أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - منير الإدريسي - الفرد الشّعب في ضمير العقل الأسمى














المزيد.....

الفرد الشّعب في ضمير العقل الأسمى


منير الإدريسي

الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 17:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


ما الغاية من الدولة؟ سؤال إشكاليٌّ؛ كنت أجد له إجابة وشرحا مفصّلا وأنا أدرّس تلامذة الباكالوريا مادّة الفلسفة. أدفعهم إلى النظر في آراء الفلاسفة قائلا أن وجهات النظر هذه ليست مواقف على حدة، بل موقف واحد لمسألة واحدة حين ننظر إليها بأكثر من عين للإحاطة بهذا الموضوع. وكنت أدفعهم بالمقابل إلى لمس الواقع بأصابع حواسّهم إن أمكن، وفتح آفاق للحلم بالدولة، الدولة التي تمثل العقل المجنّح المشترك الذي يحكم بضمير قويّ يقظ حيث يمكن تمثل العدالة والكرامة الإنسانية. وذلك لن يتأتّ إلا بتصحيح نظرتنا إلى الإنسان بالمنظار الكانطي الذي يرى الإنسان غاية في ذاته وليس مجرّد وسيلة في يد هذه القوّة أو تلك التي تحكمه. أي حين تصير الدولة المساعد و المعين للفرد على صقل ميوله وتحقيق رغباته والحفاظ على أمنه وممتلكاته ورفع سعادته والتقليل من ألمه. أن تصير كلّ مؤسسات الدولة الدافع وليس المعيق لنمو الفرد المنتج. وبمعنى آخر أن تصير الدولة "مِلكاً بيد الفرد المَلِك، وأمّه!". كان هذا التعبير يصدم تلامذتي الذين تعودوا على قراءة واقع مختلف. كنت أعرف أنّ ما أصفه لهم كان دولة في الجنّة وليس دولة على هذه الأرض. لكنّني كنت أحفّزهم على التعمّق جيّدا في هذا المفهوم، بأن يتساءلوا مع أنفسهم ومع فلاسفة المقرّر الدراسي اليتيم عن الداعي لوجود دولة في تصوّر هوبز مثلا، التصور الكلاسيكي القديم: انتقال من حرب الكل ضد الكل إلى العيش ككل. مع ضمان الأمن والسلم الإجتماعيين، فما بالك بالتطوّر الذي نعيشه اليوم والمعرفة التي قرّبت عالما خفيّا في الإنسان وإمكاناته اللامحدودة، وتميّز أفراده فردا عن فرد بميولاتهم وطباعهم وأحلامهم.

