أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم نهار - تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 7 من 8















المزيد.....

تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 7 من 8


حازم نهار

الحوار المتمدن-العدد: 1309 - 2005 / 9 / 6 - 11:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج(7 من 8)

5- إشكالية الداخل و الخارج في الممارسة السياسية :
أ- المنهج و الخطاب السائدان سياسيا:
غني عن القول أن الخطأ السياسي أمر شائع ، ويمكن تجاوزه في الممارسة السياسية ، أما النهج السياسي الخاطئ فهو المصيبة أو المشكلة التي تولد على الدوام الأخطاء السياسية . وللأسف فإن هذا النهج هو السائد في الثقافة السياسية لمختلف التيارات والقوى السياسية ، وهو المسيطر في كل مقاربة أو تناول لإشكالية العلاقة بين الداخل والخارج .
السائد في تناول القضايا السياسية هو " التعميم والمواقف العامة " و " الشلف " و " الأحكام العامة والسهلة والمطلقة " و " الشعارات الأيديولوجية " و " العواطف الوطنية " ، بينما يغيب " التدقيق في المستويات والمواقف " و " معرفة الفوارق الطفيفة بين الأشياء والرؤى والسياسات " و " قراءة الواقع كما هو بمعزل عن الرغبات والأماني والأهداف " . ما هو سائد ينشد راحة الضمير وعدم التعب وتأكيد سلامة الأيديولوجية وبناء مواقف شعبوية قادرة على التجييش والتحشيد .
تتكشف آليات النهج السائد في الممارسة السياسية لدى بناء الموقف إزاء الخارج ، فهذه الآليات ثابتة لا تتغير ، والخارج هو الخارج لا يتغير ولا يتحول . الموقف السياسي إزاءه ثابت في كل اللحظات السياسية، ومشحون بهواجس الخوف والشك والعجز والنقص. الخارج عدو مطلق، وكل تصرف أو سلوك يصدر عنه، لا يهدف منه إلا إلى سحقنا والقضاء علينا، وتحويلنا هباء منثوراَ.
هذه المواقف والآليات تفتقد إلى المرونة السياسية ، ولا تعرف مصطلح "التكتيك السياسي" ، ولا كيفية خدمة الأهداف الإستراتيجية العريضة سياسياَ ، مما يحول الاستراتيجيا والأهداف عموماَ إلى حالة بليدة غير منتجة أو مثمرة على أرض الواقع . و هذا ليس غريبا فالمنطقة العربية فقيرة بالسياسيين ، أي بالمفكرين السياسيين ، أولئك الذين يحللون ما يجري على أرض الواقع ، ويبدعون في خلق الاستراتيجيات الملائمة ، وصوغ التكتيكات المنتجة التي تحول الاستراتيجيا إلى واقع معاش . المتوافر هم كتاب الأيديولوجيا أو رجال الشعارات .
الشعارات السياسية الدارجة التي تملأ الساحة السياسية صراخاَ وعويلاَ ، تتلخص في طرح أهداف سياسية حارة في ظل واقع بائس ومحاصر ، فالوحدة العربية أمر راهن ، والديمقراطية يمكن أن تكون مؤجلة لصالح التعبئة العامة الضرورية لمقاومة المخططات الإمبريالية والصهيونية ، و "الوطن في خطر" ، وهذا يتطلب تكاتف جهود السلطة والمعارضة من أجل حل التناقض الرئيسي في اللحظة الراهنة مع الإمبريالية العالمية والخطر الخارجي ، وفلسطين هي قضيتنا المركزية ، وما عداها ممكن بعد رحيل إسرائيل أو القضاء عليها ، ولذلك من الضروري دعم المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح، و الدعوة إلى " تعميم ثقافة الاستشهاد "، هذا الشعار الذي يستند إلى مخزون تراثي هائل ، تحول بنتيجته البشر إلى مجرد دعاة للموت من أجل الموت . و من الضروري أيضا جمع التواقيع على "مواثيق شرف" تؤكد عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية ، و لا بد أيضا من وضع اسم " إسرائيل " دائماَ وأبداَ بين قوسين ، لأن هذين القوسين، كما يرى البعض، هما اللذان سيلجمان إسرائيل عن التوسع، أو سيبقيانها على قائمة الدول غير الموجودة أو غير المعترف بها . بل لا بد أيضا من توسيع آليات محاصرة الخارج وإنهاكه عبر دعم ما يسمى " المقاومة العراقية " بشتى الوسائل الممكنة ، فالأساس هو طرد الاحتلال ، وبعدها لكل حادث حديث .
