أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوكت جميل - صالح جودت و البابا شنودة شاعرين!















المزيد.....

صالح جودت و البابا شنودة شاعرين!


شوكت جميل

الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 06:53
المحور: الادب والفن
    


هذه مسألة كنت أود تناولها منذ حين،و لكني عزفت عنها مرةً بعد المرة،تجنباً لطائفتين:طائفة من الجهّال الذين يجيدون القراءة و الكتابة،و سيرتهم تقديس بعض الرموز،فلا يطيقون أن يقترب منها أحدٌ و لو من غير باب تقديسهم لها،فإذا اقتربت منها و من نتاجها الفني،و جب عليك أن تكيل المديح،و إلا فعليك أن تلقم فاك حجراً،أما الطائفة الثانية ،فليست بأقل جهلاً من الأولى،و هي لم تتعلم بعد أن تفرق بين السرقة الأدبية،و المعارضة الشعرية،و الاقتباس،و التناص،و يحسبون أن الشاعر نبتٌ شيطاني،يأتيه الشعر إلهاماً من السماء كبةً كبةً،و لكي يكون للشاعر في مذهبهم بصمته الخاصة،فعليه أن يكون جاهلاً بغيره،غير متأثرٍ بأسلافه من الشعراء،و لمثل هؤلاء لا أسوق سوى نصيحة "ت.س.اليوت" الشاعر و الناقد الكبير لكل من يريد أن يظل شاعراً بعد الخامسة و العشرين،و بالطبع لا يقصد اليوت بالشاعر هنا،كل من يقول لغواً ساذجاً يسميه شعرا:(عليه أن يدرك الموروث الأدبي للغته و للأدب الأوربي عامة،و أن ينفذ إلى أرواح و أنفاس الشعراء الآخرين).و هذا كلام متوقع من اليوت و الذي تتلمذ على الشاعر العظيم عزرا باوند..و من هنا كان الحديث عن شعر البابا شنودة الثالث و شعر صالح جودت..و ما بينهما من تماس و تقاطعات.

وحّد الشعر بين شاعرين و إنسانين مختلفين كل الاختلاف،بل و متناقضين كل التناقض،أحدهما راهبٌ ناسكٌ متبتلٌ زهد في متاع الدنيا و عزف عن ملاهيها،أما الثاني فمن أصحاب اللذة و المتعة، لا يعرف لمغامراته حداً،و لا لشهوته مقياساً،و كأنما يعتصر الحياة حتى آخر قطرةٍ..أقول وحد الشعر بينها،لا لأنهما ينتميان إلى حقلٍ واحدٍ من الإبداع،بل لأنك تقع في شعريهما على روحٍ شعريةٍ واحدةٍ،و بصمة شعرية واحدةٍ ،و كأنهما لشاعرٍ واحد! و إن تنكرت في صورة الضديدين أحياناً..و هذا ما سأحاول تبيانه الآن،و أحسب أن هذه نقطة لم يلتفت إليها من قبل أحدٌ في شعر البابا.

ليس من وكد المقال الإلحاح على الاقتباس الشعري أو السرقة الشعرية،فكثير من هذا الشعر يجري على عادة الشعراء من "المعارضة"كما في اصطلاح النقاد القدامى،و منه ما هو على سبيل التناص،و منها ما هو على سبيل التأثر بأنفاس غيره من الشعراء.و لغير هذا قصدت،فإنما الجديد هنا،هو هذا التطابق الكامل في الأسلوب و القاموس الشعري و الصورة الشعرية و الصياغة ما بين شعر البابا شنودة الثالث(1923_2012)،و الشاعر المصري الكبير و أحد أقطاب مدرسة"أبوللو"الشعرية،صالح جودت(1912_1976)،و لنبدأ حديثنا بقصيدة"كيف أنسى؟" لكليهما!.

أما قصيدة" كيف أنسى؟"،لصالح جودت فقد نشرت في ديوانه"ليالي الهرم" المطبوع سنة 1957 م،لتضم قصائده منذ سنة 1933،و يبدو أن هذه القصيدة قد نالت قدراً كبيراً من الشهرة في الأربعينات،إذ أن صلاح عبد الصبور يحتفي بالديوان السابق في مجلة صباح الخير(9/1/1958) فيقول:(في الديوان قصائد لنا بها ألف و ذكريات، قرأنها من قديم فأعجبتنا و تغنينا بها،ثم كان من أملنا أن نراها في الديوان،"ميعاد ليلة الأحد"و "كيف أنسى").

أما قصيدة"كيف أنسى"للبابا شنودة،فمطبوعة في وقت حديث و إن أُرخت بتاريخ 1962 في طبعتها..و لنر الآن كيف يتساجل الشاعران أو الشاعر مع نفسه.

يقول جودت في قصيدته،شارحاً كيف لا يستطيع نسيان عشقه،متمنياً لو عاد:
سوف أنساكِ..و لكن...كيف أنسى
و أنا في صبوتي أكرم نفسا
و أنا أضعف من غدركِ بأسا
ليتني أنسى..و لكن ..كيف أنسى؟
يقول البابا في قصيدته،تمنياً لو أستطاع أن ينسى هفوات الصبا فيسامح نفسه،و أن تذهب بلا رجعة:
سوف أنسى الأمس و اليومَ و قد أنسى غدا
و سأنسى فترة من العمر قد ضاعت سدى
غير أني سوف أنسى سؤالا واحدا
حين قال القلب يوما في ارتباكٍ كيف أنسى؟

يقول جودت،متأسياً و قد هجرته حبيبته :
كنت كالجندي من بعد الصراعِ
فاغفري طيشي و جهلي و اندفاع
...
آه منها ليلة لم تخلدِ
ضيعت أمسي و يومي و غدي
غربت شمسُ الهوى،و الليل أمسى
و كأني فيه ما طالعت شمسا
أنتِ يا من تفرغ الآلام كأسا
أنت يا من تغمر الأحلام يأسا
و أنا في صبوتي أكرم نفسا
و أنا أضعف من غدركِ بأسا
ليتني أنسى....و لكن كيف..أنسى؟!

فيما قول البابا:

كيف أنسى فترة الطيش و آثام الصبا
حين كان القلب رخواً كلما قام كبا
أسكرته خمرة الإثم فنادى طالبا
كلما يشري كأساً يملأ الشيطان كأسا
....
حسن يا قلب أن أنسى ولكن كيف أنسى؟!
....
و حتى لا نطيل،نقول إن المتبقي من القصيدتين لا يختلف وزناً أو أسلوباً أو أيقاعاً أو لفظاً.

ننتقل إلى قصيدة أخرى"الرمس"لصالح جودت في ديوانه "رسالة حب" و فيه تصدير لأحمد ذكي أبو شادي مؤرخ بتاريخ ديسمبر 1933،و مقابلها الموضوعي قصيدة "همسة حب"،أو"قلبي الخفاق"،و مؤرخة بتاريخ 1961،و أنها نظمت بالمغارة...يقول جودت في رمسه_و هو قبر حبيبته،و الذي تمنى أن يصبح قلبه رمساً لها بدلاً عنه!:

قمتُ في الليل أناجي مضجعك ...ليتني في الرمس أمسيت معك
أيها الغائب .....عني ....ليتهم...فتحوا فلبي و شادوا مضجعك
هذه روحي فخذ إن شئتها............أنني القيت شوقي اطمعك
ليتني أملك إبدالي بها...........ساعة في القبر أمضيها معك

فيما يرغب البابا أن يصير قلبه مضجعاً لربه لا لبشر أو حبيب:
قلبي الخفاق أضحى مضجعك...في حنايا الصدر أخفي موضعك
قد تركت الكون في ضوضائه...و اعتزلت الكل كي أحيا معك
و كما نلاحظ،ذات الوزن(بحر الرمل) و القافية،و أصداء الإيقاع، مع إزاحته الفكرة فقط من المحبوب الأرضي إلى المحبوب السماوي.

و تستمر التقاطعات بين الشاعرين ففي قصيدة "الرحيل" لجودت و هي القصيدة السابقة مباشرة لقصيدة"الرمس"المذكورة يقول جودت،و هو لا يرى في الدنيا سوى محبوبته:
و دعتني_يوم ان ودعتني_...نشوة الوجدان في خمر هواكْ
جهل الإيمان ذو القلب الذي....يعبد الحسن و يصبو لسواك
ما عشقت الورد لو أنه....صفحة سالت عليها وجنتاك
ما حسبت الشمس إلا أنها...تتلظى يا حبيبي من جفاك
حسب من يهواك ذلا أنني...لا أرى نفسي جديرا بهواك

فيما يقول البابا في قصيدة السابقة"همسة حب"،و قد نوع القافية:
لم يسعك الكون ما أضيقه..كيف إذن للكون أن يسعك؟
...
قد تركت الكل ربي ما عداك..ليس لي في غربة العمر سواك
قد نسيت الأهل و الأصحاب بل...قد نسيت النفس أيضاً في هواك
هي ذي العين و قد أغمضتها..عن رؤى الأشياء حتى تراك

و يبدو أن البابا قد وقع تحت تأثير شعر جودت فاستخدم لفظة"هواك"ذاتها مع الله.

تتناثر التماسات و التقاطعات بينهما،فإذا حاول جودت غازلة حسناء بأحد الأديرة !‘في قصيدته "دين جديد"في ديوان "ليالي الهرم" الذي بقول فيها:
و ما الدين عند...الله إلا محبة
فصدك إلحاد..و وصلك دين
و جاء فيها فيها:
قالت:ألا راعيت الله حرمةً..و حولك آذان له و عيون؟
من الطين أقبلنا و للطين عودنا..فقلت:معاذ الله أنك طين!
فقالت:أما تخشي،عذاب جهنم؟..فقلت:دعيني،فالمآب ظنون
دعيني،فإن العمر يوم و ليلة..و أن عذابي بعده ليهون!
و ماذا يضير الله إن لم أكن...على الهدى أو يجديه حين أكون؟
و نحيتها ركنا من الدير هادئا..يداري أظانين الهوى و يصون

فكأنما البابا يرد عليه بقصيدته"من تكون؟!"المؤرخة في1960 م:
كل ما هو صمت و سكون...و هدوء يكشف السر المصون
هل ترى العالم إلا تافها...يشتهي المتعة فيه التافهون!
هل ترى الآمال إلا مجمراً...يتلظى بلظاه الآملون
أما بخصوص الطين فيتحفه البابا ردا ببيتين من قصيدة"تائه في الغربة":
قل لمن غنى على الأهواء هل...في مجيء الموت أيضاً ستغني؟
نحن في الأصل تراب تافهٌ....هل سينسى أصله من قال أني؟!

أما القصيدة التي تبين تنافر وجهة نظر الشاعرين_إذا كان ثمة حاجة بعد إلى تبيان_ فهي قصيدة"نصيحة"لجودت و التي تلخص فلسفته في الحياة،و المؤرخة بتاريخ 1967،إزاء قصيدة البابا"تائه في غربة1961"،و هي القصيدة الوحيدة فيما سبق و المؤرخة بتاريخ أقدم عن شعر جودت،إلا أنها لا تتوافر بصورة مطبوعة سوى بتاريخ أحدث،يقول جودت،ناصحا حبيبته:
كفاك تيها و كبرا......و ابسط جناحك خفضا
عدني به عند موتي...فاقطع العمر ركضا
دعنا نجن و نلهو...في الكون طولاً و عرضا
فكارهو النور عميٌ..و عاشقو النوم مرضى
دعنا نذوق الجنى...في كل المواسم غضا
و نشرع الحب دينا...و نجعل الوصل فرضا
و لا نطيع نبيا..... يشيعُ في الكون بغضا
لا يعرفُ الله إلا...من يجعل الحب فرضا!
فيما يقول البابا:
يا صديقي كن كما شئت إذن..و اجر في الأفاق من طول لعرضِ
..
و اغمض العينين و حلق حالما..ضيع الأيام في الأحلام و ارضِ
آخر الأمر ستهوى مجهداً ..........راقداً في بضع أشبارٍ بأرضِ
يهدأ القلبُ و تبقى صامتاً...لم يعد في القلب من خفقٍ و نبضِ
ما ضجيج الأمس في القلب إذاً...أين بركانه من حب و بغضِ

و يبدو في المقطوعتين أن كل منهما يتعبد لله بطريقته!
و مثل ذلك التشابه الكثير ....و الحق لم أجد قصيدة واحدة في شعر البابا،و قد أفلتت من تأثير شعر صالح جودت.

بيت القصيد
لم يأنف البابا شنودة شاعراً أن يدمن على قراءة شاعر المتعة و الحب صالح جودت،و قد سيطرت الروح الشعرية لصالح جودت على شعر البابا،و نلمس أنفاسه في كل بيت من قصائد البابا،و هو و إن عارضه في توجهاته ،إلا أنه لم يفلت من سطوة أسلوب و لغة و قاموس جودت الشعري و مفرداته،إلى درجة عدم ظهور شخصية شعرية خاصة به،و ذابت في الشخصية الشعرية لصالح جودت،و الأكثر من ذلك،نكاد لا نلمح أنفاس أخرى لشعراء آخرين،و لو نهج هذا السبيل لزاد ثراؤه الشعري،و لربما ظهرت شخصية شعرية متفردة و قد امتزجت هذه الأنفاس بصوته الشعري...
هذه هي الحقيقة، و لكن السذّج لا يبصرون،فالشعر لا يسقط من السماء.



#شوكت_جميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق الأمل و الرحيل
- حتمية المادية الجدلية!
- الراجم و المرجومة
- البرجماتزم في مواجهة الماركسية
- دمٌ على ليبيا(تتمة)
- دمٌ على ليبيا
- الفرق بين الMania،و الParanoia
- الثورة الفرنسية في عيون مصرية
- أدعه مسافراً
- سد النهضة إلى أين؟
- ماذا لو عاد المسيح اليوم؟
- دعوة الواجب
- البؤساء تعيد نفسها في مصر،عبد المسيح مثالاً
- كادر مشيدي الحضارة يا محلب
- لمسة حياة
- لهتلر نوبل للسلام و للغنوشي جائزة ابن رشد
- مخطوطات العهد الجديد_دراسة نقدية_
- إرحلْ!
- ثورة البعير
- المنهزم


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوكت جميل - صالح جودت و البابا شنودة شاعرين!