أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - رائد عبد الرازق - أطفال غزة و الصيف















المزيد.....

أطفال غزة و الصيف


رائد عبد الرازق

الحوار المتمدن-العدد: 1303 - 2005 / 8 / 31 - 08:30
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


تقرير :

بينما نحن في سيارة الأجرة متجهين إلى مكتب المبادرة في غزة توقفنا عند إشارة مرور ، فور توقفنا قفز طفل صغير لا أعتقد أنه يتجاوز الثماني سنوات ، أشعث الشعر ، بملابس مهترئة متسخة ، عملت الشمس عملها في جلده و رأسه خاصة ، منظره حزين جداً و كئيب ، غير مقتنع بوجوده و بما يقوم به ، يستحق المشهد التوقف عنده مطولاً ، مطولاً جداً ، مطولاً جداً جداً ، التصق هذا الطفل بالسيارة و تمتم بكلمات لم نفهم منها شيئاً ، فسأله السائق " إيش بدك يا شاطر " فقال الطفل " شيكل " .

عند باب الجامعة " أحمد " طفل لا يتجاوز الثامنة مجعد الشعر كئيب الوجه و مهلهل الهندام ، هذا الطفل يتوسل لفتاتين و هو يبكي أن تشتريا منه الحلوى ، المنظر يقطع القلب ، الشمس حارة و الطفل صغير يبكي ، و كنت قبل ذلك رأيت مشهداً آخراً أنقله لكم : صباح اليوم في حدود الساعة السادسة شاهدت منظراً يبكي القلب قبل العين ، طفل يركب على عربة حمار متمدد عليها و نائم لكن الحمار يعرف الطريق الى السوق ، فخلد الطفل للنوم .

مشهد آخر حزين ، بينما نحن متوقفون على حاجز أبو هولي ننتظر سماح الجندي الإسرائيلي لنا بالمرور ، قفز مجموعة من الأطفال إلى الباص كل منهم يحمل علبة بسكوت و يعرض على الركاب الشراء منه ، الشمس لاهبة و هؤلاء الأطفال من طلوع الشمس إلى غروبها تحت لهيبها ، عندما يعرضون على أحد أن يشتري يتبعون أسلوب الاستجداء و الإلحاح و كأنه يشحذ ( آسف ) و لا يبيع ، المشهد قاس و مؤلم أيضاً ، مؤلم جداً و يقطع القلب .

ناديت على طفل آخر على الحاجز و كان اسمه وسام، اسمك جميل يا وسام قلت له ، فرد علي " بدك تشتري أم تطقس علي " قلت له " كم تبيع طوال النهار من علبة بسكوت " قال " أحياناً علبة و أحياناً علبتين و أيام لا أبيع سوى نصف علبة " " و كم تربح يا وسام في كل علبة ؟ " قال لي بألم و انكسار واضح في عينيه " ثلاثة شيكل " ، قلت له " يعني في أحسن الأحوال تعود للمنزل بعشرة شيكل ليلاً " قال لي " يا سيدي بدك تشتري و لا أنت جاي تنكد علي " قلت له سأشتري يا وسام ، و أشتريت قطعتين ، و عدت سألته " من طلب منك أن تبيع البسكوت على الحاجز يا أمور " فرد بأسف و الحزن يكسر نفسه و شعرت بنظرة الذل و الهوان في عينيه و قال " والدي مريض و لا يعمل ، و نعتاش على المساعدات من الشؤون الاجتماعية ، و عندما نخرج للاجازات تشتري لنا ماما البسكوت و تطلب منا أن نبيعه " كم عمرك يا وسام " 11 سنة " هل أنت مبسوط هكذا " رد بانفعال " لا ، هات شغل لأبويا على قدر مرضه " ، تركني وسام و قفز لسيارة أخرى .

منذ أن انتهت السنة الدراسية في مدارسنا الفلسطينية ، انتشر الأطفال فوراً كالجراد في مختلف مناطق تواجد السيارات و مفترقات الطرق و عند بوابات الأسواق ، هذا يبيع الجرائد و ذاك يمسح زجاج السيارات و آخر يبيع الكعك ، هذا الطفل يتاجر بالسجائر و صديقه يبيع البسكويت و المشروبات الباردة ، كثيرون ، ليس مجموعة ، بل أصبح الأمر ظاهرة عامة مستفحلة يجب دراستها ، في حارتنا في مخيم من مخيمات اللاجئين أقام جارنا بسطة صغيرة لابنته تبيع عليها الحلوى ، و بالقرب منها و على بعد أمتار فقط جارنا الثاني بسطة لابنه ليبيع الذرة المسلوقة و كذلك العديدون .

