خليل كلفت
الحوار المتمدن-العدد: 4843 - 2015 / 6 / 20 - 10:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة خليل كلفت و على كلفت
عالم جديد الفصل 4
مستقبل وسائل النقل الحضري: أكثر أمانا، أكثر نظافة، أكثر قربا
تمثل وسائل النقل رهانا رئيسيا من رهانات المستقبل، وعلى وجه الخصوص وسائل النقل البرى، وبصورة نوعية أخص وسائل النقل الحضري. وفى هذه المجالات، يمكن تحقيق إنجازات كبيرة من ناحية خفض انبعاثات غازات الدفيئة، من خلال البحث عن مصادر جديدة للطاقة أو عن محركات جديدة أقل تلويثا. وفى مجال النقل الجوى، يبدو في الواقع أنه لا يمكن في الوقت الحالي أن نتوقع سوى القليل من الإنجازات البارزة خلال الأعوام المقبلة، لأنه لا يوجد إلى الآن بديل حقيقي للكيروسين كوقود. ولهذا يقتصر الجانب الأساسي من الإنجازات المحتملة التي نناقشها هنا على البعدين الحضري والبرى لوسائل النقل.
ومنذ وقت طويل يجرى تناول مسألة وسائل النقل من زاوية زيادة الحركة وسرعتها وانطلاقها: من هذا المنظور تقوم البنية الأساسية لوسائل النقل بدور رافعة الجذب الاقتصادي، فهي تحفز الطلب عن طريق مشروعات التشييد الكبرى وتزيد المنافسة الاقتصادية، الناتجة عن تنظيم أفضل لتدفقات السلع والأشخاص(1). ولا شك في أن هذا المنظور مهم ولم يفقد شيئا من طابعه الراهن: إن الوصول الأفضل للكائنات البشرية إلى الجهات التي يريدون الوصول إليها من شأنه، من حيث المبدأ، أن يعزز رفاهيتهم والفرص التي تقدمها الحياة لهم. وهنا تتطابق سرعة الحركة مع الحرية وتمثل عاملا رئيسيا من عوامل التنمية. غير أن العالم يواجه منذ عدة عقود نموا كبيرا في وسائل النقل في المناطق الحضرية، تثير نتائجه السلبية الشكوك حول الرؤية الكلاسيكية عن التقدم عن طريق سرعة الحركة. ومهما كان حجم المدينة، فإن عدد السيارات في الطرق يزداد في المناطق الحضرية أسرع من معدل زيادة السكان مرتين أو ثلاث مرات، كما يزداد فيها استخدام السيارات أسرع حتى من ذلك. وهذه المشكلة مقلقة على وجه الخصوص في مدن البلدان النامية، حيث لا تكون الحضرنة السريعة مصحوبة دائما بتوسيع نطاق الحيز الحضري المخصص لطرق المرور. وعلى سبيل المثال فإن نسبة 11% فقط من الحيز الحضري لمدينة بنجكوك مخصصة لذلك، في حين أن النسبة الخاصة للمدن الأوروبية تتراوح من 20% إلى 25%(2). ها هو قد أتى إذن الوقت الذي يصطدم فيه الاتجاه إلى إضفاء الطابع الفردي على الانتقال وإلى البحث عن الرحابة في المكان والزمان بعقبتين رئيسيتين: الازدحام والتلوث.
ويدفع النمو الهائل في امتلاك السيارات إلى تباعد أماكن الإقامة والعمل، وكذلك المراكز التجارية والمحاور الأخرى للحياة الحضرية. ويؤدي ازدحام وسط المدينة وإنشاء بنية أساسية جديدة إلى تضخم هذا الاتجاه. ويخلق هذا التباعد، بدوره، شبكة من الانتقالات المتباعدة التي لا تستطيع وسائل النقل العام "الكلاسيكية" تأمينها إلا لقاء صعوبات كبيرة واستثمارات باهظة. وهكذا نكون إزاء حلقة شريرة حقيقية تفضي إلى زيادة بلا حدود في استخدام السيارة الخاصة. وما دام الازدحام يفضي، بدلا من الحد من استخدام السيارة الخاصة، إلى تشييد المزيد من البنية الأساسية التي تشجع على التباعد المكاني، فإن هذه الحلقة الشريرة لا يمكن إلا أن تؤدى إلى اعتماد مجتمعاتنا بصورة مفرطة ومتزايدة دوما إزاء السيارة.
والسؤال الذي يطرحه عدد من الخبراء، من بينهم مارسيا لووى Marcia Lowe، من معهد الرقابة العالمية، بسيط جدا: هل تقوم السيارة بتحسين وصول السكان إلى الجهات التي يريدون الوصول إليها؟ أم أن على الأفراد أن يذهبوا إلى أماكن تتباعد دوما للوصول إلى الأسواق، والخدمات، وأماكن العمل، ومواقع أخرى للحياة اليومية(3). ومن هذا المنظور، يجرّ التوسع في الانتقال بالسيارات على المجتمع أعباء كبيرة مثل تلوث الجو، والازدحام المتزايد، والإسهام في دفء مناخ الأرض، والوقت الضائع في وسائل النقل، والأضرار التي تصيب البيئة وبنية الحياة والتي تثير بصورة متزايدة استياء المقيمين بجوار مشروعات البنية الأساسية(4). وناهيك بالثمن الباهظ المدفوع، بأرواح البشر، والإعاقات الدائمة، وتدهور الصحة ونوعية الحياة: وفقا للبنك الدولي، يموت أكثر من نصف مليون شخص كل عام بسبب حوادث الطرق، ويُصاب عدد أكبر أيضا. وثلثا الضحايا من المشاة، وثلث هؤلاء من الأطفال. وهذه المعدلات أكثر ارتفاعا أيضا في البلدان النامية. وفى الهند، لا تتجاوز نسبة راكبي السيارات الخاصة 5% فقط من ضحايا حوادث المرور الخطيرة(5).
أما الازدحام المتزايد فإنه يتجسد في فترات ذروة المرور التي تمتد اثنتي عشرة ساعة أو أكثر في سيول وأربع عشرة ساعة في ريو دي جانيرو(6). وفى وسط القاهرة، تزيد الضوضاء على عشرة أضعاف معدلات الصحة والأمان، وفى بعض الأحياء، تتجاوز تركزات الرصاص في الهواء من خمسة إلى ستة أضعاف المعدلات التي حددتها منظمة الصحة العالمية(7). ويفقد سكان المناطق الحضرية الرئيسية في الولايات المتحدة ما بين مليار وملياري ساعة في الطرق المزدحمة، ويقلّ متوسط سرعة المرور في باريس في ساعات الازدحام عن 10 كيلومترات في الساعة(8). ووفقا لدراسة حديثة، في إنجلترا، تتجاوز التكلفة السنوية للازدحام 16 مليار دولار(9). وتقدر سلطات العاصمة بنجكوك أن مشكلات المرور تؤدى في هذه المدينة إلى خسارة 44 يوم عمل في المتوسط في السنة(10). ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يؤدي التلوث هناك إلى نفقات طبية سنوية قيمتها مليار دولار(11). وعلاوة على هذا، تسهم هذه الخسائر للوقت وهذه النفقات الطبية في تضخيم الناتج المحلى الإجمالي للبلدان المعنية بصورة مفتعلة، وخادعة بوضوح، مما يظهر الطابع البالي لعدد من أدوات القياس الاقتصادي، التي تقوم أيضا بتسجيل زيادة الطاقة وخصوم التنمية باعتبارها أصولا.
ووفقا لتقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن وسائل النقل الحضري، يمكن في الوقت الحالي تقدير التكلفة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للانتقال بحوالي 5% من الناتج المحلى الإجمالي للبلدان الصناعية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(12). وينبغي بالتالي أن ننسى التبسيط القائل "سيارات أكثر = نموا اقتصاديا أكثر".
