أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( ق2 ف3 ) أخطاء خلدونية منهجية















المزيد.....

( ق2 ف3 ) أخطاء خلدونية منهجية


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 4939 - 2015 / 9 / 28 - 08:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية
القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون
الفصل الثالث : اجتهادات إبن خلدون لعصره وعصرنا

أخطاء خلدونية منهجية

فيما عدا التصوف السنى والثيوقراطية ، فإن عقل إبن خلدون إجتهد في علم العمران أوالإجتماع ، يضع القواعد والقوانين مستلهما أحداث التاريخ وتطور الحركة التاريخية ، ويربط بين الإنسان والمكان ، بين الجغرافيا والتاريخ ، وأحيانا يضيف لهذا الربط العنصر الثالث وهو الزمان ، وفي كل الأحوال فإن إجتهاده في علم العمران قد خرج به على مستوى العصر المملوكي بكل تأكيد ، بل أحيانا يقترب من نوابغ الحضارة ( العربية الإسلامية ) الذين كانوا إستثناء من قاعدة المنهج العقلي الأرسطي ، مثل البيروني والخليل بن أحمد والرازى الطبيب .
بين العقل الخلدونى والعقل ( الخليلى ) : الخليل بن أحمد الفراهيدى
1 ــ بل أنه في إختراعه لعلم جديد يجعله أكثر إقترابا من العبقرية العربية الفريدة الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي إخترع علم العروض ووضع أسس علم اللغة ( الصرف ) وقواعد النحو وبدايات علم الأصوات، ولم يأت بعده من يتطاول إلى قامته في تنوع المواهب والإختراعات مع عزة النفس والتواضع والإبتعاد عن صحبة الأمراء والأغنياء مكتفيا بالفقر والتفرغ للعلم ، وكان عصره لم يعرف بعدُ تأسس الديانات الأرضية وتسلطها من سنّة وتشيع وتصوف ، حيث توفى في منتصف القرن الثاني ( بين 160هـ ، 170هـ) ، شهد عصره جدلا فقهيا وعقيديا ، ولكنه كان في تفرغه للبحث فيما ينفع الناس بعيدا عن الجدل الفقهي والعقيدي العقيم الذي أبعد العقل عن القرآن وأدخله في متاهات عقيمة .
2 ـ ولا ندري ماذا كان مصير العقل الخلدوني إذا عاش منطلقا في عصر الخليل بن أحمد .!
ذلك أنه – بعد دراسة متأنية للعقلين الخليلي والخلدوني – وجدنا الكثير من المشترك بينهما ، مع إختلاف الصفات الشخصية والظروف الإجتماعية ، واختلاف العصر والثقافات . ولكن يبدو أحيانا أن كلا منهما قد أراد أن يكون ما كان بمحض إختياره ، فالخليل إختار بمحض إرادته الفقر والتفرغ للعلم والبحث والإبتعاد عن عصره وعن الأغنياء والأمراء ليعطي أكبر مساحة من الحرية لعقله العبقري ، بينما إختار إبن خلدون أن ينغمس في السياسة ويخدم الحكام ويخضع لثوابت عصره ، ويستخدم عقله العبقري في تسويغها وفى تبريرها . ومن هنا إنطلق الخليل بن أحمد فأتى بما لم يسبقه إليه أحد في اللغة والعروض وفي شذرات من الكيمياء والموسيقى ، على قلة إمكاناته وفقره الشديد وعلى بساطة المُتاح له من العلم والمعارف فى عصره ، حيث لاتدوين ولا ترجمة . بينما عاش ابن خلدون فى وقت إكتمل فيه تدوين الفكر ولم يعد إلا الاجتهاد فى الابتكار ، فإنطلق عقل إبن خلدون فوق مستوى عصره البائس علميا وفي مجال محدد بعيد عن المشاكل وهو علم العمران .
