أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل البكوري - مداخل الحداثة/ في نقد السلفية و التوفيقية















المزيد.....

مداخل الحداثة/ في نقد السلفية و التوفيقية


عادل البكوري

الحوار المتمدن-العدد: 1315 - 2005 / 9 / 12 - 06:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد صار من مشهور القول المقرون بتحليل أنظمة الوعي العربي في نسخه المعاصرة الإتيان بطرح يدافع عن تحول هذا الوعي إلى نظام ذو طبيعة نقدية، هذه الطبيعة ساعدت الإنسان العربي بشكل كبير على مساءلة ذاك الفهم المتواطئ والمشترك الذي تعوده في تعامله مع ماضيه وحاضره و مستقبله . وما جعله ذو فاعلية أكثر هو اصطدامه بمنظومة قيم جديدة؛ منظومة متعددة التراكيب في مستوياتها الفرعية. لكنها متوحدة جوهرانيا. والمحمول على القصد هو اصطدامه بمفهوم الحداثة.
وما يترفع عن التعليل هو أن الإتيان بمراجعة هذا الفهم المشترك والمتواطئ للعقل العربي في تعامله مع قضاياه المحلية و الكونية فرض موضوعي / وموضوعي بالتضاعف. معنى ذلك أنه موضوعي أولا لضرورة تجاوز مستوى الدهشة حين الاحتكاك بالأصول الحضارية للحداثة -الغرب- وموضوعي ثانيا لضرورة تخصيب المجال أمام تجاوز مستوى هذه الدهشة.
كل هذا أفرز مساءلة ومراجعة للخطابات التي تعمل على استهلاك التراث في بلورة رؤاها وصياغة أجوبتها وأحيانا تصٌيره سببا في سؤالها. كما يفرز كذلك مساءلات أكثر تقدما حين تهم مثلا أساسيات الخام في هذه الخطابات/ أساسيات الثقافة العربية الإسلامية.
وهذه المراجعة تجد أسبابها كذلك في التحول التصاعدي في دور الحداثة . هاته التي بدأت شيئا فشيئا في التخلي عن دورها التقليدي، كخصم أو محاور مستقل للعقل العربي المعاصر، لتلعب دورا أكثر أهمية إذ بدأت تدخل بفعالية في تشكيل هذا العقل ذاته . وإن كان ذلك اضطرارا لأن القيم الاستعمالية للحداثة تفرض تبني أطرها ومقولاتها دون ما استئذان.
ومعلوم كذلك أن هذه الطبيعة النقدية جاءت نتيجة التراكم الكمي والنوعي الذي طبع الرؤى و التصورات التي اهتمت بمسارات تشكل الوعي العربي بذاته وبغيره. فبرزت بذلك عدة اتجاهات تدعي لنفسها الإصابة وحسن الإجابة حسب درجة الارتباط بالتراث وحسب درجة الاعتقاد في إطلاقيته وسر مديته .
ففي عصر النهضة كان الفكر العربي يقوم على الفهم التو فيقي المركب . أي استلهام الماضي واستدعاء مقولاته وتحيينها وموافقتها مع معطيات الزمن الغربي في كل مستوياته الاقتصادية و الإجماعية والسياسية و بالأخص الفلسفية. لكن هذه المقاربة التوفيقية عانت شقاء كبيرا ومشاكل عضام سواء تعلق الأمر بالموضوع أو المنهج . ذلك أنها لم تستطع الانفلات من الثابت العقلي الذي طبع الفكر العربي في كل بناه منذ بوادر تشكله إبان العصر الوسيط. وشقاء الوعي التوفيقي بذاته وبموضوعه. حسب عدة أقلام هو نتيجة غير مفاجئة فالتعلق بتصورات تعاند الاختراق وترفض قطعا كل سبب من أسباب الاستفهام حول القداسة والاستعلاء لابد أن تبني لنفسها حصانة ومناعة تغنيها عن حر و برودة السؤال . مما يزيدها تصلبا و أحادية. وقد أعلن عن مثل هذا الرأي مثلا الفيلسوف الإيراني –درويش شيغان –حين قال( لقد تم تقديس الشريعة.لكنها جد معوقة في العالم الإسلامي....هي تمنع هذا المجتمع من التطور.وهذا النوع من الإسلام إسلام متحجر ومتجمد! لقد دقت ساعة تهشيم المحرمات بالنسبة لنا.) ما أعلنه شيغان وإن كان يلزمه وحده فهو تعبير واضح منه بأن الشريعة لا تساعد على الانفتاح والإبداع .
