أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بيير روسيه - الثورة الصينية-الجزء الثاني - ماوية يانان: الثورة والإكراه التاريخي















المزيد.....



الثورة الصينية-الجزء الثاني - ماوية يانان: الثورة والإكراه التاريخي


بيير روسيه

الحوار المتمدن-العدد: 1294 - 2005 / 8 / 22 - 09:57
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الفصل السادس

ماوية يانان: الثورة والإكراه التاريخي

إن ماو تسي تونغ المعلم- محذراً جمهوره من تحويل التجربة الصينية إلى نموذج عالمي- يظهر متناقضاً مع ماو تسي تونغ الذي جعلت منه عبادة الشخصية الدليل المعصوم عن الخطأ. و"الشمس الحمراء لشعوب العالم". لقد بدأت تظهر معالم تلك الازدواجية بين عام 1939 و1940 عندما برزت الماويّة كمذهب ناضج وأصبحت يانان رمز المجتمع الجديد.
استغل ماوتسي تونغ عامي 1938 و1939 لتعزيز سلطته. فأعاد بناء شبكة من العلاقات الإقليمية التابعة للشيوعيين. عمل الجزء الأكبر من "جيش الطريق الثامن" بقيادة بنغ دي هواي وذو دي في شانكسي shanxi (1) ، بينما تمركز الجيش الرابع الحديث في منطقة حوض يانكزي السفلي، غربي شانغهاي، وبدأ يخترق الضفة الشمالية للنهر بقيادة شين يي (2) . وفي هذه الأثناء، أعادت وحدات عسكرية شيوعية أخرى تجميع قواتها في شاندونغ، (منتصف الطريق بين شانغهاي وبكين) وجنوبي الصين (شمالي كانتون) . وبالمحصلة الإجمالية، تشكلت حوالي 15 قاعدة حمراء في جميع أنحاء البلاد(3).
كانت قاعدة شان غان نينغ (4) الواقعة في منطقة جبلية وفقيرة. قائمة منذ زمن بعيد يعود إلى عام 1931. لم يكن موقعها خلف الخطوط العسكرية اليابانية، لكنه كان يطل على الصين التابعة للكومينتانغ. كانت بمثابة برّ أمان لقيادة الحزب القومية ولـ"جامعة المقاومة" (كانغدا). وقد وجهت دعوات لعدد من الشخصيات الديمقراطية والصحافيين الأجانب لزيارتها. وأصبحت يانان عاصمة حربية لـ ح.ش.ص ورمزاً. وخلال إقامة ماوتسي تونغ فيها، عرض مفاهيمه حول الاستراتيجية وتناول مسائل نظرية وثقافية، وذلك بعد مرور عشرين عاماً على انطلاقة الحركة الشيوعية وعشرة أعوام على اندلاع الثورة الصينية الثانية. وهناك تم "تصيين" (نسبة إلى الصين) الماركسية ، وجرت سستمة [تحويل هذا النموذج إلى سستام system أو نظام (المعرب)] نموذج من الممارسة الاجتماعية ، وبدأت عبادة الشخصية.

الثورة غير المنقطعة
إن تاريخ ماوتسي تونغ هو تاريخ صراع في سبيل الاستيلاء الثوري على الحكم.
كان هذا محور مواقفه السياسية، وأفق خياراته التكتيكية، والمسألة التي قادته إلى معارضة ستالين، ومفتاح نظريته حول الثورة غير المنقطعة.
في شباط 1940، نشر ماو تسي تونغ كتابه "حول الديمقراطية الجديدة" وفيه جاء : "تكمن الخصوصية التاريخية للثورة الصينية في كونها تنقسم إلى طورين : الطور الديمقراطي والطور الاشتراكي، وفي كون الطور الأول لم يعد يتعلق بالديمقراطية بشكل عام وإنما بديمقراطية من نموذج صيني جديد، نموذج الديمقراطية الجديدة..." (5).
تنقسم أشكال الحكم السياسي المختلفة السائدة في العالم اليوم، فيما يختص بطبيعتها الاجتماعية ، إلى النماذج الثلاثة:1- جمهورية تقوم فيها ديكتاتورية بورجوازية. 2-جمهورية تقوم فيها ديكتاتورية البروليتاريا. 3-جمهورية تقوم فيها ديكتاتورية عدة طبقات ثورية. (...) والنموذج الثالث هو شكل انتقالي موجود في بعض البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة الثورية ، (...) سوف نشهد دولاً تقوم فيها ديمقراطية جديدة حيث تتوحد طبقات اجتماعية عدة معادية للإمبريالية بغية أن تمارس ديكتاتوريتها مجتمعة" (6).
"لم تعد هذه الثورة هي نفسها الثورة من الطراز القديم، التي كانت القيادة فيها حكراً على البورجوازية (...)، إنها ثورة من نوع جديد تقودها البروليتاريا أو تتضمن مشاركة البروليتاريا في القيادة، والهدف الأول لهذه الثورة هو خلق مجتمع ديمقراطي جديد ودولة تتميز بديكتاتورية الطبقات الثورية مجتمعة" (بما فيها البورجوازية)" (7).
هل كان ماوتسي تونغ يدافع عن المنظور الستاليني "للثورة على مراحل" حين كان ينادي بـ"الديمقراطية الجديدة"، بصفته نصاً علنياً، يخاطب "القوى الوسيطة" . إلا أن ماو تسي تونغ ذكر فيه أن الثورة الديمقراطية الجديدة "لم تعد جزءاً من ثورة العالم الرأسمالي والبورجوازي القديم، وإنما باتت جزءاً من الثورة العالمية الجديدة، جزءاً من الثورة البروليتارية والاشتراكية العالمية...."(8).
لقد نشر ماوتسي تونغ تحليله للمسار الثوري الصيني في عمل مهم صدر في عام 1939 بعنوان "الثورة الصينية و الحزب الشيوعي الصيني "(9) يقول فيه: "لا زال المجتمع الصيني مجتمعاً مستعمراً، ونصف مستعمر، ونصف إقطاعي، (....) ومهمة الثورة الصينية تكمن في إنجاز ثورة وطنية وثورة ديمقراطية (....)، وطابع الثورة الصينية في المرحلة الراهنة ليس بروليتارياً اشتراكياً وإنما بورجوازي ديمقراطي".
"مع ذلك، لم تعد البورجوازية الديمقراطية في الصين الراهنة من الطراز العام القديم الذي أصبح بالياً اليوم، بل من النموذج الخاص الجديد (....)، الذي نسميه الثورة الديمقراطية الجديدة، (....) (إنها) جزء من الثورة البروليتارية الاشتراكية العالمية، تعارض الإمبريالية بشدة، أي الرأسمالية العالمية. وهي تعني، على المستوى السياسي ممارسة الديكتاتورية الديمقراطية الثورية المجتمعة لعدة طبقات ثورية ضد الإمبرياليين والخونة الرجعيين ، كما تعني معارضة تحويل المجتمع الصيني إلى مجتمع خاضع لسيطرة الديكتاتورية البورجوازية. وعلى المستوى الاقتصادي تعني تأميم الرأسمال الكبير ككل والمشروعات الضخمة للإمبرياليين والخونة الرجعيين، وتوزيع الملكية الزراعية الشاسعة على الفلاحين، وفي الوقت نفسه مساعدة المشاريع الخاصة الصغيرة والمتوسطة (10) دون القضاء على اقتصاد الفلاحين الأغنياء. وبالتالي فإن الثورة الديمقراطية من الطراز الجديد تخلق شروطاً سابقة للاشتراكية في مرحلة انتقالية من تصفية المجتمع المستعر ونصف المستعمر ونصف الإقطاعي إلى إرساء مجتمع اشتراكي- سيرورة ثورية جديدة (....) لقد بدأت هذه السيرورة فقط بعد الحرب العالمية الأولى وثورة اوكتوبر الروسية، وانطلقت في الصين مع حركة 4 أيار عام 1919. إن ثورة ديمقراطية جديدة هي ثورة الجماهير الواسعة من الشعب بقيادة البروليتاريا وبتوجيه معاد للإمبريالية والإقطاع، إنها ثورة الجبهة المتحدة لطبقات ثورية عدة (...)" (11).
"إن هذا النوع من الثورة الديمقراطية الجديدة يختلف إلى حد بعيد عن الثورات الديمقراطية التي شهدها التاريخ الأوروبي والأميركي، من حيث أنه ناتج ديكتاتورية الجبهة الموحدة لكل الطبقات الثورية، وليس ديكتاتورية البورجوازية (12). (....) كما يختلف أيضاً عن الثورة الاشتراكية بكونه يهدف إلى قلب حكم الإمبرياليين والخونة الرجعيين فقط، وليس إلى قلب العناصر الرأسمالية التي لا تزال قادرة على المشاركة في النضالات المعادية للإمبريالية والإقطاع (....)".
"لم يعد هناك مجال للشك في أن المنظور النهائي لثورة الصينية هو الاشتراكية وليس الرأسمالية (13) (.....) فالنتيجة الحتمية لانتصار الثورة الديمقراطية في الصين المتخلفة اقتصادياً هي أن تتطور الرأسمالية إلى درجة ما. (....) وسيكون هذا مجرد وجه واحد لمحصلة الثورة الصينية لا أكثر. فالمحصلة الإجمالية للثورة الصينية ستكون تطوير العوامل الرأسمالية من جهة والعوامل الاشتراكية من جهة أخرى.
ما هي العوامل الاشتراكية ؟ إنها تزايد الثقل السياسي للبروليتاريا والحزب الشيوعي في جميع أنحاء البلاد، واعتراف الفلاحين والأنتلجنسيا والبورجوازية الصغيرة الحقيقي أو المحتمل بقيادتهما. (....) كل هذا ، إلى جانب قيام أوضاع عالمية مشجعة سيجعل ممكناً إلى حد بعيد أن تتفادى الثورة البورجوازية الديمقراطية الصينية في النهاية المرور بمستقبل رأسمالي وأن تؤدي إلى تحقيق الاشتراكية..."
"تتضمن الثورة الصينية ككل مهمة مزدوجة (تتضمن هذا التناقض) وتقع قيادة هذه المهمة الثورية المزدوجة على عاتق حزب البروليتاريا الصيني، الحزب الشيوعي الصيني ، إذ أنه بدون قيادته لن تكون ثورة مظفرة". "إن إكمال الثورة البورجوازية – الديمقراطية في الصين (الثورة الديمقراطية الجديدة) وتحويلها إلى ثورة اشتراكية حين تتوفر كل الظروف الضرورية، تلك هي المحصلة الكاملة للمهمة الثورية العظيمة والمجيدة للحزب الشيوعي الصيني. على جميع أعضاء الحزب ألا يتوقفوا في منتصف الطريق (...) على كل شيوعي معرفة أن الحركة الشيوعية الصينية (14) ككل، هي حركة ثورية مكتملة تتضمن المرحلتين الثوريتين الديمقراطية والاشتراكية اللتين تشكلان السيرورتين الثوريتين الاثنتين المختلفتين من حيث طابع كل منهما، وأنه لا يمكن بلوغ المرحلة الاشتراكية إلا بعد إتمام المرحلة الديمقراطية. إن الثورة الديمقراطية هي التحضير الضروري للثورة الاشتراكية، كما أن الثورة الاشتراكية هي المؤدى الحتمي للثورة الديمقراطية. (....) ويمكننا إعطاء قيادة صحيحة للثورة الصينية فقط بالاستناد إلى فهم واضح للاختلاف بين الثورتين الديمقراطية والاشتراكية وللتداخل بينهما".
"باستثناء الحزب الشيوعي الصيني ، لم يكن أي من الأحزاب السياسية، البورجوازية أو البورجوازية الصغيرة على مستوى مهمة قيادة الثورتين العظيمتين في الصين: الديمقراطية والاشتراكية". (15)
يستند هذا النص إلى أربعة أفكار أساسية تتعلق بمسار الثورة في بلدان شبيهة بالصين:
*إن المرحلتين (الديمقراطية والاشتراكية) من النضال الثوري هما جزء لا يتجزأ من عملية إجمالية واحدة. إن النقطة الاستراتيجية تتمثل في ضمان الانتقال (16) من الثورة الأولى إلى الثانية.
*يجب إعطاء اهتمام كبير لمراحل هذه السيرورة الانتقالية من الثورة الديمقراطية إلى الاشتراكية، لما تتطلب من مهام ملموسة من نموذج مختلف.
*على الحزب الشيوعي تأمين قيادته للمسار الثوري برمته (بما فيه مرحلته الديمقراطية الأولى).
*تستطيع الصين تجنب طريق التطور الرأسمالي والمضي في طريق التطور الاشتراكي مع إتمام الثورة الديمقراطية.
فيما يختص بالنقطة الثانية، أطلق ماوتسي تونغ جدالاً حاداً ضد الأفكار التي نسبها إلى تروتسكي: "نحن ندافع عن نظرية انتقالية الثورة، وليس نظرية الثورة الدائمة التروتسكية ولا عن نظرية لي ليزان نصف التروتسكية. نحن ننادي بضرورة المرور بكل المراحل الضرورية لجمهورية ديمقراطية بغية بلوغ الاشتراكية. نعارض الذيليّة، لكننا نعارض أيضاً المواقف المغامرة والمتهورة..."(17).
"لا تنفي نظرية الثورة الدائمة وجود المرحلتين الديمقراطية والاشتراكية في السيرورة الثورية.(17) بل يمكن القول أيضاً إن التمييز بين المرحلتين والرابط بينهما يشكلان نقطة انطلاق نظريتنا. أما بالنسبة لتروتسكي، فالثورة الدائمة "تتناول (بادىء ذي بدء) مسألة الانتقال من الثورة الديمقراطية إلى الاشتراكية. هذا هو من حيث الجوهر المنشأ التاريخي للنظرية"(19).
"وتلك كانت بالضبط الفكرة التي تعبر عنها تسمية الثورة بـ"الثورة الدائمة" أي ثورة غير منقطعة، تنتقل مباشرة من المرحلة البورجوازية إلى الاشتراكية. وللتعبير عن الفكرة ذاتها ، استخدم لينين فيما بعد التعبير الممتاز القائل بنضج الثورة البورجوازية إلى ثورة اشتراكية".(20)
"ليست الثورة الدائمة قفزة تنفذها البروليتاريا، إنما هي إعادة بناء الأمة تحت قيادة البروليتاريا".(21) في حين يكون من الممكن القفز فوق مرحلة التطور الرأسمالي، لا مناص من أن نأخذ بالحسبان تطور وعي الجماهير والمهام، والمتطلبات التكتيكية[ نستخدم بالعربية كلمة تكتيكيّ أو تكتيكيّة للتعبير عن كلمة tactical أو tacticat بالأجنبية (المعرب)] للمعركة (22). "إن كل محاولة للقفز فوق مراحل حقيقية، أي مراحل يمكن تحديدها موضوعياً كمراحل في تطور الجماهير، إن كل محاولة من هذا النوع هي ضرب من المغامرة السياسية(23).
"لم أنف إطلاقاً الطابع البورجوازي للثورة من حيث مهامها التاريخية المباشرة، بل فقط من حيث قواها القائدة وآفاقها".(24)
إن ما نفاه تروتسكي في نظريته حول الثورة الدائمة هو الفكرة القائلة أن مرحلة تاريخية من التطور ضرورية ما بين لحظة انتصار الثورة الديمقراطية وبداية الثورة الاشتراكية في العصر الإمبريالي في البلدان المتخلفة. على البروليتاريا، إذاً، أن تقود الثورة البورجوازية الديمقراطية (25) المفضية إلى ديكتاتوريتها بالتحالف مع الفلاحين.
كانت دكتاتورية البروليتاريا الرافعة الحاسمة التي مكنت سيرورة نضج الثورة الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية من الحصول حقاً. فهذه الأطروحة الجوهرية المتمثلة بنظرية الثورة الدائمة ليست طرحاً يسارياً متطرفاً ولا طرحاً عصبوياً. إذ أن عملية الرفع المذكورة التي تتم بفضل السيطرة على جهاز الدولة هي بالضبط التي تمكن البروليتاريا من عقد تحالفات مع الفلاحين وعند الضرورة ، مع قطاعات من البورجوازية، إن التحالف الطبقي بين الفلاحين والبروليتاريا يبقى في صميم السيرورة الثورية(26).
إن صيغة "دكتاتورية البروليتاريا" التي تقود جموع الفلاحين (27) تميز بين مسألتين: مسألة التحالفات الاجتماعية (بين الطبقة العاملة والفلاحين) ومسألة الطبيعة الطبقية للدولة (التي هي بروليتارية) إن صيغة لينين الأصلية "الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين" قد خلطت بين هذين المستويين (28). فقد أدت تجربة الثورة الروسية بالبلشفيين ، بدءاً بلينين، إلى وصف السلطة السياسية التي أنتجتها ثورة أوكتوبر بديكتاتورية البروليتاريا، والتحالف الاجتماعي الناشئ بمعرضها كتحالف بين الفلاحين والطبقة العاملة.
وتخلط أيضاً صيغة ماوتسي تونغ ، "ديكتاتورية كل الطبقات الثورية"، بين هذين المستويين اللذين لا بد من تميزهما الواحد عن الآخر من أجل تحليل واضح للسيرورة الثورية برمتها، إلا أن كتاباته وممارسته تظهر بأن النضال في سبيل هيمنة الشيوعيين كانت في صلب مفاهيمه: "ستستمر الثورة الديمقراطية بمراحل عديدة من التطور (....) فثمة كفاح طويل يفصل هيمنة البورجوازية (29) عن هيمنة البروليتاريا، سيرورة صراع من أجل القيادة التي تتوقف على الشرط المتمثل برفع الحزب الشيوعي مستوى وعي الفلاحين والبورجوازية الصغيرة وتنظيمهما".
"فالفلاحون هم حلفاء مخلصون للبروليتاريا، ومن بعدهم تأتي البورجوازية الصغيرة. والبورجوازية هي التي ستتنافس معنا على الهيمنة". "إننا نعتمد على قوة الجماهير وعلى صحة مواقفنا السياسية من أجل التغلب على تذبذب البورجوازية وقلة ثباتها، وإلا انقلبت البورجوازية على البروليتاريا وهزمتها"(30).
يستطيع المرء أن يلاحظ بعض الغموض في صيغ ماوتسي تونغ في ذلك الوقت، إلى جانب قلة دقة مواقفه النظرية. ويمكن شرح هذا الغموض (بما يختص بسرعة سير العلاقة المستقبلية مع البورجوازية المتوسطة وأشكالها) بسهولة. فتجربة عام 1927 كانت تجربة سلبية، وقد كان من الضروري قيام تجربة ناجحة كي يصار لإعطاء توضيح كامل للعلاقة بين الطبقات في الثورة الصينية. فضلاً عن ذلك، بقي الواقع مفتقراً للتحديد جزئياً: كانت صيرورته تتوقف على ما ستؤول إليه النضالات (31).
إن النقص في دقة الصيغ النظرية كان يتعلق بموضوع الدولة ويذكرنا بإحدى صيغ لينين لعام 1905 (32). إنه يظهر إلى أي حد حجبت الستالينية صورة التجربة المعاشة للثورة الروسية عن شتى الأحزاب الشيوعية القومية. فالبيروقراطية السوفيتية منعت أي استيعاب نقدي لتاريخ البلاشفة، من خلال تأليه لينين من جهة، وإلقاء الحرم على كل القادة والمنظرين الروس (أمثال تروتسكي وبوخارين) من جهة أخرى (33).
من جهة أخرى لقد درس ماوتسي تونغ أعمال لينين، لكن فكر لينين النظري ظل مطوقاً بذراع حديدي فرضته الستالينية على مجمل الحركة الشيوعية.

