((المجدليات))

سومر جباوي

الحوار المتمدن-العدد: 1319 - 2005 / 9 / 16 - 07:50
المحور: الادب والفن
    

جئت باسم الله"... هي العبارات الصغيرة المقتضبة التي رددها المخرج الاسكوتلندي بيتر مولان لإحدى الصحفيات وهو يرتقي على عجل الدرجات البسيطة التي تفصله عن الصالة التي شهدت العرض الأول لفيلمه (The Magdalene Sisters) في مهرجان البندقية التاسع والخمسين... كثير من الأشخاص لم يسمع ولم يُقدر له أن يسمع بهذا الفيلم الذي حاز في صمت على الأسد الذهبي لمهرجان البندقية (2002) كأفضل فيلم وجوبه بعواصف وسيل جارف من اللعنات التي أطلقتها الكنيسة الكاثوليكية على الفيلم ومخرجه والممثلين والطاقم الفني ولجنة تحكيم مهرجان فينسيا الملحدة!...
معتمداً على قصص حقيقية أوردها الفيلم الوثائقي (Sex in a cold climate)، يكشف فيلم بيتر مولان جانباً من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الإيرلندية من خلال المصابغ (أماكن غسيل الثياب) المجدلية والتي كانت تدار من قبل الكنيسة الكاثوليكية في إيرلندا... أية فتاة معرضة لأن تدخل إلى هذه المصابغ، حيث تسجن وتصادر حريتها لسنوات طويلة وتتعرض لشتى أنواع الإذلال الجسدي والنفسي شريطة أن تكون خاطئة... والخطيئة كلمة مطاطة وظالمة... تتراوح من الدعارة، تعاطي الكحول، الولادة خارج إطار الزواج، أو حتى كون الفتاة يتيمة !... استمر وجود هذه المصابغ حتى عام 1996 وضمت بين أرجائها عبر تاريخ طويل أكثر من 30.000 فتاة.. كان عليهم أن يعملوا ضمن ظروف انسانية سيئة ودون أي مقابل... كانت الفكرة من وراء هذه المغاسل تطهير أرواح الفتيات (الدنسة) بعمل شاق، وهل أشق من الغسيل اليدوي لأطنان وأطنان من الثياب... كانت الفتيات في كثير من الأحيان تسلم من قبل أهلهم الذين سرعان ما يختفون من حياتهم نهائياً... لم يلقى الضوء على هذه المغاسل إلا عندما عثر على 133 قبر مخفي في أراض محيطة بأحد المغاسل في أواسط السبعينات...
يروي الفيلم قصة ثلاثة فتيات في دبلن آواخر عام 1964... Margaret (قامت بدورها Anne Duff) والتي قدمت بلاغاً إلى الشرطة ضد ابن عمها الذي اغتصبها في حفلة زفاف.. Rose (Dorothy Duffy) والتي جلبت العار لأهلها عندما وضعت فتاة خارج إطار الزواج ... و Bernadette (Nora-Jane Noone) اليتيمة الجميلة، والتي كانت محط أنظار الشباب الذين كانوا يحتشدون على بوابة الميتم لمشاهدتها... ترسل الفتيات الثلاثة إلى إحدى المصابغ المجلية في دبلن كعقاب لهم عن الخطايا التي ارتكبوها!..
في المصبغة تصبح الفتيات في قبضة راهبات ساديات ينفذون جميع أوامر Sister Bridget (Geraldine McEwan) رئيسة المصبغة..وهي امرأة متعصبة جداً تؤمن بأن الفتيات الخاطئات هم حشرات في هذا المجتمع وأن جل ما يمكن أن يعملوه هو غسيل خطاياهم بغسيل ثياب الآخرين... تتعرف القتيات أيضاً إلى Crispina (Eileen Walsh) فتاة بسيطة فقدت عقلها واتزانها عندما أخذو منها ابنها الغير شرعي وأعطوه لعائلة كي تربيه، تصاب الفتاة بلوثة في عقلها فتخرج في كل ليلة إلى البوابة ظناً منها أنها سترى ابنها... الظلم والقسوة والإذلال يدفعان Bernadette إلى محاولة الهرب... في هذه الأثناء تهرب إحدى الفتيات (Marry Murray) من المصبغة إلى بيتها ظناً منها أنها تعود إلى كنف الأمان فيعيدها أبوها (Peter Mulan)إلى المصبغة فتستقبلها Sister Margaret عند البوابة وتضربها بوحشية أمام الفتيات كي تكون عبرة لهم... ولا تكتفي بذلك بل تقص لها شعرها لإهانتها... تتعرض الفتيات الثلاث إلى الإذلال الجسدي والجنسي عندما يؤمرن بخلع ملابسهن أمام إحدى الراهبات التي تسخر من أجزاء جسدهن...

تتعرض Crispina إلى اعتداء جنسي من أحد الرهبان... يأتي شقيق إحدى الفتيات الثلاث Margaret ويصطحبها إلى المنزل وتبقى Bernadette و Rose تواجهان الإذلال المتزايد إلى أن يقررا الهرب مهما كلفهما الأمر...
الفيلم رائع من الناحيتين الفكرية والفنية... وقد استطاع الممثلون أن يعكسوا بصورة رائعة حالات اليأس والألم أو حتى السعادة المسروقة خلسة في جحيم المصبغة وخصوصاً Bernadette و Crispina... استطاع مدير التصوير عبر إضاءة متقنة تاركاً للظلال واللون البني الغامق أن يكونا سيدا المشاهد الداخلية كلها، في حين عمد إلى إضفاء المزيد من الإضاءة وحتى النهارية منها عبر العاكسات النهارية إلى خلق نوع من التباين يشعر به المشاهد بقوة بين داخل المصبغة القاتم والعالم الخارجي... لم يكن من المستغرب أيضاً حصول الفيلم على جائزة أفضل تصوير في مهرجان فينسيا نفسه...
لم يرغب Peter Mullan أن يكون فيلمه خطابياً بحتاً فعمد إلى لعبة المتناقضات السريعة والانتقال من حالة الفرح إلى الحالة الحزن بخفة وسرعة، أو حتى خلق حالات من الكوميديا السوداء والضحكات المسروقة في جحيم كامل... أبرز هذه المشاهد الكوميدية انتقام Margret من القس الذي اعتدى على Crispina فتضع له في ملابسه الداخلية بعضاً من القريص ويغدو الموقف مضحكاً عندما يصيب الحكاك أعضاء الرجل فيبدأ بالتقلب أمام ضحكات الفتيات عليه...
فيلم استطاع فيه بيتر مولان القادم من عالم التمثيل إلى الإخراج من تعرية ممارسات شاذة قامت بها حفنة من الساديين حكموا باسم الدين... الله... والنقاء الإجتماعي... بالتأكيد فإن فيلم بيتر مولان (المجدليات) واحد من أهم الأفلام الإيرلندية المقلة عموماً في إنتاجها... وأحد أهم الأفلام الجريئة التي أنصح بمشاهدتها...

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل