وائل مصطفى بورشاشن
الحوار المتمدن-العدد: 4692 - 2015 / 1 / 15 - 15:33
المحور:
الادب والفن
صدمني الفيلم الأخير لسعيد الناصيري بتشابه أو تطابق شبه كلي مع فيلم أمريكي سبق لي مشاهدته منذ سنتين ، فتلَمستْ يداي في ظلام قاعة السينما جريدتي واستَلًَت يُمناي قلما لتسجيل مجموعة من الملاحظات على هامشها لعلها توصل شيئا من توجساتي للمشاهد المغربي .
عرفت القاعات السينمائية المغربية يوم الأربعاء عرض فيلم للممثل و المخرج المغربي سعيد الناصري المسمى ب الحمالة ، و هو فيلم من بطولة سعيد الناصري و الراقصة لبنى أبيضار يتحدث عن تاجر مخدرات بسيط جارته راقصة ، يجبره مهرب كبير على نقل بضاعة مسروقة فيدعوا متشردين في حيه ليَكُونا إبنيه و جارته لتكون زوجته حتى يكَونوا أسرة فيسهل هربهم من التوقيفات أو التفتيشات البوليسية .
وهنا يبدأ المشكل فتلخيص الأحداث هذا يصلح للفيلمين ، ففيلم نحن الميلرز ينطلق من نفس الفكرة ، و إن قال البعض أن الكثير من الأفلام تتشابه في مضمونها أو قصتها لكنها تتمايز بلغتها و طبيعة مجتمع تصويرها ورسائلها ، سأذكر ما يثبت أن ما حدث في هذا الفيلم أبعد ما يكون عن التمايز السينمائي .
فبعد بداية الفيلم بدقائق نشاهد الراقصة لبنى أبيضار و هي ترفض تحرش صاحب الملهى الخليجي بها جسديا بينما كانت تؤدي فقرتها الفنية بلباس فاضح ، لتستقيل من عملها بعدما تبادلت السباب بكلام ناب مع مشغلها المغربي ، و هذه نسخة مُمَغربة عن ما حدث مع بطلة فيلم نحن الميلرز التي استقالت بعدما رفضت تقديم خدمات جنسية لزبناء الملهى الذي كانت تعمل فيه كراقصة متعرية .
ثم نشاهد سعيد الناصري في دور تاجر المخدرات البسيط الذي يختطفه صديقه/مزوده ، ليجبره/يغريه على نقل طنين من المخدرات من مراكش إلى تطوان ، و هذا بالضبط ما جسده جيسون سودايكيس في دوره في الفيلم السابق ذكره مع تغيير جد طفيف .
و هنا ينتقل الفيلم من الإقتباسات إلى تمثيل ما كتبه بوب فيشر و ستيف فابر بشكل شبه حرفي ، فنشاهد استعانة بطل الفيلم بالراقصة و الطفلين الجارين/المشردين لتشكيل عائلة حتى يسهل تهربهم من المراقبة و التفتيش من طرف الشرطة ، و يظهر بعد بدأ الرحلة اهتمام البطلة-الأم بالأبناء و عدم اهتمام البطل-الأب بالأسرة و الرغبة في استغلالهم لإنهاء الرحلة بسرعة دون اهتمام بمصلحتهم ، ليلتقوا بعد ذلك بعائلة مغربية-إيطالية يدًَعون أمامها حمل إبن حديث الولادة لترميه الأم بعد ذلك فتدهسه سيارة ليتبين أن الطفل ليس إلا وسادة/غطاء ملفوف ، ثم يبررون ذلك بالرغبة في الإعتياد على الأمومة .. وهو ما حدث تماما في الفيلم الأمريكي مع تحويرات جد طفيفة .
و لا يقف التشابه-التطابق هنا بل ينتقل حتى للعقدة و الحل في الفيلم ، فبعد تعطل السيارة العائلية الكبيرة-المتوسطة و نقلها من طرف الأصدقاء-الغرباء إلى محل لتصليح السيارات سيفاجؤون بهجوم صاحب المخدرات الأصلي مع عصابته لكنهم سيتمكنون من الهرب ، ليتصل البطل بمشغله و يتهمه بالإيقاع به ليرفع ثمن العملية ، ثم تزداد التطابقات إلى حد التقاء البطلة بقريبة لها-غريبة زوجها شرطي شريف و مخلص من فرقة مكافحة المخدرات يكاد يكشف أمرهم بعد استضافتهم ، ثم يكتشف عمليتهم بعد هجوم العصابة و القبض عليها .
