أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر نمر - دالية – رابيكوبتش – مأساة شاعرة















المزيد.....

دالية – رابيكوبتش – مأساة شاعرة


نمر نمر

الحوار المتمدن-العدد: 1298 - 2005 / 8 / 26 - 10:52
المحور: الادب والفن
    


رحلت الشاعرة العبرية التقدمية، دالية – رابيكوبتش عن عمر ناهز التاسعة والستين، وقد اعتبرها النقاد العبريون من خيرة واوائل الشعراء العبريين المعاصرين، كمّا وكيفا، من حيث الابداع، العطاء، النظرات الانسانية والتطلعات البشرية، في ظل النزاع اليهودي العربي المتواصل، بين الشعبين الشقيقين المتخاصمين على نفس رقعة الارض في هذه الديار المقدسة.
مرت هذه الشاعرة بازمات اجتماعية، شخصية، نفسية ولم تكن حياتها الزوجية على ما يرام، وقد تركت على نفسها آثار نُدب وجروح وقروح، انعكست على عطائها ونظرتها الى الحياة. حيث لم تخل من مساحات واسعة من التشاؤم، فقدان الامل، اللوم، والعتب، حتى الصراخ احيانا، من هذا الواقع المر الذي بسط نفوذه وهيمنته عليها، لتعيش في دوامة وشظف من العيش، بعد ان حرمت من تربية ابنها وحيدها، حيث اقرت المحكمة ان يعيش الابن تحت كنف ابيه، خلافا لما هو مألوف في الشارع اليهودي، بعد ان مرت في ازمة نفسية صعبة وعلاج ومراقبة، ريثما تجتاز هذه المراحل الحرجة في مشوارها مع الحياة.
لم تتقوقع هذه الشاعرة في برج عاجي شاهق أسوة بالكثيرين من ابناء جلدتها وشعبها، نظرت الى الصراع بين الشعبين نظرات ثاقبة بعيدا عن التطرف والتعصب الاعمى البغيض، شأنها كشأن الصفوة الممتازة التي تعمر قلوبها بالدفء والحنان والوجدان في هذا الزمان بالذات.
مسحات ونفحات انسانية
حين صودرت امومتها، وادخل قلب الام الرؤوم الى الثلاجة والتجميد القسري، وجدت نفسها تختلف عن زميلاتها بنات حواء الامهات في ارجاء المعمورة، فجاشت عواطفها بمسحات ونفحات انسانية شاعرية عاطفية، رافضة قبول هذا القضاء الجائر الذي يرمي مشاعر امومتها في سلة المهملات. في قصيدتها الانسانية: "كان عندها ابن" تقول:
دون ان تفصح كان لها مطلب
ان يعيدوا لها مَن البطن انجب!
لا! لن تسلم بما سُلب
من ذا الذي يجرؤ على المصارحة:
حان الوقت لان تخلدي الى الراحة
وتتصبري! ما كان كان!
مسيرتها مضنية، جولات مكوكية
تحفن الجمر بيديها، تسكبه عليها!
انها امية من كان ابن لديها
تخاطبه في الليالي والامسيات،
صيف شتاء، في الاعياد والمناسبات:
انا امك امية!
من ذا يقدم تعازيه الي!!
الشاعرة دالية آلت على نفسها ان تقرأ الفاتحة على ارواح مروّجي الحروب، العابثين بالنار، المحتلين الغاصبين، الجبارين العتاة،الذين يرقصون على الدم ويكسبون المغانم والمكاسب من دماء هذه الشعوب المتعطشة الى السّلم والامن والاطمئنان، ومما زاد الطين بلة، مسلسل المآسي في عائلتها، مقتل ابيها في حادث طرق، انتحار عمها، ثم انتحار خالتها، مما جعلها تكتسب شعورا بان الموت افضل من الحياة في هذه الدوامات البشرية.
ها هي في قصيدتها "الحمامة" تندب سوء طالعها، رغم ما تحمله من معان انسانية وتطلعات وجدانية، فتقول بصدق وبساطة معهودة:
كانت حمامة بيضاء
توددوا لهذه الحمامة رجاء!
طورت لها جناحين وتركت عشها
توددوا لهذه الحمامة رجاء!
في تحليقها ارتطمت بملك الغربان
واصطدمت بقطيع من الذئاب!
توددوا لهذه الحمامة رجاء!
شاهدت اعداءها السبعة والسبعين
وطاردتها الطيور حاسدة لها