"تصيين" الماركسية
بدأت عملية تصيين الماركسية في أواخر الثلاثينيات. وقد كانت تؤذن بقدوم الحركة "التصحيحية" لأعوام 1941-1944 (34). كان لزاماً على الحزب أن يتوحد حول "خط الجماهير". لقد تمت هزيمة الدوغمائية والنخبوية. إلى جانب ماوتسي تونغ ، كان ليو (35) أحد المحركين الأساسيين لتلك الحملة، التي عكست "صراعاً داخلياً" حقيقياً، معداً لاستئصال "الأخطاء الثلاثة"، المتمثلة في الذاتوية والعصبوية والشكلاوية[الشكلانيّة].
صرح ماوتسي تونغ في تشرين الأول عام 1938 بما يلي: "لقد تقدم الحزب الصيني أشواطاً في تمرسه بالماركسية اللينينية بالمقارنة مع ما كانت عليه الحال سابقاً، لكن لا يمكن اعتبار هذا التمرس شاملاً وعميقاً، بعد. من وجهة النظر هذه، نبدو متخلفين إلى هذا الحد أو ذاك عن الأحزاب الشقيقة في البلدان الأخرى. لكن علينا قيادة شعب عظيم مؤلف من 450 مليون نسمة في صراع تاريخي لا مثيل له. وبالتالي، فإن دراسة موسعة وعميقة للنظرية لها أهمية حاسمة بالنسبة لنا، ويجب القيام بأكبر جهد ممكن. دعونا نعمل جاهدين من أجلها (.....) أيها الرفاق، علينا دراسة الماركسية بكل تأكيد".
"إن عملية فهم تراثنا التاريخي وتقويمه بشكل نقدي عبر استخدام المنهج الماركسي هي مهمة أخرى لدراستنا. إن تاريخ شعبنا العظيم على امتداد آلاف السنوات يظهر خصوصية قومية إلى جانب عدد من المزايا القيمة(....) نحن مؤرخون ماركسيون، وعلينا عدم تشويه التاريخ. سيكون لزاماً علينا تكوين رأي نقدي عنه من أيام كونفوشيوس إلى أيام صن يات صن، وتنصيب أنفسنا ورثة لكل ما له قيمة في الماضي (...) ليس هناك من ماركسية مجردة، إنما فقط ماركسية ملموسة، أي الماركسية التي أخذت لوناً محلياً وتم تطبيقها في واقع محسوس قائم في الصين، وليس الماركسية المستخدمة بصورة مجردة (....) بناء على ذلك، يصبح تصيين الماركسية (...) مشكلة يجب على الحزب بأكمله فهمها وإيجاد حلول لها دون أي تأخير...علينا وضع حد لكتابة الأبحاث حول الأمثلتة models الأجنبية، كما علينا التخفيف من تكرار العبارات الفارغة والمجردة، علينا التخلص من الدوغمائية واستبدالها بأسلوب وطريقة صينيين جديدين وحيويين، يسرّان بصر الناس الصينيين العاديين وأسماعهم" (36).
وقد أشار ماوتسي تونغ أثناء افتتاحه لمدرسة الحزب في يانان عام 1942 إلى ما يلي:
"إذا (....) لم نخلق نظرية تتناسب مع حاجات الصين الحقيقية ، أي نظرية تخصنا ومن طبيعة خاصة فسوف يصبح ادّعاؤنا بأننا منظرون ماركسيون أمراً غير مسؤول (.....) إذا رأينا فقط إلى الأعمال الكاملة لماركس وأنجلز ولينين وستالين على الرف، ستكون منجزاتنا عندئذ على الصعيد النظري فقيرة. (...) نحن بحاجة إلى المنظرين الذين يستندون في أفكارهم إلى المواقف والمفاهيم والطرائق لدى ماركس وأنجلز ولينين وستالين، والقادرين على أن يشرحوا المشاكل الراهنة الناتجة عن التاريخ والثورة بشكل صحيح، كما باستطاعتهم إعطاء تفسير علمي وشرح نظري للمشاكل المتنوعة للاقتصاد والسياسة والشؤون العسكرية والثقافية في الصين".
"ليس للماركسية اللينينية فعل السحر ، كما ليس لها أي قيمة صوفية. إنها فقط مفيدة للغاية. وكما يبدو فإنه ليومنا هذا قلة من الناس اعتبروها دواء لجميع الأمراض جاهز التحضير. (...) وقد أظهر اللذين اعتبروا الماركسية اللينينية دوغما دينية -هذا النوع من الجهل الأعمى- علينا إعلامهم بشكل علني أن الدوغمائية التي تستندون إليها لا تصلح للاستعمال". "أو إذا ما أردنا استخدام صيغة تفتقد إلى التهذيب، إن "الدوغما التي تستندون إليها أقل إفادة من البراز". نحن نعلم بأن براز الكلب يستخدم سماداً للحقول ، كما أن براز الإنسان يستخدم طعاماً للكلاب. أما الدوغما التي لا تصلح سماداً للحقول ولا طعاماً للكلاب، فما فائدتها؟"(37)
لم يجعل ماوتسي تونغ من عبارة "تصيين الماركسية" نقطة أساسية في مذهبه لوقت طويل من الزمن. لكن، عملية "تصيين" الماركسية تبرز بعض ملامح أساسية في الماويّة (38). كان جوهر اهتمام الماويّة هو مطلب تطبيق الماركسية على الواقع الصيني واستخدامها لفهم الصين، لكن كذلك تكييفها، "نزع طابعها الغربي".
إن خلفية ماوتسي تونغ الفكرية غير معقدة. وعلى المرء أن لا ينسى أن رسول "الأشياء الثمينة" في التاريخ القومي للصين كان أيضاً ابناً لحركة 4 أيار، مهاجماً المواقف والمعتقدات التقليدية بعمق وناقداً شرساً لكونفوشيوس والتقاليد. لم يسافر ماوتسي تونغ إلى الخارج حتى عام 1949 ولم يكن ملماً باللغات الأجنبية، وهذا قد حد من أفقه بصورة جذرية، لكنه، من جهة أخرى، كان عصامياً إلى حد بعيد وقد قرأ جميع الترجمات الموجودة في الصين خلال العشرينات: إذاً ، كان عرضة لمجموعة متنوعة من التأثيرات الأيديولوجية (39). وبالرغم من سعة إطلاعه فقد تراجع إلى أيام شبابه ليتذكر من جديد اللغة الشعبية للقرى.
لقد طالب ماوتسي تونغ بالعودة إلى التاريخ الصيني، لكن من وجهة نظر حديثة [نقدية]، أي من منظور شيوعي ثوري، تذكر مجدداً العديد من "الأشياء الصينية" ، التي سمحت له بإضفاء "شكل محلي" على الماركسية، مفاهيم عسكرية فريدة، الطاقات الكامنة للفلاحين وحدود تلك الطاقات ، موقع المثقف المتمرد بين الشعب، تحطيم السلطات المركزية وارتكازاتها المناطقية، فهم الصراع السياسي كصراع من أجل الاستيلاء على السلطة، الفكر الاجتماعي للكونفوشيوسية والفكر الديالكتيّ للداوية (Daoism).
إن التاريخ الصيني هو تاريخ خاص وغني (40). ففكر ماوتسي تونغ الخلاق يعود إلى حد بعيد إلى الأسلوب الذي ذكرنا فيه ماوتسي تونغ بهذا التاريخ. خلال مقابلة أجرتها آنا لويز سترونغ في حزيران عام 1947 ، شرح ليو شاوكي أن الإنجاز الأساسي لـ ماو كان في "إضفاء طابع آسيوي على الماركسية ذات الطابع الغربي". فقد كان ماركس ولينين أوروبيين ، وكتبا بلغات أوروبية عن تواريخ ومشاكل أوروبية، ونادراً ما تناولا آسيا أو الصين. إن المبادئ الأساسية للماركسية قابلة للتأقلم مع كل البلدان بكل تأكيد، لكن تطبيق حقائقها العامة على ممارسات ثورية محسوسة في الصين، مهمة صعبة. إن ماوتسي تونغ صيني، ويحلل المشاكل الصينية ويقود الشعب الصيني في نضاله نحو النصر. وهو يستخدم المبادئ الماركسية اللينينية لشرح التاريخ الصيني والمشاكل العملية في الصين. وهو أول من نجح في ذلك (....) لم يطبق ماوتسي تونغ الماركسية على واقع جديد فقط بل أعطاها دفعاً جديداً. لقد خلق شكلاً صينياً أو آسيوياً للماركسية" (41).
وقد عارض ماوتسي تونغ الدعاوى الطاعنة للعديد من المنظرين الأوروبيين بهذه الجذور القومية. وذهب بعيداً في هذه المحاجة ليقول إن الماركسية المحسوسة الوحيدة هي الماركسية التي تتخذ شكلاً قومياً. وبالرغم من أن منهج الماركسية عالمي إلا أن الماركسية المعاشة هي دائماً أصيلة. فيما بعد، أثناء صعود عبادة الشخصية ستُعرّف الماويّة كماركسية مصيّنة (نسبة إلى الصين) وكماركسية عصرنا: لقد كان ثمة أب مؤسّس ، وهو ماركس، ثم يتبعه لينين وبدايات العصر الإمبريالي، والآن ماو تسي تونغ في عصرنا الحاضر.
وبالرغم من إدخال ماو تسي تونغ عدداً من العناصر المأخوذة من التاريخ المحلي في فكره السياسي، لم يطور تفسيراً نظرياً فريداً حول التشكيلة الاجتماعية في الصين. لم يعد فتح النقاش حول نمط الإنتاج الآسيوي، مكتفياً بإضفاء شكل صيني على مفاهيم أوروبية مثل الإقطاعية، التي اتخذت في الاصطلاح المشير إلى الصين الإمبراطورية تسمية فينغ جيان (42).