3 ــ وكان من الممكن أن ينطلق عقل إبن خلدون أبعد من علم العمران ليشتبك مع الثوابت الدينية الصوفية والسنية لعصره ناقدا مُصلحا ، ولكنه أراد التصالح مع العصر وأن يستخدم عقله في ذلك التصالح . ومن هنا كانت جنايته على عبقريته ، خدم عصره وظلم عقله . وبعد أن ظلمه الزمان وهو العصر – ظلمه أيضا المكان ، وهو موطنه الأصلي .
4 ــ وبين المكان والزمان تناثرت بعض الأخطاء . أهمها الخطأ المنهجى بإستغراقه فى موطنه الأصلى وتعميم أحكامه على العمران النهرى .
أهم أخطاء إبن خلدون في المقدمة : إستغراقه في ظروف موطنه
1 ـ وقد عرضنا لتأثر إبن خلدون بعصره في المنهج والموضوعات الأساسية . وهذا الأثر في حد ذاته هو النقيض الأساسي لإمكانات إبن خلدون العقلية ، ولم يكتف بتقييد العقلية الخلدونية ، بل أوقع صاحبها في أخطاء تناثرت بين سطور المقدمة .
2 ــ وأسهم ( المكان ) بوقوع ابن خلدون فى خطأ منهجى ، مبعثه إستغراقه في ظروف موطنه الذي كان يحيط به مكانيا وزمانيا ووجدانيا وماديا . ونعطي لذلك أمثلة عامة ، فهو يتجاهل دور المرأة السياسي ، مع أن شجرة الدر لم تكن بعيدة عنه زمنيا ، ومع أن خبرته كمؤرخ تجعل جعبته مليئة بشواهد على تأثير المرأة السياسي المباشر والخفي في العصرين العباسي والمملوكي . إلا أن البيئة البدوية التي تأثر بها إبن خلدون تصادر وجود المرأة إجتماعيا و إقتصاديا قبل أن تسمح بالحديث عن دورها السياسي . ولذلك كانت المرأة وهي نصف المجتمع أو نصف العمران غائبة عن حديث إبن خلدون في علم العمران . ولا ننسى أيضا تأثره بالدين السُّنى ونظرته المتدنية للمرأة ، ولا ننسى تمجيده للصحابة والفتوحات، ولعل هذا كان السبب فى خلو ( المقدمة ) من أى إشارة لأعظم زعيمة للبربر، تلك البطلة الأمازيغية التى وقفت ضد الفتح العربى.
3 ــ وفي المقابل إستغرق إبن خلدون في حديثه عن العصبية ودورها في إقامة السلطة والدعوة والأمة ، ولفظ العصبية بالذات يعطي الدلالة على المجتمع البدوي الصحراوي حيث يكون الإنتماء للقبيلة والنسب الواحد ، وحيث تكون القبيلة دولة متحركة ، داخلها جيشها الخاص وقوانينها الخاصة ورئاستها الخاصة ، وحيث يقع العبء على الرجل في الدفاع والقتال وتحصيل المعاش ، وتتحول المرأة إلى سلعة مقتناة يمكن أن تضيع بالسلب والنهب وتصبح من ممتلكات الآخرين في أي إغارة محتملة . وهكذا فالمجتمع القبلي هو مجتمع الرجل أو المجتمع الأبوي المطلق . ومن هنا كان تأثر إبن خلدون بهذا المصطلح ومدلوله ، وقد خضع له بحكم البيئة والمكان ، بل إنه إحتفى بمصطلح العصبية وخرج به من نطاق بيئته المحلية في الصحراء إلى آفاق أرحب ، فأصبحت العصبية في حديث إبن خلدون عن البيئات الأخرى النهرية تعني القوة المسلحة – مهما كانت طبيعتها – طالما يكون ولاؤها في شخص معين ، حاكما كان أو داعية للدين أو السياسة .
4 ـ ومن هنا تكررت أخطاؤه الفرعية كقوله أنه لابد في القتال من وجود العصبية القائمة على القرابة والنسب ويتناسى أن الفتوحات العربية ، وقبلها المعارك في عهد النبي لم تقم كلها على القرابة والنسب ، بل إن الدفاع عن الوطن في البيئات النهرية لا شأن له إلا بالإنتماء للأرض ، أرض الوطن وتجعل جميع المواطنين على إختلاف النسب والأعراق والملل والنحل يتضامنون معا في رد الإعتداء عن الوطن الواحد ، كما حدث فى ثورات المصريين ( الأقباط ) ضد عمرو بن العاص والأمويين والعباسيين ، وثورات البربر ضد الغزو العربى .
ولا يقال هنا أن فكرة المواطنة وليدة الثقافة المعاصرة وكانت غائبة عن عصر إبن خلدون ، لأن إبن خلدون هنا يتحدث عن قواعد عامة لعلم العمران ، والمفروض أن تسري في كل زمان ومكان ، ثم إن شواهد إبن خلدون التاريخية كمؤرخ تحوي الكثير عن تضامن أبناء الوطن الواحد ضد الغزاة ، خصوصا في الحملات الصليبية التي لم تكن بعيدة عن عصره .
5 ــ ومن ذلك قوله " إذا كانت الأمة وحشية كان ملكها أوسع " ، " الأمم الوحشية أقدر على التغلب ممن سواها " وإختيار كلمة " وحشية " ينطبق تماما على الطبيعة الصحراوية الجبلية أكثر من إنطباقه على البيئات النهرية المُسالمة . وإذ كانت الوحشية هي المقياس، وفي الوحشية يتنافس المتنافسون ، فإن القوة الآن – وقبل الآن – ليست في الوحشية ، ولكن للأقوى في العدد والعتاد والذكاء . ينطبق ذلك على العصور القديمة قبل عصرنا ، فالإسكندر الأكبر في فتوحاته وإنتصاراته كان أبعد ما يكون عن الوحشية بالمفهوم الخلدوني ، بل إن بعض الفتوحات العربية -- مع رفضنا لها قرآنيا وإسلاميا – كانت فى بعض الحالات أبعد ما تكون عن الوحشية بمفهوم إبن خلدون . وقد تنطبق رؤية إبن خلدون على أعراب القرامطة وعلى المغول والتتار خارج موطنه ، وقد ينطبق على الوهابية فى عصرنا ، ولكن لا يصح التعميمم أو أن يكون ذلك قاعدة إجتماعية في علم العمران .
6 ــ ومن تأثر إبن خلدون ببيئته البدوية الصحراوية نظرته المتدنية للتجار والخدم ، فحيث يكون الإحترام لمن يحمل السلاح أساسا ثم لمن يحمل القلم في الدول الصحراوية ، فإنه لا يتبقى من الإحترام شئ للتاجر الذي يكون فريسة للمسلحين اثناء تنقله في تجارته ، والذي لا يلبث أن يعوض خسائره من البدو عن طريق التحايل والكذب والمساومة ، ومن هنا يؤكد إبن خلدون مرتين على أن أخلاق التجار " نازلة عن خلق الرؤساء والأشراف وبعيدة عن المروءة " .
والخدم في هذا المجتمع البدوي أقرب للرقيق إن لم يكونوا من الرقيق ، ومن الطبيعي أن الأحرار الذين تضطرهم الظروف للعمل في الخدمة لا يتمتعون بأي إحترام في تلك المجتمعات. ومن هنا يؤكد إبن خلدون على أن الخدمة ليست من المعاش الطبيعي ، وإن شأن الرجل ألا يحتاج لمن يخدمه ، وأن الخادم الكفء الثقة لا يوجد ويتناسى حديث القرآن الكريم عن { التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ : النور 31} وقول بنت الرجل الصالح لأبيها عن موسى { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ :القصص 26}.
غياب مصر عن العقلية الخلدونية
1 ــ وبسبب تأثره ببيئته المحلية قرر أن موالى الدولة التي تصل إلى الشيخوخة يكونون عيالا على هذه الدولة ، ولا يستطيعون الإستقلال بأنفسهم وتأسيس دولة خاصة بهم . وقد ينطبق هذا على الممالك السريعة التي قامت وانهارت في شمال أفريقيا حيث القبائل وعصبياتها ومواليها التابعون لها وهم من الدرجة الثانية ، وبالتالي فإن هذه التبعية تحدد مكانتهم ودورهم وتصادر أحلامهم في إقامة دول مستقلة على حساب الأسياد أصحاب الأنساب .
2 ــ ولكن ذلك لا ينطبق على البيئات النهرية في مصر والشام . فالمماليك كانوا جندا مملوكين للدولة الأيوبية ، ولكن ما لبثوا أن أقاموا الدولة المملوكية وتزعمتهم امرأة هي شجرة الدر . ثم تعرضت هذه الدولة الوليدة إلى أقوى محنتين وانتصرت فيهما وأنقذت العالم العربي الإسلامي منهما ، وهما المغول والحملة الصليبية التي قادها لويس التاسع (658هـ ، 648هـ) وبعدهما أصبح من تبقى من أمراء وسلاطين البيت الأيوبي تابعا لهذه الدولة المملوكية إلى أن انقرضوا ، وظلت الدولة المملوكية تحكم من سنه 648 هـ . إلى أن جاءها إبن خلدون لاجئا سنة 784 وبقيت بعده حتى سقطت سنه 921هـ . أي أنه عاش في كنف الدولة المملوكية ، التي كانت بعيدة عن بؤرة شعوره ، وليس ذلك بغريب ، إذ أنه كتب المقدمة في منتصف سنة 779 قبل أن يأتي إلى مصر بخمس سنوات ، ثم هذبها ونقحها في مصر دون أن يستفيد من ظروف الموطن الجديد السياسية والعمرانية ، لأن أصداء الشمال الأفريقي كانت تسكن عقله ويكفي أنه في مصر ظل محافظا على لباسه المغربي إلى أن مات.
3 ــ إن البيئة النهرية – ومصر أبرز مثل لها – تخالف البيئة الصحراوية ، والجزيرة العربية والشمال الأفريقي أبرز مثلين لها ، أي كان بمقدور إبن خلدون وقد عاش الشطر الأول من حياته في الشمال الأفريقي (732- 784) ثم عاش الشطر الأخير في مصر ( 784- 808هـ) أن يتحدث في المقدمة عن ذلك التفاعل المستمر والفروق بين بيئتين مختلفتين مجاورتين ، بيئة الصحراء وبيئة النهر . خصوصا وأن الدواعي لذلك كثيرة فيمن يتصدى لتأسيس علم جديد ، إذ يظل تأسيسه ناقصا طالما اقتصر وانحصر في بيئته ، ثم من خلالها ينظر للعالم والعمران ويضع له القواعد ، وبالتالي كان ذلك تقصيرا هائلا من إبن خلدون .
4 ــ ونعرف حجم هذا التقصير حين ننظر أفقيا إلى تاريخ حياته ، إذ أنه في الشمال الأفريقي قضى الشطر العملي من حياته متعبا في تقلبات سياسية بين تونس وتلمسان والمغرب والأندلس ، حوالي ربع قرن من الزمان . ونجح خلال هذا الإنشغال أن يقتنص هُدنة يكتب فيها المقدمة والتاريخ ، وكان يتوق إلى التفرغ للبحث والتأليف ، ثم جاءته الفرصة في مصر كي يودع الطموح السياسي ، ويتفرغ للعلم خلال ما تبقى له من عمر، وحيث كان الرزق وفيرا ،ويعيش فى أمن من المطاردة كما كان العهد به سابقا ، وحيث كان العمل بالقضاء لا يعوق التأليف ، فقد كان القضاة من العلماء أصحاب التأليف ، و حيث كان منصب القضاء لإبن خلدون فترات محدودة ، وبعدها عاش في فراغ وكان بإمكانه أن يشغل هذا الفراغ في تنقيح المقدمة في ضوء المناخ الجديد والمعلومات الجديدة والنضج العقلي وخبرة السنين والمصادر العلمية المتوافرة والحياة العلمية الهادئة ، ولكنه لم يفعل. لذلك ظلت مصر بخصوصيتها ومناخها السياسي والإجتماعي غائبة عن مقدمة إبن خلدون ، لا ترى في المقدمة إلا حديثا عما يصل إلى إبن خلدون وهو بشمال أفريقيا عن ثراء مصر وتقدمها في العلوم والصنائع في عصره وهو عنها بعيد ، بالإضافة إلى بعض إستنتاجات تاريخية هزيلة . ثم إذا جاء إلى مصر واستقر بها لم يحاول التنقيح الحقيقي والإضافة طيلة أربعة وعشرين عاما قضاها في مصر .
5 ــ والمحصلة النهائية أن حياة إبن خلدون العملية هى حوالي نصف قرن من الزمان ، أضاع ربع قرن في حياة سياسية فاشلة في المغرب يتوق إلى لحظات تفرغ للعلم ، وفيها أنتج المقدمة والتاريخ ، ثم جاءه الإستقرار في الربع قرن الأخير من حياته فتكاسل عن التنقيح الحقيقي والتعديل والإضافة ، وضاعت منه الخبرة المصرية خلال إستقراره الطويل في مصر ، ضاعت من مقدمته ، وهذه المقدمة هي أروع ما كتبه إبن خلدون ، وأروع ما كتب في العصر المملوكي (648-921هـ) . ومن أروع ما أنتجته الحضارة العربية ( الاسلامية ).!
ونعطي بعض الشواهد
1 ـ يقول عن مصر وكان في شمال إفريقيا " ويبلغنا لهذا العهد عن أحوال القاهرة ومصر من الترف والغنى في عوائدهم ما يقتضي منه العجب ، حتى أن كثيرا من الفقراء بالمغرب ينزعون إلى النقلة إلى مصر لذلك " ويقول " كما بلغنا عن أهل مصر أن فيهم من يعلم الطيور العجم والحمر الأنسية .. وغير ذلك من العجائب التي لا توجد عندنا بالمغرب " ويقول " كما يحكي لنا عن مصر لهذا العهد وأن بها معلمين منتصبين لتعليم الخط . . " . ومن الواضح انه كتب ذلك في المقدمة وهو يحلم بالإستقرار في مصر لينعم بكل ما يتصوره فيها من نعيم . وجاء فعلا إلى مصر سنة 784 ، ولقى فيها العلماء وأسهم في حركتها التعليمية ونظامها القضائي ، دون أن يضيف شيئا إلى مؤلفاته ، بل أن بعض سطور المقدمة تشير إلى أنه قام بتنقيح جزئي هزيل جدا وهو في مصر، قال فيه ملاحظتين ، الأولى قوله " ولقد وقفت بمصر على تآليف متعددة لرجل من عظماء هراة " يقصد سعد الدين التفتازاني والثانية قوله " ... ولا أوفر اليوم من الحضارة في مصر ، فهي أم العالم وإيوان الإسلام وينبوع العلم والصنائع " ثم يذكر ما وصل إليه من كتب سعد الدين التفتازاني .
ولم تنجح مصر بحضارتها وعلومها في حث العقلية الخلدونية على المزيد من الإبداع سواء في تطوير المقدمة أو في مؤلفات أخرى ، في مرحلة النضج والإستقرار . ولذلك ظلت الأخطاء في المقدمة ، منها ما يخص مصر ، وما يخص غير مصر .
2 ــ إذ يبدو في المقدمة التجاهل الواضح للبيئة الزراعية ، يقول " إذا كانت المدينة تقترب من الجبال والبوادي فإن عمرانها لا ينقطع حيث يتوافد إليها أهل البوادي ويستقرون فيها " والواضح هنا أن حديثه متأثر بوطنه ولا يشمل البيئة الزراعية ، وإن كان قد جعلها قاعدة عامة .
وفي موضع آخر يجعل سبب المجاعات من الظلم والعدوان في نهاية عمر الدولة وكثرة سكانها ، وينتج عن المجاعة سقوط الموتى وانتشار الأوبئة . وأغلب المجاعات كانت تحدث في مصر بسبب فيضان النيل الزائد عن الحد أو نقصانه الزائد عن الحد ، ولم يكن بسبب الظلم ، مع أن الظلم في مصر ثابت البنيان راسخ الأركان ، بحيث يمكن القول إنه ـ أى الظلم ـ إستقرّ فى مصر وحصل ـ بجدارة ــ على الجنسية المصرية .! . ومع ذلك فلم يكن الفاعل المتسبب فى المجاعات والأبئة التى كانت تحدث دوريا فى مصر العصور الوسطى .