هل هذه المشاهد أو المواقف صحيحة أو مقبولة ؟ طبعاً لا ، حيث أنه من المفترض أن يكون فصل الصيف فصل للراحة و النوم العميق و الفسح و المشاركة في المخيمات الصيفية لجميع الأطفال ، لكن من ينعم بذلك عدد قليل جداً ، أما البقية فقدرهم هو البقاء تحت لهيب الشمس الكاوية من طلوعها إلى ما بعد غروبها ، انه العذاب بتفنن و تعمد في الإهانة و سلب لبراءة الأطفال و حقهم في ممارسة طفولتهم كيفما يريدون في ظل ما هو موجود ، لن يعجز الأطفال عن شغل وقتهم ، لهم أساليب عدة و تعج مخيلاتهم بأنواع من اللعب و طرق التسلية .

محمد الطفل الصغير الذي لا يتجاوز العشر سنوات يحمل كيس الكعك و يبقى يدور به منذ السابعة صباحاً إلى غروب الشمس من حارة لحارة و من شارع لشارع ، أوقفته و سألته : هل أنت يا محمد تحب أن تبيع و تشتري و تربح ؟ فرد لا " أريد أن أنام فأنا طوال العام أنهض صباحاً للمدرسة و أحب أن أنام الآن و ألعب مع أصحابي " من طلب منك يا محمد أن تبيع الكعك ؟ رد : أبي ، لماذا ؟ قال لأنه لا يريدني أن أبقى هكذا دون فائدة في المنزل كما يقول ، هل والدك يعمل يا محمد ؟ لا ، و كيف تعيشون ؟ على الكوبونات .

أما حال حسين فكان أفضل و عمره 13 عاماً أرسله والده ليعمل عند صاحبه الحداد ، وقفت مع حسين لحظات شعرت معها كم هذا الشعب معذب و مقهورو سألته " هل كل صيف أنت هكذا يا حسين " رد بنعم ، كل صيف أذهب للعمل عند أي أحد ، لست وحدي بل أنا و أخي توفيق ، سألته ثانية لماذا ؟ فقال " كي نستطيع أن نشتري ملابس و محفظة و مستلزمات لدراسة للعام القادم " لماذا ، الا يعمل والدك ؟ كان يعمل داخل إسرائيل و كنا بخير، لكنه اليوم عاطل عن العمل و لا يوجد أي مجال له يعمل فيه هنا و بالكاد يدبر أمورنا طوال السنة " " أنت مقتنع يا حسين بما تقوم به إذا " قال لي بشموخ رجل كبير " نعم فلا حل آخر أمامنا "

سألت السائق في أول المقال لماذا لم تعط الطفل الشيكل الذي طلبه ، فرد أيضاً بمرارة " و الله يا ابني أنا متألم من الموقف ، إذا أعطيته شجعته على هذا السلوك الغير سوي ، و إذا لم أعطه قد يكون ذو حاجة فعلاً ، لكن ذلك ليس مسؤوليته في البحث عن المال ، لذا على الجميع ألا يعطيه كي يعود للمنزل و لا يبقى في الشارع هكذا "

مسؤولية من تلك إذا يا ناس ؟

السؤال المطروح : لماذا ؟ و من يدفع الأطفال للقيام بمثل ذلك ؟ الجواب : الآباء هم من يدفعون أطفالهم لذلك ، و قد سألت جاري لماذا بسطة لابنته ؟ فقال : ليس بهدف المال و لكن حتى لا تبقى في الشارع ، انه غير صادق ، عندما مر طفل آخر يبيع الكعك أوقفته و سألته : لماذا تبيع الكعك ؟ فقال : كي أساعد والدي في كسب الرزق ، و ماذا يعمل والدك ؟ يبيع بعض الملابس الداخلية في السوق ، كم تجني من هذا العمل يومياً ، فرد في حدود عشرة شواكل فقط .

