أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي - حارث محمد حسن - لاوقت للاستراحة _ الصراع من اجل التغيير















المزيد.....

لاوقت للاستراحة _ الصراع من اجل التغيير


حارث محمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1348 - 2005 / 10 / 15 - 03:35
المحور: ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
    


هل حقا ان نظرية الدومينو تصدق كوصف للاحداث المتتالية التي شهدتها المنطقة العربية ، وهل ان معسكر الديكتاتوريات العربية يشهد تفككه ونهايته ، وان ربيعا عربيا يلوح في الافق بعد شتاء طويل؟

الطابع الدراماتيكي للاحداث السياسية يخلق جوا من التشويق ويدفع المتابع الى الاستغراق في مناخه حد استسهال ماكان يعد مستحيلا . التاريخ يقدم من الشواهد الكثير عن تغيرات كبرى حصلت في واقع بدا احيانا راسخا جامدا كالصوان في لحظات زمنية قصيرة من عمره ، انظمة عتيدة ومرعبة ازيلت بين ليلة وضحاها ، واحلاف متراصة تفككت في ايام ، وامبراطوريات " حديدية " ذابت كقطعة هشة من الثلج . الم يكن الاتحاد السوفيتي احدى قوتين عظيمتين تحكمان العالم قبل 15 سنة وحسب ،الم يكن اكثر استراتيجيوا الغرب تفاؤلا يعد نفسه في مطلع الثمانينيات لحرب باردة تستمر لعقود اخرى ، الم تكن الفاشية تعد بروما جديدة تؤدي كل طرق العالم اليها قبل ان تتهاوى كبيت من ورق كما تنبأ لها غاندي ،الم تغدو الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس والتي ابتنت قوتها في قرنين دويلة تابعة لقوة اخرى في بضع سنوات . اذن فالتاريخ يزكي فكرة انهيار السور الذي بنيت خلف جدرانه العتيقة انظمة القمع العربية ، لتصبح هذه الارض طيعة للتيارات القادمة من الخارج كما للزلازل الناشئة في الداخل ، ويغدو التغيير ممكنا بل وسهلا بعد ماكان عصيا وصعبا ، وتسقط احجار النظام العربي تباعا لتفتح المجال امام واقع جديد وزمن جديد .
الرئيس بوش يبدو مرتاحا اليوم اكثر من اي وقت مضى وهو يرصد تحقق نبوئته التي لم يشاركه فيها كثيرون لانهم لم يصدقونها او لانهم لايرغبون بتحققها او لأنها نبوئته هو ، " الثورة البنفسجية " في العراق و" وثورة الارز " في لبنان غدت اخر مصطلحات الخطاب الامريكي الجديد الواعد بتغيير الشرق الاوسط ، ولأول مرة منذ سنوات صرنا نشهد قطاعات من المجتمعات العربية تتحرك بقدر من الطوعية وتؤدي حركتها الى نتيجة سياسية تتعلق بمصير البلد ، هذه الصور بدت مادة رائعة لآلة الدعاية " الواعدة بالتغيير " وهي تخوض حربها الشرسة مع الة الدعاية " الواعدة بمقاومة التغيير " ، فترى قناة الحرة الامريكية تعرض فاصلا مؤثرا يستخدم صور الناخبين العراقيين والمتظاهرين اللبنانيين والمحتجين المصريين لتبعث برسالة مفادها ان التغيير قادم لامحالة ، وقناة الجزيرة تعرض فاصلا يظهر الملثمين في العراق والمقاومين في فلسطين والانفجارات هنا وهناك لتبعث برسالة مفادها ان مقاومة التغيير تزداد ضراوة ، وهذا الصراع البسيط حد السذاجة في الخطاب الاعلامي يعبر عن الصراع الصعب حد التعقيد والذي يجري على الواقع ، واذا كانت قوة الرسالة الاعلامية تنبع من بساطتها بل وسذاجتها ، فان قوة الحدث السياسي على الارض تنبع من تعقيده بل وغموضه ، ولااحد بوسعه القول ان التغطيات الاخبارية الاعلامية الجارية اليوم والتي لم يشهد لها العالم مثيلا قد جعلت الحقائق السياسية اكثر جلاءا وفهمها اكثر سهولة . ولكن بعد كل شئ ليس لاحد ان يتغاضى ويقاوم التشويق السياسي المنقول اعلاميا ومايخلقه من روح ترقب ،اوان يقاوم التفاعل مع الحدث او في الاقل يطرح على نفسه سؤالا بسيطا هو : هل ان مايحدث حقيقي في نسخته السياسية كما يبدو في نسخته الاعلامية؟
الشئ الواضح ان تغييرا مهما قد وقع وتداعياته مازالت مستمرة ، ولسنا بحاجة الى طول تفكير لنصل لهذا الاستنتاج فمجرد الصراع الاعلامي المذكور يؤكد هذه الحقيقة ، ولكن فيما بعد هذه المقولة يبدأ الاختلاف والاجتهاد ، فبين من يركب الوعد الامريكي القائل علنا او ضمنا انها بداية التغيير الشامل في المنطقة ، ومن يراها احداثا منفصلة اكثر مما هي مترابطة والجديد الفعلي هو دخول الخطاب الايديولوجي الذي يتبنى فكرة التغيير في سياسات القوة العظمى ، ومن يرى الاحداث الداخلية انعكاسا لصراع اعم بين القوى الرئيسية وان التغيير في واقع المنطقة لاعلاقة له بالتغيير في بناها السياسية – الاجتماعية الا من زاوية علاقته بالمصالح السياسية لهذا الطرف او ذاك ، بعبارة اخرى انه تغيير سطحي وليس بنيوي مرتبط بأجندات السياسة الخارجية لا بالحراك الاجتماعي – السياسي لدى شعوب المنطقة .
المشكلة في جميع هذه الطروحات انها منشدة الى الرؤى الايديولوجية وبالتالي تندرج في الصراع ولاتجد نفسها خارجه ، والمشكلة في اي محاولة للسبر الموضوعي لمتوالية الاحداث انها تواجه صعوبة ان لاتكون جزءا من جدليتها ان لم نقل صعوبة ان لاتحسب مع طرف دون الاخر ، ولذلك لابد من الاعتراف ان التحليل الموضوعي الصرف مهمة غير ممكنة في هذا المناخ ومن الافضل الاقرار بالانحياز الفكري المشروع ، وهو في حالتي انحياز لفكرة التغيير . ولكن حتى مع هذا " الانحياز " فان هناك صعوبة كبيرة في البرهنة على ان نظرية الدومينو تصح على مايحدث في المنطقة مع الأمل بانها كذلك .

