أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - بايمن بيدر - الأناركية في إيران















المزيد.....



الأناركية في إيران


بايمن بيدر

الحوار المتمدن-العدد: 1330 - 2005 / 9 / 27 - 11:56
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


أناركي شمال الشرق؛ 19 سبتمبر 2005.

بايمن بيدر هو محرر مجلة الناخدار، المجلة الشيوعية الأناركية الناطقة بالإنجليزية والفارسية التي تظفر بقراء على مستوى العالم، خصوصا بين مجتمعات المهاجرين الإيرانيين في شمال أمريكا وأوروبا. رغم تواضعه المستمر فيما يخص كفاحه الثوري طوال العقود الثلاثة الماضية، هناك الكثير مما يمكن تعلمه من خبرته هذه. نفخر عظيم الفخر بهذه الفرصة التي ننتهزها لنشر بعض من هذه الخبرات هنا.

س: هل يمكنك أن تحدثنا أولا عن كيف كان مدخلك إلى العمل السياسي الثوري؟ ما هي التأثيرات المباشرة التي قادتك إلى هذا المنحى؟

في 1969، عندما كنت في الثالثة عشر من عمري فقط، أعلن نظام الشاه أن تعريفة المواصلات العمومية سوف ترتفع من ريالين إلى خمسة (في ذلك الوقت كان الدولار الواحد يساوي 700 ريال). كانت تلك ضربة واضحة لميزانية العائلات المتوسطة الدخل. لذلك نظمت المظاهرات وشاركت فيها. مدرستنا ككتيبة – يجب أن أضيف أن ذلك كان تلقائيا تماما – قامت بمسيرة عبر شارع "الرابع والعشرين من إصفند"، الذي كان شارعا رئيسيا في ذلك الوقت كما هو الآن، وحطمنا في تلك المسيرة كل نوافذ الحافلات المارة. طاردنا بوليس مكافحة الشغب لمدة ساعتان. كان ذلك حدثا مدهشا. أكثر من ذلك كان ذلك هو أول "عمل مباشر" شاركت فيه في حياتي.

في العامين التاليين كانت مساهمتي السياسية، بشكل فردي، من خلال الشعر التقدمي/السياسي الذي كنت أكتبه على سبورة فصلي في المدرسة. يجب أن يعرف القارئ أن الثقافة الفارسية عموما، والثقافة السياسية خصوصا، ثقافة شعرية جدا. حيث أننا نمتلك آلاف السنين من الحكومات السلطوية، المقاومة السياسية للوضع الراهن، أيضا، كانت دائما ما تعلن عن نفسها من خلال الشعر- والخطابة المجازية للجموع وتعليمهم من خلال أبيات الشعر الذي يتم قراءته في جلسات خاصة داخل بيوت كل فرد منا أو في لقاءات اجتماعية خاصة. كما يقول المثل: "الشعر يجري في دمائنا".

س: في السنوات التي أدت إلى ثورة 1979، كيف كان المناخ السياسي اليساري في إيران؟ هل اشتركت في أي جماعات ثورية نشطت في تلك الأحداث التي انفجرت في ذلك الوقت؟

حتى أجيب على هذا السؤال بشكل سليم، يجب أن نستعرض سريعا الست وعشرين سنة السابقة على ثورة فبراير 1979. في 18 أغسطس 1953، عندما أطاح الانقلاب الذي نظمته وكالة الاستخبارات المركزية أول حكومة ديموقراطية (برجوازية وطنية) في تاريخ إيران، حكومة الدكتور مصدق، وعادت بالشاه العميل إلى عرشه، كانت تلك ضربة هائلة لكلا من الحركات الاجتماعية والمنظمات الثورية. ومع ذلك، بعد عودة الشاه إلى السلطة بأربع سنوات، في السابع من ديسمبر 1957، عندما زار حينئذ نائب الرئيس الأمريكي، وقتها كان ريتشارد نيكسون طهران، قابلته مظاهرة طلابية ثورية ألقت بالطماطم على موكب سياراته. قتل البوليس في هذا اليوم الأسود ثلاثة طلاب. أصبحوا شهداء، وبالتالي، ولدت الحركة الطلابية.

رغم ذلك، طوال الأربعة عشر عاما التالية، كان ظل الديكتاتورية الإمبريالية من خلال نظام الشاه الفاشي هو السائد. هجر القادة الخونة لحزب تودة (الحزب الشيوعي المزعوم، عملاء جيراننا السوفيت في الشمال) منذ وقت طويل البلاد وعاشوا في المنفى في ألمانيا الشرقية. بقايا الجبهة الوطنية (حزب الدكتور مصدق البرجوازي) كانوا في انحلال تام. باختصار لم تكن هناك أي مساحة باقية لأي نشاط سياسي أو تنظيمات سياسية، دعك من الأنشطة الثورية. أي علامة على السخط كانت تسحق حتى وهي في المهد، والساحة الوحيدة التي تركت متماسكة بشكل معقول كانت هي المساجد والمدارس الدينية. ومع ذلك، أثناء تلك الفترة بدأت الأقسام الأكثر تقدما من الحركة الطلابية دراسة مدققة للظروف الاقتصادية الاجتماعية للبلاد فيما بعد فترة الانقلاب – بمعنى، تحول المجتمع الإيراني من دولة "شبه إقطاعية/شبه مستعمرة" إلى مجتمع رأسمالي (تابع) "طرفي".

في عام 1963 قام "حلف كينيدي-روستو" بأداء وظيفته: إصلاح زراعي مفروض وولادة علاقات رأسمالية اجتماعية. طبعا، من أجل حفظ ماء الوجه، نظام الشاه الألعوبة تظاهر أن هذه هي "سياسته" وسماها "الثورة البيضاء". حتى نستخلص ما تم: ما لم تحصل عليه حكومة مصدق البرجوازية الوطنية (أو لنقل بشكل أفضل ما لم يعط لها) من فرصة لتقوم به قامت به قوة الولايات المتحدة الإمبريالية المهيمنة.

