب بل انها تضع نفسها في خدمة المستعمر وتنفذ مخططاته الهادفةالى تأبيد سيطرته على مقدرات الشعوب والابقاء عليها مجرد اسواق لاستهلاك فضلات منتوجاته.
ان مثل هذه النزعة اليسارية المظهر والتي تلجأ بفعل العجز الفكري- السياسي وانعدام الروح الكفاحية، الى التشكيك بكل فعل كفاحي وتعيش مستعبدة لحاجاتها الاستهلاكية الطفيلية في ظل حالة من الافلاس والاحباط والانعزال والتقوقع. وهي ترى في كل حركة شعبية مجرد عبث غوغائي والنخبوية اداة مخابراتية لا تخدم مصالح الشعب الحقيقية. في حين ان الجماهير وطليعتها الثورية لا تنتظر احدا وتستظل تحت مظلة اية قوة ايديولوجية تتحرك في مواجهة قضاياها.
وهذه النزعة يجب ضرب أسسها المنهجية بتبيان خطرها في اختراق ساحات النضال الطبقي- الوطني بالنظر الى صلاتها وتاريخيها في قلب الحركة الشعبية ومؤسساتها الاجتماعيةعبركشف سقوطها الكفاحي وانحرافاتها الفكرية عن المفاهيم الاساسية للماركسية سواء فيما يتعلق منها بنظرية الحزب اومسائل الانتقال من تنظيم جبهوي الى حزب انتقالا ارادويا لمجرد "تبني" اوطرح بعض الافكار او الشعارات المتقدمة. وهذا الامر يؤدي الى خلط شديد وفقدان الوجهة الصحيحة وغالبا ما يحدث ويولّد هذا المنطق الروح الانشقاقية البرجوازية الصغيرة. بكل ما يحمله من استهتار وخفة وذلك ناجم عن العجز وعدم الجدية العلمية في التعامل مع مسالة خطيرة وحاسمة مثل قضية بناء الحزب.
ان طرح المسائل والمهام الشائكة من دون تعيين اسس ووسائل حلها يولد الكثير من الارباكات والتفتت فالعمل الثوري ليس نوايا طيبة بل جهود فكرية وسياسية وتنظيمية شاقة.
اما فكرة تحويل تيار اوجبهة الى حزب، فلا نقول انها غير ممكنة او مستحيلة بل نسأل عن شروطها العلمية على مختلف الصعد وليس عن الرغبة وحدها في هذا المجال. فلا يقوم عمل شيوعي (وطني ديموقراطي- اشتراكي منسجم) على النوايا والميول الثورية بل عن طريق تحويل هذه النوايا والميول الى انجازات ملموسة وعلى الصعد الفكرية- النضالية- التنظيمية.
---------------------------------------
(2 ) راجع مؤتمر"القوى الثورية العربية" في طرابلس الغرب عام 1984 . وبشكل خاص وثائق وكلمات الوفود اللبنانية والفلسطينية المشاركة.



النزعة الدوجماتيكية "اليسارية":