ان التغيير بات ممكنا لان عدمه لم يعد كذلك ،والواقع غدا سائلا لأن البيئة التي سمحت بجموده لم تعد قائمة . كان الظرف الدولي يلتقي مع الظرف المحلي ليخلق ويكرس الواقع السياسي – الاجتماعي الذي فرض نفسه على هذه المنطقة من العالم لسنوات غير قصيرة ، الحرب الباردة ومافرضته من حاجة الى نوع من الاستقرار والاتزان في المناطق الحساسة لايؤدي بالامور الى حافة الهاوية ، ونجاح الانظمة الحاكمة في اللعب على ورقة الاحتياج السوفيتي والامريكي للحلفاء كي تضمن بقائها لاعبا مقبولا في مسرح توازن الرعب ، كانت عوامل في دفع النظام الدولي نحو تقبل وجود الواقع السياسي العربي بشكله المعروف منذ الخمسينيات ، وصعود النخب العسكرية الريفية في عصر اشتداد الاجتياح الريفي للحواضر العربية ، وتنامي الادلجة ذات الطابع الشمولي في مرحلة تداعي الليبراليات غير الحداثية وفي بيئات عجزت عن استيعاب البنى الفوقية لمشروع الحداثة مع استمرار بناها التحيتية اسيرة الواقع ماقبل الحداثي ، كانت عوامل مهيئة لترسخ هذا الواقع السياسي واستمراره حتى اللحظة الراهنة . لقد نجحت الانظمة المخابراتية واشباهها في استثمار هذا التوائم الدولي المحلي في تكريس هيمنة النخب السياسية التي بتنا نطلق عليها اليوم بالحرس القديم ، ونجح هذا التوائم في خلق بيئات متقبلة لخطاب المرحلة ومنطقها الايديولوجي ونظمها العقائدية ومؤسساتها التثقيفية ، كما نجح هذا الواقع في استيلاد نفسه تكرارا وبلا تغيير جذري وبمعزل عن الحراك الاجتماعي ليؤسس شكل الازمة العربية الراهنة ، حيث الطريق يتبدى مخيفا لانظمة سلكت طريقها في واقع دولي مختلف ، ولشعوب تعلمت ان لاتسلك الطريق الا وراء زعامات " ملهمة " " شابة " اصابتها الشيخوخة اليوم . لقد كانت النخب السياسة العربية تغير نفسها باسلوب ماعرف بـ " الثورات التصحيحية " التي كانت مجرد اقصاء لجناح من الحزب او الطائفة او العائلة او العشيرة لصالح تمركز الهيمنة لدى جناح اخر ، لينتهي الامر " بافتراض نهايته " بنخبة صغيرة محدودة معزولة تائهة بين شيوخ فقدوا حيوية الامس وشباب تربوا على ثقافة الانتهازية السياسية التي خلقتها هذه النخب في معاركها مع مجتمعاتها . واليوم لاتبدو الثورات التصحيحية حلا مناسبا لاكثر من سبب ، فقد مضت هذه النخب بعيدا في انشطاراتها المستمرة حد الوصول الى حال يتعذر فيه الانشطار ، ولاتلوح اي امكانية للتغيير بدون استراتيجية معاكسة هي الضم ، وهو ماتخشاه النظم لأن مواردها في طور انحساري لايسمح لاصحاب النفوذ الراهنين بتقاسمها مع شركاء اخرين دون فقدان القدر الكبير منها ، ولأن الانشطار كان يواكبه خطاب تبريري يتربى على الايديولوجيات السالفة المناسبة لبيئة اقليمية ودولية مختلفة ، وهو خطاب اظهر عجزه على التناغم مع حجم التغير في هذه البيئة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ولجأ لمداراة هذا العجز بفرض عزلة ادراكية عن الواقع العالمي الجديد مستغلا ما اتاحته ثورة المعلومات من قنوات تأثير ادراكي جديدة منحته قوة مضافة بفعل الانعزال اللغوي العربي عن العالم " اللاتيني " ، وعزلة سياسية بفعل انشغال النظام العالمي باعادة توزيع القوة بين قواه الرئيسية ، وبفعل السيولة الفكرية الناتجة عن غياب الاطر الايديولوجية الرصينة في مرحلة الهيمنة الثقافية للسوق .