وتمثل السيارة من الآن المصدر الأول لتلوث الجو. وهى مصدر السحابة السوداء التي تغطى أغلب المدن الكبرى في العالم. ويمكن أن تكون لهذا التلوث نتائج قاتلة على الأطفال الرضع، والمسنين، والمصابين بالربو(13). وعلى سبيل المثال، يُقَدَّر أن المستويات المرتفعة للجسيمات التي تطلقها المركبات، في المكسيك، والخطيرة بصورة خاصة على الجهاز التنفسي، تتسبب في 12500 من الوفيات كل عام(14). وفى فرنسا، تقدر الجمعية الفرنسية للصحة العامة عدد الوفيات السنوية الناتجة عن التلوث بالسيارات بأكثر من ألف(15). ووفقا للبنك الدولي، تقدر التكلفة السنوية للتراب والرصاص في بنجكوك، وجاكرتا، وكوالا لمبور، بـ 5 مليار دولار، أي حوالي 10% من دخل هذه المدن الثلاث. والأخطر من هذا أن التسمم بالرصاص سوف يصيب من الآن 90% من الأطفال في المدن الكبرى في أفريقيا و29% من الأطفال في المكسيك. وفى بنجكوك، سوف يكلف التسمم بالرصاص الأطفال أربع نقاط في المتوسط على مقياس درجة الذكاء. وعلى وجه الإجمال، يقدر البنك الدولي بـ 1.56 مليون وفاة في السنة الثمن الذي تدفعه آسيا بسبب تلوث الجو، الذي ينشأ جانب متزايد منه عن تلوث مصدره السيارة.
وتتسبب انبعاثات عوادم السيارات في نصف التلوث الحضري وفى أكثر من ربع انبعاثات غازات الدفيئة. فهي تشكل إذن سببا رئيسيا من أسباب دفء الأرض كما يشخصه أغلب الخبراء. والانتقالات هى مصدر تسعة أعشار انبعاثات أول أكسيد الكربون، وثلاثة أرباع انبعاثات أكسيد النيتروجين المعروفة المصدر، وثلث الجسيمات المتصاعدة إلى الجو(16). وهذه المشكلة أكثر خطورة بكثير في البلدان النامية لأن الوقود هناك أكثر تلويثا مما في البلدان الصناعية. ووفقا للبنك الدولي، يتراوح محتوى الرصاص في الوقود الذي تستخدمه البلدان النامية بين 0.8 و1.1 من الجرام في اللتر، في حين أنه لا يتجاوز في البلدان الصناعية 0.15 من الجرام في اللتر في المتوسط . أما محتوى الديزل من ثاني أكسيد الكبريت فإنه يتجاوز في البلدان النامية ضعف مثيله في البلدان الصناعية(17).
وفى سبعينيات القرن العشرين، كانت توجد سيارة مقابل 18 من السكان في العالم، أما اليوم فتوجد سيارة مقابل 12 من السكان في العالم. وصحيح أن معدل زيادة عدد المركبات في الطرق صار الآن أقل مما كان قبل 1970، غير أن هذا لا يمنع أنه في كل سنة تضاف 19 مليون سيارة إلى الأسطول العالمي الكلى. ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، صار من المرجح أن عدد السيارات الذي ارتفع بالفعل إلى أربعة أضعاف خلال الثلاثين عاما الأخيرة (من 120 مليون إلى 500 مليون سيارة)، سوف يتضاعف من جديد من الآن وحتى 2010، ليرتفع إلى مليار سيارة. وعلى سبيل التوضيح فقد كان من المتوقع، في كوريا، قبل أزمة الاقتصادات الآسيوية، أن يرتفع عدد المركبات من 3.4 ملايين إلى 12 مليونا بين 1990 و2000. وفى الاتحاد السوفييتي السابق، كان من المتوقع أن يرتفع إنتاج السيارات إلى أربعة أضعاف بين 1985 و2010، فيرتفع بالتالي من 1.3 مليون إلى 5 ملايين سيارة في السنة(18). وفى منطقة آسيا والمحيط الهادي، وهى الآن المنتج العالمي الأول، بإنتاجها السنوي الذي يزيد على 15 مليون سيارة، كان من المتوقع أن تسمح الاستثمارات المتحققة مؤخرا لزيادة طاقات الإنتاج، قبل الانهيارات المالية في 1997-1998، بإنتاج 6 ملايين سيارة إضافية في السنة، من حيث المبدأ. والواقع أن التنافس صار بالغ الحدة بحيث صار يثير الآن مخاوف من فائض في طاقات الإنتاج على النطاق العالمي: قد يصل هذا الفائض من الآن وحتى عام 2000، إلى 22 مليون من المركبات(19). وإذا نتج عن هذا انخفاض ملموس في الأسعار، فإنه يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع شديد في الطلب على المركبات، والضغط المتزايد على البنية الأساسية، وبالتالي تفاقم الازدحام الحضري.
وتضاف زيادة عدد السيارات إلى ارتفاع عدد الكيلومترات المقطوعة في الانتقالات. وعلى سبيل المثال، قطع الأمريكيون في 1990، للذهاب إلى أعمالهم، كيلومترات تزيد بنسبة 16% عنها في 1969، وبزيادة 88% للتسوق، وبزيادة 137% لقضاء حاجاتهم الشخصية الأخرى. وبالمقابل، تقلصت الانتقالات المخصصة للحياة الاجتماعية وأوقات الفراغ في الولايات المتحدة بنسبة 1%. فهل يمكن بالتالي أن نقول إن زيادة سرعة الحركة قد أدت إلى تحسين نوعى في انتقالات الأشخاص وفى وصولهم إلى الجهات التي يريدون الوصول إليها(20)؟
ووفقا لباحثة ألمانية من معهد فوپرتال، فإن الأولوية التي تعطى لسرعة الحركة تؤدى في كثير من الأحيان إلى استخدام للأراضي وتنظيم للنشاط الاقتصادي غريبين حقا. وتأخذ هذه العالمة في اعتبارها مثال اللبن الزبادي بالفراولة، الشعبي جدا في ألمانيا والذي يقطع، قبل أن يصل إلى المستهلك، مسافة تصل في المتوسط إلى 3500 كيلومتر عبر البلاد، بالإضافة إلى 4500 كيلومتر من التنقلات اللازمة للموزعين، وتطالب بإنتاج أكثر محلية. ولا يمكن تصور مثل هذا الإنتاج إلا إذا كانت قوة العمل أرخص ووسائل النقل أبهظ تكلفة، بما يعكس بصورة أفضل تكلفتها الحقيقية من وجهة نظر الاقتصاد، والتنمية المستديمة، ونوعية الحياة(21).
وفى الساعات التي يذهب فيها الناس إلى أعمالهم أو يعودون فيها إلى بيوتهم لا يوجد في المناطق الحضرية، على النطاق العالمي، سوى 1.3 راكب في المتوسط للسيارة الواحدة (1.1 في الولايات المتحدة). وفى الوقت الذي تلجأ فيه بصورة متزايدة قطاعات أخرى مرتفعة الاستهلاك للطاقة إلى أنماط أخرى أقل تلويثا من المحروقات، يستهلك نشاط وسائل النقل المزيد والمزيد من البترول بالأرقام المطلقة والنسبية على السواء. ومن جهة أخرى، إذا استمرت الاتجاهات الحالية فإن عدد الكيلومترات التي تقطعها سنويا كل مركبات العالم يمكن وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يتجاوز في 2010 المستوى المتحقق في 1990 بنسبة 66%.
وتمثل وسائل النقل قطاعا ثقيلا يتميز بالركود التقني، "حيث يستغرق اتخاذ القرارات وقتا طويلا، وحيث يستغرق تنفيذها وقتا طويلا أيضا، وحيث تمتد نتائجها إلى المستقبل البعيد، وتؤثر على مجالات بعيدة جدا أحيانا عن المجال الأصلي وعن الفاعلين الذين يقومون بتشغيلها"(22). ويفرض نفسه بالتالي مجهود مستقبلي خاصة وأن كل سياسة لوسائل النقل تقتضي تشييد بنية أساسية يتجاوز عمرها الافتراضي في كثير من الأحيان خمسين عاما. ويمعن بنجامان ديسِّى Benjamin Dessus النظر في النتائج المنطقية لاختيار البنية الأساسية على استهلاك الطاقة ويشدد بصورة خاصة على مزايا النقل بالسكك الحديدية. وهو يشير إلى أنه "في 1993، كان استهلاك الطاقة للقطار السريع عند مستوى 14 جراما من معادل البترول للراكب الواحد في الكيلومتر الواحد، مقابل 36 جراما للسيارة"، وإلى أنه "خلال خمسين عاما من استغلال البنية الأساسية الضرورية، يدرّ الاختيار الأساسي للقطار، إذن، منذ البداية، دخلا نتيجة توفير الطاقة بنسبة 60% بالمقارنة مع النقل بالطرق، مع تساوى كل الأشياء الأخرى"(23).