التحليل الاجتماعي الاقتصادي أعلاه ونتائجه وتوابعه السياسية تم تلخيصه في كتاب يسمى: "الكفاح المسلح: كاستراتيجية وتكتيك" وضعه الرفيق مسعود أحمد زاده. وعلى نفس الطريق يأتي كتاب الرفيق أمير برفيز بويان المتميز "الكفاح المسلح وتفنيد نظرية البقاء". أصبح هذين الكتابين حجرا الزاوية النظري للمنظمة الثورية المسماة "منظمة فدائيي الشعب الإيراني". الظهور العلني الأول لهذه المنظمة الثورية كانت في فجر "19 بهمان 1349" (9 فبراير 1971)، عندما هاجمت مجموعة من 13 فدائي مركزا للقوات الأمنية "الشاهاك" في المنطقة الشمالية. أعلن ذلك ميلاد الكفاح المسلح للثلاث سنوات التي تلت، بينما كنت انهي الدراسة الثانوية، أصبحت مؤيدا صلبا لمنظمة فدائيي الشعب الإيراني. كنت أقوم بتوزيع منشوراتهم – بشكل سري طبعا – في مدرستنا، تاركا نسخ المنشورات في كبائن التليفونات، في المطاعم، في نوادي البلياردو التي كنت أتردد عليها أنا وأصدقائي.

بعد ظهور منظمة فدائيي خلق على المسرح السياسي، ظهرت إلى الوجود مجموعة مسلحة أخرى باسم "مجاهدي الشعب الإيراني"، ذات ميول إسلامية راديكالية (موازية "للاهوت التحرير" في أمريكا اللاتينية). ومع ذلك، في السنوات اللاحقة حتى ثورة فبراير 1979، وبعدها، مرت هاتان المنظمتان بتحولات، لن أتناولها الآن. غادرت إيران إلى انجلترا في أغسطس 1974، وبعدها بسنة سافرت إلى الولايات المتحدة، لدخول الجامعة هناك. ولكني احتفظت بولائي القوي للكفاح المسلح في إيران طوال الأحد عشر عاما التالية.

س: قبل أن يستطيع الخوميني أن يقود ردة رجعية أصولية وثورة مضادة، ما هي المكاسب الراديكالية التي حققها الشعب الإيراني من خلال أحداث ثورة 1979؟

حسنا، لسوء الحظ تم استغفال الأغلبية من الشعب الإيراني بدعمه للاستفتاء المزعوم الذي اقترحه نظام الخوميني (لتأسيس جمهورية إسلامية). كان ذلك حكم الإعدام على اليسار المنظم.

رغم ذلك، قبل إعادة تنظيم الثورة المضادة وسيطرتها الكاملة على كل مناطق المجتمع المدني، كان كل قطاع في المجتمع الإيراني متعطشا بشدة إلى ما يسمى "بالحرية" المؤسسة حديثا التي ظفروا بها من خلال التنظيم الذاتي الخاص. بدأ العمال حركة الشورى ("السوفيت" أو "المجالس") في عديد من المصانع وحتى الفلاحين من الأقلية العرقية التركمانية (في المنطقة الشمالية) نظموا أنفسهم بنفس الطريقة. نظمت النساء مظاهرة ضخمة تطالب بالحق في رفض لبس الحجاب والشادور. أقام الطلاب حلقات جدل واسعة حيوية وبدأوا تنظيم أنفسهم في جماعات يسارية متنوعة. الأكراد (أكبر الأقليات العرقية وأكثرها راديكالية) خلقوا فورا منطقتهم المدارة ذاتيا (سواء من خلال الحزب الديموقراطي الكردستاني البرجوازي أو من خلال الكومول، منظمة البرجوازية الصغيرة اليسارية ذات الميول العمالية/الفلاحية قوية)، بجناحها المسلح البشمرجة (اسمهم حرفيا "الفدائيون الذين يضحون بأرواحهم")، المستعد لبذل دمائهم للدفاع عن منطقتهم.

ولكن، مرة أخرى، لسوء البخت لم تستمر أي من المنظمات المذكورة أعلاه أكثر من بضعة أشهر. أسست الثورة المضادة منظماتها الرجعية المسلحة المتنوعة، المسماة باسداران انغلاب (حرس الثورة المزعوم)، والباسيج (تشكيل الشباب المسلح)، وأسوأ الجميع حزب الله (تستطيع أن تسميهم أنت الكتيبة الفاشية، أو "الكتائب")، وبدأوا مباشرة السحق والتدمير، وفي حالة التركمان، قاموا بتنفيذ إعدامات جماعية. في كوردستان، كسحت غارات القصف لمعسكراتهم بكل المكاسب التقدمية التي حققتها الجموع لمصلحتها. وبالطبع، بدأ النظام في خلق "مجالس الشورى" الإسلامية الخاصة به، و"منظمات المرأة الإسلامية"، و"جمعيات الطلاب الإسلاميين" (التي كانت امتدادات لمنظمة الطلاب السابقة الموالية للخوميني التي كانت تنشط قبل عودته إلى إيران). ومع ذلك، ما لم تستطع أبدا تحقيقه هو الخروج بأي منظمة ولو مزيفة يمكنها أن تدعي تبنيها لمصالح أي أقلية عرقية في قلب اهتماماتها.

س: ما الذي قد تبقى من اليسار الراديكالي في إيران بعد هذه الثورة المضادة؟ هل كانت هناك حركة نشطة في المنفى بالخارج؟ ماذا كان نشاطك السياسي في تلك الفترة؟

من أجل إجابة هذا السؤال بشكل سليم، يجب أن أقول أن كل الكفاح الطبقي العنيف (أكثر من ذلك، الجبهة الواسعة المناهضة للشاه) أقنعت الإمبرياليين بأن زمن الشاه قد انتهى. لقد تنازلوا وقبلوا حل الخوميني الوسط (ووعده) بالذهاب للإقامة في قم وعدم التدخل في المسائل السياسية بطهران. ومع ذلك كان كل ذلك مجرد ضحك على الذقون من جانب الخوميني. نستطيع القول أنه كان ماكرا جدا وخدع الجميع. وهكذا، خدع الخوميني الجماهير الإيرانية من ناحية، وكل القوى الإمبريالية من ناحية أخرى. لقد مضى بخطته المعنونة بالجمهورية الإسلامية على رقابنا، ولكنه خلق عداوة ضده أكثر مما سبق في منطقة الشرق الأوسط. خطاب الخوميني بمد حكمه إلى العراق (حيث أن الأغلبية في العراق من الشيعة المسلمون ونظام حزب صدام البعث كان سنيا) أعطى للإمبرياليين في الولايات المتحدة المبرر لإنارة الضوء الأخضر لصدام حتى يغزو إيران على أمل التخلص من نظام صدام حسين بنظام آخر أكثر موالاة لمصالحهم المباشرة. يجب ألا ننسى أن نظام الخوميني (في ظل رئاسة بني صدر) كان دائما ما يقصف المناطق الكردية المتمردة، التي كانت هي مناطق الحدود الإيرانية مع العراق، وبذلك قتل العديد من العراقيين.

لذا كانت الحالة في غاية التوتر على أي حال. عندما نشبت الحرب بين إيران والعراق في أواخر عام 1980، كانت تلك الحرب أحسن سلاح انتهزه نظام الخوميني للانتهاء من تفكيك كل الحركات الشعبية الباقية، وبالتالي كل المنظمات اليسارية في البلاد. عند تلك النقطة، كل من كانت لديه الوسائل للهجرة للخارج فعلها. كنتيجة لذلك، انتعشت حركة ضخمة مناهضة للجمهورية الإسلامية في المنفى. قيادة مجاهدي خلق ساعدت بني صدر (أول رئيس جمهورية إيراني في ظل الخوميني) على الهرب معهم إلى باريس. وشكلوا فورا أول معارضة برجوازية للجمهورية الإسلامية أسموها "مجلس المقاومة الوطنية".

في ذلك الوقت، كنت قد انتهيت توا من دراساتي العليا في الولايات المتحدة وقررت التحرك والانتقال إلى باريس من أجل نشاط سياسي محتدم. المنظمة التي تعاطفت معها كانت جماعة صغيرة تفرعت عن منظمة فدائيي خلق بعد ثورة 1979 مباشرة (تتبع الخط النظري للرفيق أحمد زاده) المعروفة باسم "جماعة أشرف دهغاني". إلا أننا استخدمنا نفس اسم فدائيي خلق وشعارها. السنتان ونصف التاليتان (1981 إلى 1983) كانتا من أكثر السنوات التي حفرت في شخصيتي معاني التنظيم والتحريض السياسي. كنا أول من، وسط الجماعات الثمانية، الذين بادروا بهجوم راديكالي شامل ضد الكتائب الإسلامية الموالية للخوميني (التي كان لديها روابط بالسفارة الإيرانية)، والتي حاولت ضربنا وإخراجنا من جامعة سايت حيث كنا نعقد اجتماعاتنا الأسبوعية. تلك الكتائب كان لديها أيضا دعم مستتر من قوة البوليس السري الفرنسي. كنا أيضا أول من قدم قضية المجلس الوطني للمقاومة في بؤرة الضوء والتي كانت قد أودعت جيوب الإمبرياليين، محاولين عزلهم عن الحركة الحقيقية المعادية للجمهورية الإسلامية والمناهضة للإمبريالية.

س: في مرحلة ما تطور موقفك من موقف ماركسي لينيني إلى أناركي شيوعي. هل تستطيع أن تشرح لنا ماذا أدى بك إلى إعادة تقييم أفكارك السياسية؟ كيف اتصلت لأول مرة بالأناركية؟ هل هناك قدر كبير من التاريخ الواعي للأناركية داخل اليسار الإيراني؟

منظمة فدائيي خلق كانت منظمة انتقائية حقا. ادعت المنظمة أنها منظمة ماركسية (تحليلها الاقتصادي الاجتماعي للمجتمع الإيراني كان في رأيي، وما زال، صحيحا تماما) ولينينية، لأنهم آمنوا بالمنظمة الهرمية للطليعة: الحزب الشيوعي (مجسدا كل أنواع عنجهية لينين، مثل الإيمان بأن العمال غير قادرين على الارتقاء فوق الفهم الاقتصادي لكفاحهم لذا فهم في حاجة إلى فئة طليعية ثورية من خارج العملية الإنتاجية لتقود البروليتاريا إلى الثورة). كما تضمنت المنظمة أيضا سمات من الماوية (الحاجة إلى خلق جيش للشعب) ومن نظرية فوكو، أو الجيفارية (لأنه لم يكن واجبا علينا أن نمتلك حزبا طليعيا أولا، كجماعة رجال حرب عصابات نستطيع التصرف كآلية صغيرة سوف تلهم من خلال عملياتها آلية أكبر، أو حركة جماهيرية واسعة، للنهوض ويؤدي ذلك للثورة).

بالطبع كل هذه العناصر المختلفة كانت تجد تفسيرا في الوضع التاريخي الملموس للمجتمع الإيراني، وكانت تجد منطقا عندي لفترة طويلة من الوقت (1971 – 1985). لعدة سنوات تالية لذلك عشت في أمريكا الجنوبية. في ذلك الوقت كنت ما أزال، شاعرا بالحنين إلى الوطن، مؤمنا "بالمسار المجيد الذي حفره الرفاق الذين سقطوا" وكنت أدافع عن مساهماتهم النظرية التي قدموها طوال تلك السنين. شعرت، برفضي لكل الفصائل الانتهازية التي ألحقت الدمار بالمنظمة، بأن هناك شيئا ما خطأ. وحيث أنني بقيت ملتزما بجوهر المثل الشيوعية لدي خطر لي أنه كان النمط التنظيمي هو العلة والذي اكتشفت بشكل متزايد أنني معترض عليه. هزيمة الثورة عموما (خصوصا، طموحاتها الديموقراطية)، وتدمير اليسار الإيراني (الحركة التي تحمل المثل الاشتراكية) خصوصا، كانت صعبة على أن نهضمها. لذا في بحثي عن إجابات أعدت قراءة نصوص ماركس الأساسية، وأضفت لقائمة قراءاتي مدارس متنوعة للفكر لم يكن لدي علم بها حتى ذلك الوقت: الشيوعية المجالسية، ماركسية التسيير الذاتي، مدرسة فرانكفورت، والأممية الوضعية. غمست نفسي أيضا في قراءة كتاب عديدون في مجال قضايا المرأة والنوع، ولإنعاش روحي عدت إلى قراءة الروايات – أغلبها أعمال الكتاب من أمريكا اللاتينية والمؤلفين الأوروبيين.

في 1989 اتخذت قرارا بالعودة إلى الدراسة. بهذا القرار سوف أعاود القراءة بشكل أكثر منهجية. هذه المرة اخترت علم الأجناس، وانتقلت إلى مدينة نيويورك. كان ذلك في العام 1990 عندما حدث أول التقاء حقيقي مع الأفكار الأناركية في السياسة. التحقت بمجموعة دراسية أناركية، ولم يأخذ مني وقتا طويلا حتى أكتشف متى وكيف اتخذت الطبقة العاملة المسار الخطأ في كفاحها التاريخي من أجل تحرير الإنسانية. خلال السنوات القليلة التالية ركزت قراءاتي على أعمال المنظرين الأساسيين في الأناركية الشيوعية.

إجابتي على الجزء الأخير من هذا السؤال (سواء هل كان هناك تاريخا أناركيا واعيا في إيران أم لا) هو بالقطع لا. لا يوجد هناك الكثير من الأناركية الواعية في تاريخ اليسار في إيران. والأسوأ، معظم اليسار الراديكالي في المنفى قد انتقل إلى اليمين، وقد أصبح من وقتها اشتراكيا ديموقراطيا. ومع ذلك، داخل إيران تقابلت مع بعض الأناركيين الشباب ذوي أفكار حرة. بإدخال مجلة ناخدار إلى ذلك الوسط يحدوني الأمل في أننا نستطيع صنع أثرا صغيرا وألا تقع الأجيال القادمة في نفس أخطاء الأجيال السابقة.

س: هل تشعر بأن هناك أفكار هامة يأخذها الأناركيين من الماركسية التقليدية؟

بالتأكيد نعم. اعتقد أن المفكرين الأناركيين لم يساهموا لسوء الحظ بنفس القدر في مجال النظرية الاقتصادية كما فعل ماركس (وكما فعل بعض الماركسيين بعده). مثلا، كروبوتكين كتب بشكل مقارن القليل في هذا المقام. ما زال ماركس مرجعا هاما لكل المناهضين للرأسمالية. لا تنس أن باكونين كان متأثرا بشكل قوي بأفكار كتاب رأس المال. بالنسبة لي يظل ماركس واحد من أعظم الثوار عبر الزمان. وأضيف مؤكدا أن هناك تماسكا في كل ما كتبه. لن أقلل من كتاباته ’المبكرة‘ أو أفصلها عن أعماله ’التالية‘. طبعا، أنا لا أتفق مع موقفه السياسي ضد باكونين في الأممية الأولى، وكل ما جاء بعدها، ولكن ذلك لا يقلل من انجازاته.

ولسوف أضيف أيضا في رأيي أنه يجب أن نفصل ما بين ماركس والماركسية (على الأقل ما أفهمه منها) وبين اللينينية ولينين. ويظل أننا نستطيع أن نتعلم تماما بقدر من المفكرين الماركسيين الآخرين من المدارس الفكرية الواردة أعلاه. ومع ذلك في مجال التنظيم يجب علينا أن نعتمد 100% على التفكير الأناركي والممارسة الأناركية. على الأقل حيث يوجد المعين الأناركي الذي آخذ منه.

س: ما هو المناخ السياسي الحالي في إيران؟ هل ترى احتمالات داخل أي نضالات اجتماعية لصالح اكتساب الأناركية أو الشيوعية التحررية ثقلا هناك؟

المناخ السياسي الحالي في إيران رهيب. عموما هناك بلادة تخيم على كامل الطيف السياسي هناك. السبب هو أن رئاسة خاتمي (كما تنبأنا في جريدة ناخدار) كانت خداعا ولم تأت بأي تغيير له معنى. الأمل المزيف كان أنه يستطيع أن ’يتصدى‘ للفصيل ’المحافظ‘ المزعوم ويستطيع أن يتقدم بعملية ليبرالية المناخ السياسي من ناحية وان يخلق وظائف أكثر للشباب (الذين يمثلون حاليا 65% من قوة العمل) من ناحية أخرى. لم يحقق خاتمي أيهما. أغلقت الصحف؛ مطالب العمال برواتب شهور سابقة تم تجاهلها؛ ومظاهراتهم اليومية أمام مصانعهم المحترمة هوجمت. تم تأجيل زيادة رواتب المدرسين والممرضات، زادت مرة أخرى أعداد المسجونين السياسيين وتعذيب الطلاب (أو أي شخص يجرؤ على ارتفاع صوته بالاحتجاج). في الأخير، يأس الشباب المتعطل قد سبب زيادة في إدمان المخدرات (حاليا أكثر من مليونين!) والدعارة على وجه الخصوص. الفساد مستفحل بشراسة، والحياة الفاسدة لطبقة صغيرة ( Nuevo Rich ) من الأغنياء المحدثين تثير الغثيان. ولقد أصبحت الأمور تسير للأسوأ بشكل متزايد، دون أي بدائل تقدمية على مرمى البصر. والنتيجة الإيراني المتوسط يعيش حالة يأس كامل.

ومع ذلك كانت هناك محاولة، في الشهر الأخير أو ما يقرب من ذلك، بواسطة مجموعة قليلة العدد من الطلبة الراديكاليين وبعض الليبراليين السابقين. نشروا رسالة مفتوحة على الانترنت يطالبون فيها المجتمع الدولي التدخل بالضغط على الجمهورية الإسلامية لإجراء استفتاء لجمعية دستورية تأسيسية. هم يعتقدون أنه لو استطاعوا جمع مليون توقيع من كل الإيرانيين، داخل وخارج إيران – يمكن لخطتهم أن تجد فرصة للنجاح.