لنكون عادلين ، لا بد من التذكير بأنه فقط حديثاً استأنف منظرون ماركسيون دراسة هذه المسالة بالغة الأهمية بصورة منهجية (43). بيد أن هذا المجال يظهر حدود ماوتسي تونغ . لقد كان مبتكراً جذرياً في حقل التوجه. وليس في مجال تكوين المفاهيم. إن تعميم مصطلح نصف إقطاعي إنما يشهد على وجود مشكلة جوهرية كبرى (الفرادة الخاصة بكلا التاريخين الأوروبي والصيني) . لكنه لا يقدم لها حلاً.
لقد أثار موقع ماوتسي تونغ كفيلسوف أو كمنظر جدالاً حامياً (449. فخلال الفترة التي نحن بصددها أصدر بعض الأعمال المنهجية الهامة : حول الممارسة وفي التناقض (45). وفي رأيي الشخصي، تتكشف هاتان الوثيقتان بالرغم من أنهما فريدتين عن مزايا ديالكتية حقيقية ، لا سيما إذا نظرنا إليهما في سياقهما (46). ففي ذلك الوقت، كانت المادية الميكانيكية هي الغالبة في كل أوساط الأممية الشيوعية. لقد استخدم ماوتسي تونغ "الملاحظات الفلسفية" للينين التي كان قد ترجم بعض منها إلى الصينية، لكنه لم يحصل على الكتابات اللاحقة حول الموضوع، ككتابات غرامشي ولوكاش، فاستند إلى التراث الديالكتي الصيني (47). لكن وضع الفلسفة في الثقافة الصينية، الأكثر اهتماماً بالمنفعة المباشرة، ليس مماثلاً لوضعها في الثقافة الغربية ، التي تنصب أكثر على المفاهيم. وهذا ما حدا فرانسيس سو على القول إن ماوتسي تونغ لا يستحق لقب فيلسوف بالنسبة للغربيين، بل فقط بالنسبة إلى الصينيين (مع أنه حتى في الصين، ثمة من يعتبره فيلسوفاً غربياً بالكامل لأنه لم يكتف بشرح الكلاسيكيين(48).
بالتالي، تطابقت حركة تصيين الماركسية مع حاجة راهنة ، ألا وهي تكييف المراجع الإيديولوجية مع ممارسة وتوجهات تشكل قطيعة مع "قوانين" الأرثوذكسية العالمية الرسمية. فالحملات ضد الدوغمائية ومن أجل "التصيين" التي تلتها الحركة التصحيحية، كانت استمراراً للصراع التكتلي الذي بدأ قبل ذلك الحين بعشر سنوات ضد ناقل الدوغما وانغ مينغ. لقد جرى الهزء بـ"البلاشفة الـ28" على المستوى الأيديولوجي بعد هزيمتهم على المستوى السياسي. وقد فقدوا السلطة التي كانت قد منحتهم إياها "المعرفة" المكتسبة في الاتحاد السوفيتي. احتفظ أعضاء التكتل بمقاعدهم في اللجنة المركزية لكن تمت إدانتهم رسمياً. ففي قرار صادر في 20 نيسان 1945، انتقدت اللجنة المركزية "مجموعة من أعضاء الحزب لم تكن لديهم خبرة في النضال الثوري العملي واقترفوا أخطاء يسارويّة من "النموذج الدوغمائي" و"كانوا بقيادة الرفيق شن شاويو (وانغ مينغ)". لقد اقترفوا أخطاء من النموذج الدوغمائي وارتدوا الثوب الفضفاض "لمنظرين" في الماركسية اللينينية..." "لقد كان لهذا الخط الخاطئ أعمق التأثير على حزبنا ، ولهذا السبب كانت نتائجه وخيمة أكثر (49).
يتضمن الهجوم على وانغ مينغ نقداً لستالين (50). إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار ماو تسي تونغ بالتغني بفضائل سيد الكرملين. ففي كانون الأول عام 1939، ألقى خطبة بمناسبة عيد الميلاد الستين لستالين حيث يمكن للمرء أن يلمس بعض السخرية وراء المديح المبالغ فيه. "الرفيق ستالين هو قائد الثورة العالمية. (...) وكما تعلمون لقد توفي ماركس، وأنجلز ولينين أيضاً . لو لم يكن هناك ستالين، من كان سيعطي الأوامر عندئذ؟ حقاً إننا لمحظوظون" (51).
"لو لم يكن هناك ستالين، من كان سيعطي الأوامر عندئذ؟" إن هذه الجملة تتحدث بإسهاب عما آلت إليه الكومنتيرن . لقد ولت الأيام حين كانت الكومنتيرن تتمتع باستقلالية خاصة بها، عندما كان في وسع شخص مثل هانك سنيفليت أن يجادل باستبسال ضد قرارات الدبلوماسية السوفيتية (52). لقد تحولت الكومنتيرن إلى مجرد أداة في يد الكرملين، وعندما أصبحت مصدر إزعاج، قررت موسكو حلها في 13 أيار عام 19443. ولقد حيّا ماوتسي تونغ هذا القرار بارتياح ظاهر. وقال: "إن المهمة الراهنة هي تقوية الأحزاب الشيوعية القومية في كل بلد، وبالتالي، نحن لم نعد بحاجة إلى تلك النواة القيادية العالمية. "لقد أصبح الوضع معقداً جداً ومائعاً إلى حد "أن الشيوعية التي أبعدت كثيراً عن النضالات الحقيقية في كل بلد"، لم تعد ملائمة. "لقد نمت الكوادر القيادية للأحزاب الشيوعية في كل بلد، وبالتالي بلغوا مرحلة النضوج السياسي". لقد أظهر الحزب الشيوعي الصيني بوجه خاص قدراته منذ عام 1935 (مؤتمر زون يي التداولي...) "إن حل الأممية الشيوعية (يهدف إلى) تقوية (الحزب الشيوعي) من أجل أن يكتسب وجوداً قومياً أكبر في كل بلد"(53).
إن القرار الذي تم تبنيه حول هذا الموضوع من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أعلن من دون التباس: "بدءاً من اليوم ، بات الحزب الشيوعي الصيني معفى من الواجبات التي تنص عليها الأنظمة السياسية للأممية الشيوعية، وقرارات مؤتمراتها المختلفة". وبالطبع "إن حرب التحرير القومية (...) تتطلب من الأحزاب الشيوعية لكل البلدان أن تكون مستقلة في تسوية قضاياها، آخذة بعين الاعتبار الخصوصيات القومية والشروط التاريخية لكل بلد"(54).
بالتالي، فإن للحركة من أجل تصيين الماركسية أكثر من وظيفة: تأكيد شرعية "نموذج صيني" للماركسية، وتأكيد الحاجة لتطبيق خلاق للمنهج الماركسي، وتعزيز الانتصار السياسي على المستوى الأيديولوجي على تكتل وانغ مينغ، والتخفيف من سلطة ستالين، وإعطاء الحزب الشيوعي الصيني إمكانية ضمان استقلاله الذاتي عن موسكو في كل الميادين..لكن "التصيين" كان أيضاً تأكيداً للانبعاث القومي لشعب الهان (وهو شعب عظيم يضم 450 مليون نسمة تعود حضارته إلى آلاف السنين) وكذلك لبداية عبادة شخص ماو تسي تونغ.
إن لعبادة شخص ماوتسي تونغ جذورها المحلية، إلا أن المرء يتعامل هنا مع أحد أشد الوجوه إيذاء للنفوذ الستاليني في أوساط الحركة الشيوعية العالمية. لقد خلقت السلطة البيروقراطية لمركز موسكو عبادة ستالين من أجل تدعيم سلطتها. وقد زرعت ممارستها التكتلية ومفاهيمها في كل الأحزاب التابعة. وكان على مقاومة السيطرة الستالينية أن تتكيف مع هذه الأساليب. تم خلق شخصية كاريزمية [نسبة إلى الكاريزما ، وهي سلطة قائمة على المواهب فائقة الطبيعة لشخص يمارسها على جمهور ما (المعرب)] بديلة بغية تأكيد شرعية قومية وتجسيدها. وأصبحت عبادة الشخصية ، التي هي عبارة عن انحطاط مذهل للمثل الشيوعية، وإن لم يكن عالمياً، أصبحت هي القاعدة.
باتت عبادة ماوتسي تونغ شأناً رسمياً أثناء المؤتمر السابع للـ ح.ش.ص المنعقد في أيار عام 1945. نزع اسم ستالين من الأنظمة الداخلية ، وجرى إدخال فكر ماو تسي تونغ (55). وقد كان ليو شاوكي، الرجل الثاني في الحزب، الكاهن الأكبر لهذه العبادة الجديدة التي منحها طقوسها مازجاً ملاحظات جوهرية (حول أنماط انتشار الماركسية في الصين) بالمداهنة، من مثل: "إن فكر ماو تسي تونغ هو تطوير جديد للماركسية في الثورة القومية-الديمقراطية في عصرنا الراهن في البلدان المستعمرة، ونصف المستعمرة، ونصف الإقطاعية. إنه مثال رائع لقومنة الماركسية (...) إن ماو تسي تونغ ، تلميذ ماركس وأنجلز ولينين وستالين، جمع بالضبط بين النظرية الماركسية وممارسة الثورة الصينية بحيث ولدت الشيوعية الصينية : فكر ماو تسي تونغ (...) الذي سوف يشكل بالإضافة إلى ذلك مساهمة عظيمة ومفيدة في سبيل تحرير الشعوب في كل بلدان الشرق (...) إن فكر ماو تسي تونغ ، انطلاقاً من مفهومه حول العالم وانتهاء بأسلوب عمله، هو (....) تصيين منظوماتي systematic [ أي منظم في سيستام أو منظومة (المعرب)] للماركسية وتحويلها من شكلها الأوروبي إلى شكلها الصيني. (....) وهذا يشكل أحد الفتوحات العظيمة في تاريخ الحركة الماركسية العالمية، إنها عملية توسيع لم يسبق لها مثيل للماركسية، أفضل الحقائق، نحو أمة تضم 450 مليون نسمة. إن هذا يستحق اعترافنا الخاص جداً أن رفيقنا ماو تسي تونغ ليس فقط الثوري ورجل الدولة الأعظم في تاريخ الصين، بل هو أيضاً منظرها وعالمها الأكبر..."(56).
أفضت حملة إدانة الدوغمائية إلى ولادة دوغما جديدة . لقد رفض الحزب الشيوعي الصيني سلطة موسكو وأكد على طابعه القومي العميق وبدأ يدعي لنفسه دور دليل للشرق. وقد قال ماو تسي تونغ إن "مبادئ الماركسية" يمكن تلخيصها في جملة واحدة: "الانتفاض أمر مبرر"(57). أما محاولة التمرد ضد عبادته، فهذه ليست بفكرة جيدة....

المسألة الفلاحية
حقق نشاط الحزب الشيوعي الصيني في الريف إنجازاً ملحوظاً. كان أول حزب شيوعي يضرب جذوراً كثيفة في الريف وينظم الحركة الفلاحية بنجاح كبير، يتبعه في ذلك عن كثب ابن عمه الحزب الشيوعي الفيتنامي. وقد كان عليه أن يتسلح ، من أجل تنظيم كثيف للفلاحين. هيأ "خط الجماهير" مناضلين من أصول مدينية لاعتماد طريقة حياة بدائية وقاسية وغريبة ثقافياً عن عالم الحواضر الساحلي. كان على هؤلاء أن يتعلموا كيف يتحدثون بلغة سكان القرى ويحترمون تقاليدهم ويقبلون برموزهم. كما كان لزاماً عليهم التكيف مع عالم ذهني جديد.
استطاع الصينيون اختراق مجتمعات القرى ونجحوا حيث فشل الروس. لقد أولى لينين اهتماماً كبيراً لمسألة الأرض وأنجز عدداً من الأعمال السياسية الرائدة بحق، فدعم البلشفيون الانتفاضة الفلاحية عام 1917 استناداً إلى مطالب الفلاحين أنفسهم، وأدخلوا تغييرات إلى برنامجهم خلافاً لنصائح الماركسيين الأشد "أرثوذكسية" من أمثال روزا لوكسمبورغ. وعقدوا تحالفاً بين العمال والفلاحين والجنود كان ضرورياً لإحراز النصر . لكنهم لم يستطيعوا بناء منظمة شيوعية صلبة في القرى، واسعة الانتشار، قبل الاستيلاء على السلطة. أما الماويّة فابتكرت شيئاً جدياً. لم تتحالف مع الفلاحين انطلاقاً من قاعدة مدينية ، بل نظمت بالفعل التعبئة الريفية، وأصبحت لسان حال المطالب الفلاحيّة مستولية على المجال الذي كان حكراً، تقليدياً، على الاشتراكيين الثوريين في روسيا والذي لم يسيطر عليه البلاشفة إلا فجأة في عام 1917.
لم يكن نظام القنانة في الصين مماثلاً لما كان عليه في روسيا القيصرية. والأمر ذاته يقال عن الوضع الحقوقي التابع الخاص بالفلاحين وعن المزرعة الإقطاعية الواسعة . ولم يتطور اقتصاد زراعي كما حصل في ماليزيا ولم تكن المشاريع الزراعية، والثورة الخضراء، ولا سوق الاستيراد والتصدير قد دخلت عميقاً إلى العديد من البلدان التابعة كما هي الحال اليوم. ولقد اختلف الوضع من الشمال التقليدي جداً إلى الجنوب حيث كان تأثير المدن الحديثة أكبر والعلاقة بين البورجوازية المدينيّة وملاك الأراضي والتجار أمتن. إلا أنه ، كانت الزراعة الصينية، مثلها مثل الزراعة الروسية، زراعة فلاحيّة حقيقية قبل كل شيء، زراعة عائلية لعب فيها العمل دوراً أهم بكثير من دور رأس المال. كانت التناقضات الطبقية بين الفلاحين من جهة وأبناء طبقة النبلاء الريفيين والملاك الزراعيين تزداد حدة. كنا قد أشرنا سابقاً إلى أن الحزب الشيوعي الصيني قد علق أهمية كبيرة على تحليل انقســـام الفلاحين إلى شرائح عدة (58). فالصراع من أجل الأرض والسلع، وضد الربا والديون، لم يكن موجهاً فقط ضد الغرباء عن الجماعة أو الناس الأشد غنى داخل القرية، بل غالباً ما أخذ شكل صراع بين الفلاحين أنفسهم المنقسمين إلى أغنياء، ومتوسطي الحال، وفقراء، وفلاحين لا يملكون أرضاً (59).
لقد قامت التجربة الصينية بتحديث التجربة الروسية وأعطت دروساً مماثلة. فنظراً لطبيعة مطالب الفلاحين (التي تحدد مهام ملموسة) ، لم يؤد التطور المبكر للصراع الطبقي داخل الفلاحين إلى تطور فوري لديناميّة اشتراكية. ولقد تم التأكيد على أن للنضالات الديمقراطية في هذا النوع من الثورات مكانة مركزية (60).
إن الحاجة إلى تعميق فهمنا للمسألة الفلاحية بديهية هنا. ففي الصين، كما في روسيا، تحدت الحقيقة الفلاحية الكثير من المفاهيم المكونة سابقاً: لم يختف الفلاحون ولم ينقلبوا على السلطة الاشتراكية (61). في حين لم يلعبوا دوراً تاريخياً مستقلاً، رفضوا مع ذلك أن يزولوا ببساطة. عقدوا حلفاً ثابتاً مع النظام الثوري. وبدوا في آن معاً فرديين ومنفتحين على التحديث ومؤيدين للتجميع وللمساعي الاشتراكية. لقد أطلقت التجربة الصينية سجالاً جديداً كاملاً حول عوامل تماسك الفلاحين وتمايزهم، وحول مقاربتهم العائلية الضيقة أو الجماعية، كما حول وجهة نظرهم الرجعية أو التقدمية (62).



الإدارة الثورية وازدواجية السلطة الإقليمية:
بين الثورة والنزعة المحافظة

ظهرت ازدواجية السلطة بشكل إقليمي . وتم تأسيس إدارة ثورية. وبما أنها على قطيعة مع مراكز الاقتصاد القومي، لم تشكل السلطة الإدارية جنين دولة بالمعنى الصحيح للكلمة، شكلاً مصغراً لما ستكون عليه بعد النصر- في الواقع ، ستكون لعزلتها هذه نتائج قليلة بعد النصر. سيلعب سلك الموظفين في المناطق المحررة دوراً هاماً في تأسيس النظام الشيوعي. فلقد تطور هذا النظام دون روابط مباشرة مع الطبقات المدينية، بما فيها الطبقة العاملة. وتقوت علاقة البروليتاريا الاستبدالية بجهاز الحزب الشيوعي الصيني والجيش الأحمر من خلال السيرورة الخاصة للصراع من أجل السلطة.
ظلت البيئة القروية محافظة تماماً بالرغم من إمكاناتها الثورية. وقد كان هذا صحيحاً بوجه الخصوص في يانان التي التجأت إليها الإدارة الشيوعية المركزية وحيث تجمع آلاف من المناضلين المدينيين الجدد، والعمال والطلاب والمثقفين. شانكسي لم تكن جيانغسي. كانت إقليماً ريفياً ، بعيداً وفقيراًَ وغير مكتظ بالسكان. ولقد تأثر تطبيق السياسة الشيوعية بهذه البيئة. بالأخص فيما يتعلق بالنضال من أجل تحرر النساء.
فيما يختص بهذا الموضوع، يستطيع المرء الوقوع على عدد من التناقضات في الزمان وفي المكان داخل الصين في الثلاثينيات والأربعينيات، ففي جمهورية جيانغسي السوفيتية، تم تبني قانون جذري جداً حول الزواج، وشَنّ ماوتسي تونغ حرباً حقيقية من أجل المساواة في العلاقات الجنسية مما جعله يصطدم بالأخلاق التقليدية . وجعل الشؤون الجنسية- وحرية النساء والرجال في البحث عن شريك خارج الزواج المدبر- سلاحاً في النضال الثوري. وقد دافع بنشاط عن طلب الطلاق متحدياً كل الاحتجاجات العنيدة.
مع انتقال الصراع إلى الشمال، تمت تعبئة النساء. أسست جمعيات نسائية تابعة للحزب الشيوعي الصيني، وتطورت حالات التضامن بين الزوجات، وسمحت اجتماعات "تَكَلّم على المرارة" بتأكيد وعي جماعي لظروفهن. فثارت النساء اللواتي كن يتعرضن للضرب. وفي المنظور التاريخي، شكل تحرر النساء عاملاً أساسياً في الصراع من أجل التحديث، والتحرر والثورة الاشتراكية في الصين دون جدال. كان المصلحون المتعلمون في سلالة مانشو الأخيرة قد سبق أن تصدوا لوضع النساء. دعت الانتفاضة الشعبية في تايبينغز إلى المساواة بين الجنسين، وقد شارك في هذه الفترة الديناميكية عدد كبير من نساء الطبقة الفقيرة بنشاط. لاحقاً، ساهمت الثورة الجمهورية في تغيير وضع النساء البورجوازيات. ولقد قوضت حركة 4 أيار شرعة كونفوشيوس التي قيدت البنات والنساء المتزوجات بأحبولة من الواجبات الصارمة. ولقد غير التصنيع الكامل وضع النساء العاملات بتمكينهن من الإفلات من البنى القروية. ومع الثورة الصينية الثالثة، انتشر نضال النساء في الريف وأخذ بعداً أعمق.