كما أن هناك مواقف أخرى أكثر تعليلا لذاتها. منها ما أعلن عنه المفكر " صادق جلال العضم " حين أعلن في نقد الفكر الديني (... يوجد رأي سائد و شائع يزعم أن النزاع بين العلم و الدين نزاع ظاهري فحسب و أن الخلاف بين المعرفة العلمية و العقائد الدينية ليس إلا خلافا سطحيا. ويزعم دعاة هذا الرأي أيضا أن روح الإسلام مثلا بحد ذاتها لا يمكن أن تدخل في نزاع مع العلم وان الاختلاف المشار إليه هو بين العلم و القشور الخارجية التي تراكمت حول روحه وحجبتها عن الأنظار.أريد أن استرسل قليلا في تمحيص هذا الرأي و نقده وفي شرح وجهة النضر التي ترى العكس . أي ترى أن الدين كما يدخل في صميم حياتنا وكما يؤثر في تكويننا الفكري و النفسي. يتعارض مع العلم و مع المعرفة العلمية قلبا و قالبا روحا ونصا.) 1 صاحب هذا الموقف يعلن ومن غير هوادة بان العلم يقف كطرف نقيض مع الدين وأن البقاء لأحدهما لا أكثر .مما زاد في تأزيم وإحراج الطرح التوفيقي..
إلا أن المدهش في الأمر هو أن نقد التوفيقية ورفضها لم يكن بأقلام الرؤية الوضعية أو الحداثية التي تفصل قطعيا مع التراث وحدهم . بل كان وبالنقيض مع أقطاب السلفية كذلك . حيث أنهم كثيرا ما هاجموا التوفيق وحاصروه معلنين إفلاسه وبؤسه . هذا ما قاله مثل" سيد قطب" حين أعلن في كتابه خصائص التصور الإسلامي ( أن عملية التوفيق كانت تنم عن سذاجة كبيرة...) هذا الموقف السلفي يقوم على رفض واضح للنزعة التوفيقية. ومن البين كذلك أن الطروحات السلفية لاترفض التوفيقية فقط بل ترفض كذلك جماع الثقافة الغربية وإفرازاتها الإيديولوجية و الفلسفية. فالسلفية طالما أعلنت دون ارتباك تعلقها بأمجاد الماضي . ووعدت في غيرما مرة بإحيائه واستدعاء مكوناته الطاهرة و تحيينها فهي صالحة بالزمان و المكان المطلقين والتراث في هذا الاتجاه قادر على إيجاد الحلول لكل المشاكل وأن يعدد الطرق أمام الوعي العربي الإسلامي كلما انسد طريقه الأفقي. لكن هذه الرؤية التي تقدم التراث كمطلق يتعالى على شروط الحالة و خصوصياتها المرحلية ستكون كذلك موضوع نقد من طرف عدة أصوات داعية للتحرر من هذا الماضي و من التعلق به وبموتاه! ومنها صرخة المفكر الكبير "عبد الله العروي" الذي كثيرا ما دعى إلى ضرورة بناء فكر عربي متحرر من سلطة التراث و اخطوبوطيته إذ يرى بأن رواد الماضي قد استنفذوا مهامهم .وأن دعوتهم للإجابة عن أسئلتنا نحن يبقى ضربا من ضروب الخطأ إذ يقول (...من هنا جاءت فكرة القطيعة التي مؤداها القول باستحالة إيجاد أجوبة عند أجدادنا عن مشكلات لم تطرح إلا بعد القرن 18) .2
بعد كل هذا تكون السلفية أيضا قد تعرضت إلى نقد وافتحاص معاصرين غالبا ما يؤديان إلى رفضها. فضرورة التخلي عن الرؤية الإطلاقية للتراث وقداسته لا محيد عنها . خاصة حين ارتباط هذا التراث بالخرافات و الأساطير التي يتم استثمارها علنا و ضمنا من ذوي السقم النظري و العلمي ليبقوا بذلك مبتعدين عن التصور العقلاني المتماسك و السوي. متشبثين بميتافيزيقا واهية ومتصلبة في آن..فهذا الكبير محمد عابد الجابري يصيح (إن التخلف الذي نعاني فكريا هو التخلف المرتبط باللاعقلانية .وبالنظرة السحرية الى العالم و الأشياء. بالنظرة اللاسببية .لذلك فإن تحقيق تنمية في الفكر العربي المعاصر يتطلب فلسفة.أي يتطلب طرحا عقلانيا لكل قضايا الفكر..)3. فجاهزية الحكم المرتبطة بسحرية الأمس لم تعد ذات قدرة على البقاء بعد إخفقاتها المتوالية أمام العلم و الفلسقة و نتائجهما النظرية و الفيزيقية معا. مما يحكم عليها بالانسحاب الطوعي او الموت النوعي حسب الخطاب الأنطروبولوجي.
