أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إياد العبدالله - المجتمع السوري في وعي نخبه















المزيد.....

المجتمع السوري في وعي نخبه


إياد العبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1330 - 2005 / 9 / 27 - 09:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اشتغل الاستعمار الفرنسي في سوريا على إنتاج منظور اجتماعي للمجتمع السوري يجد مرجعيته في الخطاب الاستشراقي الذي منح الاستعمار رسالة إنسانية، وظهر فيه مجتمعنا سكونياً فسيفسائياً، تتجاور عناصره دون أي جامع أو تجانس في ما بينها. لقد همش هذا الفهم المجتمع وصادر حقيقته وحقيقة التحولات التي أخذت تطرأ على البنى الاجتماعية آنذاك، والتي كانت تسير في اتجاه بناء ما هو مشترك بينها؛ ألا وهو الهوية السورية، التي شكّل الاستقلال أحد أهم محطات بنائها.
وفي الوقت نفسه، غدا المجتمع السوري مسرحاً لصعود الطوباويات الجماهيرية (العروبية والشيوعية والإسلامية والإقليمية) على حساب ضمور الأحزاب التقليدية، وخصوصاً حزب الشعب والكتلة الوطنية. لم تقم هذه الطوباويات بالتعامل مع المجتمع السوري إلا بالقدر الذي يفيد رسم حدود الهوية المحددة في كل منها (تاريخياً وجغرافياً وثقافياً). لقد كان المجتمع مشدوداً دائماً، وبشكل قسري، نحو هويات تقع خارجه، لم تكن السورية إحداها.
ورثت دولة الاستقلال الوطنية ما خلفه لها الاستعمار من مشكلات. وكان عليها البدء في صياغة حدودها وبناء مجالاتها على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية... الخ. وفي هذا السياق ظهرت الدولة على أنها قائدة عملية التنمية والتقدم والتحديث والاستقلال الكامل. ولأجل هذا قامت هذه الدولة بتوجيه كافة فروع إنتاج المعرفة الاجتماعية (اقتصاد، قانون، علم اجتماع...) وربطها ببيروقراطية التخطيط، وخصوصاً الأخير ـ أي علم الاجتماع ـ الذي لم يعد علماً يروم تفسير ماهية الفعل الاجتماعي وأسبابه وتطوراته، وإنما أداة رقابة في أيدي من يشرفون على الدولة بغرض تحقيق الهيمنة والسيطرة، وهو ما سيفرغ هذا العلم من محتواه ويزيحه عن أهدافه ويضعه على السكة الخطأ.
إلا أن الهزيمة التي ستمنى بها هذه الدولة أمام إسرائيل عام 1948 ستجعل الكفة تميل لصالح العسكر الذين سيبلغون أوج تحكمهم إثر انقلاب 8 آذار 1963، الذي قونن استفراد حزب البعث بالسلطة والدولة والمجتمع، مستلهماً لأجل هذا شعارات تدعو إلى "التحرير والوحدة والاشتراكية". وإذا كانت مفردات التجييش والحشد هي التي استأثرت بالحقلين الأولين (التحرير والوحدة) واختزلت مكونات المجتمع السوري إلى "جماهير"، فإن الحقل الثالث يستمد مفرداته من تقليد دولاني وسم العديد من التيارات الاشتراكية في العالم التي كانت تعتمد "التحديث الثوري" كمشروع، وتجعله من اختصاص الدولة. يستند هذا المشروع على فكرة تذهب إلى أن التقدم لا تصنعه المبادرات الفردية، وإنما الدولة عبر تخطيطها المركزي الذي تستطيع من خلاله أن توحد المرامي بشكل يتحول معه المجتمع، بجميع فئاته، إلى مجمع إنتاجي كبير، يعود بالنفع على الجميع. سيفتح هذا الفهم التنموي المركزي والفوقي، والذي تسابق المثقفون و السياسيون لعقلنته، الباب للنظام ليسيطر على مصادر القوة الاجتماعية عبر حركة التأميمات التي طالت الأرض والرأسمال والثروة. كان لهذه السياسات أثرها الخطير على المجتمع من حيث التحولات التي حلت به. فقد أدت إلى تصفية النخب الاقتصادية والاجتماعية القديمة والتقليدية وصعود فئات جديدة ستملك كل شيء في المجتمع والدولة، كما ساهمت في خلق شبكة من الولاءات للنظام، ولو إلى حين، امتدت إلى الأرياف وبعض الفئات المدينية الوسطى والمهمشة؛ كما أنها ساعدته على إحكام رقابته على المجتمع وإلحاقه به، مما أعاق تشكل نخب اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية مستقلة. لم تحظ هذه التحولات الاجتماعية بما تستحقه من الدراسة، لا في مؤسسات الدولة التي تم تأميمها أيضاً لصالح السلطة، ولا في المؤسسات والأوساط الأكاديمية المختصة بإنتاج المعرفة الاجتماعية، هذه التي عانت، ومازالت، من هيمنة السلطة السياسية التي تعاملت مع هذه التحولات من باب حكم القيمة الذي يخدم عقيدتها التقدمية ويصور واقع الحال بأنه أفضل بما لا يقارن بما سبقه. أما المعارضات السياسية للنظام، آنذاك، فقد غلب على خطابها الحماس الأيديولوجي على حساب النظر الموضوعي. فقد كانت أيضاً تروم تغيير المجتمع السوري جذرياً دون الاعتراف بالبنيات الموضوعية المكونة له، أو محاولة فهمها. كما أنها بشقيها، التحديثي (الأحزاب القومية و الماركسية) الذي ينتمي في عقيدته التحديثية لنفس المدرسة التي تخرج منها البعث ونظامه؛ والمشكك بشرعية هذا التحديث (التيار الإسلامي)، انطلقت في مشاريعها التغييرية من ضرورة الاستيلاء على الدولة ومصادرة حقيقة المجتمع السوري بما ينسجم مع تصوراتها.
والآن، رغم بروز بعض الأقلام الجادة التي أمعنت في دراسة آليات منظومات الهيمنة واستمرارها من قبل النظام السياسي السوري على المجتمع والآثار الخطيرة المترتبة على ذلك، إلا أنها، عموماً، لازالت تقارب المجتمع من خلال علاقته مع السلطة، غافلةً عن حقيقة أنه رغم هذا الإلحاق القسري لهذا المجتمع بالسلطة، إلا أنه ـ وضمن عملية الإلحاق هذه ـ لا يخلو من حركية ذاتية يعيد فيها صياغة مخيالاته واصطفافاته وأولوياته وتناقضاته، وتطرأ عليه العديد من التطورات والتغيرات من المهم جداً أن تنال قسطها الوافر من الدراسة والتأمل النقدي.
وفي الوقت الراهن أيضاً لا يزال المجتمع السوري دريئة لعقيدتين متناقضتين في الظاهر ومتماثلتين من حيث البنية. تستمد الأولى مفرداتها من المنظومة الليبرالية، يشتق أتباعها (الوافدون من أصول يسارية خصوصاً) التخلف والاستبداد والتعصب من المجتمع الذي يظهر سليل تراث يمتد حتى آلاف السنين، وهو ما جعل مشروع التحديث لدى البعض من هؤلاء ثورياً لا يقطع من حيث العمق مع المشاريع الثورية السابقة، وإن كان الادعاء عكس ذلك؛ أما بعضهم الآخر فقد استبد به شعور اللاجدوى، فانزوى مبرراً عزلته بقصور هذا المجتمع وعجزه عن التعامل مع أفكاره. أما الثانية فإنها تعبر عن توجه طارئ على المجتمع السوري يستمد مقولاته من الإسلام. يعتمد أنصار هذا التوجه على قراءة تحتكر حقيقة الإسلام وتتعامل مع المجتمع بمنطق تكفيري تشكل تعابير من مثل "الحلال و الحرام، الكفر والإيمان، الحق والباطل..." جسده المفاهيمي، مما يعكس تصوراً شمولياً للمجتمع يصادر حقيقة التنوع الكبير فيه، وهو ما يجعل الكثير من مقولاتها ذات طابع جهادي ضد هذا المجتمع الذي تعتبره مرتعاً للفساد و الانحلال.
النظام السياسي الحالي، وريث مطابقة الدولة والعقل، لا يستطيع ولا يريد ولا يناسبه أن يعترف بالمجتمع السوري. فما يزال هذا المجتمع ملحقاً بتصوراته وموضوعاً لشعاراته وتجاربه ورجالاته. أما شعار "التطوير والتحديث" الذي رفعه مؤخراً فيجعل من الدولة الفاعل التحديثي الوحيد، بينما يسلب المجتمع روح المبادرة، ويختزله إلى موضوع للتحديث فحسب. وهو ما يجعله تحديثاً فوقياً ومركزياً على غرار ما كانت الاشتراكية في حقبة سابقة.




#إياد_العبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أحذية كانت ترتديها جثث قبل اختفائها.. شاهد ما عُثر عليه في م ...
- -بينهم ناصف ساويرس وحمد بن جاسم-.. المليارديرات الأغنى في 7 ...
- صحة غزة: جميع سكان القطاع يشربون مياها غير آمنة (صور)
- تقرير استخباراتي أمريكي: بوتين لم يأمر بقتل المعارض الروسي ن ...
- مسؤول أمريكي يحذر من اجتياح رفح: إسرائيل دمرت خان يونس بحثا ...
- شاهد: احتفالات صاخبة في هولندا بعيد ميلاد الملك فيليم ألكسند ...
- مليارات الزيزان تستعد لغزو الولايات المتحدة الأمريكية
- -تحالف أسطول الحرية- يكشف عن تدخل إسرائيلي يعطل وصول سفن الم ...
- انطلاق مسيرة ضخمة تضامنا مع غزة من أمام مبنى البرلمان البريط ...
- بوغدانوف يبحث مع مبعوثي -بريكس- الوضع في غزة وقضايا المنطقة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إياد العبدالله - المجتمع السوري في وعي نخبه