جميع الأهداف المطروحة فهمت بمعزل عن الديمقراطية . فالوحدة العربية ما هي إلا تجميع لأجزاء متناثرة، نتذكر معها قصة ذلك الرجل الذي أعطى أولاده عيدان ثقاب مفردة فكسروها ، ثم أعطاهم إياها مجتمعة فعجزوا عن كسرها . المفهوم السائد للوحدة هو الفهم الميكانيكي ، والنظرية السائدة في الفعل الوحدوي هي نظرية نديم البيطار في الانتقال من التجزئة إلى الوحدة التي تتطلب ثلاثة عوامل لتحقيقها، أولها الإقليم – القاعدة ، وثانيها الشخصية الكاريزمية التي تستولي على قلوب الجماهير و تبهرهم بسحرها و ذكائها و قدراتها، وثالثها الخطر الخارجي، أما اتجاه التقدم، أي الديمقراطية، فهو غير موجود في الفهم الوحدوي السائد. و هكذا فنحن نريد الوحدة ليس من أجلنا، بل من أجل تشكيل القوة اللازمة لمواجهة الخارج.
الديمقراطية و حقوق الإنسان لا وجود أو أثر لهما، و حتى لو ذكرت، كما هو حاصل في جميع برامجنا السياسية، فهي لا تعدو أن تكون شكلا من أشكال إعداد مائدة وفيرة بالمصطلحات الحديثة، و لما تتحول بعد إلى منطلق و أساس، و إلى منهج للرؤية السياسية. عندما ننظر إلى جميع قضايانا و مشاكلنا السياسية ( فلسطين ، لبنان ، العراق ، الوحدة العربية ، النظام الاقتصادي المطلوب ، إسرائيل ، مشكلتنا مع أمريكا ... ) من زاوية أو منظار الديمقراطية وحقوق الإنسان سوف تختلف رؤيتنا بالتأكيد.
في فهمنا للوحدة و قضية فلسطين نستحضر دائما خطر الخارج، و نعيش حالة الأمة/الضحية، الأمة المطعونة، الأمة التي كذب عليها الآخرون و أخلفوا وعودهم معها و غدروا بها، لذلك يكون استنفارنا ضد الخارج غرائزيا، و يكون صراعنا معه صراعا على البقاء، و ليس صراعا سياسيا.
البعض من دعاة الفكر القومي التقليدي فرح عندما اجتاح صدام حسين الكويت ظناَ منه أن سيرورة الوحدة العربية قد بدأت ، و تردد أن يوجه انتقاداَ أو استنكاراَ لفعل الاجتياح خوفاَ من أن يحسب في الخندق الآخر ، أي في خندق الولايات المتحدة . الغريب أن القوى السياسية في كل مرة تمر فيه بلحظة سياسية شبيهة تقف في الخندق الخطأ . هذا لا يعني الوقوف في خندق الولايات المتحدة ، بل يعني الوقوف في خندق المواقف والسياسات الصائبة انطلاقاَ من المصلحة الوطنية ( أو القومية ) التي تتطابق بالضرورة مع مصالح البشر ، ولا يهم عندها إن كان ثمة تقاطع بين هذا الخندق وخندق الولايات المتحدة .