مما سبق نستبين إفلاس السلفية الأحادية الإطلاقية و التوفيقية المتصلبة المرتبكة. لكن القراءة المنصفة لابد أن تشير إلى أن فشل مشروع التوفيقية قد كان مرتبطا بسبب مركب من طرفي تباعد. فتحجر التراث واستعلاؤه عن المساءلة وعن أسباب الاختراق قد قابله في أفقه المعكوس تحجر في الخطاب المراد توفيقه مع هذا التراث خاصة في المستويات السياسية و الإيديولوجية و أحيانا الفلسفية كذلك. فالماركسية و الليبرالية و الوجودية و الوضعية....كل هذه الاتجاهات الفكرية رغم ارتدائها للباس العربي في الطروحات التوفيقية فقد ظلت مرتبطة أيما ارتباط بمرجعياتها الأصلية وسجينة أطرها التأسيسية الابتدائية. فكان من الطبيعي ان تتحول إلى إيديولوجيات جافة تعاني الخواء و الصدأ و الراديكالية الغير مبصرة ..فلا تكف بذلك عن المنادات بالعقل والحرية والفعالية...بينما تكرس هي الأخرى عطالة إضافية في منظومة العقل العربي .
وغالبا ما تكون كل هذه الاتجاهات محملة بشحنة معرفية و إيديولوجية معينة. فتدعي نتيجة إيمانها بشحنها أنها القادر الوحيد على حسن صياغة الرؤية. لتلتف بذلك على نفسها لدرجة ادعاء القدرة على استخراج النور من العيون المنطفئة وذلك دونما حاجة لأدنى درجات الاستشارة بما في ذلك الاستشارة الحقيقية للوجه الثاني / الثانوي في اكتمال معادلة التوفيق –التراث- فأقحمت بذلك عدة تصورات في غير موقعها ونقلت عدة خطابات إلى الوعي العربي الإسلامي دون مراعاة لشروط النضج في هذا الوعي فغابت عنها نتيجة ذلك تماسكات التاريخ و المكان....ومعلوم أن نجاح أي مشروع خاصة إذا كان مرتبطا بالعلم و الفلسفة مشروط بمراعات ما يقتضيه الضرف ..لدرجة أنه في أحايين كثيرة يكون هذا الضرف هو الفاعل الأساسي في تشكيل هذه التصورات والدفع بها. يدافع عن هذا الراي عدة فلاسفة و سوسيولوجيين منهم مثلا ريتشارد نيسبت الذي ربط ظهوراللوثرية بمسار أوروبا التاريخي إذ يقول في جغرافية الفكر (...شرع مارتن لوثر في عرض أطروحاته الخمسة و التسعين ضد مباذل الكنيسة و طغيانها. ليس فقط لأن من اليسير عليه الانطلاق بها جغرافيا .بل لأن تاريخ أوروبا خلق نوعا جديدا من الإنسان- الإنسان الذي تصور الأفراد كيانات منفصلة عن المجتمع المحلي الأكبر وفكر في ضوء مصطلحات مشبعة بالحرية)4. نيسبت يرى هنا أن الشرط السياسي و التاريخي قد كانا سببان رئيسيان في تقديم لوثر لمشروعه مما يعني بأنه لا انفصام بين تفتقات وعي معين و خصوصيات مرحلة ضهور و تبدي هذا الوعي .
ولما كان معلوما كذلك اغتراب الطرف الغربي في المعادلة التوفيقية عن مراعات الشرط الموضوعي التاريخي في التراث العربي الإسلامي فإن مساهمته في اخفاقات التوفيقية قد كان عاديا وغير مفاجئ نتيجة ارتباطاته المبالغ فيها بمرجعياته الأصلية.
كل هذا الذي سبق يجلي أمامنا سوءات كل من السلفية و التوفيقية في مقاربة الوعي العربي الإسلامي .لكن الإشارة ملزمة إلى أن كلا منهما قد كان جادا في محاولاته مما يدفع إلى التقدير و الإشادة رغم سيادة أسباب القصور أمام مقومات الاستقامة و التبصر في رؤاهما معا .
وبعد كل الذي قيل أيضا. نكون قد فتحنا ملفا آخر من باب أخرى. وهو ملف الحداثة ومن باب مراجعة الذات ورواسب تراثها مقتربين بشكل من الأشكال إلى ما حدث عند قيادات العلم و الفلسفة في الغرب حين افتضاضهم لبكارة الطابو و المكتوم.
فدوى لديهم طرح مكنهم من قيادة العالم سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا .
.......سيكون لدينا نبش في موضوع الحداثة في المستقبل القريب بمشيئة الله و الضر وف.

