أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة العقيلي - اللغة الأدبية تعيد الوعي للإيديويوجيا















المزيد.....

اللغة الأدبية تعيد الوعي للإيديويوجيا


أسامة العقيلي

الحوار المتمدن-العدد: 1297 - 2005 / 8 / 25 - 09:59
المحور: الادب والفن
    


اللغة الأدبية تعيد الوعي للإيديولوجيا
عن محاضرة كمال سبتي حول تروتسكي

سأحاول هنا ان أقدم تقييما شخصيا للمحاضرة الأدبية المعنونة شعريا بـ ( الشعراء يستعيدون نبيا من التاريخ ) والتي ألقاها الشاعر كمال سبتي في غرفة الكتاب والأدباء العراقيين في العشرين من شهر أب وكانت حول واحد من أبرز رموزالفكر الشيوعي والذي نفي إلى المكسيك ثم قتل هناك .. إنه ليون تروتسكي .. واسمحوا لي أن أنطلق من مقولة رولان بارت ( فحيث يتم خرق القاعدة تظهر الكتابة باعتبارها تجاوزا , لأنها تستوعب لغة لم تكن متوقعة )..
والآن .. أية كتابة تلك التي تجاوزت التوقع ؟؟
أظن أنني سأتوقف بعض الشيء هنا تاركا المجال فيما بعد للرؤية التي قدمها كمال سبتي من حيث البناء الدرامي والذي تناسبت مع تراجيديا حياة روتسكي , وما يعده هو اكتشافا وأراه أنا ضربة موجعة للكلس الكتابي الذي يحاط بالصمت والخوف في مناطق تاريخية او تنظيمية يظنها البعض حمراء..
إن ما قدمه كمال سبتي في محاضرته آنفة الذكر يكاد يلغي في بعض أماكنه بعضا من الوقائع الأيديولوجية والتاريخية ليحيلها إلى وقائع إيحائية لذلك لم تغفل المحاضرة التطرق للأيديولوجية الماركسية ( وذلك ينطبق على كل الايديولوجيات ) باعتبارها ممارسة تطبيعية تستند في بقائها وديمومتها لا إلى الإعتقاد الصارم بها وحسب , ولا إلى حجم الفعاليات البشرية التي تتبناها بل أيضا إلى سيرورة التجدد ومحاولة النقد لمنظومتها الفكرية أولا , واللغوية أولا وقبل كل شيء .. ذلك ما نفترضه بالطبع .. إنه حتى الآن بعيد كل البعد عن الواقع وعن إمكانية زحزحة قداسته ..
لم تكن لغة محاضرة كمال سبتي ( وهو ما يعنيني هنا ) متحيزة للوجه السياسي والحزبي من القضية مثار النقاش ( حياة تروتسكي بعد أن كشف كمال سبتي أدلة جناية مقتله بمنطق الإستقراء وتقديمها لغة أدبية مع البعد الإتهامي الذي طبع تاريخ حياة هذا الرجل فضلا عن آرائه في الأدب والفن ).. مع أنها ولجت مداخل المهاد بتقديم لا يبتعد عن ذلك ..
بل كانت متحيزة بالكامل إلى الأسانيد اللغوية أو ما يسمى بالموحيات أو الموجهات.. تلك هي المزية المهمة والضرورية التي لاحظتها على محاضرة كمال سبتي .. ولأنني أهتم بالنص بشكله الخطابي فلم أغفل أن أكتب الكثير مما قاله كي أستطيع أن أقرأها بشكل جيد ولأبتعد أيضا عن الإنطباعية التي يوقعنا فيها السماع .. أردت أن أقرأ النص مكتوبا أمامي لأنه بالفعل كان نصا فنيا وأدبيا بارعا .. ذلك النص الذي تحدث عن السياسة باللاسياسة وعن التاريخ باللاتاريخ , ولكنه تحدث عن المأساة بالمأساة وعن الفن والأدب بالفن والأدب .. كان أن ميـّز كمال سبتي ـ واعيا بنوعية المتلقي ـ بين أن ينغمس بالحزبيات فيضيع بهاء النص أدبيا وبين النص الأدبي الذي يحمل سمة نقاش حزبوي ما وهنا عليه أن يجعل النص أعلى من الأيديولوجية وأكثر احتواء لها ولتاريخها أيضا .. وهو ما حدث بالفعل ..
لقد بدأت المحاضرة سياسيا كمدخل ذهني ذكي لتخفيف الصدمة التي قد تلحق بالسامع ولا سيما ذاك المؤدلج القابع خلف سلسلة جبال مفاهيم ذات قداسة لا تحتمل النقاش والقول بتجديدها على صعيد الفكر أو المعلومة التاريخية يمثل انتهاكا وثرثرة .. كانت حذرة ـ أعني لغة المحاضرة ـ من أن تسبب التهابا في الأذن والعقل أيضا لمثل هؤلاء ..
لقد صار الحديث المناقش لطروحات ماركس ولينين ـ أو بعضا منها على الأقل ـ لا يعني بحال الحديث عن ذاكرة فضفاضة تقيم في ارضها السياقات و تضيف لها لحظات التأمل الخاصة سيرورات ٍ دلالية ً أخرى بعد أن تتسع قدرة التأويل بانفراط عقد اللغة حتى تنعدم إمكانية حصر أو تحديد دوالها حين ذاك فقط يبتعد المرجع وتتلاشى سلطته .. لقد قدم كمال سبتي صورة للسلطة الأيديولوجية التي تعاني من أحادية الخطاب وفرديته والتي ترى في تعدد التأويلات خطرا محدقا بصورة مرجعياتها الأولى ..
إن اعتماد الإيحاء ( بالمعنى الذي طرحه يالمسليف ) يهز أعمدة الأيديولوجية بقدرته اللامركزية على الترميز وتعدد الدلالات والذي يدفع أمثال كمال سبتي إلى التمرد على ما يعده الآخرون أصولا بينما يعده الشعراء ردود أفعال على الأصل .. الأصل تلك الكلمة التي لم تعد أصلا لشيء ..
إن مناقشة الطروحات المرجعية او البحث وسط معتمات أحداثها عن الحقيقة يعده المؤدلجون جدا ضربا من الأستهتار ونطحا غبيا لجدار العبقرية الأولى التي لا نشك في ذكائها .. أما كونها تمثل كل شيء .. أو شيئا واحدا وإلى الأبد فذلك هو التيه بعينه .. أقول صارت مثل تلك المناقشات لا تفهم ولن تفهم على أنها حرث لتلك الأرض من أجل بذر حقول جديدة من السنابل لم يعمل فيها المنجل المرسوم على الراية الحمراء منذ أمد بعيد .. ولا ينظر إليها إعمالا لتلك المطرقة التي دقت على حديد أحمر سيصير دبابات وصواريخ ورصاصا في عهد ستالين لتصبح الآن مطرقة تفتح الأصفاد وتدق على كتل الصدأ في العقول .. لقد كشفت المقالة فصلا شيقا عن رؤية تروتسكي من منفاه في المكسيك للأدب والفن بشكل عام .. إذ إن التصور عن رؤية تروتسكي للأدب والفن كان محصورا في نطاق الرؤية العامة للتوجه الإشتراكي لهما والذي يرى فيهما شكلا إبداعيا مجيرا للإشتراكية والواقعية, تلك التي ينتمي إليها تروتسكي , ولكن المحاضرة أظهرت أن تروتسكي كان ينظر للأدب والفن بشكل عام خارج أي تأطير , بل وكان على النقيض تماما رافضا الواقعية والإشتراكية التي لا يجب أن يتقيدا بها .. بينما نجد أن باختين نفسه سقط في تلك الدائرة من الإلتزام حيث كان يؤكد على أن الوعي الفردي كله ايديولوجيا والإبداع الفني كذلك, بل إن الكلمة تعد ظاهرة أيديولوجية بامتياز حسب رأيه , في الوقت الذي تكشف لنا المحاضرة أن تروتسكي كان أكثر انفتاحا وحرية تاركا للفن والأدب مهمة تشكيل نفسيهما من دون أي قيد ..
لقد كان تروتسكي (( ضد الواقعية والإشتراكية ويؤمن بحرية الفن المطلقة )) ذلك ما أخذه كمال سبتي من البيان المشترك بين تروتسكي وأندريه بريتون المسمى بـ (( بيان نحو فن ثوري مستقل )) والموقع في المكسيك ..
لقد قدم كمال سبتي تروتسكي بطلا شعريا من خلال اللغة الأدبية الناضجة التي نمت دراميا بالتوازي مع المأساة التي تشربت بها معرفة كمال سبتي الأولى لتروتسكي .. لقد بدأت شخصيتان تنموان تصاعديا في المحاضرة .. شخصية كمال سبتي ( مأساة كمال سبتي أيضا ) و شخصية تروتسكي ( مأساة تروتسكي بالطبع ) .. شخصية كمال سبتي التي تعرفت على تروتسكي واكتشفته في الصبا ثم ما لبثت أن أصبحت منفية ربما بسبب تروتسكي نفسه أو هو بالتأكيد بسبب الخط التروتسكي العام الذي جعل السطات البعثية تحسبه على ذلك المد وهو ليس بشيوعي ( بالمعنى التنظيمي للكلمة ) .. ولكنه ظل يحمل تروتسكي كأجمل وأحب مثال لتلك التهمة التي بسببها نفي .. يغذي شاعريته التي لا تعرف المطلق .. قال كمال سبتي (( ولقد تعرفت إلى تروتسكي وحدي في المكتبة العامة بمدينتي وأنا يافع وتعلمته وحدي وأحببته وحدي )) هل نلاحظ هنا تكرار كلمة وحدي .. أهي تلك الطباقات المأساوية .. إنها تؤدي وظيفة رفع اللبس .. أي ّ لبس ؟؟ هو ذلك الذي يتصور البعض بسببه أن ثمة ترسانة من المعتقدات يحملها كل قارئ لتروتسكي ( هي عبارة عن تهم ستالينية ضد تروتسكي ترددها ببغاوات عديدة على حد وصف كمال سبتي ) وتعلن أو تلمح إلى حكم مسبق دوغمائي ..
نحن أمام نسق أدبي وإشاري يترتب عليه فهم للذات ـ ذات كمال سبتي ـ مدعوما بتسلسل آخر في عباراته ( تعرفت ... وحدي ــــ وتعلمته ... وحدي ـــــ وأحببته ... وحدي ) إنها قضية كشف متواصل نحو اليقين .. لا الإذعان لرائحة الكتب والإنتشاء التام بها .. إن (وحدي) تلك عنت بشكل عميق قطيعة كبيرة مع اللغة الجدلية بمعناها الفينومينولوجي..
هل يمكن أن نشير إلى المعابر التاريخية التي حفل بها النص والتي ارتبطت بالاكتشاف والمعرفة والحب ..استطيع القول إن قوله ( بمدينتي وأنا يافع ) هو المسافة الفاصلة بين وحدي الأولى ووحدي الأخيرة ..إنها المسافة الفاصلة بين الوطن ـ الإكتشاف الحر ـ وبين المنفى ـ إعادة التنقيب في المكتشفات الأولى ... أما قوله ( تعلمته ) فهي بلا شك تشير إلى مرحلة البناء الأولى لوعي كان ثائرا منذ البداية .. ثم قوله ( أحببته ) والتي تحيلنا إلى وحدة كمال سبتي الحقيقة التي هو فيها الآن ..إنه بأمس الحاجة فيها إلى إعادة المكتشف واستحضاره ليشاركه النفي والإنفراد والحب بعد أن شاركه الفتى اليافع المأساة والمنفى مبكرا .. قال كمال سبتي :( لقد تعرفت إليه من مأساته قبل أفكاره فأثرت في ّ شابا ولما تزل عنوان مدخلي إليه كل حين .. ) ترى .. هل تمثل المأساة والتراجيديا مدخلا لكل عوالم اكتشافاتنا الشعرية على الأقل ؟؟ يجيب كمال سبتي :( ولقد كانت التراجيديا ومازالت تغريني في الدخول إلى الكيان الشخصي وقد لا أهتم بسعيد أبدا , ولقد قلت في مقالي الحرب والشعر : إن الشعر والتراجيديا توأمان , فأ ُخِذت ُ بالرجل ومأساته فكنت كلما تذكرت مأساته الشخصية وفناء عائلته وتنقلاته في المنفى وعزوف بعض البلدان الأوروبية عن استقباله تحت ضغط ستالين بعد اعدامات موسكو الشهيرة , فبدأ البحث عن ,, كوكب بلا تأشيرة ,, على حد قوله أو تأوهه ))
إن هذا النص الذي ذكره كمال سبتي في محاضرته يعد نصا فنيا رائعا .. إننا أمام نص ينشر الصورة النفسية للكاتب بالمأساة التي تعرض لها تروتسكي في جميع الإتجاهات .. إننا أمام معرفة أولى مباشرة ومعرفة ثانية ديناميكية متجددة .. الأولى تشكل معطيات الإشارات التي تضمنها النص والثانية تمثل حصيلة لتلك السيرورة التي يدعوها بورس (التجربة الضمنية) والتي تتطلب ثقافة عالية بالموضوع ذاته ....
لقد تحدث كمال سبتي في محاضرته القيمة عن الثورة الدائمة , ولأول مرة يتم الحديث عنها ليس بنصوص من تورتسكي بل بذكر نصوص من ماركس وانجلس ولينين تؤيد الثورة الدائمة صراحة .. كذلك ذكـّـر بأنها لم تكن السبب الأول في تنحية تروتسكي بل إن روح ستالين التسلطية والإستحواذية هي التي كانت وراء ذلك ..
لقد كانت محاضرة كمال سبتي مثالا رائعا للغة الأدب حين تشتغل على قضايا مؤطرة وموغلة في التقديس .. تلك القضية ليست بالهينة .. إنها محط السؤال : كيف يمكن للشاعر أو الأديب أن يكتب نصا محاطا بالأيديويوجية من دون أن يسقط بالتقريرية أو أن يفرط بالخيال ؟؟ أترك الإجابة لنص كمال سبتي الذي قدمه محاضرة مقروءة والذي أتمنى أن يرى نور النشر عن قريب ...

أسامة العقيلي





#أسامة_العقيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة العقيلي - اللغة الأدبية تعيد الوعي للإيديويوجيا