لقد تغير الواقع الدولي ، والأهم من ذلك اليوم ان تاثيرات التغير وصلت تخوم العالم العربي بل وبدأت بالولوج اليه ،والسؤال الحقيقي الذي يجب ان يطرح اليوم ليس ذلك المتعلق بنوايا القوة الدولية العظمى بل بقدرة المجتمعات العربية على استثمار التحول الدولي وتوظيف تأثيراته لاحداث التحول المحلي . لقد اعتدنا ونحن نتناول هذا الموضوع ان ننظر للأمر من زاوية جدية الولايات المتحدة في الدفع بالتغيير ، او من زاوية جدية الانظمة الحاكمة في احداث التغيير ، لكن قلما تعاطينا معه من زاوية الموقف الاجتماعي ومعطياته . لقد بدت احداث لبنان مفاجأة لأنها ابتنت على فعل مجتمعي اظهر ان بامكان المجتمعات العربية او بعضها من ان تقوم بفعل سياسي مؤثر على سير الاحداث وهو امر ماكان بالحسبان لدى العديد من الانظمة التي مارست ونجحت لسنوات طويلة في تغييب الفعل السياسي للمجتمع عبر القمع والتثقيف السلطوي . غير ان الحراك الاجتماعي لابد ان تصحبه تحولات تتجاوز الحراك نفسه ، واولها الحاجة الى ان يرافق هذا الحراك تحول في الاطر الذهنية والمتبنيات الفكرية خارج الثنائيات والأساطيرالمسيطرة منذ زمن على العقل العربي ، ووضع حد للقدسية المزيفة الملقاة على " الشعوب " و " الجماهير " وهي قدسية مرتبطة بخطاب الحركات الثورية القديمة وبرغبة الانظمة خداع تلك " الشعوب " و " الجماهير " في تملق سلطوي ، فما حدث في لبنان يبرهن على ان الشعوب تنقسم على نفسها والجماهير ليست سوى كتلة الانفعالات والمشاعر المتضادة في صراعها مع ذاتها .
ان العقل العربي لابد ان ينبذ خوفه القديم من الاختلاف ، ولابد ان يدرك ان الاختلاف ليس فتنة ، وان الفتنة ليست اشد من القتل ، والتحول الديمقراطي ليس ثورة " تصحيحية " ولااستبدال ايديولوجي لنظم شمولية ، بل خروج من مرحلة الجمود الاجتماعي – السياسي الى حالة من السيولة التي تقترب في مراحلها الاولى من الفوضى . ان لكل تحول كبير ثمنه الذي يدفع ، و" السلام الاجتماعي " المزعوم قد يكون احيانا ثمنا لهذا التحول في هذا الجزء من العالم ، ذلك ان تداعي نمط العلاقة السلطوية القائمة سيؤدي الى عمليات متواصلة من اعادة التشكل تقتطع من تاريخ هذه المجتمعات فاصلا خطيرا قبل ان تستعيد السير على سكة ما . مايحدث في العراق يعبر الى حد كبير عن هذه الحقيقة ، فحيث ان علاقات السلطة بالمجتمع اديرت لعقود وفق هيمنة هائلة للسلطة افقدت المجتمع تمايزه وقدرته على الحراك المستقل ومن ثم عطلت تفاعلاته الصراعية الطبيعية وسلمته لحالة من الجمود ، فان انهيار السلطة الناظمة لهذه العلاقة التكبيلية اطلق المجتمع من عقاله وخلق حالة غير مسبوقة من السيولة بلغت حدود الفوضى للحظات ، وهي حالة ستتواصل حتى تنتهي لأحد ثلاثة نماذج ، فاما ان المجتمع سيتمكن من خلق " سلامه " الخاص ويحتكم لاليات جديدة في علاقته مع الدولة وفي ادارة الصراع داخله ، او انه سيفشل في الانتظام مجددا ليتفكك الى وحدات صغيرة تعيش كل منها حراكها الخاص وقد تكون وحدات متصارعة ، او انه سيفشل في تنظيم حراكه دون ان ينزلق في غياهب التفكك والاحتراب بل يسلم نفسه لديكتاتورية جديدة تجمد حراكه نظير " سلام اجتماعي " جديد .