سلط تاريخ الصين الأضواء على الدور المقبل الذي ستلعبه النساء في الثورات الحديثة حيث سينتفضن بصورة جماهيرية من أجل تحررهن. لكنه أظهر في الوقت نفسه سهولة تكيف العوائق الاجتماعية مع هذا التقدم. ففي يانان نفسها عجزت الحركة عن التقدم، بالرغم من إعادة إصدار قانون 1934 الجذري جداً حول الزواج، لم يتم العمل به. يشير هوا شانغ مينغ إلى واقع أن الزواج في ذلك الإقليم من البلاد كان بالأساس عملية تبادل تجاري. فالفلاح الفقير الذي تكبد العناء في توفير مال من أجل شراء زوجة، لم يكن مستعداً أن يدع زوجته وشأنها. لم يلق حق الطلاق القبول. ولم تحترم حدود العمر في الزواج. تراجعت القيادة الشيوعية وتخلت عن موضوع حرية الزواج لصالح موضوع آخر أقل انسجاماً مع المنطق بكثير، هو موضوع "الانسجام العائلي" الذي ستستفيد منه الزوجات.
تخلى الجهاز الإداري والسياسي الثوريان بسهولة أكبر عن هذه المسالة عندما كبرت أصداؤها ولأنها استقطبت عدداً قليلاً من النساء. أصبحت النساء امتيازاً محصوراً بالكوادر- كوادر لم يحترموا بالضرورة مبادئ المساواة بين الجنسين واستخدموا سلطتهم السياسية ليدعموا سلطتهم الذكوريّة (63). ولن يصدر مرسوم قانون جديد حول الزواج ، كما لن يعاد النضال من جديد ضد التقاليد بزيادة تعميق الثورة الاجتماعية في المدن وعلى صعيد البلاد قبل عام 1950. لقد تغيرت أوضاع النساء في الجمهورية الشعبية على صعيد العمل والعائلة وعلى الصعيد الأيديولوجي، لكن هذه التطورات ستظل تخضع لتحدي "الرجل العجوز"، ولوزن "التقاليد الإقطاعية" والتخلف والبيروقراطية (64).

الستالينية و"الشيوعيات القومية"

ظهرت الماويّة كتيار متميز متكامل خلال المؤتمر السابع للـ ح.ش.ص. ولا يمكن اختزالها، إن من حيث أصولها أو عقيدتها أو ممارستها، إلى مجرد ستالينية (65).
لقد تكونت الستالينية في ظروف ثورة مضادة بيروقراطية في مجتمع انتقالي، بينما الماويّة تشكلت في خضم نضال ثوري من أجل السلطة في مجتمع نصف مستعمر. ولقد أشرنا في عدة مناسبات إلى تأثير الستالينية على الحزب الشيوعي الصيني . إنما الجذور الأيديولوجية للماويـّة كانت متشعبة ، وقد تضمنت تراث حركة الرابع من أيار، واتساع أفقها الثقافي، والمساهمة المبكرة للأممية الشيوعية، إلى جانب مصادر صينية لا يجب التقليل من قدرها.
لقد أصبح الحزب الشيوعي الصيني ماويّاً بأن حرر نفسه من التبعية السياسية والتنظيمية التي فرضها أسياد الكرملين . لكن الماويّة لم تظهر كأطروحة ماركسية ثورية مضادة للستالينية. انبثقت الماويّة من داخل الحركة الشيوعية العالمية الستالينية من جهة، وضد سياسة موسكو من جهة أخرى. وقد انتقد الحزب الشيوعي الصيني الطريق الستالينيّ إلى التطور (66) لكنه لم يدمج في عقيدته الأصلية دروساً أساسية للتجربة الروسية. لقد كان الماويون واعين جداً واقع أن الحزب يعرّض نفسه لخطر "انقطاعه عن الجماهير" حالما يصل إلى السلطة. وقد ظنوا أن "خط الجماهير" سوف يساعدهم على درء هذا الخطر، لكنهم فشلوا في تحديد طبيعته الدقيقة وبالتالي أهميته الحقيقية (67).
بقيت مواقف الحزب الشيوعي الصيني داخل الحركة العمالية العالمية مزدوجة ومتناقضة الحدين [تعريب كلمة ambivalent ومعنى هذه الكلمة امتلاك وجهين مختلفين جذرياً، لا بل متعارضين (المعرب)]
فلقد دعم مبدأ استقلالية الأحزاب القومية، لكنه انحاز إلى ستالين حين جرى طرد اليوغسلافيين من الكومنفورم (68). عام 1948، استناداً إلى تهم مشوهة للسمعة (69). لقد أكد الحزب الشيوعي الصيني استقلاله ، لكنه أوضح من جهة أخرى بأنه مستعد لدفع الثمن المطلوب للحفاظ على تحالفه مع موسكو. وإذا تفحصنا مواقف الصينيين من وجهة نظر أممية، فهي تبدو متناقضة. لكن إذا نظرنا إليها في السياق الصيني، يبدو الحزب الشيوعي الصيني متماسكاً- موهوباً في الواقع تماسكاً ملفتاً للنظر مكنه من هذا النجاح في كل الامتحانات التي أخضع لها. إنه لا يستحق لقب "وسطي" (Centrist)، بمعنى تيار سياسي يتذبذب بين الإصلاح والثورة، أو بين الستالينية والماركسية الثورية.
إن هذين الوجهين للماويّة يعكسان ثقل العوائق التاريخية من قومية وعالمية التي سادت خلال تكوّن الماويّة، وأثرت في العمق في المسار العام للثورة. لقد استوعب الحزب الشيوعي الصيني شروط الصراع في الصين وتكيف معها. كانت تكمن قوته في جذوره المحلية التي بدورها فرضت حدوداً معينة على تطور الحزب السياسي- ويمكن تفسير ذلك بالسياق العالمي آنذاك. تشكلت الماوية في الوقت الذي كانت فيه الستالينية منتصرة . إن تاريخ الحزب الشيوعي الصيني يلقي الضوء على حدود سلطة البيروقراطية السوفيتية. ونظراً لاهتمام البيروقراطية السوفيتية بالأحداث في أوروبا أساساً، لم تنجح في إخضاع الحزب الشيوعي الصيني لسلطتها فترة طويلة- ولقد أفلتت منها أيضاً أحزاب أخرى مثل الحزبين الفيتنامي واليوغسلافي. لكن لم يكن باستطاعة أي منها الإفلات كلياً من تأثيرها. كانت تستمد سلطتها من سيطرتها على الدولة السوفيتية ومن قدرتها على ابتزاز الحركات التي كانت بحاجة حيوية إلى مساعدتها أو حيادها في معركتها ضد الإمبريالية. إن النزعة القومية للبيروقراطية السوفيتية أثارت مقاومة قومية من جانب فروع الكومنتيرن الأفضل انغراساً ونضالية.
كان التأثير الشائن للستالينيّة مضراً بوجه خاص آنذاك لأن الحركة العمالية الأوروبية في حالة تراجع. فالنازية كانت تحكم في ألمانيا، وربح فرانكو الحرب الأهلية في إسبانيا وغاصت الجبهة الشعبية في فرنسا في وحل الإصلاحية. كانت الحرب العالمية تقترب. لم يكن باستطاعة الشعوب في العالم المستعمر الاعتماد على مساعدة سريعة من ثورة بروليتارية في أي بلد رأسمالي متقدم. كان لهزيمة النضالات الثورية في العالم الإمبريالي نتائج عميقة وبعيدة الأثر على الأحزاب في العالم المستعمر ونصف المستعمر (70).
إن الماويّة، بوصفها حركة ثورية، لم تكن ستالينية، لكن لا يمكن فهمها بمعزل عن هذه الأخيرة (71). فانتصار البيروقراطية الستالينية وجه ضربة مميتة للأممية وقد كانت تلك هي الظروف التي برز فيها ما أطلق عليه تسمية "الشيوعيات القومية"، لعدم توفر تعبير أفضل (72). ولقد تشكلت تلك التيارات في صراع طويل من أجل السلطة، وبرهنت عن قدرتها على رسم الطريق لثورتها، وكان تماسكها نتيجة مسارها التاريخي الخاص بها. لكن بالرغم من ميزاتها ظلت مرتهنة بسياق حدده التفوق الستاليني على الحركة العالمية. إن تحجر البحث الماركسي عزز ميولها التجريبية. ومع تحول العلاقات بين الأحزاب المختلفة إلى علاقات شكلية أكثر فأكثر، راحت تتفاقم صعوبة القفز فوق الأفق القومي لأي تجربة ثورية.
لم يتوقف تطور الماوية عام 1945، إذ أنها كانت ستواجه قريباً مهام جديدة- تتعلق بالمجتمع الانتقالي – وتغييرات في الأوضاع العالمية. لكنها كانت قد بلغت آنذاك مرحلة النضج، وبقيت مطبوعة بعمق بالشروط التي كانت قائمة في فترة نشوئها.

هوامش الفصل السادس
(1) أخلى الكومينتانغ هذه المقاطعة الواقعة شمالي شانكسي بعد الهزيمة التي تلقاها في معركة تايوان (عاصمة المقاطعة).
(2) انظر الفصل السابق.
(3) أعادت القوات الشيوعية تجميع قواتها تبعاً لخطة مركزية من جهة ونتيجة لتطور الأوضاع من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تواجدت مجموعات حرب عصابات مختلفة مستقلة.
(4) انتشرت على تخوم ثلاث مقاطعات : شانكسي- فانسو- نينغسيا. كانت قواعد الجيش الأحمر واقعة بشكل عام في تلك المناطق لأسباب عسكرية (صعوبة الاقتراب منها) واقتصادية (الاكتفاء الذاتي القائم والذي سمح للشيوعيين بتطوير اقتصاد مقاوم ومستقل) وسياسية- إدارية (إمكانية تأليب الحكومات المؤقتة الواحدة على الأخرى). في المقابل، كانت قاعدة جينشاجي واقعة في السهل. فاضطر محاربو المقاومة إلى حفر شبكة منظمة من الأنفاق لحماية أنفسهم. كانت إحدى أهم القواعد بإمرة لين بياو وني رونغشن، وامتدت في مناطق شانكسي وشاهار وهيبي غير البعيدة عن بكين.