3 ــ وتصل قمة تأثره ببيئته البدوية حين يجعل إبن خلدون الفلاحة من خصائص البدو ولا يقوم بها أهل الحضر ، أو أن يقول إن البدو يتكاثرون في المكان الواحد ويحدث بينهم شقاق فيتكتل كل فريق داخل سور وحول ماء ، وتنشأ بذلك المدينة التي تحتاج إلى حكم وإدارة وحصن وجيش وعمران ، وهذا عنده أساس الحضارة ( بدو يتحضرون ) .!. أمّا مصر أم الزراعة وأصل الإستقرار والحضارة والعمران فغائبة عن عقل إبن خلدون . وقد قام أبناؤها ببحث " شخصية مصر " تاريخيا وحضاريا . ومنهم كاتب هذه السطور في كتابه " شخصية مصر بعد الفتح الإسلامي " الذي أثبت أن مصر قد ( مصّرت) الفتح الإسلامي ،أى قامت بتمصيره وأضفت على تدينها الشخصية المصرية ، بالإضافة إلى العلامة جمال حمدان في كتابه شخصية مصر الذى بحث شخصية مصر من حيث الموقع والموضع .



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاجتناب .. ولآخر مرة .!!
- هذا الشيعى ( عبد الحسين )
- بين الشورى والإستبداد في تاريخ المسلمين : قراءة سريعة
- ( ق 2 ف 2 ) التأثر الموضوعي فى المقدمة : في القضايا السياسية
- التأثر الموضوعي في القضايا الإجتماعية : من ملامح التاريخ الإ ...
- بيان من المركز العالمى للقرآن الكريم : الى متى يستمر قتل الح ...
- ( ق 2 ف 2 ) التأثر الموضوعي لابن خلدون فى المقدمة في القضايا ...
- التأثر الموضوعي : المعارف الجغرافية بين المسعودي وإبن خلدون ...
- ابن خلدون بين المنهج العقلى والصوفى
- ( ق 2 ف 2 ) ابن خلدون والمنهج القرآنى
- ( ق 2 ف1 ) أثر التصوف في الحركة العلمية في العصر المملوكي:عص ...
- (ق2 ف1 ) بعض نواحي الإتفاق بين اللاهوت عند (المسلمين) واليون ...
- (ق2 ف1 ) المنهج الفكري اليونانى وتأثيره فى الحضارة العربية
- عمرو بن معد يكرب فارس العرب فى الجاهلية والفتوحات العربية ( ...
- ( ق 2 ف1 ) المنهج القرآني للفكر الإسلامي
- هذا الغرب المسلم .!!
- عرض مقدمة ابن خلدون: ب6:(ف 45 :51 ) الشعر والنثر
- عرض مقدمة ابن خلدون: ب6:(ف37: 44)علوم النحو والبلاغة واللهجا ...
- عرض مقدمة ابن خلدون: ب6:(ف28: 36) عن عبثية الشروح والمتون وط ...
- عرض مقدمة ابن خلدون: ب6:(ف24: 27 ) علم الكيمياء والفلسفة وال ...


المزيد.....




- -العدل والإحسان- المغربية: لا يُردع العدو إلا بالقوة.. وغزة ...
- وفاة معتقل فلسطيني من الضفة الغربية داخل سجن إسرائيلي
- الخارجية الإيرانية تدين تدنيس المسجد الأقصى
- شاهد/حاخام صهيوني يصدر فتوى بقتل أطفال غزة جوعًا: -لا رحمة ع ...
- كاتبة إسرائيلية: من يتجاهل مجاعة غزة ينتهك التعاليم اليهودية ...
- عاجل | بوليتيكو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولم ...
- منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام المتطرف بن غفير باحات الم ...
- البرلمان العربي يدين اقتحام المستعمرين بقيادة بن غفير المسجد ...
- منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام -بن غفير- باحات المسجد ال ...
- الرئاسة التركية: اعتداء إسرائيل على المسجد الأقصى مرحلة أخرى ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( ق2 ف3 ) أخطاء خلدونية منهجية