ولكن لكل حال خصوصياتها ، فالحالة العراقية بقدر ماتحمل من مخاطر تفكك تفوق اي دولة اخرى في المنطقة بفعل التنوع الاثني المرتبط بتوزيع جغرافي يسهل نظريا تفككه وبفعل ضعف الهوية الوطنية نتيجة سنوات طيلة من الحكم الاقصائي ، بقدر ماتتمتع بعامل قوة ناتج عن رعاية الولايات المتحدة لها ورغبة الاخيرة في استثمار الوضع العراقي في طرحها الفكري وحركتها الجيوسياسية . وتتمتع الحالة اللبنانية بخصوصيتها الناتجة عن وعي لازال حاضرا بمخاطر التفكك والاحتراب رغم حقيقة ان هذا الوعي مازال ابعد من ان يتجسد في صيغة عقد اجتماعي جديد بفعل التداخل الخطير بين المؤثرات الخارجية والداخلية .
وخلاصة الامر ان التغير المحتمل ليس وصفة كاملة ومؤكدة بل هو مرحلة جديدة لها تحدياتها ومخاطرها ، واحتمالية التحول ترتهن الى حد كبير في المفاضلة التي تجريها المجتمعات بين واقعها القائم على معايبه ، والواقع القادم بمحاسنه ومعايبه . يصعب القول ان هناك حنينا ما لحكم صدام بين اوساط الغالبية المضطهدة من ابناء العراق ، ولكن يسهل القول ان واقع مابعد صدام لم يكن ابدا بالصورة التي تمنتها هذه الغالبية ، وبنفس المنطق ، يصعب القول ان هناك من سيحن لمرحلة الهيمنة السورية في لبنان بعد النهاية المنتظرة لهذه الهيمنة ورموزها ، ولكن يسهل القول ان واقع لبنان بعد هذه الهيمنة لن يكون كما تصوره الكثير من اللبنانيين . ان بعض التيارات والنخب المهيمنة في المنطقة اخذت تدرك هذه الحقيقة ولذلك بدأت بخجل تتبنى الخطاب الذي يوحي لابناء المنطقة ان واقعا شبيها بذلك الحاصل في العراق ينتظرهم مع اي تغيير قادم خارج الاطر التي تحددها هذه النخب والتيارات ، بل ان الامر ربما وصل الى افتعال التفجيرات والسيارات المفخخة والانتحاريين الغامضين من قبل الاجهزة المخابراتية لدق ناقوس الخطر . لااريد ان امضي بعيدا في الحديث عن نظرية مؤامراتية ما ، ولكنني اجد صعوبة في الفصل بين الشبكات المخابراتية العربية ونظيراتها الارهابية ، كما يصعب التغاضي عن نوع من المغازلة الناشئة بين خطاب النظم القائمة وخطاب الاسلام السياسي في معركتهما المشتركة ضد الحداثة السياسية .
ان المجتمعات العربية تعيش حاليا انقساما مهما بين تيارات التغيير وتيارات الحفاظ على الوضع القائم ، ومن الصعب بمكان اختبار الرغبات الحقيقية لدى مواطنيها بفعل غياب مؤسسات الرأي والاستطلاع المستقلة ، ولكن من الضروري الاقرار بان الخطاب المقاوم للتغيير يحظى بتأثيره الخاص والمستمر بفعل استثماره للادوات الفكرية التقليدية التي يستخدمها العقل العربي كمرجعية له،كالقول بان التغيير القادم بدفع خارجي يهدف الى خدمة امريكا ، والانطلاق من هذه المقولة لمداعبة الوجدان الجمعي بالحديث عن الخطر اليهودي والحرب ضد الاسلام ... في الوقت الذي لايقوم تيار التغيير على ارضية صلبة بفعل افتقاره للانتظام السياسي وتفككه وتباين متبنياته وضعف موارده ، وبالطبع القمع السياسي والفكري الذي يواجهه .