ان اصحاب هذه النزعة لا يستطيعون ان يفهموا الماركسية الا كافكار عامة وشعارات عامة. ويتعاملون معها كمنظومة ايديولوجية اخلاقية. وهي مزيج من "الطفولية اليسارية " وروح الوعظ الديني. وذلك بسبب منهجية "التثقيف المدرسي" الانتقائي التي تعتمد موضوعات عامة من الماركسية مجتزئة ومنفصلة عن سياقها التاريخي. فيؤدي ذلك الى انتاج وعي شكلي، لفظي، بعيد عن روح وجوهر الماركسية. ويصبح حاملي هذا الوعي اقرب الى الشيوخ والكهنة منهم الى المثقفين الثوريين وبدل ان تكون عدتهم هي"الجهود العلمية الايجابية عن الواقع الموضوعي وما يدور فيه" وفي الظرف التاريخي المحدد ومسائل الصراع الفعلية. تمسي عدتهم النصوص الجامدة يمارسون بواسطتها "الارهاب الفكري" في وجه محاوريهم وتتسع الهوة بينهم وبين اقرانهم الذين يمارسون النشاط العملي. وهم لا يستطيعون اقناع أي مناضل له خبرة عملية سياسية واجتماعية اولية بافكارهم وارائهم.
وبدل ان ينظروا هؤولاء في قصورهم يتهمون الاخرين بالتخلف ويستغربون كيف تنساق الجماهير خلف عناصر لا تملك من الوعي والثقافة ما يملكون(...!) وبدل الاعتراف بقصورهم ورومانسيتهم النخبوية الانعزالية يتهمون مجتمعاتنا بالتخلف ويعدون انفسهم بيوم تاتي فيه الجماهير اليهم نادمة على ابتعادها عنهم!! كما يتجاهلون ان "المثقف الثوري" هو العامل العام في حقلي السياسة والاجتماع الذي يعتمد العلم والتخطيط العلمي مستندا الى ثقافته ومنطلقا من خصائص مجتمعه وقضاياه التاريخية المحددة. بدل التجريبية العفوية. والجماهير تفضل دوما ان تنساق خلف العامل في الحقل العام والذي يتعلم من التجربة ولا تركن لمن لا تفهم لغته.
ان الرومانسيين الثوريين البرجوازيين الصغار لا يمكنهم ان يفهموا ويتعاملوا مع الماركسية والواقع بصورة تاريخية وحسية حية، انهم دائما يتعاملون مع افكارهم الذاتية ( المنتقاة من النصوص الماركسية ونواياهم الثورية) فلا يمكن ان يدركوا مطلقا علم التقدم والتراجع في الثورة في ضوء المعطيلت والشروط السياسية الموضوعية وهم يصورون أي تراجع ثوري بانه يعود الى هذا العامل او ذاك، فلذلك هم "يراهنون" دوما – باصالة المنطق البرجوازي الصغير المراهن – على استعادة المد الثوري بالقيام بهذا العمل او ذاك وباسرع وقت ممكن. وهم غالبا ما يلجاون الى المواقف الدوجماتيكية الانعزالية والى تخوين القوى الحليفة لانها لم تتمكن من انجاز المهام السياسية التي نظّروا هم بدل عنها في رسمها في المرحلة السابقة. فيعملون في ظل ظروف التراجع الى اشاعة روح الياس والقنوط و"الندب الثوري" والتشكيك بالحد الادنى من وطنية القوى الشعبية محملينها كل وزر الهزائم التي مني بها النضال الوطني.
وبصدد الفهم والتعامل مع مسالة بناء الحزب يردد أصحاب هذه النزعة الدوجماتيكية "اليسارية" قول لينين:"ان الحزب ينموا في مواجهة مهامه" وان " الاعلان" عن الحزب مسالة حاسمة (من دون العمل بالطبع علىاستكمال شروطه النظرية والسياسية والتنظيمية والنضالية) و"ملحة" لا تقبل التاجيل وان العدة المطلوبة "بيان" او حتى جريدة دورية- وبعد ذلك ياتي كل شيىء . فينموا الحزب ويكبر دوره.- تشبها بالطرح اللينيني لمفهوم ودور الجريدة الحزبية. حقا ان الحزب ينموا في مواجهة مهامه كما يقول لينين في"ما العمل؟" الا ان الحزب يجب ان يكون حزبا شيوعيا قولا وفعلا، وليس مجرد شلة او مجموعة من المناضليين ذوالاماني الطيبة"اليسارية" تدعي لنفسها صفة الحزب من دون ان توفر اسس استلراتيجية ومواقف سياسية علمية ثورية وخطط ومشاريع تنمو وتتعمق باستمرار ثم ان الحزب ينبغي لكي ينموا ويتطور ان يعرف مهامه جيدا على مختلف الصعد فما جدوى الحديث عن كون نمو الحزب مرتبط بمواجهة مهامه اذا كانت هذه المهام غير واضحة ومغامرة وعفويةعلى الصعيدين الاستراتيجي والتكتيكي.
ودور الجريدة الثوري الدعاوي والتحريضي يرتبط ايضا بمدى صحة الخط السياسي العام والمواقف السياسية. وينتفي هذا الدور المطلوب اذا كانت مضامينه خاوية.
ولا ينظر اصحاب هذه النزعة الى بناء الحزب باعتبارها عملية لا يمكن ان تتم بشكل مجرد عن الظروف الموضوعية والذاتية المحددة وبالاستناد الى اسس علمية ثورية.
بقي ان نشير الى مسالة في غاية الاهمية كي لا يساء فهمنا. الى ان بعض "المثقفين" غير الشيوعيين(رغم لفظيتهم الماركسية) يتذرعون لكي يستروا عجزهم العلمي وتذبذبهم الطبقي وانخفاض كفاحيتهم بحجج اصولية "علمية" زائفة ذات طابع مدرسي ميكانيكي شكلي. اذ يشددون انه ينبغي قبل الشروع باي عمل حزبي ونضالي دراسة "كل" او الكثير من الاوضاع والقضايا، وبعد ذلك يجري العمل على اسس راسخة وهم ينسون بالطبع ان القضايا التي ينبغي دراستها مسبقا هي غالبا ما تكون عرضة للتغيرات والتعديلات الاقتصادية- الاجتماعية- السياسية والايديولوجية. بفعل تطور الصراع الطبقي- الوطني نفسه. فليس شرطا ان يظل ماكان يعتبر اساسيا وله الاولوية في مرحلة او لحظة معينة يحتل نفس الوزن في مرحلة او لحظة لاحقة- قد نفرد لهذه النزعة بحث خاص فيما لو واجهتنا في صيرورة عملنا- بحسب حجم تاثيرها-. اما الان نكتفي بهذه الاشارة منعا للالتباس والمهم ان اصحاب هذه النزعة السكونية التاملية يغفلون في النتيجة ان النظرة العلمية الماركسية لا تنفصل عن مهام الصراع الطبقي- الوطني ومتطلبات العمل الحزبي بل هي موجهة له اصلا.