توددوا لهذه الحمامة رجاء
كانت بيضاء حتى يوم افتراسها
اصبحت قدوة بعينها وجناحها
توددوا لهذه الحمامة رجاء!
هكذا انتقلت دالية من مأساة الى اخرى ومن جرح نازف الى آخر اشد وطأة ونزفا، سيان عندها اكان ذلك في عائلتها المقلصة، ام في العائلة البشرية الموسعة. وفي مقابلات معها لم تحاول ان تطوي هذه الصفحات المأساوية او تلملمها وتدحضها، بل فكرت بها بصوت عال مع نفسها ويراعها، وسكبت عليها عصارة قلبها الدامي ومشاعرها الجياشة التي لم تقو على الصمود والثبات في هذا الخضم الكبير من الاكتئاب، اللوعة، الحسرة، سوء الطالع، الانطواء على النفس، النوم نهارا والسهر ليلا حتى انقلبت الموازين لديها رأسا على عقب.
* إنتفاضة الحجارة:
حين انتفض الشعب الفلسطيني انتفاضته الاولى، وكان للصغار دور كبير في استعمال الحجارة والحصى، حتى سميت هذه الانتفاضة انتفاضة الحجارة عام 1987، وخلال تجوالها في المناطق المحتلة، ليس كجندية احتلال بل كحمامة سلام داعية الى وقف سفك دماء هؤلاء الفتية الصغار الاحرار، فنظمت قصيدتها الانسانية تحت عنوان "الحجارة" واصرت ان تعنونها بالانجليزية بالذات. Stones لتكون اشد وقعا على نفسية الجيش المحتل الغاصب وعلى نفسية الشعب الرازح تحت عبء الاحتلال الغاشم، تقول فيها وعلى مسمع من العالم اجمع.
Stones تعني الحجارة
لماذا قلت stones
لماذا رميت stones
لماذا تقف هنا ايها الولد
لماذا تقذف stones على الجنود!
لماذا لا تخاف!
لماذا لا تقلق ولا تؤمن مستقبلك
لماذا قلت stones
لماذا stones هو كل ما يدور في خلدك!
وفي يديك
رجلان سريعتان
وما الذي تعنيه بـ stones
الآن قلنا stones
ولد في السابعة، العاشرة، التاسعة، الثانية عشرة
كلهم يقذفون stones
يتقدمون في رتل وجاهي من الازقة
الايدي مليئة
الاجسام سعيدة خفيفة
كل ما يدور في خلدهم stones
فرح لا متناهٍ
قد يقدرون على الهرب
ويختفون كالجنادب في فتحات خفية
هذا هو يوم
الله اكبر بالنسبة لهم
يوم stones
بين أسْر وأسر
وربما مع ضربات الهراوات
والرؤوس الدامية
والايدي المكسورة
كل شيء ممكن لديهم
حجارة! حجارة! حجارة! حجارة! Stones
اولاد! اولاد! اولاد! اولاد!
عودوا الى بيوتكم
كيف ستعيشون دون استراحة!
ثم تحاول دالية ان تنهي مأساة هؤلاء الفتية الصغار في قصيدة "نهاية الحرب" فتصفهم كيف يعودون مشوّهين، مقطوعي الارجل، جروح قديمة تحاول ان تندمل، الكثيرون منهم فقدوا اقاربهم في شوارع المأساة، مخلفين الايتام الذين يهزون المشاعر البشرية.
* شاعرة قاصّة، مترجمة ومؤرخة
دالية فنانة مبدعة تركت ارثا روحيا وفكريا، يزيد عن عشرين كتابا، منها ما هو معد للأحبة الصغار، ومنها ما هو للكبار، ومنها ما هو مترجم عن الانجليزية لكبار شعراء ومبدعي الغرب مثل: ت. س. اليوت، ادوار الن بو، جورج كامبل، وب ييطس، ومن شعر اليابان كذلك.
ها هي تحاول سبر اغوار التاريخ العربي فتعود بنا الى الحملات الصليبية على هذه الديار خلال القرن الثاني عشر الميلادي، ففي قصيدة "قرون حطين" حيث تعيد الى ذاكرة من ينسى او يتناسى التاريخ، لا سيما معركة حطين الشهيرة 1187 حيث انتصر بها صلاح الدين على جيوش الفرنجة.
رمح مقوّس انبلج من الشرق كعصا سحرية
صلاح الدين في ثياب مزركشة
ليلقنهم درسا في قرون حطين
ما كانت لهم مملكة
لا فكر ولا اورشليم
كم كان الصليبيون طغاة سذجا
حين سلبوا كل شيء.
المعاناة اليومية التي كانت وما زالت من نصيب العربي الفلسطيني الرازح تحت وطأة الاحتلال "المستنير" كما يتوهم المحتلون الغاصبون، ما كان ليقهر الروح الشاعرية لدى هذه الشاعرة، وتبقى كناطح صخرة صماء، امام فقدان المشاعر والانتماء البشري لدى جنود الاحتلال وجلاوزته الطغاة، وها هي في قصيدة (قصة العربي الذي مات حرقا) تقول متألمة من فقدان الاصالة البشرية.
حين التهمت النار جسده
لم يكن الامر تدريجيا
لم يسبق ذلك موجة حارة
او موجة دخان خانق
او شعور بان غرفة اخرى يلجأ اليها
النار التهمته حالا
لا مثيل للامر
انتزعت ملابسه
التهمت لحمه
جسمه طعام للنار
صرخ: يا الهي يحرقونني!
وهذا كل ما قاله دفاعا عن نفسه
حين احترق لحمه مع خشب التخشيبة.
* جاءت وانصرفت
الجولة في دواوين هذه الشاعرة "ممتعة" رغم ما بها من الم، حرقة، حزن، هموم، اشجان، ليس لاننا نهوى التعذيب سوداوين معاذ الله، بل لان هذه الشاعر تعبر عن انتمائها الى الجنس البشري الذي يتألم لألم الغير، ويعتصر قلبها دما احمر قانيا كدم هؤلاء الشهداء الصغار من شهداء الحجارة و "اللحم الطازج" الذي يقدم لمحرقة الاحتلال وآلته الحربية.
نتوقف هنا لننتقل الى مجموعتها القصصية الاخيرة: "جاءت وانصرفت" الصادرة قبل بضعة اشهر فقط، وهي آخر اعمالها الادبية التي اصدرتها، مهدية اياها لناشطة السلام ورفيقة دربها روت ديان والدة داعية السلام عضوة الكنيست السابقة ياعيل ديان.
قصص الكاتبة لا تختلف عن شعرها في مضمونها البشري وتجاربها اليومية مع المشاهد المأساوية التي تشاهدها على الحواجز، سوق العمل، البطالة، التعذيب، انتهاك الحريات، بعض ابطالها من العرب الرازحين تحت وطأة الاحتلال الغاشم، ها هي في قصة "زيدان" الشاب الخليلي، الذي يتعلق بدالية كأنها المسيح المنتظر لتخلصه من هذه الويلات والمآسي، تحاول مساعدته، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة، فتسلط الاضواء على الاضواء الاقتصادية والسياسية المزرية، ليس في الخليل وحسب، بل وفي كافة ارجاء فلسطين المحتلة، اضف الى ذلك سياسة المخابرات الاسرائيلية التي تأتي على الاخضر واليابس في مدينة خليل الرحمن.
ثم تنتقل بنا الى قصة، "ضيافة بدوية" هذا البدوي الذي يكاد لا يلوي على شيء، الا انه يذكرنا بقصة بوذا ونصف الرمانة. والعين بصيرة واليد قصيرة، او لاقيني ولا تغدّيني.
حين تتحدث دالية عن ابطالها العرب، وكأنها تحدثنا عن مأساتها الخاصة مأساة شعبها المغتصب، وقد روى اصدقاؤها المقربون، انها في ساعاتها الاخيرة قبل الموت/ الانتحار، ونحن لا ندري بالضبط ما هو الدافع، فقد تابعت اخلاء المستوطنات الاسرائيلية في الضفة والقطاع وعرفت العهر، المكر، القسوة، الظلم، الطغيان وانتهاك الحقوق البشرية في المناطق المحتلة، طبقا لقانون الغاب وشرعته.
رحلت دالية – رابيكوبتش مسطرة مأساتها الخاصة، مع مأساة الشعب الفلسطيني البطل الذي لن يلجأ الى وضع حد لحياته كمهرب من هذه الحياة الدنيا، بل هو عاقد العزم على المضي قدما حتى تشرق شمس الحرية على فلسطين العربية – رغم ان الثمن غالٍ والدماء زكية والتضحيات بلا حدود. وستبقى دالية منارا وبصيص امل لدى الشعب الآخر، ولدى عاشقي السلام معا.

(حرفيش)



#نمر_نمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدار الفصل المقدسي إعدام للعرب


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر نمر - دالية – رابيكوبتش – مأساة شاعرة