وتفرض نفسها تدابير جديدة ومسئولة: مشاركات جديدة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، والعلماء، والخبراء، والمستهلكين، تسمح بإيجاد حلول تتمثل في الاستغناء الجزئي عن السيارة، والنضال ضد كوارث الازدحام الحضري، وتبديد الطاقة، والأضرار الإيكولوجية التي تنجم عن غياب إستراتيجيات للأجل الطويل. ففي أية خيارات يمكن أن نفكر؟
سيارة أكثر كفاءة؟
يراهن عدد من الخبراء على "السيارات الفائقة"، هذه المركبات المنخفضة الاستهلاك للطاقة. ويبدو أن هذا الحل يستند إلى إنجازين. الأول، استخدام مواد أخف وزنا، وأكثر انسيابية، وأكثر مقاومة للصدمات: ويغدو من الممكن بالتالي استعادة جانب كبير من نسبة 80 إلى 85% من الطاقة التي تتبدد عند الاستهلاك كخسارة خالصة قبل الوصول إلى العجلات. والتجديد الثاني هو إدخال نظام هجين يجمع بين الدفع الكهربائي والبنزين: تتيح هذه الطريقة رفع كفاءة استهلاك الطاقة بنسبة تتراوح بين 30% و50%. وعلى هذا فمن المحتمل أن يؤدي الجمع بين هاتين الإستراتيجيتين اللتين تقومان على تهجين الطاقة وأقصى تخفيف للوزن إلى رفع كفاءة استهلاك السيارة للطاقة بنسبة تتراوح بين خمسة أضعاف وعشرين ضعفا بالمقارنة مع المستوى الحالي(24). وتتجه الأبحاث من الآن نحو بطاريات الوقود التي تتيح إنتاج الكهرباء من الهيدروجين. إن بطاريات الوقود هذه، علاوة على واقع أنها تسمح بخفض كبير (وفى أفضل الأحوال بالمنع التام) للانبعاثات الملوثة من المحركات، سوف تسمح أيضا بحل واحدة من المشكلات الرئيسية التي تطرحها السيارات الكهربائية، ألا وهى مشكلة اكتفاء السيارة [أي قدرتها على إعادة شحن البطاريات ذاتيا]. وتكمن المشكلة الرئيسية في تخزين الهيدروجين، ومن هنا فكرة إنتاج الهيدروجين داخل المحرك من أنواع من الوقود مثل الميثان، أو الغاز الطبيعي، أو البنزين(25). وتتمثل خطوة كبرى أخرى نحو إنتاج سيارات أقل تلويثا في تعميم استخدام الألواح الكهربائية الضوئية المدمجة في هيكل السيارة لشحن بطاريات السيارات الكهربائية.
كما يهتم خبراء عديدون باستخدام أنواع جديدة من الطاقة. وعلى سبيل المثال فإن غاز البترول المسيَّل الذي لا تصعد منه جسيمات (على عكس الديزل الذي ينبعث منه 0.05 من الجرام للكيلومتر) يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 3% وانبعاثات أول أكسيد الكربون بنسبة 50%(26). وفى هولندا، حيث محطات الخدمة التي تبيع غاز البترول المسيَّل هى الأكثر عددا في أوروبا، تستخدم 8% من السيارات الآن هذا الوقود الذي يمكن أن تشجع السلطات العامة التوسع في استخدامه عن طريق ضرائب أقل ارتفاعا من الضرائب المفروضة على الأنواع الأخرى من الوقود. ويمثل استخدام الغاز الطبيعي كوقود للسيارة، وهو منخفض التلويث أيضا بنفس القدر، خيارا آخر، مقتصرا بصورة رئيسية في الوقت الحالي على المركبات الخاصة بالأعمال أو تلك التي تعطى الأولوية للاعتبارات العملية على الاعتبارات الجمالية، لأنه يحتاج إلى تركيب مستودع كبير داخل المركبة.
ولا يوجد أدنى شك في أن "السيارات الفائقة" والمحركات التي تعمل بغاز البترول المسيل أو بالغاز الطبيعي كوقود للسيارة سوف تشكل أداة ممتازة للنضال ضد التلوث. وعلى كل حال فإن نجاح هذه السيارات يمكن أن يكون سلاحا ذا حدين، إذا كان لا مناص من أن يسهم في تضخيم مشكلة ازدحام المدن ومشكلة المساكن البعيدة جدا. ومن جهة أخرى، لا ينبغي إهمال تكلفة هذه السيارات. وتبين دراسة حديثة للاتحاد الأوروبى أن التكنولوجيات الموجودة في الوقت الحالي كافية لخفض متوسط استهلاك السيارات من البنزين بنسبة 40%، غير أن التكلفة الإضافية المرتبطة بإنتاج هذه السيارات تتراوح بين 940 و2270 وحدة عملة أوروبية écu (يورو .. الآن) (27). على أن مثل هذه التكلفة الإضافية يمكن خفضها بشدة حالما تصير التكنولوجيات الجديدة واسعة الانتشار في السوق، بدعم السلطات العامة عن طريق الدعم المالي والضرائب التفضيلية.
والواقع، كما يشدد جون ديسيكو John Decicco ومارك روس Marc Ross، أن إحدى العقبات الرئيسية أمام اعتماد تكنولوجيات تسمح بخفض استهلاك الطاقة تتمثل على وجه التحديد في أن الفاعلين في السوق لم يبدوا إلى الآن سوى اهتمام محدود جدا بذلك. ووفقا لهذين الخبيرين فقد ظل استهلاك المركبات الجديدة راكدا منذ اثني عشر عاما، خاصة لأن سعر الوقود ظل منخفضا، ولأن شركات صناعة السيارات تعطى الأولوية لزيادة قوة وراحة المركبات على حساب قدر أكبر من الاكتفاء. ومن هنا أهمية تدابير الحوافز مثل الضرائب على المركبات المرتفعة الاستهلاك للوقود(28). ومع ذلك تبدو بعض العلامات المشجعة. إذ أن عددا من شركات صناعة السيارات صارت تدرك أهمية إجراء خفض للانبعاثات الملوثة لمركباتها وصارت تبدى الآن اهتماما بإنتاج السيارات الهجينة أو المركبات التي تعمل بالهيدروجين، ونعنى تويوتا، أو جنرال موتورز، أو فولكسڤ-;-اجن، أو ڤ-;-ولڤ-;-و، أو رينو، أو بيجو ـ ستروين، أو حتى ديملر ـ كريسلر. غير أنه، كما يشدد دانييل سبيرلنج Daniel Sperling، تبقى المبالغ المخصصة لتطوير هذه المركبات هزيلة، فقد ارتفعت في مجموعها إلى مليارات قليلة من الفرنكات خلال تسعينيات القرن العشرين، في حين أن نفقات دعاية صناعة السيارات الأمريكية تمثل وحدها 25 مليار فرنك في السنة(29).
ولا ينبغي أن ننسى أيضا أنه إذا كانت التكنولوجيات تتحسن فإننا نشهد في الوقت نفسه تفاقم أوضاع حركة المرور وشيخوخة أسطول السيارات، كما لا ينبغي أن ننسى أيضا أن هامش التقدم التقني أضعف في مدن الولايات المتحدة واليابان اللتين تطبقان منذ وقت أطول سياسات ترمى إلى الحد من الآثار الضارة للتلوث المروري. وتبين دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه حتى إذا تم إنزال مليون من السيارات التي تعمل ببطاريات كهربائية أو ببطاريات هيدروجين إلى الطرق في الولايات المتحدة فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لن تقل سوى 1% فقط بالمقارنة مع المعدلات الملحوظة في الوقت الحالي في الولايات المتحدة(30).
وهذا هو السبب وراء حقيقة أن الإنجازات المتعلقة بكفاءة طاقة السيارات، حتى إذا كانت كبيرة، ينبغي أن تكون مصحوبة بتدابير أخرى في الأعوام المقبلة.
إعطاء الأولوية
لوسائل النقل العام
يتمثل الحل المفضل لتخفيف مشكلة الازدحام في تعزيز دور وسائل النقل العام في المراكز الحضرية الأكثر ازدحاما. والواقع أنه عندما يستخدم عدد كافٍ من الأشخاص وسائل النقل المشترك فإنها تسمح باستخدام أفضل كثيرا للمساحة والطاقة، بتكلفة أقل جدا من تكلفة السيارة الخاصة، وبخفض التلوث بصورة ملموسة وكذلك غازات الدفيئة. وتمضى وسائل النقل العام يدا في يد مع الاحتفاظ بقدر من مركزية أماكن قيام ووصول الانتقالات. ولهذا فإنها تتوافق مع الاحتفاظ بالهياكل الحضرية الموروثة من التاريخ. وهى تساعد أيضا في زيادة قيمة الاستثمارات الضخمة في البنية الأساسية والعقارات التي يتم توظيفها في وسط المدينة.
وفى البلدان النامية بصورة خاصة، تكون شبكات وسائل النقل العام غير كافية في كثير من الأحيان، بالمقارنة بالطلب المحتمل. ومع ذلك، فمن الآن حتى عام 2000، سوف تضم البلدان النامية 16 من المدن الضخمة التي يزيد عدد سكان كل مدينة منها على 12 مليون نسمة. لقد آن الأوان إذن للتخطيط بكل جدية لتحسين الشبكات القائمة أو إقامتها عندما تكون غير قائمة. والواقع أن الحيز الحضري الذي يستخدمه المشاة والنقل العام أقل مائة مرة تقريبا من الحيز الذي تستخدمه السيارات ومواقفها(31). وفى مدن كثيرة جدا، جرى إهمال وسائل النقل المشترك وهى تعتبر الآن خدمة تخص السكان المحرومين الذين لا يمتلكون سيارات، مما ينعكس في صورة المعدات القديمة، وفى حالة سيئة، وبطاقة نقل غير كافية(32). وينبغي أن نعكس هذا الاتجاه.
وخلال العشرين سنة الأخيرة، تم تجهيز عدد من المدن الكبرى في العالم الثالث، مثل مكسيكو سيتي، وشنجهاي، والقاهرة، بمترو الأنفاق، مما أسهم بصورة كبيرة في تحسين المرور في وسط المدينة، وكان لولا ذلك سيظل على شفا الازدحام الكلى. على أن إنشاء مترو الأنفاق باهظ التكلفة، ويرى عدد من البلدان النامية أن مواردها غير كافية لتزويد نفسها بهذا النوع من البنية الأساسية.
وتتجه السلطات العامة بالتالي بصورة متزايدة نحو إنشاء أو إصلاح شبكات خفيفة تتمحور حول استخدام الترام. والواقع أن إنشاء شبكة خفيفة أرخص كثيرا، كما شدد مارسيا لووى: إنه يكلف في المتوسط خُمْس سعر مترو السطح، وعُشْر سعر مترو الأنفاق(33). وعلى عكس المترو، لا تقتضي الشبكة الخفيفة تشييد طريق مرور خاص مستقل، بل يمكن أن تندمج مع طرق المرور القائمة. غير أن من الجلي أنه سيكون أكثر فائدة أن يجرى الاحتياط لاستخدام مسار مخصص لها من أجل تحقيق أقصى الكفاءة ومن أجل حفز مستعمليها على الإقبال عليها: وعلى سبيل المثال، يستغرق الركاب في مانيلا 15 دقيقة لقطع 22 كيلومترا على خط الترام الخفيف، في حين يستغرق قطع المسافة نفسها في طريق السيارات حتى ساعتين. ومن جهة أخرى، دفع نجاح هذا الخط الحكومة إلى إعداد برامج لإنشاء ثلاثة خطوط إضافية.
ويتمثل حل آخر في إعادة تأهيل شبكات السكك الحديدية وربطها بخطوط الحافلات السريعة. وعلى سبيل المثال، أنشأت كل من داكار ولاجوس خطوط الضواحي الخاصة بها باستخدام الطرق القائمة. وفى هاتين الحالتين، ارتفع عدد الركاب كما أن الشبكات التي تم إنشاؤها تغطى الأموال التي أنفقت عليها، وليس هذا هو الحال المألوف في المشروعات العامة لوسائل النقل(34). وقامت هونج كونج بتحديث شبكة قطارات ضواحيها بتكلفة بلغت 13.2 مليون دولار للكيلومتر الواحد، أي حوالي 10% من تكلفة مترو الأنفاق. وبطريقة مماثلة، جددت ريو دي جانيرو وسان باولو، شبكات السكك الحديدية للمناطق شبه الحضرية المحيطة بهما وكانت شبكات طويلة جدا ولكن في حالة سيئة، وهى الآن قادرة على نقل أكثر من مليون راكب كل يوم في كل مدينة منهما.
ويمكن أن يسهم تطور النقل الذكي باستخدام التليماتيك في تحقيق تنظيم أفضل لتدفق وسائل النقل، كما أنه يجعل اللجوء إلى وسائل النقل العام أكثر جاذبية. وفى هولندا، تتم برمجة إشارات المرور وفقا لعدد السيارات الموجودة في حركة المرور من أجل إعطاء الأولوية للحافلات: وقد سمح العائد الأفضل للحافلات بزيادة استعمالها وخفض معدلات تشغيلها. وبالتالي يمكن أن يرفع التليماتيك طاقة البنية الأساسية المرورية القائمة، بنسبة 10% على الأكثر وفقا للخبراء(35)، غير أنه لن يكون كافيا لحل مشكلة ازدحام المدن.
ويذكر فرنسوا أشير François Ascher أولوية أخرى لصالح وسائل النقل المشترك في السنوات المقبلة: لا مفر من أن تتكيف وسائل النقل المشترك مع تحولات المجتمع في سبيل تفادى هبوط تدريجي ومتواصل في استعمالها، ولهذا فلا مفر إذن من إعادة النظر فيها بل حتى من إعادة اختراعها. ونحن نشهد بالفعل التطبيق المتزايد لعدم تزامن ساعات عمل الأفراد، التي صارت أكثر اختلافا عما كانت في الماضي. ومن جهة أخرى فإن أكثر من نصف الانتقالات لها الآن دوافع أخرى غير العمل. وصارت تحركات الأفراد موزعة بطريقة أقل تزامنا، ونحن نشهد الآن إطالة "مدة استمرار نشاط" المدينة(36).
وفى نظر أشير، يندرج هذا الاتجاه في اتجاه عام: إضفاء الطابع الفردي بصورة متزايدة على الممارسات والمواعيد اليومية. وبفضل الإنجازات التكنولوجية، خاصة في مجال الاتصالات، تغدو السيطرة على مقتضيات الوقت أفضل فأفضل، والحقيقة أن الناس لم يعودوا يتحركون في الزمن، بل يكيفونه لأنشطتهم. وإذا كنا لا نريد أن نترك المدن الكبرى لسيارة الفرد الواحد فإنه ينبغي إذن إعادة التفكير بعمق في وسائل النقل العام لجعلها تتكيف مع التدفقات الضعيفة ولكن الدائمة والأكثر تباينا. وقد يكون هذا أحد التحديات الرئيسية، في المستقبل، التي سوف يكون من الواجب أن تواجهها سياسات وسائل النقل الحضري خلال العقود المقبلة.