(5) ماوتسي تونغ، "الديمقراطية الجديدة" ، مقتطفات من النص الأصلي في كارير دانكوس وشرام، الماركسية وآسيا، ص 351.
(6) المرجع ذاته، ص 335-356. في عام 1951 ، عندما أعيد إصدار هذا النص استبدل ماوتسي تونغ عبارة "الطبيعة الاجتماعية" (في بداية الاستشهاد) بـ"الطبيعة الطبقية " للسلطة السياسية". صدرت النسخة الرسمية لـ"الديمقراطية الجديدة" في المختارات، المجلد 2، ص339-384.
(7) المرجع ذاته، ص352. أضاف ماوتسي تونغ: "لهذا السبب تفتح هكذا ثورة المجال –وبالمناسبة، مجالاً أوسع- أمام تطور الاشتراكية". ويؤكد شرآم على المقاطع التي حذفها ماو تسي تونغ أو أعاد النظر فيها عام 1951. الملاحظات حول المقاطع التي أعيدت كتابتها عام 1951 مأخوذة من كتاب ستيوارت شرآم. وينسحب هذا على كل الاستشهادات المذكورة أعلاه.
(8) المرجع ذاته، ص351-352.
(9) ماوتسي تونغ ، "الثورة الصينية و الحزب الشيوعي الصيني (ك1،1939) في شرام، الفكر السياسي...، ص 229-233. النص بأكمله الوارد في المختارات ، ج2، ص305-334 يتبع عن كثب النسخة الأصلية التي كتبها ماوتسي تونغ وآخرون في شتاء عام 1939 . والمقاطع الواردة هنا بين مزدوجتين هي بقلم ماو تسي تونغ.
(10) جاء في نسخة عام 1951: "مع المحافظة على المشروعات الرأسمالية الخاصة على العموم..."
(11) في نسخة عام 1951، حذف آخر مقطع من الجملة ("إنها ثورة الجبهة الموحدة لجميع الطبقات").
(12) في عام 1951، أضاف ماو تسي تونغ : "تحت قيادة البروليتاريا".
(13) في عام 1951، أضاف ماو تسي تونغ "وإلى الشيوعية".
(14) في عام 1951: "الحركة الثورية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ".
(15) في مكان آخر من هذا النص ، حلل ماو تسي تونغ العلاقات بين الفلاحين والبروليتاريا في الصين وأعلن أن البروليتاريا الصينية تتميز بصفات رائعة خاصة بها، تسمح لها بالتحول إلى القوة القائدة للثورة الصينية"، شرآم، الفكر السياسي...، ص263.
(16) التحول أو النضج إلى : تختلف هنا الترجمات. ويشير الاختصاصيون أيضاً إلى أن الكلمة الصينية للثورة غير المنقطعة يجب أن تترجم في الواقع إلى "الثورة الدائمة".
(17) لنجهد في جر الجماهير الواسعة إلى جبهة موحدة معادية لليابانيين". (خطاب ألقي في 7 أيار، 1937) المرجع ذاته، ص 227. في نص آخر بتاريخ عام 1935 يؤكد ماو تسي تونغ على أنه "فقط التروتسكيون المعادون للثورة يتفوهون بسخافات من مثل أن الصين قد أكملت ثورتها الديمقراطية البورجوازية وأن أي ثورة قادمة ستكون اشتراكية. كانت ثورة أعوام 1924-1927 ثورة ديمقراطية بورجوازية لم تكتمل وفشلت" .("حول تكتيكات المعركة ضد الإمبريالية اليابانية"، تقرير مقدم في 27 كانون الأول، 1935، إلى مؤتمر تداولي لأعضاء الحزب، المرجع ذاته، ص265). وفي الواقع ، لم يعبر تروتسكي عن آراء كتلك التي نسبها إليه ماو تسي تونغ . على العكس ، فقد دعا إلى تنظيم نضال دفاعي متمحور حول شعارات ديمقراطية.
(18) إنه لصحيح، للأسف، أن التروتسكيون نسوا ذلك أحياناً، بسبب انخراطهم الكلي في السجال ضد المفهوم الستاليني لـ"الثورة على مراحل"، ووجدوا في الثورة الدائمة دمجاً فورياً، وحسب، للثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكية، وبالتالي فقد غاب عن أبصارهم الرابط الأساسي في هذا التركيب، أي سيرورة الانتقال /النضج إلى الاشتراكية.
(19) ليون تروتسكي ، الثورة الدائمة ونتائج وتوقعات ، نيويورك :باتفيندر، ص131.
(20) المرجع ذاته، ص136. نجد إلى أي حد يمكن أن يتمادى ستيوارت شرآم في الخطأ، وهو الذي يبدو عليه أنه قرأ ماو تسي تونغ بتمعن أكثر مما فعل تروتسكي، عندما يضع المفهوم اللينيني حول "النضج إلى" في مواجهة المفهوم التروتسكي حول الثورة الدائمة.
(انظر الهامش1، ص227، من مقدمة شرام لـ الفكر السياسي...)
(21) تروتسكي، مرجع مذكور ، ص 178.
(22) لا تقدم الثورة الدائمة منظومة جامدة وعالمية حول نضج السيرورة الثورية في البلدان المتخلفة. وبالطبع ، إن الطريق الذي تسلكه هذه السيرورة ، والذي تتبع فيه المهام الديمقراطية والاشتراكية بعضها البعض الآخر أو تندمج إنما يتوقف على عوامل ملموسة متنوعة مثل طبيعة التشكيلة الاجتماعية ، والسياق التاريخي، ونتائج نضالات سابقة..
(23) المرجع ذاته، ص 241-242.
(24) المرجع ذاته، ص 180.
(25) بالنسبة لي، أفضل استخدام تعبير ثورة ومطالب ديمقراطية قومية بدلا من ثورة ومطالب ديمقراطية بورجوازية لأنه يشدد على التغيير في السياق التاريخي والديناميّة الاجتماعية.
(26) يشير تروتسكي في الأطروحة الثالثة حول الثورة الدائمة إلى أنه ليست المسألة الزراعية وحدها، بل المسألة القومية أيضاً تحدد للفلاحين- الأكثرية الساحقة من السكان في البلدان المتخلفة – مكاناً خاصاً في الثورة الديمقراطية. دون قيام حلف بين البروليتاريا والفلاحين، لا يمكن حل مهام الثورة الديمقراطية ولا حتى طرحها جدياً. لكن الحلف بين هاتين الطبقتين لا يمكن أن يتحقق إلا عبر نضال لا يقبل المهادنة ضد تأثير البورجوازية والقومية الليبرالية". مرجع مذكور ، ص 276-277.
(27) الأطروحة الخامسة حول الثورة الدائمة. مرجع مذكور ، ص277.
(28) كان لينين قد ناضل من أجل تأمين قيادة بروليتارية للثورة الديمقراطية وللديكتاتورية الديمقراطية للبروليتاريا والفلاحين.
(29) يذكر أن هذه الهيمنة كانت حقيقة ، أحد المعطيات في الصين خلال الثلاثينات.
(30) "لنجهد من أجل جر....." (7 أيار 1937) ، شرام، الفكر السياسي...، ص227.
انظر أيضاً الفصل السابق حول المفهوم الماويّ عن الجبهة المتَّحدة.
(31) يكفي أن نقارن أوضاع التحالفات لحظة انتصار كل من الثورات الصينية، والفيتنامية ، والكوبية والنيكاراغويّة لنقتنع بهذه الحقيقة.
(32) حسب دنيز أفونا (Denise Avenas) فإن مقاربة ماوتسي تونغ ملتصقة بالواقع الصيني مع الهامش نفسه من عدم اليقين الذي نجده في نظرية لينين قبل ثورة عام 1917 "الملتصقة" بواقع روسيا القيصرية: إن عدم اليقين مرتبط بالطبيعة غير المتساوية والمركبة للتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية في البلدان المتخلفة، وهذا ما جعل لينين يعلن، في عام 1917، أن صيغته لم تكن على خطأ، لكنها تحققت في شكل غير الذي كان متوقعاً . (الماويّة والشيوعية، باريس: غاليليه1976، ص132-133).
(33) بالطبع، للقيام بذلك، على المرء دراسة تشكيل وتطور مفاهيم الاشتراكيين الديمقراطيين الروس والإسهامات الفردية للزعماء الماركسيين الروس ومقارنتها مع التجربة الفعلية لثورات 1905 و 1917.
(34) زنغ فينغ، لتصويب الريح أو الأسلوب.
(35) كتب لي شاوكي أكثر أعماله شهرة عام 1939. "كيف تكون شيوعياً صالحاً"، مختارات ليو شاوكي، ج1 ، ص 107-160، انظر أيضاً النضال الحزبي الداخلي (2 تموز 1941، أعيد النظر فيه في حزيران 1943)، ص180-216.
(36) ماوتسي تونغ، "حول المرحلة الجديدة"، (1939) تقرير إلى الاجتماع الموسع السادس للجنة المركزية السادسة في تشرين الأول، 1938، في شرام، الفكر السياسي...، ص 171-173. هذا وفي النص الوارد في المختارات ، جرى حذف المقاطع المشددة في كتاب شرام أو تم تنقيحها بصورة جوهرية. هكذا اختفت صيغة "تصيين الماركسية" من النص مثلما اختفت أشياء أخرى.
(37) ماوتسي تونغ، "إصلاح التعليم، الحزب والأدب" (نيسان 1942)، شرام المرجع ذاته، ص 174-179.
(38) يستشهد شرام بمؤلفات مثيرة جداً في هذا الخصوص. في دراسة حول مسار "التصيين" ودور تشن بودا، سكرتير ماوتسي تونغ لسنوات عدة، انظر ريموند ويلي، "ماوتسي تونغ ، وتشن بودا و"تصيين الماركسية"، 1936-1938، فصلية الصين، العدد 79، أيلول 1979.