المراجع:

1= نقد الفكر الديني. (صادق جلال العضم). دار الطليعة بيروت _ الطبعة9 ابريل2003 . ص 15

2=أسئلة النهضة في المغرب. (نور الدين أفاية) منشورات الزمن _المقتطف من حوار أجراه المؤلف مع المفكر عبد الله العروي. ص42

3=التراث و الحداثة .(محمد عابد الجابري) .المركز الثقافي العربي _الطبعة 1. سبتمبر1991 .ص243.

4= .مجلة عالم المعرفة. العدد212 بعنوان جغرافية الفكر(ريتشارد إي. نيسبت). ترجمة شوقي جلال فبراير2005 ص.57



#عادل_البكوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- 3 بيانات توضح ما بحثه بايدن مع السيسي وأمير قطر بشأن غزة
- عالم أزهري: حديث زاهي حواس بشأن عدم تواجد الأنبياء موسى وإبر ...
- مفاجآت في اعترافات مضيفة ارتكبت جريمة مروعة في مصر
- الجيش الإسرائيلي: إما قرار حول صفقة مع حماس أو عملية عسكرية ...
- زاهي حواس ردا على تصريحات عالم أزهري: لا دليل على تواجد الأن ...
- بايدن يتصل بالشيخ تميم ويؤكد: واشنطن والدوحة والقاهرة تضمن ا ...
- تقارير إعلامية: بايدن يخاطر بخسارة دعم كبير بين الناخبين الش ...
- جامعة كولومبيا الأمريكية تشرع في فصل الطلاب المشاركين في الا ...
- القيادة المركزية الأمريكية تنشر الصور الأولى للرصيف البحري ق ...
- قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 64 مقذوفا خلال 24 ساعة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل البكوري - مداخل الحداثة/ في نقد السلفية و التوفيقية