تلك هي أهم منطلقات ومواقف الحركة السياسية في سوريا ، وفي الساحة السياسية العربية عموماَ ، وهي في معظمها ثابتة منذ نصف قرن تقريباَ ، على الرغم من التغيرات النوعية التي شهدها العالم ، وعلى الرغم من أن الواقع اليوم لا يستجيب لأي منها .
أسئلة عديدة تطرح هنا ، أولها هل خدم وضع هذه الشعارات والتوجهات على أجندة عمل الحركة السياسية القضايا التي قامت أو رفعت من أجلها ؟ ، وهل خدمت تجارب جميع حركات التحرر العربية ، وحركات الاستقلال ، قضايانا المصيرية وأهدافنا المرفوعة منذ نصف قرن ، وهل وصلت بنا إلى وطن حر ومواطن حر وسعيد ؟
التوهان السياسي موجود ، وإنتاج الأخطاء مستمر إلى ما لا نهاية : بعض الشعارات المطروحة في السوق السياسية تهدف إلى تحقيق أكبر حالة من التحشيد ، ولذلك العنصر الرئيسي الدافع لتبني هذه الشعارات من قبل قوى سياسية عديدة هو مزاج الناس . السؤال هنا إذا كان حزب ما يبني سياساته انطلاقا من مزاج الناس فما هي ضرورة وجوده كحزب سياسي ؟ إذا كان الحزب السياسي ينطلق من الحدس والمباشر والظاهر كما هو حال المزاج السائد، فأي معنى أو دور يبقى لوجوده ؟ إذا لم يكن الحزب السياسي رافعة لوعي الناس، وسبيلاَ لتطوير مداركهم وتفاعلهم مع الأحداث السياسية، فما هي الوظائف السياسية والمجتمعية المتبقية لهذا الحزب ؟
بعض قضايانا المحقة ( الوحدة العربية ، تحرير فلسطين... ) لا يمكن خدمتها برفع شعارات تطبيقها في لحظة انكسار سياسي معمم ، فهذا لن يزيد الحركة السياسية والبشر عموماَ إلا إحباطاَ و انتكاسا، فالعواطف والرغبات لا مكان لهما في عالم السياسة ، وعلينا ألا نعتقد أن ثمة فائدة يمكن أن تكون في تكرار الحديث عن الوحدة وفلسطين ، وفي التأكيد على التزامنا بهذه القضايا ، فالعبرة ليست في الكلمات ، بل في إمكانيات التحقيق الواقعية .
التقييم العام والأحكام الإجمالية لا يؤثران في الواقع السياسي ، ويؤديان إلى بلادة سياسية وفقدان القدرة على التعامل مع الفوارق الطفيفة في سياسات الدول وبالتالي التأثير فيها .
أمريكا قارة مليئة بأنواع و فئات مختلفة من البشر ، وبتيارات سياسية متعددة ، وبقوى مجتمع مدني غاية في التنوع والاهتمامات والتصورات المختلفة ، ودون التعامل مع هذه الحقائق لن يكون بالإمكان تغيير سياسات الآخرين إزاءنا .
دون تغيير فهمنا السياسي سيبقى الخطاب السياسي، كما هو شائع، خطاباَ ذاتياَ، لا يقتنع به ، ولا يسمع به ، إلا أصحابه . ضعف المعارضة السياسية في سوريا لا يكمن فقط في محاصرة السلطة لها على مدار ثلاثة عقود ، بل أيضاَ في خطابها الذي لا يستطيع أن يجمع حوله حفنة من البشر في الداخل ، ولا يستطيع أن يكسب المؤيدين والمتعاطفين معه في الخارج .