أنا لا أومن شخصيا بمثل هذه الخطط. أجابتي على الجزء الأخير من سؤالك هو – مرة أخرى لسوء الحظ – لا. البلادة الحالية عموما ووضع الدمار الذي عليه حركات العمال خصوصا (دون ذكر حالة عدم وجود أي منظمات راديكالية تقريبا)، يجعلني لا أملك أي بصيص من مثل هذه الآمال. ولكني لست متشائما مع ذلك. أنا اعتقد بصدق أن تحرير الطبقة العاملة يكمن في أيديها هي. الحالة متفجرة جدا وفي أي لحظة قد تثور الجموع تلقائيا. وهذا هو المكمن الذي سوف يتشكل فيه البديل الحقيقي. رغم ذلك علينا أن نكون واقعيين.

في إيران نعيش في ثقافة سياسية نشأت في أحضان طراز شديد السلطوية لآلاف السنين. قدرة اليسار حتى على التحمل لم تكن ضخمة. يجب أن نتعلمها. وذلك يأخذ وقتا. يجب أن نعرف الآن أن التغيير الاجتماعي الحقيقي (بمعناه الراديكالي الحقيقي) لا يحدث ذات ليلة. إنه يتطلب أجيالا حتى يتشكل. حتى في الغرب، حيث توجد هناك سوابق تاريخية وخبرات لأكثر من قرن الآن، لم نر حدوث مثل هذا التغيير أيضا.

س: ما هي الاختلافات الجوهرية بين تنظيم الرأسمال تحت الحكم الإمبراطوري وتنظيمه تحت الجمهورية الإسلامية؟ هل تغير شكل الكفاح مع ذلك؟

قبل كل شيء يجب أن أذكر القارئ بأن نظام الشاه كان نظاما ألعوبة (من 1941-1953 في يد الإمبريالية البريطانية، بعد انقلاب 1953 مباشرة حتى 1979 في يد الإمبريالية الأمريكية). بعد الانقلاب كونسرتيوم البترول انقسم إلى 51% للولايات المتحدة و49% للقوة الإمبريالية البريطانية. كان هناك تواجد عسكري دائم للولايات المتحدة في إيران (من 10 إلى 20 الف جندي).

بحلول عام 1972، في ظل مبدأ نيكسون (كيسنجر)، أصبح نظام الشاه شرطي الحراسة في الخليج الفارسي. ذلك ما يعني القول بعد عقدة فيتنام تغيرت استراتيجية الولايات المتحدة العالمية لعدم دولنة الصراع وحصاره داخل المناطق (تبريد حدة الصراع). لذلك أعطي دور ’كلب الحراسة‘ للشاه. عند نقطة معينة أرسل الشاه الجيش الإيراني لسحق انتفاضة رجال حرب العصابات الماركسيين في عمان. لهذا الغرض أصبح خلق منظمة الأوبك ضرورة اقتصادية وسياسية. سعر البترول كان سوف يرتفع (هزيمة للأوروبيين، ومغنم للولايات المتحدة) ولكن في نفس الوقت الشاه كان سوف يشتري ببلايين الدولارات السلاح الأمريكي في المقابل. إغراق السلع الأمريكية الأخرى [داخل السوق الإيراني] كان منتشرا أيضا.

باختصار، لمدة اربع وعشرين عاما هيمنت الإمبريالية الاقتصادية والسياسية والعسكرية بل والثقافية أيضا للولايات المتحدة على إيران. الإمبرياليون الأوروبيون كانوا حاضرين، ولكن على مستوى منخفض فقط. ومع ذلك، قيام الجمهورية الإسلامية كان من خلال هبة ثورية حقيقية؛ ولا يهم كم هي مكروهة الآن بواسطة أغلبية السكان.

بينما كان نظام الشاه مكروها منذ بداياته الأولى، فقد أخذ الأمر لحظة (خصوصا في ضوء سنوات الحرب الثماني مع العراق، واستخدام الخطاب الوطني المتعصب ضد العرب) حتى يدرك الناس أن النظام الإسلامي كان عقبة كبرى في طريق التغيير الاجتماعي التقدمي. في إيران في هذه اللحظة 89% من السكان يقفون في صف المعارضة. بقاء نسبة الـ 11% المتبقية يعتمد بالكامل على النظام. بكلمات أخرى، إنهم بطريقة أو بأخرى يتسلمون مرتبات من النظام.

الإمبرياليون الأوروبيون هم الآن لهم وجودهم الكاسح في طهران. وذلك بالطبع قد حدث منذ الاستيلاء على سفارة الولايات المتحدة بواسطة الطلاب الإسلاميين، والذي نتج عنه قطع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران. معظم الاستثمار الأوروبي الرأسمالي هو إما في البترول/والبتروكيماويات أو الصناعات التعدينية، ولكن أيضا في صناعة المحركات، والإلكترونيات، الخ. ومع ذلك، بسبب دور "محور الشر" السيئ الصيت الذي كان يلعبه النظام الإيراني في المنطقة (تدعيم الحركات الإسلامية الأصولية، خصوصا في لبنان، والآن في العراق) فقد أجبروهم على التحرك نحو شبه اعتماد على الذات في توفير احتياجاتهم العسكرية الخفيفة. علاقة البلاد بالبرنامج النووي الباكستاني، بالإضافة إلى الخطط الطموحة الأخرى قد سببت صداعا للامتداد الإمبراطوري للولايات المتحدة في أكثر مناطق العالم التهابا. استفادت الجمهورية الإسلامية من ميزة المنافسة الداخلية بين القوى الإمبريالية حتى الآن. لديهم علاقات جيدة بكوبا، التي تساعدهم في الحقل الطبي في مقابل البترول. ولقد وجهوا أيضا دعوة للرأسمال الصيني والخبرة الصينية في تطوير البنية التحتية للمواصلات.

لذا تستطيع رؤية أن هناك كان فرقا جوهريا بين دور الرأسمال في المرحلتين. رغم ذلك، 85% من الاقتصاد لا يزال في أيدي الدولة. الاستثمار الخاص صغير الحجم (فقط بعضه في التجارة، واستيراد البضائع في مجال الصناعة وقطاع الخدمات).

بالنسبة للجزء الأخير من السؤال يجب علي القول أنه بسبب التغيير في المرحلة التاريخية (بمعنى، عدم وجود حركات جماهيرية أثناء زمن الشاه إلى وقت نهضة الوعي وانخراط ملايين الناس في كل الميادين للنشاط الاجتماعي السياسي)، لقد كان بالتأكيد هناك تغيرا في طبيعة الكفاح السياسي بالإضافة إلى الكفاح الاجتماعي والثقافي. مشاركة الجموع، خصوصا النساء والشباب، قد كان هائلا.

س: عبر السنوات القليلة الماضية رأينا استعادة غير معقولة للحركة الطلابية الإيرانية. لقد لعبت دائما الحركة الطلابية دورا هاما في التاريخ الإيراني الثوري. ما هي أفكارك حول الحركة ودورها في الكفاح الإيراني؟

حسنا نعم، فمنذ بداياتها الأولى كانت الحركة الطلابية على درجة كبيرة من النشاط الايجابي. كما قلت توا، معظم الكوادر الثورية في الخمسينات حتى السبعينات خرجوا من هذه الحركة ذاتها. ومع ذلك بعد الحرب مع العراق حاول النظام الإسلامي إسكات هذه الحركة ودورها فيما يسمى "الثورة الثقافية" (بمعنى، إغلاق الجامعات لمدة 2-3 سنوات من أجل تنظيف مجالس الطلبة من الطلاب الراديكاليين، وعن طريق قبول الشباب من عائلات "الشهداء" دون نجاحهم في امتحانات القبول بالجامعة، وهكذا تمت "أسلمة" قلب الحركة المهزومة).

نجح ذلك لبعض الوقت، ولكن من خلال انهيار جودة المناهج التعليمية، و، بالتالي، انخفاض مستوى الهيئة الأكاديمية، وعودة ظهور السخط مرة أخرى بشكل ديالكتيكي، سبب الحركة الطلابية لاكتساب قوة دافعة مرة أخرى. بعد قدوم خاتمي للسلطة في أواخر التسعينات، بدأت الحركة الطلابية في استعادة حيويتها بنفسها. مع ذلك، استولت اللبرالية على الأفكار الراديكالية التي كانت سائدة في العقود السابقة. رغم ذلك، ولأن خاتمي لم يوف بوعوده نفس الجسم اللبرالي للجمعيات الطلابية أصبح كعب أخيل [نقطة ضعف] النظام. هناك علينا إدراك أنه بسبب تواضع أصول المنظمات الطلابية من الطبقات المتوسطة فهي لم تكن حركة منسجمة أبدا. جسم كبير جدا سوف يكون دائما مع الوضع الرهن، أو على نحو آخر يمتلك هذا الجسم أجندة إصلاحية جدا (أكاديمية) على الأغلب.

ولكن في التحليل الأخير العناصر الراديكالية والصغيرة حتى الآن تقدمت لتتحمل مسئولية الدور الثوري النظري بالإضافة إلى الدور التحريضي/ التعبوي. وهنا نستطيع أن نجد الجيل التالي من "المثقفين العضويين" ممن تحتاجهم أي حركة ثورية. بالنسبة لهذا الموضوع، في محاضرته الأخيرة في اللقاء الطلابي بجامعة طهران بمناسبة "السادس عشر من آذار" [الثامن من ديسمبر] وهو يوم الحركة الطلابية، خاتمي، الذي كانت فترة ولايته الثانية على وشك الانتهاء، أصابه الغم، وهتف الطلاب "خاتمي، عليك العار" و "انت خائن". يجب أن نتعشم في أن تلك الجولة من الأزمة الاجتماعية الاقتصادية وعدم الشرعية للمؤسسة السياسية بأكملها سوف تلعب الحركة الطلابية في هذه اللحظة دورها التاريخي مرة أخرى.

س: والحالة الراهنة داخل حركة المرأة؟

هناك فجوة كبيرة تماما بين حركة الطلاب وحركة المرأة في إيران. المساواة بين النوعين، ولاحقا قضايا المرأة، كما نعرف جميعا، هي نسبيا ظاهرة جديدة على المستوى العالمي، خصوصا فيما يسمى ببلاد "العالم الثالث". ومع ذلك، نظام خوميني الإسلامي كان قد وجهة ضربة نتج عنها هزيمة شديدة لقضايا اجتماعية معينة (أي، خسارة الحق في الإجهاض؛ عدم مساواة قوانين الطلاق وحضانة الطفل؛ وفرض الزي الإسلامي). ولكن أيضا في هذا الميدان، بعد الحرب (وبسببها) نقص قوة العمل المدربة والمؤهلة انتهت إلى وضع في صالح المرأة. لقد اكتسبن بالقوة كثير من مساحات الحرية في المجتمع المدني. وخضن معارك شجاعة وكسبن قدرا معقولا من المكاسب. إنهن الآن أكثر من 60% من الطلاب المسجلين بالجامعة. في كل الميادين (العلوم، والإنسانيات، والفن، الخ) مساهمتهن تتزايد عاما بعد عام.

في ظل الحكم الفاشي للجمهورية الإسلامية، شيرين عبادي، أول محامية إيرانية وناشطة في حقوق الإنسان قد أصبحت أول "امرأة مسلمة" تفوز بنوبل. فوزها بهذه الجائزة، حتى رغم دوافعه السياسية، وضع كفاح المرأة الإيرانية (بالإضافة إلى الحقوق الديموقراطية الأخرى) في بؤرة الضوء العالمية. هذا الفوز يمارس ضغطا على النظام الإسلامي، ولسوف يساعد لا محالة قضية كفاح المرأة من أجل أجيال المستقبل الآتي.

