أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - محمد فاضل رضوان - الإعلام و التربية بين الحفاظ على الهوية و الانفتاح على النماذج الإنسانية















المزيد.....

الإعلام و التربية بين الحفاظ على الهوية و الانفتاح على النماذج الإنسانية


محمد فاضل رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 1345 - 2005 / 10 / 12 - 10:37
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


يبدو تناول علاقة التربية بالإعلام أمرا بالغ الأهمية في زمن يتحول فيه العالم باستمرار نتيجة التأثير الكبير الذي أصبحت تمارسه المعلومة على مختلف مناحي الوجود الإنساني. إننا بصدد مجتمع المعلومة الذي من البديهي أن يرتبط بمتغيرات جديدة كل الجدة عن متغيرات الأزمنة الكلاسيكية التي ما فتئت تتحكم في العملية التربوية في شموليتها , لذا يكون المهتمين بحقل التربية مدعوين بشكل أكثر إلحاحا إلى إعادة صياغة تصوراتهم و مفاهيمهم إزاء سياقات و منتظرات التربية . فإذا كانت التصورات الكلاسيكية تجعل من هذه الممارسة صمام أمان الضبط و المحافظة الاجتماعية باعتبارها موجهة نحو إعادة إنتاج القيم و الرموز عن طريق نقلها بشكل أمين للأجيال اللاحقة فإن تداعيات عصر المعلومة من شأنها أن تدفع القيمين على هذه الممارسة ليس فقط لإعادة النظر في الأساليب و الآليات المنتهجة بل و في مدى قدرة هذه النماذج الثقافية نفسها على الاستمرار في الانتقال من جيل لآخر في ظل الاكتساح الثقافي الذي يضمنه الانتشار الهائل لوسائل الإعلام و فاعلية تأثيرها.
ترتبط التربية في مختلف الأدبيات الكلاسيكية بعملية التنشئة الاجتماعية socialisation باعتبارها منظومة العمليات التي يعتمدها المجتمع نقل ثقافته إلى أفراده بما تنطوي عليه هذه الثقافة من مفاهيم و قيم و عادات و تقاليد إنها باختصار العملية التي من خلالها يتم دمج الفرد في المجتمع و دمج ثقافة المجتمع في الفرد و هو طرح يجد امتداده أساسا في مختلف التعاريف و التحديدات التي تعود لكبار منظري الحقل التربوي باختلاف امتداداتهم العلمية و الابستمولوجية فعالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم يقدم التربية باعتبارها العمل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد من أجل الحياة الاجتماعية.و هدفها أن تثير لدى المتلقي و تنمي عنده طائفة من الأحوال الجسدية و الفكرية و الخلقية التي يتطلبها منه المجتمع السياسي في جملته, و تتطلبها البيئة الخاصة التي يعد لها بوجه خاص أما السوسيولوجي الكندي جي روشي فيعتبر التربية منظومة الأوليات التي تمكن الفرد على مدى حياته من تعلم و استبطان القيم الاجتماعية و الثقافية السائدة في وسطه الاجتماعي في حين يركز السيكولوجي النمساوي فرويد على أهمية التقمص في التنشئة الاجتماعية و يعرفها على أنها عملية نفسية يتمثل فيها الفرد مظهرا من مظاهر الآخر أو خاصة من خاصته أو صفة من صفاته.هكذا ووفقا لمختلف هذه التحديدات تتباين التربية من مجتمع لآخر بتباين النماذج الثقافية و الرموز و القيم التي يستهدف كل مجتمع ضمان استمرارها من خلال السهر على تمريرها للأجيال اللاحقة, إلا أنها لا تعدو أن تكون أن تكون انعكاسا لأساليب السلطة الموظفة في المجتمع و في مؤسساته. لهذا السبب يتم الرهان في أجرأة غايات و أهداف العملية التربوية على المؤسسات التربوية التقليدية الممتدة من المدرسة إلى الأسرة باعتبارهما مؤسستين اجتماعيتين إدماجيتين تتمحور أهميتهما في المحافظة على الموروث الاجتماعي و إعادة إنتاجه بما يضمن عملية الإدماج هاته على مستويين إدماج الفرد في المجتمع و إدماج ثقافة المجتمع في الفرد و هو أمر كان من الممكن التسليم به في ظل انحسار التأثير الإعلامي و قدرة أجهزة الضبط الاجتماعية على الهيمنة عليه بل و توجيهه في سبيل تحقيق غاياتها. لكن حالة الانفلات الهائل للثورة المعلوماتية على الأفراد و الجماعات بل و على الدول نفسها من شأنه أن يطرح أكثر من سؤال حول الهوامش المتاحة لهذه المؤسسات التقليدية في القيام بعملية إعادة الإنتاج هذه .