خاتمة:
فلنستوعب بيقظة عالية نهج واسلوب المبادرة في الاتجاه الصحيح وانطلاقا من اسس استراتيجية قائمة بالفعل في مواجهة كافة الميول والانحرافات الانتهازية "اليسارية" واليمينية على حد سواء. لندرك جيدا ان المهم في أي عمل تاريخي وسياسي جدي هو معرفة وتحديد الخطوات الاولى في الاتجاه الصحيح. ان المسؤولية كبيرة جدا والمهام جسيمة، ويتطلب انجازها الجمع الخلاق بين الوعي العلمي و الروح الكفاحية المبادرة.
وينبغي ان تحتل المهام النظرية والسياسية اهتماما مميزا في نشاطنا لانه يتوقف على حلها مدى تقدم العمل في سبيل انشاء الحزب. الذي هو في نهاية المطاف الاداة الثورية التي نسعى بواسطتها للارتقاء في مواجهة تحديات شعبنا وامتنا.
وتخلفنا عن مواكبة طليعة شعبنا وامتنا في مسيرة النضال لمواجهة التحديات الوطنية والطبقية يسقطنا من الحساب أي كانت طبيعة الطليعة الثورية الايديولوجية والسياسية.

حسـن عماشـا
بيروت في كانون الأول 1995



#حسن_عماشا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب ام حركة؟..اشكالية، الاطارالناظم
- نداء الى الشيوعيين اللبنانيين
- الموت في التيه...¨سقط جورج حاوي شهيدا..
- أزمة اليسار العربي: اللبناني نموذجاً وضرورة ولادة جديدة


المزيد.....




- الصحة في غزة ترفع عدد القتلى بالقطاع منذ 7 أكتوبر.. إليكم كم ...
- آخر تحديث بالصور.. وضع دبي وإمارات مجاورة بعد الفيضانات
- قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة ...
- بوريل من اجتماع مجموعة السبع: نحن على حافة حرب إقليمية في ال ...
- الجيش السوداني يرد على أنباء عن احتجاز مصر سفينة متجهة إلى ا ...
- زاخاروفا تتهم الدول الغربية بممارسة الابتزاز النووي
- برلين ترفض مشاركة السفارة الروسية في إحياء ذكرى تحرير سجناء ...
- الخارجية الروسية تعلق على -السيادة الفرنسية- بعد نقل باريس ح ...
- فيديو لمصرفي مصري ينقذ عائلة إماراتية من الغرق والبنك يكرمه ...
- راجمات Uragan الروسية المعدّلة تظهر خلال العملية العسكرية ال ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسن عماشا - بصدد المسألة التنظيمية