الموقف الأيديولوجي والغرائزي للمعارضة السورية مثلا تجاه الخارج يقودها إلى إلغائه من حساباتها ومن خطابها ، الأمر الذي يعني للعالم عموماَ أن هذه المعارضة تريد بناء وطن خارج هذا العالم ، ومتخارج مع العصر ، وليقتصر خطابها على محاورة نفسها أو استجداء النظام ، واللعب على وتر تذكيره بالأخطاء المحدقة بالبلد التي تتطلب تكاتف جهود الجميع . لكن ينبغي الانتباه إلى أن هذا الإلغاء للخارج يقود هذا الأخير أيضاَ في المحصلة إلى إلغاء المعارضة من حساباته ، ولتبقى السياسة الخارجية بالتالي حكراَ على السلطة (كما هي السياسة الداخلية) ، ولتصبح المعادلة السياسية الفاعلة هي بين النظام الحاكم والخارج وحسب ، وليبقى الوطن لعبة بيد الطرفين في حالة غير مضمونة العواقب .
تعفف المعارضة عن الحوار مع الخارج بمستوياته المتعددة ، يشير إلى خوفها الدائم من اتهامها بالعمالة من قبل السلطة التي تخضع معارضيها على الدوام لابتزاز معنوي يتجسد في إنهاكهم بضرورة إثبات وطنيتهم على الدوام أمام السلطات " الوطنية" . لا أحد يقول مثلاَ لزعيم حزب معارض في فرنسا عندما يزور بلداَ معيناَ كأمريكا أو بريطانيا ليشرح رؤاه وتصوراته، بأنه عميل لهذا البلد أو ذاك. ويعكس هذا التعفف أيضاَ حالة من عدم الثقة بالذات في حال جرى هذا الحوار . لا يعني مجرد الحوار مع الخارج أننا أصبحنا ندور في فلكه ، وأننا سنسير في طريقه ونسلم له مصائرنا وحياتنا ، بل على العكس قد يكون بداية لكف يده عنا . شأن المعارضة في التعامل مع الخارج كتلك المرأة التي تخاف على بكارتها من كلمة غزل أو لمسة يد .
رضيت المعارضة، أو بعض أطيافها، بشكل مباشر أو غير مباشر، التحول إلى أحد أركان استمرار الاستبداد، فالسلطات تستثمر خطاب المعارضات وتوجهاتها إلى أبعد حد ، خاصة عندما تقول للخارج أنها أفضل الموجود ، وأن البدائل الممكنة أو المتاحة أكثر راديكالية منها .
"الوطن في خطر" . هكذا يطرح النظام الحاكم ، وهكذا تطرح المعارضة . النظام الحاكم يقول تبعاَ لذلك بضرورة الصمت وكم الأفواه، لأن صوت المعارضة المرفوع يخدم في تشجيع الخارج على القدوم إلينا وانتهاك سيادتنا الوطنية. المعارضة تقبل أحياناَ وتصمت قانعة بأن التناقض الرئيسي هو مع الإمبريالية والاستعمار، أو تراهن على جواد خاسر عبر مطالبة السلطة بضرورة تكاتف الجهود وعقد مؤتمر للحوار الوطني لدرء الخطر الخارجي.
المؤتمر الوطني بصيغته المطروحة لا يخدم إلا استمرار الاستبداد وإنقاذه من محنته الراهنة ، لأنه ببساطة يجري بين أطراف غير متكافئة ، بحكم كون المعارضة محرومة من ممارسة حقوقها السياسية في الدعاية والإعلام والانتشار منذ زمن بعيد ، وبحكم عدم وجود ضمانات واقعية حقيقية لعدم حدوث انقلاب على التوافقات التي يمكن أن يتوصل إليها مثل هذا المؤتمر، و بحكم ضرورة تحقيق السلطة لمجموعة من المتطلبات الضرورية قبل أي حوار، أي تلك التي تتعلق بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي و السجناء السياسيين، و رفع حالة الطوارئ و الأحكام العرفية، و غيرها.
الضمانات المطلوبة هي في ممارسة المعارضة لدورها في مناخ سياسي صحي، وتوجهها نحو توحيد جهود أطيافها، وتشكيل جبهة معارضة واسعة أو قطب معارض حقيقي، وبعدها يمكن لفكرة المؤتمر الوطني أن تكون بوابة للتغيير الديمقراطي الحقيقي، ومخرجاَ لتخفيف خطر الخارج.
هذا التعفف يبدو في كثير من الأحيان ، غير صادق في العمق ، فالقوى المعارضة التي تطالب دائماَ بالتأكيد على "عدم الاستقواء بالخارج" ، تنتعش وتتنفس الصعداء وترفع صوتها في كنف الضغوط الخارجية ، وتقتات من نعمها . هذا لا يخدش وطنية المعارضة ، لكن المعيب هو في الخطاب المعلن الذي تتعامل من خلاله المعارضة مع تلك الضغوط ، عبر التأكيد على رفض كل ما يصدر عن الخارج ، حتى شعاراته حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ، إذ بدل تأكيد المطالب الخاصة بهذه الشعارات ، يجري مواجهتها بمخزون الشعارات المعتادة ، أي تلك المنادية بتحرير فلسطين ودحر الإمبريالية ، ولتصب هذه اللحظة السياسية في المحصلة في طاحونة استمرار الاستبداد و الأوضاع المتردية.
ب- النظم الحاكمة و تعاطيها السياسي مع الإشكالية :
أصبحت سياسات النظم العربية معروفة للعامة والخاصة ، فمن الثوابت الواضحة سعيها الدائم إلى تأجيل وصول الأزمات الداخلية إلى حدود انفجارية ، والوسائل متعددة في هذه السياسة ، منها اللعب بأوراق إقليمية خارجية ، الأمر الذي يسمح لها من جهة بالمناورة مع الخارج وإجراء المقايضات اللازمة لكف يده عن التدخل في الشأن الداخلي ، ومن جهة ثانية قطع الطريق على الداخل الذي يطلب منه تقدير وضع النظام و " الظروف الدقيقة " الإقليمية والدولية المحيطة بالبلد ، وتأجيل الاستحقاقات الداخلية .
لكن الجديد هو نهاية السياسات المبنية على المقايضة مع الخارج ، و حتى لو قبل هذا الأخير في لحظة من اللحظات ببعض المقايضة، فهو قبول مؤقت، فالخارج أصبحت مشاريعه أكبر من إدارة الأزمات ، ولترتكز أساساَ اليوم على إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحه ، وهذا يعني في التفاصيل نهاية العهد الذي كان يتم فيه استقواء دولة بأخرى أو الإمساك بأوراق إقليمية خارج إطار حدود البلد. هذا الجديد في المحصلة جعل الأنظمة الحاكمة وجها لوجه مع الأزمات الداخلية التي راكمتها وغذتها بفعل سياساتها غير العقلانية على مدار عقود .
عندما طرحت الولايات المتحدة مشروعها الإصلاحي للمنطقة كان رد فعل الأنظمة العربية هزيلاَ :
" الإصلاح يجب أن يكون من الداخل " ، بمعنى أن هذه الأنظمة التي لم تخرج طوال نصف قرن كلمة منها تشير إلى " الإصلاح " أرغمت عملياَ على طرحه ، أما من حيث طبيعة الرد فإنه مفهوم ، أي ستقوم به الأنظمة بما يتوافق مع ظروفها ومصالحها .
هذه الأنظمة لم تتغير ، لكنها فضائل القنوات الفضائية والمنظمات الدولية غير الحكومية التي ساهمت في نقل الصورة والحدث للعالم كله ، ولولا ذلك لكانت تكررت اليوم الأحداث المأساوية التي مرت بها منطقتنا في الماضي ، عندما كان يجري التعامل بهمجية مع أي ظاهرة معارضة من أي نوع .
من الثوابت أيضاَ اتهام النظم الحاكمة لمعارضيها بالعمالة للخارج والخيانة الوطنية. " العميل " في عرف هذه النظم ، كما هو معروف ، هو كل من يحاول الخروج على النسق الشمولي وشرعة الاستبداد ، ولذلك هي لا تتورع عن توجيه التهم لمثقفي البلد ولأحزاب سياسة معارضة ، بل ولمجموعات بشرية واسعة و لأجزاء من النسيج الوطني كالأقليات القومية.
على العموم هذه الاتهامات معروفة و مألوفة في تاريخنا، إذ كانت السلطات القائمة تتهم معارضيها على الدوام، و بهدف حرقهم اجتماعيا و سياسيا، بإحدى التهم الثلاث، فإما يتهمون بالعمالة للخارج، أو بالإلحاد، أو يتهمون في أخلاقهم الاجتماعية، و ذلك لأنها تدرك أن هذه التهم قادرة على استنفار الغرائز البدوية و الدينية للبشر ضدهم.
هذه الاتهامات ، خاصة في ظل ضعف المعارضة/أو المعارضات ، تجعل هذه الأخيرة تسير في طريق رد التهم عنها وإثبات وطنيتها بشتى السبل ، سواء من حيث خطاب كيل الشتائم للخارج ، والتأكيد الدائم لرفضها له جملة وتفصيلاَ ، سياسة وثقافة ، شخوصاَ ودولاَ ومنظمات غير حكومية ، أو من حيث الصمت عن نقد الأنظمة في اللحظات التي يشتد فيها ضغط الخارج عليها . في المنطقة العربية عموماَ تتحمل السلطات السياسية مسؤولية التدخلات الفاضحة للخارج أما تيارات المعارضة على اختلاف تلاوينها فلا علاقة لها بذلك .
بدلاَ من التركيز على قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان ، تنهك المعارضات نفسها وتستنزف طاقتها في إثبات وطنيتها في بلد يفتقد لأي معايير قانونية تحدد معنى الوطنية ومعنى " الخيانة الوطنية " ، وأمام أنظمة حاكمة شهادتها مجروحة في هذا الأمر ، وتحتاج إلى آلاف الشهادات لإثبات وطنيتها . تحتاج الأنظمة الحاكمة إلى شهادة في الحفاظ على المال العام وعدم تورطها في الفساد، و إلى شهادة في حسن إدارة موارد البلد ، و شهادة في احترام القانون الوطني ، أي الدستور ، و شهادة في عدم استغلال المناصب الحكومية ، و شهادة في الحفاظ على حياة كريمة للمواطنين ، وأخرى في صون حرياتهم ، وشهادة في رسم سياسات ناجحة تخدم الحفاظ على المناعة الوطنية ، وغيرها من الشهادات...إلخ. .
بعض الأنظمة لا تفتقد للشهادات السابقة وحسب، بل أيضا لشهادات تخص عدم تحولها إلى قنوات سهلة للمصالح الخارجية، وإلى موظفين صغار عند السيد الأمريكي، وإلى حراس مخلصين للأمن القومي الأمريكي.



#حازم_نهار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 6 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج-5 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 4 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج-3 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 2 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 1 من 8
- مؤتمر البعث: محاولات بائسة لضمان -الاستمرارية-
- منتدى الأتاسي طليقاَ
- سعد الله ونوس: من مسرح التسييس إلى مسرح المجتمع المدني
- على أبواب مؤتمر البعث: لا قدرة للمعارضة على تفكيك النظام
- هل يبقي البعث على صيغة - الجبهة الوطنية التقدمية - ؟
- مستقبل لبنان والعلاقات السورية - اللبنانية
- سعد الله ونوس : ملحمة صراع بين الحياة و الموت
- إشكالات حركة حقوق الإنسان في سورية و المنطقة العربية
- ملاحظات أولية للخروج من أزمة الأحزاب السياسية
- العرب والعولمة
- السلطة- و-المعارضة- في المجتمع العربي
- حرية الفرد وحرية الجماعة في المؤسسات والأحزاب السياسية
- حقوق الإنسان والسياسة
- إشكالات حركة حقوق الإنسان في المنطقة العربية


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم نهار - تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 7 من 8