أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حمدان - طوبى لمن يبني على الأرض طوبة














المزيد.....

طوبى لمن يبني على الأرض طوبة


مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)


الحوار المتمدن-العدد: 4793 - 2015 / 5 / 1 - 09:36
المحور: الادب والفن
    


كان يوماً كباقي الأيام في زمننا،واثناء عودتي من العمل آخر النهار،حيث كان نصيبي أن أجلس بجانب رجلاً في الستينات من عمره،وبدا لي أنه يعمل في حقل البناء كوْنَ ملابسه لا زالت تحمل آثار بقايا الاسمنت الجاف،وعلى كفيْه بعض التراب
الذي لم تزيله ماء البراميل في ورشة البناء.
بسَكينة وهدوء يجلس على المقعد وينظر من نافذة الباص إلى كل شيء ، وخارج الزجاج ربما كان يحْلُم مستيقظاً ليوم أفضل من اليوم الحاضر ، وربما كان يجمع في رأسه المثقل ما حصَلَتْ عليه يداه بعد يوم من الشقاء وهل تكفي لليوم أو اليوم التالي
كم تَذَكرت أبي في تلك اللحظة التي كنت أتأمل بها الرجل بجانبي ، حيث كنت وأخوتي ننتظره عند المساء عندما يعود إلى البيت من العمل في حقل البناء ويحضننا بين ذراعيه سعيداً بنهاية يوم من العمل وبلقائنا ، وكانت رائحته مميزة كتلك التي
يحملها هذا الرجل بجانبي ، رائحة الإسمنت والتراب والعرق الجاف على جسده .
لا زلت أحدق بهذا الرجل بجانبي وكم وددت لو نظر اليّ لأكلمه عن أي شيء ، وبقي ينظر إلى ما جلف النافذة ، يحاول أن يكون وحيداً بين الحلم والتعب ، بين المسافة إلى البيت وإلى ما تبقى من يومه ليعود إلى أولاده ، كما كان يفعل أبي
-----------------------------------------------------
أجلس بجانب جسدك المترهل، المتعب ، على مقعد تصلبت ثناياه ، احس بأنفاسك أيها المقموع المنزوي في هذا الركن المزدحم في حاضرنا ، اتتبع أنفاسك الغير منتظمة وأحصي دقات قلبك المقتول في هذا الزمن المحترق بين قراصنة المال والجشع
وبين افواه تنتظرك عند كل مساء .
أراقب عينيك التي لا تستكين على شيء محدد كأنها تدور حول كل شيء خارج النافذة ، هاربة إلى البعيد عنا تترك على المقعد جسداً متعب بأنفاس غير متناسقة ، وذهنٌ شارد إلى أبعد من واقعنا وحاضرنا
ما تخفيه خلف تلك النظرات المحدقة بالأشياء ؟ وأي عالم تعيش به أنت ونحن لتجلس هكذا صامتاً ولتقتل فينا ثرثرتنا السخيفة عن غدنا وأحلامنا الجشعة
كم تمنيت لو تخرج من هذا السكون الذي يقتلني وتشتمني إذا شئت ، أو تبصق في وجهي لتوقظني ! لعلَني أنا من كان غريب عن هذا المكان والواقع المُبَعْثَر المُنكَسِر تحت أحذية قطاعين الطرق والرزق
ولكنك لم تفعل ! لأنك تجيد الصمت أمام إهتراء الشعارات ونظراتنا المبرمجة لشخص مثلك ، وخلف تلك الأفكار والجُمَل التي حفظتها عن ظهر قلب ، نحن لا نستوعبها لأنها ممزوجة بدمع الشقاء ، وقسوة الواقع الردء الذي نركض فيه وحوله
وهل يستطيع جسداً متعب ومترهل إلى هذا الحد أن يحمل كل هذا الإسمنت والغبار والقهر ؟ وهل يخرج شيئاً لك من حجارة بيوتنا ، قصورنا المصممة الواقعة خلف السياج الأناني لبشرٍ مثلنا اعتدنا إن لا نسأل كيف صنع هذا ومن بنى هذا
وكم تستطيع كفيك أن تحمل من الجراح القديمة والجديدة دون أن تلتئم
ليتني لو أهزُ كتفيك المنحنية كشجرةٍ قديمة متعبة ليسقط عن أطرافك الإسمنت ، الغبار والثمر
نحن خطفنا الأوسمة عن صدرك حين ساومنا على ثمنك في سوق النخاسة والعمل ، وصادرنا المجد عن قامتك لنعطيه لأكسل مخلوق بيننا ، وأنت بقيت تعمل ، تكُدُ وتعمل ، ونحن لا زلنا على حاضرك نثرثر
--------------------------------------------------------------
طوبى لمن يفصل الدم الأحمر في بحر العرق الدافئ في مصانعنا وحقولنا
طوبى لمن يلبس جلده ثوباً ليقيه حر الشمس والبرد وسياط البشر
طوبى لمن يتكلم بكفيه دون أن يتفوه بحرف ! فيعرف الناس من هو
طوبى لمن يصنع خبزاً من صلب الصخور وتراب الحقول ومن بين الحُفَر
طوبى لمن يلتف حول الأرض بجسدٍ متعب ويقاوم السقوط والانحناء ويحفر الأرض بيديه ليصنع غداً لأطفالٍ ينتظرون
طوبى لقامة العامل المناضل على أرضنا ، ولينبت المجد على كفيه كما ينبت الزرع والشجر
ولك يا أخي موعدُ مع الوحي
لأنه نبي من يبني ، انه نبي
نبي من لا يهدم ويبني ! نبي !



#مصطفى_حمدان (هاشتاغ)       Mustafa_Hamdan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى إمرأة لا تختصر وجودها


المزيد.....




- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حمدان - طوبى لمن يبني على الأرض طوبة