كوريتيبا: تأمين تمتع الجميع
بوسائل النقل بتكلفة اجتماعية وبيئية قليلة
كوريتيبا هى أسرع مدينة نموا في البرازيل، إذ أن عدد سكانها ارتفع إلى أكثر من ثلاثة أضعافه خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية. غير أن هذه المدينة معروفة بأنها واحدة من أيسر المدن في الحياة في البرازيل، ويرجع هذا بجانبه الأكبر إلى سياسة متكاملة في تخطيط وسائل النقل واستغلال الأراضي. نُظمت المدينة حول محورين تتعايش على طولهما البنية الأساسية السكنية والتجارية. ويتحدد كل محور بثلاث طرق متوازية، يخصص الطريق الأوسط منها لوسائل النقل العام. أما الطريقان الآخران وهما باتجاه واحد فإنهما مخصصان لباقي حركة المرور. وقبل اعتماد خطة التنمية الحضرية في 1964، اشترت البلدية أراضي على طول المحورين بغرض بناء مساكن من أجل الفئات غير القادرة من السكان. وكان هدف السلطات تأمين وصول الجميع إلى وسط المدينة. وبالإضافة إلى المحورين الأصليين، صارت كوريتيبا تمتلك اليوم ثلاثة محاور إضافية للتنمية الحضرية.
ويتمثل أحد مفاتيح نجاح التنمية الحضرية لكوريتيبا في شبكة وسائل نقلها العام التي تستند إلى شبكة حافلات تستخدم الطريق الأوسط للتدفقات الرئيسية العابرة وتغذى الطريقين الآخرين لحركة المرور. وبصورة تعكس زيادة بالغة في الطلب، نشأت شبكة وسائل النقل العام في كوريتيبا على مر الأعوام لتلبية طلب عدد متزايد من مستعمليها. وقد ارتفع رقم هؤلاء من 50000 في اليوم في 1974، إلى 800000 في اليوم في 1994، وتسيطر شبكة وسائل النقل العام لكوريتيبا على تدفق ركاب أكبر أربع مرات من ذلك الخاص بشبكات الحافلات التقليدية. وكان العامل الأول الذي أتاح زيادة تدفق الركاب هو استخدام الطرق المخصصة لوسائل النقل العام. وكان العامل الثاني هو إدخال حافلات مفصلية أتاحت زيادة تدفق الركاب مرتين ونصف بالمقارنة بشبكات الحافلات التقليدية. وكان العامل الثالث اختراع محطات الحافلات على شكل أنبوبة، بحيث تكون المحطة مغلقة عند طرف ومجهزة بأرصفة مرتفعة لصعود الركاب الذين يدفعون أجر مسافة رحلتهم عندما يدخلون المحطة من الطرف المفتوح للأنبوبة. وقد أتاح هذا النظام تسريع صعود الركاب وتفادى وجود مُحصِّل. وقد سمح إدخال محطات على شكل أنبوبة بمضاعفة تدفق الركاب إلى 3.2 مرة بالمقارنة بالشبكات التقليدية. وكان العامل الرابع إدخال حافلة مفصلية مزدوجة سمحت بمضاعفة تدفق الركاب أربع مرات كمجموع كلى.
وقد اعتمدت السلطات المسئولة عن وسائل النقل العام "تعريفة اجتماعية" فريدة سمحت بإجراء عدد محدود من التغييرات، وهذا لتفادى معاقبة الأشخاص الذين يعيشون في الأطراف الأكثر فقرا من المدينة. وعلاوة على هذا فإنه يمكن تبادل الفضلات والقمامة المنزلية مقابل تذاكر الحافلات، مما يسمح في آن معا لأفقر الفقراء بتوفير عبء مالي لا يستهان به وللبلدية بخفض الجزء المخصص من موازنتها لجمع القمامة. وتسمح التعريفات المطبقة بتغطية مجموع تكلفة شبكة وسائل النقل العام، هذه الشبكة التي تديرها بصورة مشتركة البلدية ومشروعات محلية. وتجرى مكافأة شركات الحافلات وفقا لعدد الكيلومترات المقطوعة وليس وفقا لعدد الركاب، مما يشكل حافزا لتغطية مجموع منطقة المدينة. والبلدية مكلفة بتشييد البنية الأساسية وصيانتها، غير أن هناك حقيقة لافتة للنظر وهى أن شبكة وسائل النقل العام لكوريتيبا لا تتلقى دعما ماليا. ويركب حوالي 70% من السكان الحافلة كل يوم (وكان 28% من المستعملين الحاليين لوسائل النقل العام يتنقلون بالسيارة من قبل). وقد سمحت شبكة وسائل النقل العام لكوريتيبا بخفض استهلاك البنزين للفرد بنسبة 30% بالمقارنة باستهلاك المدن الأخرى ذات الحجم المماثل في البرازيل كما سمحت بتحسين نوعية الهواء، وهو اليوم أكثر نقاء مما في أيّ مدينة أخرى في البلاد. وتتعلق مبادرات مهمة أخرى بصورة خاصة بتحويل الحافلات القديمة إلى فصول دراسية متنقلة. وأثبتت بلدية قرطبة قدرتها على الاحتياط للتنمية الحضرية بمجملها وعلى حل المشكلات على أساس منهجي. وتعتبر تجربتها مثالا للنجاح يمكن أن تستلهمه كل البلديات الأخرى.
المصادر:
Jonas Rabinovich (Urban Development Unit, UNDP), « Curitiba : towards sustainable urban development », Environment and Urbanization, vol. 4, n° 2, octobre 1992-;- papiers présentés lors de re-union-s internationales, 1992, 1994 -;- Factor Four, rapport présenté au Club de Rome, 1995-;- Habitat II, Information initiale sur les meilleures pratiques pour l amélioration de l environnement bâti, Nations Unies, 1995.
تشجيع وسائل النقل
التي لا تسير بمحركات
تتمثل وسيلة أخرى بسيطة جدا لتفادى النتائج السلبية للازدحام، والتلوث، وتبديد الطاقة، في إعطاء أولوية لتيسير وصول المشاة وراكبي الدراجات إلى شبكات الطرق الرئيسية، بما يجعل الشوارع العادية أكثر أمانا للدراجات وإقامة شبكات طرق للدراجات. وقد اتخذت بالفعل إجراءات بهذا الغرض في عدد من المدن، التي قررت فيها السلطات البلدية حظر وصول السيارات إلى وسط المدينة أو الخفض الشديد لفرص وصولها إليه.
وفى كوبنهاجن، مثلا، تم حظر وقوف السيارات في شوارع وسط المدينة، وحلت محل مناطق وقوف السيارات حدائق صغيرة عامة نسقها رسامون لمناظر الطبيعة، في حين تمت زيادة عدد أماكن وقوف الدراجات بجوار المحطات. وبطريقة مماثلة، ألزمت السلطات، في هراري، تجار وسط المدينة بتوفير أماكن لوقوف الدراجات(37). وفى فرنسا، تقدم استعمال الدراجة في استراسبورج بنسبة 15% من الانتقالات مقابل 3% بالنسبة لبقية البلاد، لأن السيارات مبعدة من وسط المدينة بفضل سياسة البلدية هناك.
وينبغي أن نحدد بوضوح أن الموقف المفضل إزاء الدراجة ليس بالضرورة موقف نبذ إزاء السيارات. وعلى سبيل المثال يستشهد معهد المراقبة العالمية بمثال هولندا، فهي ليست فقط بلدا صناعيا اتخذت فيه السلطات العامة المزيد من التدابير لصالح راكبي الدراجات، بأعلى كثافة للطرق المخصصة للدراجات في العالم، بل هى أيضا البلد الذي نجد فيه أعلى كثافة لحركة مرور السيارات، مع أنها تملك واحدة من شبكات النقل المشترك الأكثر اتساعا(38).