إنني متفائل تماما بأن المرأة الإيرانية (مثل أي بلد آخر) سوف تشغل جزءا كبيرا (إن لم يكن في القلب) من أي حركة من اجل التغيير الراديكالي الاجتماعي. فوق كل ذلك، أليس هن (حسنا، وليس كلهن) من سوف يمنحن الحياة لأجيال المستقبل الثورية؟ وأليس هن، مع النشطاء الذكور المعادين للهيمنة الأبوية، من سوف يعيدون بشكل دائم تعليم قضية المساواة بين النوعين؟ طبعا، بالإضافة إلى حركة النساء، يجب ألا ننسى ذكر حركة المثليين والسحاقيات – التي هي في البدايات الأولى من عمرها في المجتمع الإيراني.

س: معظم المنظمات العمالية الرسمية هي مؤسسات حكومية في إيران. مؤخرا شاهدنا قطاعات بعينها من البروليتاريا الإيرانية تتجاوز أولئك الوسطاء لمصلحة الحركة المستقلة المدارة ذاتيا. هل يمثل ذلك مزيد من الجذرية تكتسبها حركة الطبقة العاملة الإيرانية؟

الأمر ليس هكذا بالضرورة. لحد علمي، يبدو المنظر من السطح كأن قسما معينا من البروليتاريا أكثر راديكالية. نستطيع ملاحظة مظاهر يومية لسخطهم على المستوى القومي: اضرابات، اعتصامات، تخريب العمل، الخ. ولكن طالما لا يمتلك العمال الحرية لتشكيل منظماتهم الخاصة المستقلة عن الدولة، ولاحقا، طالما "النقابات الصفراء" [الاتحادات الموالية للرأسمالية] هي السائدة، لا نستطيع التحدث عن "تجاوز" ناجح لهؤلاء الوسطاء.

ومع ذلك، في المناخ الفاشستي الحالي، بالتأكيد هو خطوة تقدمية للامام لا يمكن تجاهله. أتعشم انضمام مزيد من العمال اليهم، خصوصا في قطاع النفط، وبذلك سوف يسهل الضغط ضد ماكينة الدولة فتح مساحة لتقدم كفاح المجتمع بأكمله. هذا ما سوف نراه.

س: بعيدا عن اللغة المناهضة للإمبريالية التي تتحدث بها الجمهورية الإسلامية، ما زال هناك استثمارا كبيرا مستمرا في إيران بواسطة القوى الأجنبية، وأكثرهم وزنا الاتحاد الأوروبي. هل تستطيع أن تتحدث قليلا عن دور الإمبريالية في ظلم وقمع واستغلال الشعب الإيراني؟

أنت على حق. كما ذكرت أعلاه هناك زيادة في راس المال الاستثماري الأوروبي في إيران. الدولة الإيرانية تضمن أن قوانين العمل مستمرة في صالح المستثمرين الإمبرياليين (أي، ضد العمال عموما، وخصوصا في قطاعات النفط، البتروكيماويات، التعدين). ساعات طويلة للعمل دون أي اهتمام لمعاناة العمال مهما كانت بالطبع لفائدة الدورة المستمرة للرأسمال الأجنبي. من ناحية أخرى عسكرة المجتمع المدني هو أيضا بشكل غير مباشر لمصلحة هيمنة القوى الإمبريالية.

س: إدارة بوش كانت تطنطن بمقاومة ضد النظام في إيران، خصوصا حركة الطلاب. وهذا يصنع إشكالية للبعض منا خارج إيران. نريد أن ندعم كفاح الشعب الإيراني ضد السلطوية والرأسمالية، ولكننا لا نريد دعما لأجندة الإمبريالية، خصوصا عندما نعرف أنها لن تدع التطورات تأخذ المسار البروليتاري. من الناحية الأخرى، نريد دعم الحرب ضد الإمبريالية، ولكننا لا نريد أن نصنع أخطاء الكثيرين من أهل اليسار في الماضي بدعم دول رأسمالية أقل سلطوية ضد دول أكثر سلطوية. هل تستطيع التحدث قليلا عن ذلك وما هو الموقف الذي تشعر أننا هنا نستطيع اتخاذه لإظهار تضامننا دون دعم الجمهورية الإسلامية أو اللعب على حجر الإمبريالية؟

تماما. هل تريد السقوط في شرك الرطانة الإمبريالية. نحن نعرف كحقيقة أن الإمبرياليين والبرجوازية المحلية لا تريد أبدا التحرر والحرية للجماهير المقهورة، فما باللك بأي نوع من أنواع الأجندات البروليتارية.

وعلى وجه الخصوص حالة إيران، المثال الواضح على ذلك كان أثناء حكومة الدكتور مصدق "البرجوازية الوطنية"، عندما كانت هناك حرية للنشاط السياسي. رغم ذلك، الولايات المتحدة (متحالفة مع البريطانيين) فضلت ملك بلا خبرة يمكن السيطرة عليه، وفيما بعد أصبح ألعوبة جيدة بين أياديهم مثل الشاه. وبهذا أضاعوا الديموقراطية، وأعادوا تأسيس الديكتاتورية الفاشية. تلك كانت السياسة الإمبريالية في كل أنحاء العالم لمدة حوالي نصف قرن.

بالطبع قد تغير الزمن ولا يكترث الإمبرياليين بالأنظمة التي تلعب لعبة الانتخابات كل أربع سنوات. بهذه الطريقة يمكن استغفال الناس ويستطيع الرأسمال أن يكون "القيمة" الثقافية الوحيدة. ومن هنا تأتي رطانة بوش الصوتية الداعمة للديموقراطية. ولكن إيران (ومعظم الشرق الأوسط، حاليا) ليست هي المكان الذين يلعبون فيه هذه اللعبة. لأنها منطقة تحتل أهمية كبيرة في الجغرافية السياسية (لديها 70% من الاحتياطي العالمي للنفط)، وقوى الهيمنة في الولايات المتحدة لا تريد أنظمة لا تتناغم 100% مع أجندتها السياسية والاقتصادية. فلا عجب أن الملكية البدائية في العربية السعودية هي نظامهم المفضل – خادمة ومطيعة وعلى ولاء كامل لهم حتى النهاية.

