أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية- اقفاص الرمل (6)















المزيد.....

رواية- اقفاص الرمل (6)


حمودي زيارة

الحوار المتمدن-العدد: 4788 - 2015 / 4 / 26 - 21:13
المحور: الادب والفن
    


الفصل الثالث
في اعماق تلك الليلة الشديدة الصقيع, والحلكة القاتمة, وفحيح الخوف الذي راح يكمن في وهاد المدينة ويعكر عزيف هبوب الريح المارقة بتوفز, ويخالط انين الجدران, وحركات مرتبكة قريبة.
صرير هوام الليل, طرقات صفيقة تسمع على الابواب, نباح كلاب مسعور, وابل لعيارات نارية يمزق غياهب الليل, وخطوات بساطيل قوات الامن والطوارئ التي تكتظ في مسافات الامكنة. مما اوعز هذا, للرعب ولأقدار مروعة اْن تتوغل في ثنايا مكعبات المدينة وان تنداح انثيالات الذل في الدروب والطرقات, واْن تتكلس طحالب البرك الاسنة, واْن تتسمر اعناق الاطارات المشراْبة منها. ياللشفقة, الهول البشع عقد اطنابه حول مدارات مدينة الثورة بعيد اعقاب اجهاض وقمع الانتفاضة التي توخت اْن تعلن عن صرخات ولادتها, عند انحناءات ارصفة سوق مريدي القريب من بيت عباس مترددة, النشوة نثرت مواكب الفرح في منافذ المدينة, والناس بدورها ركضت تسابق الغضب الى بيوت رفاق حزب السلطة القابعين كالجرذان في الثقوب, استمرت خطى الفرح تنز على الشوارع لردح من الزمن. لم تستمر انشودة الانتفاضة سوى سويعات داهم وقتها اواخر النهار قبيل هبوط سدف الليل, مسوخ شرسة, اْرقاء السلطة, غطت جلودهم ببدلات اْنيقة, بدت شواربهم تهاصر اشداقهم بمقت وغيظ. تفاجاْت الشوارع والطرق المعمدة بالدخان والمضرجة بنار الاطارات بتدفق عارم لموكب من السيارات الفارهة التي ظهرت وكاْنها خرجت للتو من خطوط الانتاج. امعنت اعناق الاسلحة المتواربة خلف زجاجات السيارات, تصب جام غضبها على جانبي الطريق دونما اقل اكتراث... تناسلت طقوس القتل على مدار الليل, وفي نهارات اليوم التالي, تحولت المدينة الى معتقل نازي, عندما انبجست مسارب متاهات المدينة بوجوه مقنعة بملامح لا تنتمي لشعاب الثورة.
***

في خضم هذا الاستياء والذعر القيّامي المفزع الذي حاصر البقاع لعدة ايام. كان ذهن عباس يحترق في زيت افكاره, لايحر جوابا. في الليلة الاخيرة حاول عباس ان ينال قسط من النوم قبل أن يزف موعد لقائه مع فلاح. ألقى عباس بجسده على السرير حالما رجع من صديقه علي الذي تنكر لعباس الهروب, لأن البلد يمور بالجنون من مأزق الحرب الكونية, بقى عباس مع علي الذي نادمه نفس الحياة, يهادنه لوقت متاْخر تلك الليلة التي توغلت في الذاكرة كنصل, حيث اوصاه ان يبلغ اهله بهروبه من هذا النزق الذي لايفارق الحياة, بعد شهر من غيابه. تمرغ جسد عباس الهزيل على فراشه بشكل يدعو على الشفقة, لم تستطع تقلباته اْن تستدرج تهاويم النوم, استمر في محاولاته اليائسة لاغراء النوم, واذا بباب غرفته ينفتح بهدوء متردد, لاح خيال اْمه المترنح في الظلام المزركش بضوء القمر, وهي مازالت تتطوح من أثار النعاس بخطوات فجة, امتدت يدها الى لوحة الكهرباء الخشبية المربعة الشكل, كيما تنير الغرفة, للتأكد من وجود عباس. بدرية حسون الهندي, كانت تضمر في قلبها خوف كبير على ابنها عباس, حيث اعتاد اْن يذيع رفضه للحكومة في كل مكان يحل فيه, وفي لحظة افاضة الضوء في الغرفة, واختفاء الظلمة تجلى جسد عباس المركون في الزاوية التي تحاذي الباب وعلى جانبه الايمن ترقد خزانة زرقاء خشبية يضع فيها كتبه واشياء اخرى, تظاهر عباس بالنوم, عندما ابصر امه من خلف اهدابه الكثة, تتفرس في وجهه الشاحب, حاول اْن يشخر كيما يوحي لاْمه الغارقة في خدر النعاس بأنه يغط في نوم عميق, وقد مضى كذلك وقت طويل على مجيئه, وبحركة تبدو متقنة صدرت من عباس, عندما اشاح بجنبه حيث ناحية أمه اضافة الى عدة حركات مفتعلة, اْطفاْت اْمه النور واغلقت الباب. في تلك اللحظة فرت دمعة ناغرة, تضمر قدر من الوجع لا يقدر قلب عباس على تعهده, لاسيما باْنه سوف يخلف عائلته ومدينته التي لقنته البؤس والحرمان, والانتماء الى مدن اْخرى التي لا تعرف عنه شئ, وربما سترفضه ولا تحفل بهمومه اْو بل ستسخر من مشاعره, وستكون سمرة جلده الشرقية راية للقهر والوجع. نهض عباس من فراشه بعنف, دعك عينيه واطبق على نواجذه, اْنصرف يقتفي تداعيات افكاره في ظلمة الغرفة الغارقة في الرطوبة, لا يرى سوى الوجع وامواج صاخبة من الحزن, وبعد برهة شاقة من الرواح والمجئ تهالك عباس على فراشه, حالما شعر باْلم حاد في مفاصله, غالبه الدمع, ودفقات من النشيج, اْسند راْسه الى راحة يده وانغمر في تاْمل مسهب, وبداْ ينادب نفسه الكلام:
- ماذا سوف اقول اْن داهمني الحزن, وتطفلت على ذهني الذكرى في شوارع المدن البعيدة؟, واْيّ مسوغ سوف يثبت لون قسماتي امام انظار الاصدقاء؟, واْيّ ذنب سوف اْرتكب عندما اْغض النظر عن جراح الشوارع, واْرحل بعيدا بخطوات مشوهة تثير السخرية, حيث لا تنتمي الى هناك؟
وبينما اْخذ عباس بتاْنيب نفسه, واذا بصوت اْخر اْشد حزنا اْتى من زاوية ما في ذهنه.
- ليس ثمة ذنب اْو مبرر يدعوك اْن تبقى هنا في اْتون بطش السلطة, الاهل, الاْشياء, المدينة ستتحول الى ذكرى غضة وهانئة في تلك المدن, وما تورث من متاعب وكدمات سوف تتلاشى, ويتعين اْن تدرك, باْن معظم التبعات التي عانيتها قد فرضت عليك نتيجة ما يمور في مضمار الحياة.
وفي دوامة سجاله مع ذهنه, فقأ انتفاخ عينيه سنا الفجر الذي بدأ يزحف بتأني من تحت فتحة الباب الى الغرفة, فرك عباس جفونه, ونظر الى ساعته وهو يتمنى لو اْن الوقت يحاكي وجعه ويقلع عن اقتفاء دقائقه. القلب تناهبه القلق والحيرة.
- الهروب ليس بأمر هين, نبذ الوطن وحمله كالبوم صور في الذاكرة, عذاب دون افق.
استقام عباس واقفا, يحاصره البرد السادر, عاقدا ذراعيه على صدره وكأنه يحتضن بقايا الدفْ الذي مازال يستعر في اوردة دمه. خطى نحو الباب بتوفز, طالبا الحمام, تهادى بهدوء وتأني حتى لا يشعر به احد, جالت نظراته على قسمات وجوههم تراقب الاجفان على وقع كل خطوة يرميها على مربعات الكاشي. لم يغسل رأسه حينما حشر جسده داخل الحمام, فقد عمد الى غسل وجهه, السبب لانه يحتاج الى وقت طويل لغلي الماء, وبعد اْن ارتدى ملابسه, ودس بعض الصور لعائلته, وقبل اْن يخرج الى الابد, ألقى عباس نظرة اخيرة الى اهله, عندها ابصر رباب تنظر اليه مبتسمة, تقدم نحوها, قبلها بهدوء مودعا اياها والانفاس تحز قلبه, اشاح بنظره وفي عينيه دمعة لاذعة. ومالبث اْن خطى الى الخارج, حتى اقعى في عتبة الباب, وانخرط في نحيب مكتوم, ينظر بحرص الى شقوق الحيطان, وانين الاوجاع الجاثية في دهاليز البيوت, وبعد فترة وجيزة, نهض فاردا قوامه, يطأ الطريق بأختلاس حذر لئلا تكتشف مراتع طفولته مايكمن وراء خطواته المريبة, اندفع صوب سوق مريدي, مطاردا ماتبقى من حشاشة رمق في احشائه للحياة ضمن اهوال تواتر الحزن التي تعصف فيه, وتمزق باْلامها شغاف قلبه.



#حمودي_زيارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية - اقفاص الرمل (5)
- رواية – أقفاص الرمل (4)
- رواية – أقفاص الرمل (3)
- رواية – اقفاص الرمل (2)
- رواية - اقفاص الرمل (1)


المزيد.....




- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية- اقفاص الرمل (6)