والحقيقة أن الدراجة تبقى مرتبطة في كثير من الأحيان، في مخيلة السكان، بحالة مجتمع سبق إلى الوفرة والرخاء. على أنه ينبغي على العكس أن نجعل من استخدامها موضع اعتزاز، بالإصرار على مزاياها: إنها بالفعل وسيلة نقل صامتة، ومرنة، وغير ملوثة، وممتازة للصحة، ولا تتطلب سوى القليل من البنية الأساسية، وعلاوة على هذا فإن الدراجة ينظر إليها في كثير من الأحيان على أنها خطرة. غير أنه في فرنسا، على سبيل المثال، تميل البيانات إلى إثبات العكس. وتبين أرقام 1993 ما يلي: لكل 000 100 من الدراجات قتيلان، ومن المركبات الخاصة 24 قتيلا، ومن الدراجات ذات المحركات البخارية الصغيرة 25 قتيلا، ومن الدراجات البخارية 86 قتيلا. ولهذا ينبغي القيام بحملات معلومات حتى يتحسن هذا التصور الذاتي عن الأمن.
وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقريرها عن وسائل النقل الحضري والتنمية المستديمة أنه ما لم يتم إعداد سياسات نوعية للحفز والتنظيم فإن أنماط الانتقالات الصديقة للبيئة مثل السير على القدمين والدراجة سوف تستمر في التراجع(39). ويوشك أن يكون هذا هو الحال في آسيا حتى إلى مدى أبعد، مع المزيد من وصول الاقتصادات الناشئة إلى مرحلة الاقتصادات الصناعية. وبالفعل فإن ارتفاع الدخول المتاحة ما يزال تتم ترجمته في كثير من الأحيان إلى اقتناء سيارة.
وعلى كل حال، توجد حركة معاكسة ملحوظة من الآن: كلما أدرك الأفراد والمجتمعات الإقليمية والمحلية ـ وعلى رأسها المدن ـ الأضرار والمخاطر التي يسببها الاعتماد المفرط على السيارة، هذا الشكل الغريب من "جنون السيارات" الذي لا نملك إلا أن نأمل في أن يؤدي رفع مستوى التعليم إلى تحريرنا منه تدريجيا في القرن الحادي والعشرين، يمكن أن نتوقع أن تشهد وسائل النقل التي تعمل بدون محرك استعادة لشعبيتها.
فهل نحن بحاجة إلى أن نستدعى الاستعمال المكثف والتقليدي للدراجات في الصين وفى مناطق من آسيا حيث أن من الضروري هناك تشجيع هذا في مواجهة إغراء الإفراط في استخدام السيارات؟ وفى هولندا والدنمارك، تتم نسبة تتراوح بين 20% و30% من الانتقالات الحضرية بالدراجة. وفى الولايات المتحدة، خلال السنوات العشر الأخيرة، ارتفع بشدة عدد الأشخاص الذين يذهبون إلى العمل بالدراجة ليصل إلى ثلاثة أضعاف، وقد ارتفع اليوم إلى ثلاثة ملايين شخص(40). وهذه العلامات مشجعة.
ومن جهة أخرى فإن فكرة تخطيط حضري يعطى أقصى الأهمية للمشاة وراكبي الدراجات تغدو حاسمة خاصة وأنها تسمح بتعزيز النضال ضد الفقر والحرمان: وبالفعل فإن أسرة من كل أربع أسر في البلدان النامية لا تملك وسائل دفع أجرة وسائل النقل العام ـ الأمر الذي يمثل مصدر أكبر الفوارق في الحصول على التعليم، والصحة، والعمل، والخدمات، والثقافة، وكذلك مصدر إعادة إنتاج هذه الفوارق في الجيل التالي. وفى مانيلا، على سبيل المثال، يتعين على الفقراء التضحية بما يصل إلى 14% من دخولهم للذهاب إلى أعمالهم(41). وبهذا الصدد فإنه لا حاجة بنا إلى المزيد من التشديد على أن سياسات إضفاء الطابع الحضري القائمة على انتشار التجمعات السكانية على أراضٍ متزايدة الاتساع إنما تؤدى قبل كل شيء إلى حرمان الفئات الأكثر تأثرا من السكان، لأن هؤلاء يعيشون في أغلب الأحيان في أبعد الأحياء عن مركز النشاط الاقتصادي. وتؤكد هذه المشكلة بصورة مماثلة أهمية أن يتاح للفئات الأكثر حرمانا من السكان الحصول على تذاكر مواصلات مدعومة.
نحو تنظيم أفضل للمكان
في كثير من الأحيان، تكون سياسات النقل وحركة المرور منفصلة عن سياسات تحديد مواقع المساكن، والوظائف والإمدادات. ولهذا تبذل المدن قصارى جهدها للملاءمة بين عرض النقل والطلب عليه في حين أنه يجب أن يكون بمستطاعها أيضا التأثير على الطلب، أيْ خفض الحاجة إلى الانتقال من خلال تنظيم أفضل لتحديد مواقع مختلف الوظائف الحضرية. إن حركة الفرد، وهى حرية ثمينة، تصير إكراها مكلفا بصورة متزايدة للفرد كما للمجتمع، من وجهة نظر اقتصادية، وإنسانية، وبيئية. وكما يشدد بنجامان ديسِّى فإن القرارات المتعلقة بالتخطيط الحضري تؤثر على استهلاك الطاقة بصورة خاصة: إن تبعثر أو تباعد المساكن يؤدي إلى إسراف أشد. وعلى سبيل المثال، "في حين أن ساكنا في مدينة قليلة الكثافة السكانية جدا مثل فويينكس في أريزونا (عشرة سكان في الهكتار) يستهلك في المتوسط 1.6 طن متري من معادل البترول في السنة في تنقلاته، يستهلك ساكن منطقة باريسية (خمسون من السكان في الهكتار) 0.25 طن متري من معادل البترول في السنة، ويستهلك ساكن في طوكيو أو سنجافورة (مائة وخمسون ساكن في الهكتار) أقل من 0.15 طن متري من معادل البترول في السنة"(42).
ويشكل المنظور الحضري والتخطيط الحضري مسألة حاسمة كليا، ليس فقط من منظور تحسين شبكات النقل، بل أيضا لأن صحة السكان ونوعية حياتهم تتعرضان للخطر. والحقيقة أنه يمكن بفضل استباق أفضل للمشكلات الحضرية وإدارة إستراتيجية في الأجل المتوسط والطويل لهذه المشكلات أن يتاح بصورة خاصة خفض الحوادث المرتبطة بحركة المرور والأمراض المرتبطة بالتلوث الجوي، وبالتالي الخفض، بالوقاية، للاحتياجات من البنية الأساسية مثل المستشفيات، أو نقطة المطافئ، أو حتى خدمات الإسعاف. وفى المستقبل، سوف ينبغي إذن إعادة التفكير في استغلال الأراضي وطريقة تصميم المدن. والواقع أن النماذج الحالية تشجع في أكثر الأحيان على إطالة المسافات ومضاعفة التنقلات لإشباع كل حاجة نوعية(43). وهذا التخطيط الحضري المبعثِر والمشتِّت الذي يصاحب استعمالا مفرضا للسيارات يكلف المدن والمجتمع غاليا: إنه يفاقم دون جدوى فقدان الأراضي، ويلحق الأضرار بالبيئة، ويعرقل الحصول على الخدمات العامة نتيجة لتوسيع المناطق الحضرية، ويدفع إلى أن تهبط الاستثمارات والإيرادات المالية في البلديات كلما انتقلت الأنشطة الاقتصادية نحو الأطراف.
وقد شدد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المستوطنات البشرية (الموئل 2، إسطنبول، حزيران/يونيه 1996) بقوة على ضرورة خفض وسائل النقل الحضري عن طريق توزيع الحاجات إلى الانتقال من خلال تخطيط حضري أفضل أو نموذج حضري جديد أفضل (تكثيف)، بشبكات نقل حضري مطورة وملائمة، وساعات عمل مرنة، والعمل من المنزل [بالاتصال عن طريق الوسائل الحديثة بالمكتب أو الشركة] Télécommuting. وقد ألحّ البنك الدولي بصورة مماثلة على أهمية تفادى سياسة لاستغلال الأراضي تقوم على الكثافة الضعيفة للسكان، خاصة عندما تكون التكلفة الخاصة للانتقال المتزايد أقل بصورة واضحة من التكلفة الاجتماعية(44).