لذا ليس هناك أي إشكالية بالنسبة لليسار في الغرب أن يدعم كل الطموحات الديموقراطية للجماهير في إيران. الشيوعيون الأناركيون في (واليسار عموما) يجب أن يقفوا مع الشعب الإيراني. ولكن كن متأكدا من أنك لا تدعم أي أجندة إمبريالية، وأنك تقف بحسم خلف الأجندة البروليتارية الراديكالية. هذا يكفي لإشاعة الخوف ليس فقط في نفوس الإمبرياليين ولكن أيضا في نفوس حلفائهم الرأسماليين/السلطويين (بما فيهم الليبراليين) في إيران حتى النخاع.

س: قد يكون من الواجب أن ننهي حديثنا بسؤال عن مشروع الناخدار. هل تستطيع أن تحدثنا عن المجلة، وكيف بدأت في أولها؟ أيضا، كيف نجحتم في الوصول الى الإيرانيين (من هم في الداخل ومن هم في الخارج كلاهما) بأفكارك الأناركية؟ هل هناك اي طريقة تساعدك بها الجماعات الأناركية الأعرض في مجهودك هذا؟

في أوائل التسعينات، التحقت بحفنة قليلة من الرفاق الإيرانيين الذين كانوا ينشرون جريدة ماركسية تحررية تسمى غيهام ["الانتفاضة"] باللغة الفارسية. كانت مشروعا تعاونيا بين حفنة من الرفاق مختلفي الاتجاهات من داخل الفكر الماركسي التقليدي من كلا من أوروبا ومن الولايات المتحدة. مساهمتي وتعاوني معهم استمر عامين حيث ان الصحيفة توقفت عن الصدور. ماتت الصحيفة لأن كل عضو كان في أزمة شخصية، إضافة الى الأزمة الإيديولوجية. في حالتي كانت تلك هي البدايات لنهاية اتجاهاتي اللينينية.

منذ سنوات قليلة اتصلت مصادفة ببعض الرفاق القدامى (الذين كانوا في ذلك الوقت يعيشون في أماكن متفرقة في العالم) من أجل المبادرة بمرحلة جديدة من الأنشطة الأيديولوجية والسياسية. كنت قد بدأت توا في ترجمة بعض النصوص النظرية الأساسية للأناركية.

لاحقا اختمرت فكرة ناخدار ["ليس الله، ولا الدولة، ولا الزعماء"] كمطبوعة مستقلة شيوعية أناركية لجاليات النشطاء الإيرانيين الراديكاليين في "المنفى".

في البداية، كأي مشروع جديد، استقبلت المجلة بالبهجة والفرح. وعد عدد قليل من الرفاق بمساهماتهم ولكنهم كانوا في انتظار العدد صفر (المبدأي). كان عددا نظريا وتحريضيا للصدور مرتين في العام. ومع أن معظم هؤلاء الرفاق لم يوفوا بما وعدوا من التزامات انتهى الأمر الى أن يصير عددا واحدا في العام. رغم أن مطبوعة الناخدار استقبلت بشكل ايجابي. معظم الاستجابة كانت من خارج ايران، إلا أنه، كانت هناك بعض الاتصالات من داخل ايران أيضا. وبسبب نقص التمويل الآن ناخدار ترسل فقط الى خمسة عشر دار نشر في الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة الى حوالي تقريبا خمسين شخصا على مستوى العالم. كما يتم تهريب أعدادها الى إيران وينمو قراءها هناك.

من المبكر قول الكثير عن النجاح الذي صادفته على المدى القصير الأفكار الأناركية داخل اليسار الإيراني. نحن خلف تركيا، على سبيل المثال، باعتبارها في منطقتنا من العالم. حتى رغم أنه بالتحدث الى رفاق متنوعيين وأصدقاء في أنحاء العالم أنا متأكد من نمو الأناركية على المدى الطويل. الشباب في إيران [65% من السكان حاليا هم بين 18 – 25] وهم سياسيا أكثر استقلالية في التفكير السياسي عن أقرانهم السابقين، وهم واحد من العناصر التي سينجح بسببها هذا الفكر. طبعا سياسات وأفكار اليسار التقليدي المغلقة (الهرمية المراتبية، والسلطوية) هي السبب الرئيسي الذي يجعلني آملا في ذلك. بالنسبة للقدر الذي يساعد به جماعات الأناركية الأعرض، استطيع القول إما ارسلوا النقود (حتى ولو كانت قليلة لا يهم) أو بشكل مستقل قوموا بتوزيع المجلة (حتى ولو كانت نسخ مصورة) بأوسع مدى تستطيعونه داخل المجتمع الإيراني في منطقتكم. هناك شباب إيرانيين أمريكيين متعطشون للأفكار الأناركية. الطريق أمامنا طويل ولكنها خطوة قد خطوناها.

هذه المقابلة أجراها مارك، وآريا، وروبن. الثلاثة أعضاء ويدعمون الأناركي الشمالي الشرقي في بوسطن.
ناخدار يمكن الاتصال بها على العنوان التالي: PO Box 380473, Cambridge, MA 02238-0473
لو أردت نسخة من المجلة من فضلك ارسل 6 دولارات (الشيكات أو أوامر الدفع من فضلك اترك مكان ادفعوا لأمر خاليا).



#بايمن_بيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو مخيف يظهر لحظة هبوب إعصار مدمر في الصين.. شاهد ما حدث ...
- السيسي يلوم المصريين: بتدخلوا أولادكم آداب وتجارة وحقوق طب ه ...
- ألمانيا تواجه موجة من تهديدات التجسس من روسيا والصين
- أكسيوس: لأول مرة منذ بدء الحرب.. إسرائيل منفتحة على مناقشة - ...
- عباس: واشنطن هي الوحيدة القادرة على إيقاف اجتياح رفح
- نائبة مصرية تتهم شركة ألبان عالمية بازدواجية المعايير
- -سرايا القدس- تعرض تجهيزها الصواريخ وقصف مستوطنات غلاف غزة ( ...
- القوات الأمريكية تلقي مساعدات منتهية الصلاحية للفلسطينيين في ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- وسائل إعلام تشيد بقدرات القوات الروسية ووتيرة تطورها


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - بايمن بيدر - الأناركية في إيران