لتستمر هذه المحاكاة إلى آخر اللقطات بتنسيق البطل مع الشرطي لإسقاط مشغله بارون المخدرات ، فيخلي حال سبيلهم ليتموا العملية و تنتهي المعاناة بتطويق الشرطة مكان العملية في الأخير . و تعدت هذه المحاكاة نقل الأحداث إلى مطابقة النهاية بارتباط الأبوين و تبني الإبنين لتكوين عائلة سعيدة !
لا شك أن سعيد الناصري كمخرج لم يقتصر على هذا الإقتباس-المحاكاة بل اعتمد على أفلام أخرى ، فسباحته في البحر بعد التفجير لإيهام الشرطة أنه قتل بعدما لم يجدوا جثته هو إعادة تمثيل للقطات الأخيرة من فيلم إنذار بورن ، و كذا هربه بحقيبة الأموال من اليخت بعد القيام بدور بطولي وهو ما قام به سنوب دوغ في فيلم ستارتسكي و هاتش .
إن الإقتباس في جميع المجالات كانت فنية أو غير ذلك يبقى محمودا إذا كان هدفها الإلهام أو الإستلهام . فحتى في رائعة كأصدقاء جيدون يذكر المخرج مارتن سكورسيسي ، اقتباسه لمشاهد من مخرجين آخرين كمايكل باول و إينجنر بورغمن . بيد أن المشكل يبدأ عندما يتحول الإقتباس و الإستلهام إلى استيلاء ، فهنا يبدأ الحديث عن السطو السينمائي .
و بعيدا عن أقلمة القصة الأمريكية بشكل جد سطحي من طرف المخرج مع الواقع المغربي ، تبقى كوميديا الموقف التي يحاول سعيد الناصري القيام بها دائما ، نوعا منقحا من الكوميديا الصفراء-الباهتة مع بعض الإستثناءات للإنصاف .
أما بالنسبة لتوجه المخرج المغربي نحو السينما الجماهيرية-التجارية فيسقطه في كثير من الأحيان في نوع من الإبتذال و سذاجة المضمون أو شعبوية زائدة عن الللزوم . و بالحديث عن السينما الجماهيرية التي ادعى الممثل-المخرج أنه قربها من الأسرة المغربية ، يمكنناوضع علامة استفهام كبيرة حول الرقص الساخن المقحم و التعري الفاضح للراقصة في كثير من مراحل الفيلم و علاقته بسينما العائلة .
إن تدني مستوى التشخيص إلى حد ما و ظهور عقدة سعيد الناصري مع الثروة في هذ الفيلم كما عهدنا أفلامه و طبيعة الشخصية البطلة المستهلكة : الرجل الشعبي الفقير الذي يصبح غنيا مع صديقة-زوجة جميلة و شابة و سيارة فارهة و أسلوب حياة أرستقراطي ، لا تطور من مشهدنا السينمائي المغربي بقدر ما تسقطه في متاهة مضامينية لا تعرف التجديد .
إن فيلم الحمالة رغم كل ما سبق ذكره حاول الوصول للمشاهد المغربي مع ضعف الدعم و التمويل الفردي له ، و واقع فني لا يسمح للأعمال الجديدة بالظهور ، كما أن استعماله لتقنية الأبعاد الثلاثية كان إضافة جيدة ستخلق بالتأكيد منافسة حول هذه التقنية مستقبلا في المغرب .
و هذا النقد ليس تثبيطا و فضحا بقدر ماهو كلمات مفعمة بالغيرة على مشهدنا السينمائي المغربي بشكل خاص وواقعنا الفني بشكل عام ، تَأْمل التجديد و التغيير نحو الأفضل لا الإتكال على أعمال الغير أو السقوط في تكرار المضامين و ابتذالها .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