وقد بينت الدراسات التي أجريت في المدن الكبرى في كندا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، أن ارتفاعا لكثافة السكان أو المستوطنة البشرية إلى الضعف قد أفضى إلى انخفاض بنسبة 20 إلى 30% من الكيلومترات سنويا للتنقل بالسيارة للفرد. كما أن استهلاك البنزين يتناسب عكسيا مع الكثافة الحضرية(45). ومن هنا الأهمية المتعلقة بتكثيف للمدن وبإنشاء شبكات جديدة لوسائل النقل العام، وبالتالي بتجديد للتخطيط الحضري وبإدارة أفضل للضريبة العقارية واستغلال الأراضي.
وفى غياب سياسات منسقة تربط الحكومات، والبلديات، وصناع القرار العامين والخاصين، والخبراء، وجمعيات المستهلكين، سوف نشهد في كل القارات ازدياد الأوضاع التي لا يمكن إصلاحها إلى حد كبير مثل وضع لوس أنجلوس، حيث شجعت التنمية الحضرية أقصى التبعثر والتباعد، وحيث يتم الآن استغلال ثلثي الحيز الحضري لحركة مرور السيارات، مما يعزز الفصل الحضري التمييزي. وليس من المقصود رفض التقدم، بل المقصود، على العكس، استخدامه بمعرفة تامة في سبيل جعل المدن أكثر حضرية: ملائمة أكثر للعيش فيها، ومضيافة أكثر، ومدينية أكثر، ومدنية وديمقراطية أكثر بالتالي.
أخذ التكلفة الحقيقية لوسائل
النقل في الاعتبار بصورة أفضل
من أجل تشجيع التوسع في وسائل نقل مشترك أسرع وأكفأ، ينبغي أيضا أن نجعل أصحاب السيارات يدفعون التكلفة الحقيقية التي يتكبدها المجتمع نتيجة لزيادة حركتهم. وينبغي في الواقع كسب التأييد لفكرة أن الإفراط في التنقلات بالسيارة له نتائجه المنطقية السلبية على الاقتصاد، والبيئة، ونوعية الحياة، وبالتالي على التنمية. ولن تكون هذه المهمة سهلة، إذ أن فكرة التنمية كانت مرتبطة، في أساطير القرن العشرين، بفكرة السيارة والبنية الأساسية للطرق. وتتمثل التدابير الملائمة بصورة خاصة في زيادة الضرائب على البنزين، أو توحيد تكلفة وقوف السيارات، أو حتى استخدام نظام تسعير متدرج. ويمكن بحق استخدام الإيرادات التي يتم الحصول عليها بفضل هذه التدابير لتحسين وسائل النقل العام، والمشاركة في السيارات، والطرق الملائمة للدراجات، وطرق المشاة.
وسوف يكون الهدف النهائي من وراء هذه التدابير، وفقا لـ مارسيا لووى، بناء "شبكة وسائل نقل يسود فيها مبدأ: "الوصول، وليس الإسراف"(46). وفى الفليبين، أدت الضرائب الثقيلة على البنزين وعلى السيارات، منذ 1975، وتحسين وسائل النقل المشترك، بين 1976 و1985، إلى انخفاض بنسبة 43% في الاستهلاك الكلى للبنزين، رغم زيادة السكان ونصيب الفرد من الدخل. وبصورة مماثلة، ففي مناطق الخدمات بوسائل النقل المشترك، انخفض الوقت الذي يتم إنفاقه على الطرق بحوالى الثلث. ومن الممكن بالتالي، حتى بالنسبة للبلدان النامية، الجمع بين السيطرة على الطاقة، وثقافة التنمية المستديمة، وتحسين وسائل النقل ونوعية الحياة الحضرية.
ويحقق التسعير المتدرج ميزة دفع تكلفة استعمال سيارة وفقا لتعريفات ترتفع عند ساعات الذروة وفى المناطق الأكثر ازدحاما في حركة المرور، مما يعكس مساهمة كل سيارة في الازدحام. ويتيح هذا المعيار في الواقع العقاب على الازدحام الذي تُعَدّ نتائجه المنطقية المتمثلة في التلوث خطيرة بصورة خاصة(47). وقد بينت دراسة أجريت في سان فرانسيسكو في 1983 أن نظاما للتسعير المتدرج وفقا لدرجات الازدحام يرفع عدد مستعملي وسائل النقل المشترك بنسبة من 10-20%. ويعمل هذا النظام بنجاح في سنجافورة منذ 1975، وفى النرويج منذ أكثر من خمس سنوات. وهو الآن قيد الدراسة في عدد من البلدان. ولكي يكون هذا النظام مقبولا من جانب أصحاب السيارات الذين اعتادوا منذ وقت طويل على المجانية فإن كل تدبير يرمى إلى جعلهم يدفعون تكلفة استعمال سياراتهم يجب أن يكون موضوعا لجهد للشرح والتفسير. ومن جهة أخرى فإنه لتفادى معاقبة السكان الأقل تمتعا بالامتيازات، من المهم في الوقت نفسه تحسين عرض وأداء وسائل النقل العام.
نحو إستراتيجية متكاملة للمستقبل
والواقع أن الفكرة التي من الضروري وحتى من الملحّ وفقا لها اتخاذ تدابير جذرية لإعادة ابتكار سياسات للنقل، وأخذ تأثيرها على البيئة في الاعتبار، صارت متزايدة الانتشار، كما يشهد تقرير اللجنة الملكية بشأن تلوث البيئة في إنجلترا، والذي أوصى في 1944 بزيادة للضرائب على الوقود بنسبة 9% في السنة، وبخفض لنصف النفقات المخصصة لطرق السيارات، وبزيادة كبيرة للنفقات المخصصة لوسائل النقل المشترك، ووقف تنفيذ برنامج بناء الطرق. وفضلا عن هذا، ووفقا لدراسة حديثة للاتحاد البريطاني للطرق، فإنه حتى إذا ارتفعت الاستثمارات السنوية على الطرق بنسبة 50%، فسوف تستمر مشكلة الازدحام في التفاقم(48).
ويشدد تقرير وسائل النقل الحضري والتنمية المستديمة على أهمية إعداد إستراتيجية متكاملة تجمع بين استغلال أفضل للأراضي، وإدارة أفضل لحركة المرور تشجع بصورة خاصة على اللجوء إلى وسائل النقل المشترك واستخدام رسوم المرور بالنسبة للطرق الأكثر ازدحاما، واستخدام ضريبة على الوقود تتزايد بصورة تصاعدية كل سنة "بهدف تشجيع استعمال المركبات الأكثر اقتصادية، وإنقاص طول وعدد المسافات المقطوعة بالسيارة، وخفض التنقلات بالسيارة بدون راكب، واستخدام أكبر لأنماط النقل الصديقة للبيئة"(49).
ولا شك في أن تنسيقا أفضل وتكاملا أكبر بين مختلف أنماط وسائل النقل أمر جوهري تماما من منظور حركة أكبر، وكفاءة أكبر للطاقة، وتنمية مستديمة. وهذا هو السبب في أن تنظيما شاملا للتنقلات يجب أن يشمل إقامة بنية أساسية للإنترفيس interface [وصلة نقل المعلومات بين برنامجين أو وحدتين فى الكمبيوتر] تتيح للمستعمل تغيير نمط النقل بأقل الأضرار، وبالتالي الاختيار في كل الظروف لنمط النقل الذي يمثل أفضل موازنة بين الحاجات الفردية للركاب وحاجات المجتمع. وهناك تَحَدٍّ هائل آخر بالنسبة لعدد من البلدان النامية: تحدى المحافظة على الطرق. وهناك بالفعل تقديرات تؤكد أنه في غياب صيانة كافية، فقدت الطرق خلال العشرين سنة الأخيرة ما يعادل 45 مليار دولار نتيجة لتدهور بنيتها الأساسية وتجهيزاتها(50).
وبصورة متزايدة، ندرك أن انطلاق سرعة الحركة ليست له نتائج إيجابية فقط بالنسبة لمجتمعاتنا وبالنسبة لبيئتنا. وسيكون علينا، في هذا المجال أيضا، أن نغير تصوراتنا عن الإنسان والمجتمع. والتحدي هائل، إذ أنه على طول التاريخ، كان تحسين الدخول وشروط الحياة مرتبطا بزيادة سرعة الحركة. ومن هنا يشدد أندرياس شافر Andreas Shafer وديفيد فيكتور David Victor على وجود ارتباط قوى بين ارتفاع الدخول وزيادة نفقات النقل(51). والحقيقة أن التعليم والعلوم الاجتماعية والإنسانية المطبقة على السياسة الحضرية، والاتصالات، والمعلومات، مدعوة جميعا هنا إلى أن تلعب دورا أساسيا. غير أنه ينبغي أيضا العمل من خلال سياسات حافزة ذات تأثير مباشر على أساليب زيادة الحركة: بعيدا عن تأخير التقدم فإن التدابير المقترحة هنا تتيح، على العكس، الاستفادة من التقدم لتشجيع السيطرة على الطاقة ولتعزيز فعالية شبكات النقل المشترك. وينبغي أن يشمل هدف إعداد سياسة حديثة لوسائل النقل، في آن معا، خفض الأضرار التي يتم إلحاقها بالبيئة، وضمان وصول الأفراد إلى الخدمات، وإلى الجهات التي يريدون الوصول إليها، والإسهام في أن تغدو المدينة مكانا لتبادل المودة وحسن المعاشرة وليس منطقة حضرية متباعدة الأجزاء وملوثة تعمل لصالح حرمان الأكثر حرمانا. وتوجد بالفعل تكنولوجيات كافية لتحقيق هذا الهدف. فهل توجد الإرادة السياسية الضرورية لذلك؟
منطلقات وتوصيات
تشجيع منظور حضري أفضل وتخطيط حضري أفضل، مع أخذ التطورات الديموجرافية في الاعتبار، بهدف تفادى أن يفضي مسكن بعيد جدا إلى إطالة المسافات بين المسكن والعمل.
منح الأولوية لوسائل النقل العام وإعادة التفكير في ضوء التطورات الاجتماعية.
إعادة التقييم من خلال التعليم، والمعلومات، وتنظيم شبكات حركة المرور، وبطبيعة الحال دور وسائل النقل التي لا تسير بمحركات.
التعزيز بتدابير حافزة للأبحاث المتصلة بتطوير وتسويق المركبات الأقل تلويثا.
ضمان التمتع الفعلي للسكان الفقراء وبسعر منخفض جدا بالبنية الأساسية للنقل.
إشارات الفصل 4
(1) Odile Heddebaut, Guy Joignaux, “Le réseau européen de transports à l horizon 2010. "Maillons manquants" et intégration territoriale”, Futuribles, n° 195, février 1995.
(2) Kenneth M. Gwilliam, Transport in the City of Tomorrow, The Transport Dialogue at Habitat II, TWU Papers, World Bank, Washington, D.C., 1996.
(3) Marcia Lowe, “Reinventing transport”, State of the World 1994, World Watch Institute, Washington, D.C.
(4) É-;-mile Quinet, “Vers une politique des transports”, Futuribles, n° 195, février 1995.
(5) World Bank, Sustainable Transport: Priorities for Policy Reform, Washington, D.C., 1996.
(6) Marcia Lowe, “Rethinking urban transport”, State of the World 1991, World Watch Institute, Washington, D.C.
(7) World Bank, op. cit.
(8) Marcia Lowe, 1994, op. cit.
(9) The Economist, 24 janvier 1998.
(10) Marcia Lowe, 1994, op. cit.
(11) The Economist, 18 juin 1994.
(12) OCDE, Transports urbains et développement durable, Paris, 1995.
(13) Marcia Lowe, “Redécouvrir le rail”, L É-;-tat de la planète 1993, World Watch Institute, Washington, D.C.
(14) World Bank, 1996, op. cit.
(15) Le Monde, 13/06/96.
(16) Le Monde, 19/07/95.
(17) World Bank, 1996, op. cit.
(18) OCDE, L Automobile à l aube du XXIe siècle, Paris, 1995.
(19) The Economist, “The coming car crash”, 10/05/97,
(20) Marcia Lowe, 1994, op. cit.
(21) E. von Weizsä-;-cker, A. Lovins, L, Lovins, Factor Four--Doubling Weallh, Halving Resource Use, Earthscan, 1997.
(22) É-;-mile Quinet, 1995, op. cit.
(23) Benjamin Dessus, É-;-nergie, un défi planétaire, Paris, Belin, 1996.
(24) E. von Weizsä-;-cker, A. Lovins, L. Lovins, 1997, op. cit.
(25) Le Monde, “Comment réduire la pollution de l air en ville”, 15/11/97 -;- The Economist, “At last, the fuel cell”, 25/10/97.
(26) Le Monde, 17/04/96.
(27) Heddebaut, Joignaux, 1995, op. cit.
(28) John Decicco, Marc Ross, “La nouvelle génération d automobiles”, Pour la science, La. science des transports, dossier hors-série, janvier 1998.
(29) Daniel Sperling, “Les véhicules électriques et hybrides”, Pour la science, La science des transports, dossier hors-série, janvier 1998,
(30) OCDE, La Pollution des véhicules à moteur, stratégies de réduction au-delà de 2010, Paris, 1995.
(31) -union- internationale des transports publics. Des villes à vivre: le défi du transport public, Pierre Laconte, rédacteur en chef, UITP, Bruxelles, 1996.
(32) Brian Williams, Transport in the City of Tomorrow, Discussion Paper, Dialogue for the 21st Century, Habitat II, Second United Nations Conference on Human Settlements, Istanbul, juin 1996.
(33) Marcia Lowe, 1993, op. cit.
(34) Ibid.
(35) The Economist, “Living with the car”, 06/12/97.
(36) François Ascher, “La ville, l individu et le temps concassé”, Libération, 3/4/96,
(37) Marcia Lowe, 1991, op. cit.
(38) Marcia Lowe, “Aborder l avenir à bicyclette”, É-;-tat de la planète 1990, World Watch Institute, Washington, D.C.
(39) OCDE, Transports urbains et développement durable, Paris, 1995,
(40) Marcia Lowe, 1994, op. cit.
(41) World Bank, 1996, op. cit.
(42) Dessus, 1996, op. cit.
(43) Marcia Lowe, 1994, op. cit.
(44) World Bank, 1996, op. cit.
(45) UITP, 1996, op. cit.
(46) Marcia Lowe, 1994, op. cit.
(47) يصل تلويث محرك سيارة يدور على الواقف [أثناء توقف السيارة] إلى ثلاثة أضعاف محرك سيارة متحركة: على هذا النحو، لا يكفي تحسين التقنيات التي تجعل السيارة أكثر "نظافة" للتعويض عن زيادة التلوث المرتبط بالازدحامات الأكثر عددا: The Economist, “Living with the car”, 6 décembre 1997 .
(48) The Economist, 24 janvier 1998.
(49) OCDE, Transports urbains et développement durable, Paris, 1995.
(50) Kenneth M. Gwilliam, Individual Sustainable Mobility-Priorities for Policy Reform and an Agenda for Action, World Bank, Washington, 1996.
(51) Andréas Schafer, David Victor, “L évolution de la mobilité dans le monde”, Pour la science, La science des transports, dossier hors-série, janvier 1998. : يشدد هذان الخبيران من جهة أخرى على أنه، مهما كانت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية، فإن الوقت الذي يتم قضاؤه داخل وسائل النقل ظل إلى الآن ثابتا وعلى أنه يستقر في المتوسط عند 1.1 ساعة في اليوم: على سبيل المثال، نظرا لأن "سرعة حركة الأفراد ترتفع مع الدخل فإن هؤلاء يستخدمون وسائل نقل أسرع؛ وهم يقطعون بالتالي مسافة أكبر في نفس الوقت".
#خليل_كلفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