خصوصا إذا عقدنا مقارنة بسيطة بين خطاب هذه المؤسسات الأقرب ميلا إلى المحافظة و الأكثر ارتباطا بالقهر و الإكراه, و الخطاب السمعي البصري الذي يراهن على آخر تقنيات التأثير و جلب الانتباه من خلال تغليف الأيديولوجيا المراد تمريرها في غلاف المتعة و التشويق . هكذا إذن تتجاوز ثنائية التربية و الإعلام الأفراد لتمس بتأثيرها الدول و الجماعات على اعتبار أن الثورة المعلوماتية الحديثة لا تضمن عملية تثاقف جدلي بين كل شعوب العالم بقدر ما تتيح هامشا واسعا للتأثير بالنسبة للنماذج الثقافية الغربية الأكثر امتلاكا و تحكما في التقنيات المعلوماتية على حساب الجماعات الأقل تأثيرا و التي يفرض عليها موقعها الضعيف في مختلف المجالات و في مقدمتها محدودية امتلاك التقنية المعلوماتية لعب دور المتلقي السلبي بما يجعل نماذجها الثقافية اليوم عارية أمام تدفق هذه الرموز و العلامات الغربية حاملة معها أبطالا و قيما جديدة تعيد تركيب مخيلة المشاهد بعارضات الأزياء و نجوم الرياضة و السينما و مختلف أنماط العيش و السلوك الغربي بشكل يجعلنا نستحضر شيخ السوسيولوجيين العرب ابن خلدون في قراءته لشكل التفاعل الممكن بين ثقافة الغالب و المغلوب. فهيمنة النموذج الغربي اقتصاديا و سياسيا و عسكريا و معلوماتيا بالطبع يلغي كل إمكانية للتثاقف الجدلي بتبادل التأثير و التأثر هكذا يبقى الشكل المتاح هو اكتساح القوي للفضاء الثقافي للضعيف و تمرير قيمه و نظرياته و مثله بما لا يبقي للآخر المستهدف من سبيل سوى الارتماء في أحضان هذا الاكتساح الوافد مع ثورة المعلومة أو الانزواء المستحيل وراء حدود التراث و التاريخ القومي بشكل يجعل الثقافات المحلية تعبر عن ذاتها في قالب فلكلوري.
إن الانتشار الهائل لوسائل الإعلام من شأنه أن يحدث تغيرات هائلة في البنى الذهنية و أنماط التفكير و سيرورة اتخاذ القرار في مختلف المجالات مما من شانه أن يؤثر بشكل أو بآخر على مشروع صناعة الإنسان الذي من المفترض أن تضطلع به التربية. فهذا الاختراق الثقافي الغربي لمختلف أنساق القيم المحلية و أنظمة إنتاج الرموز من شأنه أن ينعكس بشكل مباشر على المجال التربوي من حيث عدم قدرة المؤسسات التقليدية الممثلة أساسا في الأسرة و المدرسة على حماية الأمن الثقافي للمجتمع و تلبية حاجيات أفراده من الرموز و القيم و المعايير, ذلك أن هذه الأخيرة أضحت تنتج خارج الحدود الجغرافية و الثقافية الوطنية بما أصبح يتوافق و الحديث عن الإنسان العالمي و مواطن الانترنيت المندرج في مجتمع كوني واحد متحرر من انتماءاته اللغوية و القومية و الثقافية و الدينية و الجغرافية , أي أننا بصدد عولمة الأنا التي حولت الهوية إلى مجرد أسطورة قد يعود البحث فيها إلى اختصاص الأنثروبولوجيين. لكن هذا الحديث الجذاب عن عالم بدون حدود قومية يحمل في طياته طابعا تعسفيا من حيث هو تعبير مهذب عن اكتساح القوي لثقافة الضعيف بما يعنيه هذا من سير نحو التنميط الثقافي من خلال تدمير الثقافات المحلية و تمرير نموذج ثقافي واحد و هو ما يعبر عنه الأستاذ عبد الإله بلقزيز في كتابه القيم في البدء كانت الثقافة و فيه يرى أن المشروع الغربي في عصر العولمة قد أصبح في عهدة الإمبراطوريات السمعية البصرية بما تملكه من نفوذ و إمكانات و سلطة تمكنها من تقديم مادتها الإعلامية للمتلقي في قالب مشوق يجلب الانتباه عبر تكنولوجيا الإثارة و التشويق و يقارب عتبة المتعة و معها يبلغ خطابه الأيديولوجي و أهدافه الاستهلاكية و يسهم في وأد حاسة النقد لدى المتلقي الذي يصبح قابلا لتمرير و تلقي جميع القيم و المواقف السلوكية دون اعتراض عقلي أو معاداة نفسية.
إن اكتساح الإعلام الغربي للمجال الثقافي الوطني من شانه أن يحول هذا الفضاء الداخلي إلى فضاء للإقصاء فهيمنة السمعي البصري و اكتساحه لكل الفضاءات الممكنة و استئثاره بحيز زمني مهم من وقت المتلقين و الذي يبلغ ذروته في النمط التلفزيوني يجعل الجميع أقرب إلى العيش في عالم افتراضي أثيري يتألف من الصور و الإشارات و النصوص المرئية و المقروءة على الشاشات الإلكترونية بما يحمله هذا من تهديد لمنظومات القيم و الرموز المحلية التي تعمل المؤسسات التربوية التقليدية جاهدة على إعادة إنتاجها و تغيير في المرجعيات الوجودية و أنماط الحياة. فالعالم المرغوب فيه بالنسبة لزبناء الفضاء السمعي البصري التلفزيوني خاصة لم يعد بالضرورة هو العالم الحقيقي الذي يتحرك في إطاره هؤلاء بقدر ما هو هذا العالم الأثيري الافتراضي الذي تنقله وسائل الإعلام الغربية و امتداداتها المحلية أيضا فتسهم به في تغيير البنى الذهنية و التشويش إن لم نقل التضييق على الأجهزة التقليدية الوصية على الممارسة التربوية و هذا من شأنه أن يحول المجتمع الحقيقي إلى مجتمع للاغتراب و الإقصاء فالرموز و القيم التي يتشبع بها المتلقي يوميا عبر الفضاء السمعي البصري مختلفة كليا عن رموز و قيم المجتمع الأصلي و دخول المؤسسات التقليدية الإدماجية في صراع مع وسائل الإعلام خصوصا منها السمعية البصرية حول الاستئثار باهتمام المتلقين و انتباههم هو أمر من الطبيعي أن يكون محسوما لفائدة هذه الأخيرة بالنظر لفاعلية آلياتها الأكثر قدرة على الـتأثير في مواجهة الخطاب المدرسي و الأسري المغلف بالأوامر و النواهي.
خلال مفاوضات الكات التي تقضي بحرية مرور كل شيء بين الدول قامت معركة عنيفة بين فرنسا و الولايات المتحدة الأميركية حول أمور تتعلق بالمجال السمعي البصري ففرنسا ظلت مترددة إلى يومنا هذا في فتح مجالها الإعلامي أمام الاكتساح السمعي البصري الأمريكي إذ لم تتوفر لها الضمانات الكافية بتحصين ذاتها ضد الاكتساح الثقافي للآخر رغم إمكاناتها الهائلة في المجال الإعلامي و خلفية التقافية الصلبة باعتبارها بلد الأنوار, و هو أمر يدعو للتأمل خصوصا و المغرب يعيش على إيقاع تحرير القطاع السمعي البصري بما يعنيه هذا من انسحاب للدولة من تدبير هذا القطاع الحيوي بما يتطلب التساؤل عن الاستراتيجيات التي من المفترض أن الدولة قد بلورتها لحماية النموذج الثقافي الوطني و ضمان حد أدنى على الأقل للتحكم في العملية التربوية وفق تطلعات الداخل و ليس وفق رموز و نماذج الخارج.
إن الثورة الإعلامية اليوم قد أصبحت أمرا واقعا من المستحيل تجاوزه إذ أن العالم يتجه و كما يرى الدكتور مهدي المنجرة باضطراد نحو مجتمع الإعلام و المعرفة و هي مرحلة جديدة في تطور الجنس البشري يصطلح على تسميتها بالموجة الثالثة فبعد الزراعة كان التصنيع ثم الإعلام. و إذا كان من المستحيل أيضا فرض رقابة على المنتوج الإعلامي الغربي أو حتى منافسته ما دامت بعض التجارب الإعلامية العربية التي تسم نفسها بالإعلام الهادف الأسري أو التربوي قد أعادت إنتاج نفس الخطاب الأسري و المدرسي المبني على الأوامر و النواهي فإن سبل مواجهته قد تكون ميسرة بشكل أفضل من خلال العمل على تطوير خطابنا التربوي على مختلف واجهاته بشكل يضمن تواصلا أكثر انفتاحا و مرونة بين مختلف مكوناته بما يسمح فهم حاجيات و رغبات كل طرف سواء تعلق الأمر بالفضاء الأسري أم المدرسي , خطاب تربوي أساسه الاشتغال على ميكانزمات جديدة تهدف تنمية الحس النقدي لدى المتلقي بما يضمن تجاوبا عقلانيا مع المنتوج الإعلامي الغربي و هو ما يسمح بالحديث عن منظومة تربوية تضمن توازنا معقولا بين ضرورة الحفاظ على معالم الهوية المحلية و حتمية الانفتاح على الثقافات الإنسانية في مختلف تمظهراتها و امتداداتها فتجعل الماضي في خدمة المستقبل و ليس المستقبل رهينة للماضي.



#محمد_فاضل_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض من ملامح اكتساح السياسي للنقابي بالمغرب
- قراءة في حيثيات مواقف عربية غير اعتيادية, هل الشارع العربي ب ...


المزيد.....




- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...
- مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - محمد فاضل رضوان - الإعلام و التربية بين الحفاظ على الهوية و الانفتاح على النماذج الإنسانية