بامكاننا القول أن الخيارات المختلفة مازالت متاحة ويخطئ من يتصور ان هناك سيناريو واحد للاحداث ، فواقع بلدان المنطقة مختلف على تشابهه ، بالطبع قد يكون هناك مسار عام وحركة باتجاه ما ، لكن مسارات متعددة تتفرع من هذا المسار العام . هناك نظم ستتكيف مع متطلبات التغيير لانها لم تمض بعيدا في خلق بيئة غير تكيفية ، وهناك نظم ستمضي في المقاومة حتى تواجه الخيار المجتمعي المضاد في زمن قد يطول او يقصر ، مرة اخرى سيؤدي التفاعل بين العامل الدولي والعامل الداخلي الى التأثير في هذا المسار وتحديد طبيعته وايقاعه . فالولايات المتحدة تظل بحاجة الى عدو يتجسد فيه كل ماتقول انها تحاربه ، عدو يتمتع على الاقل بمصداقية كافية لتبرير انغماسها الاستراتيجي الواسع في المنطقة ، قد تضطر لذلك الى تقوية هذا العدو واعطائه الحوافز الكافية ليظل عدوا ، والتيارات الموجهة للسياسة الامريكية قد تتغير بسرعة اكبر من سرعة التغير في المنطقة او تتغير اولوياتها وهو ماستراهن عليه الانظمة الحاكمة في حركتها البطيئة نحو ماتسميه " اصلاحا " . في المقابل ، سيتعمق الصراع داخل المجتمعات التي لاتشهد تغيير حقيقي في الواقع السياسي – الاجتماعي ويصبح الاستقطاب اشد حدة مما يسهل امكانيات التغيير في ظل ظرف دولي داعم ، وقد تنجح انظمة اخرى لم تصل الى حالة حادة من الاقصاء في توسيع الياتها الاحتوائية والتكيف بقدر يضعف زخم التيارات الراغبة بتغيير شامل ، وقد تظل بعض المجتمعات مترددة كما هي انظمتها تعيش لزمن اخر واقع السلطوية السياسية والجمود الاجتماعي.

ولكن في اي حال من الاحوال ، لابد لحركة الدفع نحو التغيير ان تتواصل وان يتصاعد زخمها ، لأنها وحدها الكفيلة بتكريس التناقضات الكافية لتبرير الانتقال من المرحلة الراهنة الى افق اخر ، وهذا الانتقال مهما كانت مخاطره فانه ضروري لكي تعود هذه المجتمعات الى التاريخ فاعلا حضاريا مؤثرا يعايش حركة الاشياء والعالم من حوله ، فلم يعد هناك وقت للاستراحة ....



بغداد
نيسان 2005








#حارث_محمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعهم يخرجون - العلاقة مع الاسلامويين


المزيد.....




- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- الديمقراطية وألأصلاح ألسياسي في العالم العربي / علي عبد الواحد محمد
- -الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع / منصور حكمت
- الديموقراطية و الإصلاح السياسي في العالم العربي / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي - حارث محمد حسن - لاوقت للاستراحة _ الصراع من اجل التغيير