سالم حازم الراشد
الحوار المتمدن-العدد: 1351 - 2005 / 10 / 18 - 08:06
المحور:
حقوق الانسان
يخطئ من يظن ان اللواء غازي كنعان لم ينتحر، فالرجل انتحر حقا وفعلا . ولكن ماالذي دفعه الى الانتحار. ما دفعه هو إيمانه الأكيد بأنه في طريقه الى التصفية السياسية ليلحق بمن سبقه لأنه يشكّل عائقا أمام طموحات السيدة الحديدية بشرى الأسد في تنصيب زوجها آصف شوكت رئيساً لسورية بعد أن نصّبته حاكماً عسكرياً لسوريا ، وهي التي تمتلئ طموحاً لاستلام هذا المنصب المغري ، ولأنها امراة ، فالفرصة معدومة أمامها في بلدٍ كسوريا ، في أن تصل هي إلى الرئاسة . ولذلك قررت السيدة الحديدية بما لها من سلطة وسلطان ، ومن شخصية طاغية وشرسة وساديّة ومتسلطة وسليطة اللسان ، أن تحقق طموحها الشخصي من خلال زوجها ، لتصبح هي الحاكم والرئيس الفعلي لسوريا ، وبدأت توظّف كل طاقاتها في سبيل إزاحة العقبة الأخيرة المتبقيّة أمام إرتقاء زوجها إلى المكان المناسب لها ، بعد أن أزاحت كل العقبات الأخرى من أمامه . وبما لها من تأثير لا حدود له على أخويها ( بشّار وماهر ) وتعرف كيف تأخذ منهما ماتريد وفي الوقت الذي تريد ، وتفرض مايحلو لها ،قامت بتأليبهما منذ فترة طويلة على " أبو يعرب " ، وعملت على إظهاره لهما بأنه ينافسهما وينظر إلى نفسه شريكاً لهما ، وهي التي تعرف أن أكثر ما يثيرهما في الكون هو أن يتصوّرا - بشّار وماهر – أنّ شخصاً فس سورية يمكن ان يكون شريكاً لهما ، فالجميع أتباع وعبيد وخدم وحشم ، ومن يظن نفسه غير ذلك ، فله جهنّم وبئس المصير عندهما . ولأن " أبو يعرب" لايتقن فنّ الخنوع والخضوع ، وإن كان يتقن فن الدبلوماسية والمجاملة ، ولا يقبل الذل والضيم والتبعية لمن كان يرعى غنم البدو في ( وادي خالد ) عندما كان هو ضابطاً لامعاً ومتميزاً ،ولأنه لايقبل الاستكانة والامتثال لما يُملى عليه . فكان لابد من محاصرته ومضايقته إلى ان يستسلم ، فاستسلم " أبو يعرب " لكن على طريقته ، فسلّم روحه للّه بدلاً من أن يسلمها للغير .والتساؤل المشروع : هل تستحق السلطة أن ينتحر الإنسان من أجلها ؟ أم أنّ غير المعروف هو أكثر من المعروف في هذا الأمر ؟ وإلى أي درجة وافق بشّار الأسد على هذه المضايقات والإهانات . فما كان من أبو يعرب إلاّ أن انتحر ، بعد ان طفح به الكيل ، احتجاجاً على ذلك ، وهو الذي اعتاد أن يأخذه والدهم حافظ الأسد بالأحضان ويرعاه ويحميه ، فلم يستطع التحمّل ، وانتحر احتجاجاً على هذه المعاملة المهينة التي لم يعتاد عليها .لقد سبق ذلك بأشهر عديدة ، أن جرت تصفية سياسية للّواء بهجت سليمان ، والآن جرت تصفية جسدية للّواء غازي كنعان . وكان من المنتظر ان يكون اللواء بهجت سليمان سبّاقاً إلى الانتحار ، عندما جرى طرده من نعيم السلطة وسحب السيارات والعناصر منه ، والإيعاز لجميع مسؤولي الدولة بمقاطعته وعزله والتعميم عليهم بأنّ بهجت سليمان مغضوبٌ عليه من فوق وانه مرَاقَب وان من يزوره أو يهاتفه فسوف يلحق به ويكون له نفس المصير . فهل بهجت سليمان متشبّثٌ بالحياة أكثر من اللواء غازي كنعان ؟ أم ان بهجت سليمان لا يمتلك تلك الحساسية المفرطة التي يتمتع بها أبو يعرب ؟ أم أنه لم يحن أوانه بعد .
بين التصفية السياسية والتصفية الجسدية خيط رفيع قد ينقطع وقد لاينقطع . وبدلاً من ان يشغل رأس النظام نفسه بهذه التصفيات المدمّرة كان عليه أن ينشغل بمحاربة الفساد الأخطبوطي ، حفاظاً على نفسه وعلى نظامه ، وان يتّعظ من الماضي ومن ديناصورات الماضي الذين أشادوا مدرسةً فريدة للفساد في سورية ، لامثيل لها في أيّ بلد آخر ، وشرّعوا الفساد وعمّموه حتى صار تقليداً راسخاً من تقاليد النظام السوري . ويعرف كل السوريين ، وغير السوريين ، بأن مؤسّسي هذا الفساد وصانعيه منذ أكثر من ثلاثين عاماً هم أربعة أساسيون : محمد حيدر – محمد مخلوف – محمد ناصيف – علي دوبا . لقد نخرت هذه المدرسة اوصال النظام السوري وأنهكته ووضعته على طريق الهاوية . إن فساد هؤلاء فاق فساد نورييغا و موبوتوسيسيكو و جعفر النميري . ومع أن الأول والرابع من أباطرة الفساد ، هؤلاء قد أصبحا خارج السلطة ، إلا أن المحمّدَين : محمد مخلوف و محمد ناصيف لازالا يمسكان بشراع الفساد في أعلى درجاته ، ويبتكران في مطلع كل شمس طريقة لتعميم الفساد وتخصيصه لاتخطر على بال الشيطان . وكما أنّ نهاية النظام القائم ، على المستوى السياسي ، سوف تكون قريباً على يد المرأة الحديدية وزوجها حاكم سورية العسكري ، فإن نهاية النظام ، على المستوى الاقتصادي ستكون – لابل كانت وانتهت – على يد المحّمدين وأقربائهما وأتباعهما وشركائهما وازلامهما وأبنائهما وانسبائهما ، هذين الديناصورين الحوتين لايشبعان ولوشربا مياه البحر الأبيض المتوسط ، واللذين ابتلعا سوريا بثرواتهما ونفطها .إنّ هذين المحمّدَين غير المحمودَين ، صالحان لكل زمان ومكان ، ويركبان في جميع العصور والدهور ، لكن فاتَنَا أنهما من ( الحرس الجديد ) باعتبار أن كلاً منهما تجاوز الخامسة والسبعين من العمر ، وقد ابتدأ حياته الثانية من جديد في ظل النظام ( الجديد ) الذي شاخ قبل أن يبلغ المراهقة .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