هناك فعلاً من هم في ضائقة مالية و يحتاجون لأكثر مما يكسبون لذلك يقومون بتشغيل أبنائهم لتوفير المزيد من النقود ، و هناك الأنانيون الجشعون الذين ليس لهم من عمل لكنهم يجبرون أولادهم على العمل بدلاً منهم ، لكن في جميع الأحوال و مهما تكن الظروف : إن تشغيل أي طفل يعتبر جريمة ، نعم جريمة ، ضد حقه في اللعب ، ضد حقه في النوم ، ضد حقه في المرح ، ضد حقه في قضاء إجازته كما يريد ، ضد حقه في الطفولة التي تمثل أحلى سنين العمر .

قد يقول البعض أن الشعب الفلسطيني كاملاً يمر بأزمة خانقة بسبب قلة فرص العمل و انقطاع عشرات الآلاف من العمال عن العمل داخل إسرائيل ، ذلك صحيح ، لكنه ليس مبرراً لأن نسرق من الطفل طفولته و لا يجيز بأي حال أن نوقظ طفلاً من الصباح الباكر ليعمل و هو في عطلة مدرسية .
البعض الآخر يقول إذا لم يساعد الابن أبوه فما قيمة وجوده ، و هنا أرد : ماذا قدم هذا الأب لابنه حتى يطلب منه مساعدته ؟ أو بمعنى آخر و ما ذنب الطفل في واقع سيئ كهذا ؟ إن مسؤولية كسب الرزق و توفير متطلبات الأسرة تقع على كاهل الأب فقط و ليس على كاهل الطفل بأي حال و مهما يكن الظرف .

قد يبرر البعض من الناس بأن الآباء يضطرون لفعل ذلك كي يقضوا على وقت الفراغ الكبير عند الأطفال بدل تسكعهم في الشوارع و تعلمهم لسلوك خاطئ ، و الرد على أولئك : يمكن لأي أب أن يفعل شيئ آخر غير ذلك لتسلية أبنائه كأن يصطحبهم إلى البحر أو إلى الحدائق أو ليعلمهم أشياء أخرى ، جزء من برامج العام القادم ، حفظ القرآن ، زيارة الأقارب ، الكثير يمكن فعله بدل تحميل الطفل مسؤولية أمر لا ذنب له فيه البتة .

هذا على مستوى الأب البسيط العادي ، أما على مستوى آخر ، فيجب على المؤسسات المعنية حكومية و أهلية وضع آلية محددة للقضاء على هذه الظاهرة ، لا أعرف كيف و لكني أؤمن أن هناك عملاً يجب القيام به للقضاء على هذه الظاهرة المرضية المتفشية ، يمكنها مثلاً طرح برامج تشغيلية مختلفة تساعد فيها أرباب الأسر الذين لا دخل لهم اليوم على الأقل في توفير الحد الأدنى من متطلبات أسرهم بدل الإكثار من الحديث عن الديمقراطية و حقوق الإنسان التي لا يعرف عنها الشعب شيئاً رغم كثرة مؤسساتها ، التي لم تقدم للشعب حتى اللحظة أي شيئ يذكر ، كلها ترصد ما تقوم به إسرائيل و كلها تكرر نفس العمل فما الحاجة لكثرتها و تعدادها إذاً ؟

المطلوب فعلاً لا قولاً و تنظيراً العمل و البحث الجاد ، لقد سئمنا من غناء نفس الاسطوانة عند مدخل كل فصل صيف ، لا داعي لأن نبني جامعاً قرب الجامع و نفتتح مؤسسة تجاور مؤسسة أخرى لها نفس العمل ، الشعب في حاجة للخبز و الدواء أكثر من الديمقراطية . هذه الظاهرة ليست وليدة الوضع الحالي ، بل هي موجودة باستمرار في كل عام بغض النظر عن الوضع العام الذي تعيشه البلاد ، إن افتتاح مصنعاً لن يكلف ميزانية مؤسسة من ألف مؤسسة تكرر عمل بعضها البعض ، هذا المصنع يمكنه تشغيل العشرات و إراحة الأطفال ، فهل من سامع يا قوم يعرب ؟ هناك الكثير من الأفكار و المقترحات ، لكن هل هناك من يقرأ ما ينشر و يهتم به ؟
ارحموا الأطفال و لا تحملوهم ما لا ذنب لهم فيه ، أنتم جميعاً ترفضون الظلم فلا تظلموا .



#رائد_عبد_الرازق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث في النساء


المزيد.....




- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - رائد عبد الرازق - أطفال غزة و الصيف