إن الداعي إلى وجود دولة هو حق الفرد في الحياة التي يستحقّها. وليس صناعة قوّة لقهره كما في العالم العربي. حيث تصير الدولة أحيانا عبءا أكبر من تكلفة الحياة الحرّة بمنطق قانون الغاب. تصير كابوسا وآلة لإنتاج الرعب والإرهاب النفسي والقمع.
الدولة بالمفهوم العميق هي نتاج عقل أوسع وأسمى يبحث عن طريقة أنجع لمواجهة تقلبات الحياة المشتركة خدمة للفرد، الجزء الأهم في هاته المعادلة. وليست إنتاج القمع للحفاظ على المسلك الأناني للدكتاتورية التي تدعس بحذائها العسكري الثقيل المواطن الحرّ ورغباته وطموحاته. لذلك وبهذا المعنى يتوجّب على الدولة إستنادا إلى تصورات فلسفية حداثية أن تتجسّد كعقل يضمن في تشريعاته وقوانينه تطلّعات كل فرد، وقبل ذلك أن توجد له تربة صالحة لينمو ويعبّر عن نفسه بالطريقة الأنسب لاستثمارها مستقبلا في نهضة البلد. يتم ذلك عبر إنصات المؤسسات التربوية الحاضنة للخطوات الأولى للطفل إلى ميولاته ومواهبه الطبيعية وتوجيهها التوجيه السليم والهادف، وإغنائها ورعايتها الرعاية الأمثل، عوض فرض اتجاه واحد نمطي تقليدي ومُوَجّه يصنع المواطنين كقوالب العجين، بلا حرية تتوخى إكتشاف طاقاتهم الحقيقية التي ترفعها حماستهم المتدفّقة إلى الفعل المنجز على أكمل وجه.
إنّ فشل المواطن العربي في الإنتاج القويّ كيفما كان هذا الإنتاج وكسله وتلكؤه وتسويفاته تُعزى كلّها إلى فشل الدولة الذريع والمأساوي في استغلال الطاقة البشرية المتدفقة في كل المجالات بفرض تلك التي ترى فيها الدولة أولوية كبيرة في مجال اقتصادي أو صناعي معيّن، فيما تحجم عن تشجيع باقي المجالات الأخرى، ولا شكّ أن التعليم يفضح بشكل صارخ هذا الإنحياز في حماسته لتدريس بعض الشُّعب الأكاديمية دون الأخرى، فقط تلك التي يتطلّبها سوق شغل لا يمشي إلاّ على عكّازة حاجة الدول القويّة من تلك المتخلّفة دون التشجيع على جرأة الخلق والإبتكار وتقوية مسالك أخرى قد تنهض بالبلد نهضة حقيقية.
غالبا ما تجد التوجّه التعليمي للطالب شيء محدّد سلفا لما فيه من فرص واقعية ملموسة. أمّا تلك التي تنقصها الفرص الواقعية والملموسة فتظلّ توجّها لا طائل من ورائه أو غائبة كليّا. وهذا مادفع بوزير مغربي للتعليم العالي والبحث العلمي إلى التصريح بأن "المغرب ليس في حاجة إلى كليات الآداب". ممّا أثار عليه عاصفة من الإنتقادات.

واقع كهذا يعطّلُ إمكانات هائلة للفرد الذي هو الحشد أيضا، في غياب تنمية بشرية حقيقيّة فاعلة وناجعة تنظر بعين العقل إلى الإنسان كغاية في انتاجه وعطاءاته وليس كوسيلة تحت يد القهر المتسلطة بدافع سياسيّ أو رأسمالي قاس وشره يفرغ حياة الإنسان من المعنى والقيم.
لا شكّ أن البلدان العربية بكلّ مكوّناتها العرقية، تحفل ّ بطاقات هائلة وواعدة لم تستثمر بما يكفي ولم تعبّد لها الطرق نحو تحقيق أحلامها التي لن تكون سوى الفعل المنجز الذي يرفع قُدما من شأنها، ويكون سببا في نهضتها. لذلك يبقى التعليم الرهان الأوّل والأصعب، تعليمٌ يصغي بما امتلك من حسّ معرفي بالإنسان إلى الفرد ككيان حر، متميّز، ينطوي على دينامية وفاعلية كبيرة تحرّكها ميوله وآماله وتطلّعاته بعيدا عن التدجين والتلقين الذي يُفرغه من محتواه ويجعله مُنحرفا في نظرته إلى الحياة مشحونا بعواطف لا يتحكّم فيها عقل واع ومُدرك للذات وللعالم والكون ممّا يُسفرُ عن واقع مضطرب كهذا الذي نعيشه اليوم، واقع مليء بالكراهية والعنف والإرهاب لا تجد أمامه الدولة أيّ حلّ ناجع سوى محاصرته في رقعة شطرنج لانهائية من غير الممكن معرفة بدايتها من نهايتها، إذ أنّ الدولة هنا جزء مهم من هذه اللعبة، و مائدتها الكبيرة بنأيها عن الدور الحقيقي الذي من أجله بُرّرت غاية وجودها، أي باعتبارها العقل الأسمى الضامن للعدالة والكرامة والتنوير والحريّة.



#منير_الإدريسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - منير الإدريسي - الفرد الشّعب في ضمير العقل الأسمى