القطار قادم مرة أخرى

الشيخ عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 347 - 2002 / 12 / 24 - 06:41
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

                            

      لم تكن مفاجأة أن يعترف أنقلابيو شباط 1963 بأنهم وصلوا الى السلطة بقطار أمريكي ، حيث كانت الجماهير العراقية تعرف بما لديها من حس وشعور أرتباطات العديد من قيادات هذا الانقلاب والعديد من رموز الحركة السياسية في العراق بالدوائر الأمريكية ، ومهما كان من أمر فقد حققت المخابرات الأمريكية هدفها في إسقاط النظام الوطني وإجهاض الحركة الوطنية وأحداث الشروخ القاتلة بين فصائلها وأعادة العراق الى الوراء أضافة الى تثبيت دعائم وجودها السري الجديد في العراق ، وليس غريباً أن نقول أن القطار الأمريكي بقي مستمراً بمسيرته أيام حكم المشير عبد السلام عارف فقد تكشفت لنا أسماء ومهمات وأوراق تدلل على ارتباطات هذا النظام بالقطار الذي أستمر يسحب عرباته مع امتداد حكم عبد الرحمن عارف ، أذ ليس اعتباطا أن يكون أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش من بين القيادات التي تقرر أعادة من تريده من الضباط المفصولين والمطرودين الى الجيش بأوامر تصدر من القصر الجمهوري ، وسيثبت التاريخ والمستقبل أرتباط هذين الأسمين بالمخابرات الأمريكية قبل ثورة 14 تموز 1958 .
      وأستمر القطار الأمريكي يتحرك ويقف في محطات فرعية ورأسية ينزل منه ركاب ويصعد اليه غيرهم ، قسم من هؤلاء الركاب يعلمون هوية القطار والقسم الآخر لايعلمون لجهل ولقلة وعي ، وعبر محطة أنقلاب 1968 بسهولة ووقف ليعيد ترتيب عرباته ويجدد من ركابه ، فأنزل منهم من يريد محمولين على الأكتاف لتموت معهم الأسرار والخفايا ، وفر آخرين دون متاع فارين بجلودهم حاملين أسرارهم معهم وهم يعيشون أخر أيام عمرهم يعذبهم ضميرهم وتؤرقهم كوابيس العراق  فيعترف قسم منهم بآثامه وماأقترفت يداه ويكابر البعض بعدم معرفته بالحقائق ، وعاد القطار يستمر بمسيرته في العراق فعبر السبعينات وحط في الثمانينات ليعلن الحرب على أيران وتمتد مسيرة القطار ثمان سنوات عجاف سحق خلالها مئات الآلاف من خيرة أبناء العراق وعوق مئات الآلاف ونشر مشاكل وأرباكات داخل المجتمع لن يستطيع حلها آلا بمضي أكثر من عقد من الزمن ، غير ان القطار الأمريكي عاد لينطلق هذه المرة صاخباً ومصفراً بأتجاه احتلال الكويت والخليج والسعودية كلها فحرك ركابه بهذا الاتجاه  ، وشهدنا العاصفة التي دمرت بلدنا والبلدان المجاورة ، وبعد أن هدأت العاصفة وقمنا بحساب خسائرنا البشرية وضحايانا ، حاولنا أن نعيد ترتيب أوضاعنا فنتخلص من الطاغية والسلطة الدكتاتورية ، آلا أن القطار الأمريكي أنطلق مرة أخرى بركابه يحميهم من جبروت الشعب وانتقامه ، وتوقف بعدها القطار توقفاً سمح خلاله  لركابه أن يرتبوا أوضاعهم ويستفيدوا من عامل الزمن .
     خلال هذه الفترة قرر القطار الأمريكي ان ينطلق دون ركابه القدامى الذي قرر أن يتخلص منهم بأعتبارهم أصبحوا من النفايات ومن الوجوه التي لم تعد تتقبلها الناس والعالم  ولكن دون أن يخلو من الركاب .
     قرر القطار الأمريكي أن يبدل ماكنته وعرباته ويصبغ المقاعد بألوان زاهية ويضع فوقها الشراشف وأخطأ في أمر آخر حينما قام بصبغ بعض الركاب بألوان القطار الزاهية وأعلن أن القطار قادم مرة أخرى ، أخطأ في عدم معرفته أن العراقي يميز اللون الأصلي من التقليد والشلب العنبر الوطني من الرز المستورد أيا كان منشأه ، صحيح أنه يتشابه لكن لكل طعمه الذي يستمده من أرضه .

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل