أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد ابراهيم محروس - _قصة قصيرة_الجنية والمجذوب














المزيد.....

_قصة قصيرة_الجنية والمجذوب


محمد ابراهيم محروس

الحوار المتمدن-العدد: 1344 - 2005 / 10 / 11 - 12:31
المحور: الادب والفن
    


الطريق إلى قريتي شاق والترعة الغربية تقسم القرية إلى نصفين.. لابد لمن يريد أن يذهب إلى عمله كل صباح أن يركب معدية بدائية معلقة بين ضفتي شاطئ الترعة تسير بواسطة جنزير معدني ضخم.. يعجز أشد الرجال على أن يعبر بالمعدية وحده..

تعجز يد أقوانا على شد السلسلة المعدنية لأكثر من دقيقتين.. الوحيد من أهل القرية الذي يستطيع أن يعبر بالمعدية وحده هو "محمد المجذوب".

لم نعرف تحديداً متى سكن قريتنا، بل ليس هناك أي تاريخ عائلي له، ولم يعرف أحد متى ارتاد قريتنا.. لقد انتبهنا يوماً إلى وجوده في المعدية.. كنت وقتها لم أزل طفلاً صغيراً لم أتجاوز الخامسة من عمري.. سكن "محمد المجذوب" المعدية، أخذها مسكناً وملجأ له.. ينام فيها ويصحو بها، ويديرها وحده، ويساعد الجميع على العبور.. جدتنا كانت تمنعنا من الاقتراب من الترعة ليلاً.. فالترعة مسكونة والجنية تخرج كل ليلة لتصطاد ضحاياها.. كثيراً من الحكايات سمعتها..

الجنية تخرج ليلاً عند اكتمال القمر وتختار ضحيتها بعناية ودائماً ما يكون شاباً يافعاً وتأخذه في أحضانها وتذهب به إلى مملكتها في باطن الترعة حيثُ يعيش معها فترة في نعيم قبل أن تتسلى بقتله.. وكلما غرق أحد شبان القرية لسبب لا نعلمه ازدادت تحذيرات الجدات لنا بعدم الاقتراب نهائياً من ترعتنا.. ظلت تلك التحذيرات محفورة في ذاكرتي إلى الآن..

لم أقترب من الترعة ليلاً أبدا.. حتى عندما كبرت قليلاً وعرفت أن حكايات الجدة وهم.. كنت أخاف لسبب لا أدرك كنهه من الاقتراب من شاطئ الترعة ليلاً.. مرت السنون وكبر بي السن.. أصبحت رجلاً يتباهى بي سكان البيت.. ولسبب طارئ كان لا بد لي من السفر ليلاً، وكان لزاماً أن أعبر بالمعدية.. فلم تمض بقريتي حالة العمران ولم يتم إنشاء كوبري يربط بين طرفي الترعة.. كأن السلطات تجاهلت أمر قريتنا تماماً..

اقتربت من الشاطئ بحذر وترقب، وكان "محمد المجذوب" يتوسط المعدية ويمسك الجنزير المعدني في قوة يحسد عليها رغم كبر سنه.. دخلت إلى المعدية وأنا أبتلع ريقي في صعوبة، كنا خمسة رجال وامرأتين وبغلاً، دعتنا الظروف إلى ركوب المعدية في ذلك الوقت من الليل.. تذكرت إحدى حكايات الجدة بأن الجنية تزوجت "المجذوب".. فضحكت.. ولكنني كنت أرتجف من البرد.. ولكن الحقيقة أنني أرتجف خوفاً من شيء لا أعرفه.. وتساءلت بين نفسي متى ينام المجذوب؟!.. لا أحد منا رآه أبداً نائماً.. وطفقت في خيالي صورة عجيبة.. ربما كان حقاً زوج الجنية التي طالما حذرتنا منها الجدة.. وقهقهت هذه المرة في صوت عال أثار انتباه الرجال.. بينما مصمصت إحدى المرأتين شفتيها في صوت مسموع.. حاول أحدنا أن يساعد "المجذوب" في عمله ولكنه رفض بشدة وقال إنه مازال بكامل صحته.. ومع إصرار الرجل على المساعدة سمح له "المجذوب" على مضض.. وبغتة ارتجت بنا المعدية.. صرخت المرأتان.. وقفز البغل في مكانه وراح يرفس وصاحبه يمسكه في قوة قدر الإمكان، وفجأة وجدنا المياه تغمر المعدية.. إننا في نصف الطريق أعمق جزء من الترعة.. ازداد الرعب بداخلي وصرخت أنا الآخر، فإنني لم أتعلم السباحة في يوم ما..

الوحيد الذي لم يظهر الخوف عليه كان "المجذوب" الذي تسمرت يداه على جنزير المعدية.. ولكن للأسف أخذت المعدية تغرق.. وصلت المياه إلى أذقاننا.. ثم غمرتنا.. لا أذكر شيئاً بعد ذلك تحديداً، غبت عن الوعي وعندما أفقت وجدت نفسي على الجانب الآخر من الترعة... ولكن من رأى الموقف على الشاطئ الآخر وهم كثيرون.. زعموا أن "المجذوب" ظهر له جناحان وأن يده تضخمت إلى حد رهيب حتى غطت المعدية كلها ثم حملنا على جناحيه وبين يديه وعبر بنا الترعة.. الوحيد الذي نجا وحده هو البغل.. لم يصدق عقلي هذا.. ولم أفهمه أبداً.. ولكن الغريب أن "محمد المجذوب" اختفى من يومها ولم يصبح له وجود نهائياً..

والحواديت تتوالد وتتوارث كل يوم، ومازلتُ في انتظار أن يظهر "المجذوب" مرة أخرى دون طائل..



#محمد_ابراهيم_محروس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد ابراهيم محروس - _قصة قصيرة_الجنية والمجذوب