(39) تنطوي على تأثيرات فوضوية واشتراكية. انتشرت الفوضوية بشكل ملحوظ في أعوام 1900 بين ثوار شرق آسيا. تأثر بها لي ديتشوا وإلى حد معين ماو. للإطلاع على أحدث كتاب حول الفوضوية في الصين انظر جان جاك غانديني، في ينابيع الثورة الصينية، الفوضويون، إسهام تاريخي من عام 1902 إلى عام 1927 ، ليونز، محترف الخلق الفوضوي، 1986.
(40) تنبع خصوصية التاريخ الصيني جزئياً من دور التراث في دولة ممركزة، وهي مركزة ربما تكون فريدة من نوعها من حيث ديمومتها.
(41) أنا لويز سترونغ، "فكر ماوتسي تونغ "، اميرازيا، حزيران 1947، ص 161-162.
(42) هذه المسالة مهمة جداً. ترجمت "فنغ جيان" إلى إقطاعية والعكس بالعكس.
وقد شجع هذا سوء فهم مستمراً لدى الغربيين (الذين أعطوا التعبير مضموناًَ أوروبياً) والصينيين (الذين أعطوه مضموناً مختلفاً) . يعاد اليوم إدخال موضوع نمط الإنتاج الآسيوي في الأبحاث الماركسية عن الصين، انظر وو داكون، نمط الإنتاج الآسيوي في التاريخ كما ينظر إليه الاقتصاد السياسي بمعناه الواسع، "في سو شاوزيو، الماركسية في الصين، توتنجهام: سبوكسمان 1983، ص53-77. وهذا الكتيب يضم 4 نصوص صينية معاصرة حول الأبحاث الماركسية، ونمط الإنتاج الآسيوي، والأُنسيّة وروزا لوكسمبورغ، ويعطي فكرة عن إعادة التطوير الحديثة للنظرية في الصين الشعبية.
(43) انظر الفصل الثالث، المجلد الأول، من هذه الدراسة-عندما دعا ماو لتصيين الماركسية كانت كتابات ماركس حول المسالة منسية، كذلك الإسهامات الأصلية للمفكرين الشعبويين الروس. وكانت أفكار تروتسكي قد طمستها الستالينية. هذا الإسهام يتعلق أساساً بالشكل الذي يدمج به ديالكتيك التطور غير المتساوي والمركب في العصر الإمبريالي، والذي تستخدم به هذه الطريقة لمقاربة التشكيلة الاجتماعية الروسية والسيرورة الثورية بأكملها. لكنه ، على كل حال ، لا يجدد في تحليله للطبقات الاجتماعية في البلدان المتخلفة ، على الأخص بالنسبة للفلاحين. إن إسهامات لينين في هذا المجال كثيرة لكنها غير كاملة: اكتشف لينين مقاربة جديدة واعدة في نهاية حياته (انظر مقاله، "حول التعاون" (4 كانون الثاني 1923)، المؤلفات الكاملة ، المجلد 33 ، ص467-475.
(44) يعتبره معظم المنظرين الماركسيين الغربيين فيلسوفاً ضعيفاً ، ماعدا البعض (لاسيما الفرنسي ألتوسير).
(45) تم إصدارهما في المختارات، المجلد الأول.
(469 انظر رولاند لو، "الماوية والستالينية والثورة الصينية"، طارق علي، التراث الستاليني، لندن: بنغوان ، 1984، ص 287-294.
(47) انظر على سبيل المثال ج.و.فرايبرغ، "الديالكتيك في الصين" :الماويّة والداويّة"،Bulletin of Concerned Asian Scholars المجلد 9، العدد الأول، كانون الثاني – آذار 1977.
(48) فرانسيس ي.ك.سو، نظرية الديالكتيك لدى ماوتسي تونغ، إصدار د.رايدل، "سوفييتكا"، 1981، ص 134-136) انظر أيضاً جوزف نيدهام، داخل البحار الأربعة ، حوار الشرق والغرب، لندن : ألن وأنوين، 1969.
(49) ماوتسي تونغ ، مقررات حول بعض مسائل تاريخ حزبنا (تم تبنيه في 20 نيسان 1945) من قبل اللجنة المركزية للـ ح.ش.ص المجتمعة بكامل أعضائها، والتي تم انتخابها في المؤتمر السادس) ، "المختارات، المجلد الرابع، 1941-1945، باريس :المنشورات الاجتماعية، 1959، ص 215و224. هذه المقررات لم يتم نشرها من جديد في الإصدارات اللاحقة للمختارات. وهي تقدم تاريخاً تكتليّاً للغاية للـ ح.ش.ص، وتنتقد بالأسماء كل الذين "دعوا أنفسهم بشكل مزعج "مئة في المئة بلشفيين" واستمروا في وضعهم كأعضاء رسميين في اللجنة المركزية مثل بوغو (بوكيو) . أما بالنسبة لوانغ مينغ. فقد جرى التنديد به مراراً. وقد بدا ليو شاوكي في هذا القرار كالرجل الثاني في الحزب.
(50) ربط ماوتسي تونغ بشكل مفضوح الـ"28 بلشفياً" بموسكو في أكثر من مناسبة. في نيسان عام 1956، على سبيل المثال ، روى ماوتسي تونغ من جديد ما لم يدرج في مقررات عام 1945 ، وأشار إلى أن التكتل كان على علاقة بالأممية الشيوعية. "إن الروس هم الذين كتبوا مقررات اللجنة الرابعة كاملة النصاب (في عام 1931، عندما استولى الـ"28 بلشفياً") على السلطة) وفرضوها علينا، خاصة خط وانغ مينغ". بعد ذلك "وخلال المقاومة ضد اليابانيين، كانت هناك ميول يمينية" على علاقة جزئياً بوانغ مينغ (خط وانغ مينغ الثاني) (مداخلة خلال المؤتمر التداولي الموسع للمكتب السياسي للجنة المركزية، نيسان 1956، باريس: منشورات du Cerf ، 1975، ص163). هذا وقد قال ماوتسي تونغ مجدداً في أحاديثه أثناء كونفرانس شينغ تو" في آذار 1958، إن "الانتهازيين الصينيين "اليساريين" كانوا بالمجمل تحت تأثير تواجدهم في الاتحاد السوفيتي" وأكثر من ذلك في الوقت الذي "كان ستالين قد بدأ فيه بتعزيز سلطته". وقد تطورت الدوغمائية عندما بات نفوذ ميف (mif) هو الأقوى (ماوتسي تونغ، أحاديث خلال كونفرانس شينغ تو" (آذار 1958)، المختارات المجلد الرابع، ص 97.
(51) ماوتسي تونغ ،"ستالين قائدنا" (21 ك1، 1939 )، في شرام، الفكر السياسي...، ص 427.
(52) بالرغم من كون سنيفليت أول من نادى بدخول الحزب الشيوعي الصيني إلى الكومينتانغ ، عارض بقوة القرار السوفيتي بإرسال مساعدات مادية ضخمة (خصوصاً عسكرية) إلى حزب صن يات صن ، ابتداء من عام 1923. كانت قد أقلقته الميول العسكرية التي باتت واضحة لدى الكومينتانغ . انظر المقالة التي كتبها كل من طوني سايتش (Tony Saich) وفريتجوف تيشلمان (Fritjof Tichlman) ، "هنك سنيفليت، ثوري ألماني على المستوى العالمي"، جريدة الدراسات الشيوعية، الجزء الأول، العدد 2، حزيران 1985. سيرة ذاتية لهنك سنيفليت كتبها ف. تيشلمان سوف ننشرها قريباً لابريشLa BRCHE)) ، باريس.
(53) "تقرير مفصل للرفيق ماوتسي تونغ حول المسائل التي يطرحها حلّ الأممية الشيوعية"، 23 أيار 1943، في ألن رو، الحزب الشيوعي الصيني وحل أ.ش"، دفاتر التاريخ بمعهد موريس توريز، العدد 22، الفصل الثالث1977، ص 58-60. بالنسبة لستالين، كما ستظهره الأحداث اللاحقة ، لم يكن حل الأممية يعني بأي شكل من الأشكال الاعتراف باستقلالية الأحزاب القومية.
(54) المرجع ذاته، ص 64-65. نُشر النصّان في ذلك الحين في جريدة ليبراسيون وقد ترجمهما رو Roux كاملين.
(55) اخترت عبارة "فكر ماوتسي تونغ " في الفرنسية ، وهي الترجمة نفسها التي استخدمها كل من شرام (Schram) ، وليو شاوكي في "المختارات" الصادرة في بكين. ولقد وضح عدد من الماويين بأن الصيغة يجب أن تقرأ (Mao Zedong thought) وليس (Thought of Mao Zedong) بالمعنى الجماعي للماويّة (مثلما هناك لينينية). وهذه الحجة تصبح أكثر إقناعاً ... في حال لم تتواجد خلال حياة ماوتسي تونغ – عبادة الشخصية!
(56) ليو، "حول الحزب"، (14 أيار 1945)، في تقرير حول مراجعة دستور الحزب مقدم إلى المؤتمر القومي السابع، المختارات، ص 314-364. كما نشرته أيضاً على حدة Foreign LANGUAGES PRESS بكين، 1950.
(57) "ستالين قائدنا"، ص 427-428. هل صدفة يذكر ماوتسي تونغ قراءه بهذا المبدأ في هذه المقالة بالضبط؟
(58) انظر نهاية الفصل الثاني، الجزء الأول من هذه الدراسة.
(59) يطرح هذا مشاكل صعبة فيما يختص بالجبهة الاجتماعية المتحدة، انظر الفصل السابق.
(60) تتضمن المطالب الديمقراطية مسائل اجتماعية، مثل توزيع الأرض، وليس فقط مسائل سياسية مثل الحقوق والحرية.
(61) استناداً إلى التحليل الماركسي التقليدي، من المفترض أن يتفكك الفلاحون بسرعة ويتحولوا إما إلى بورجوازية ريفية أو إلى بروليتاريا. كان من المتوقع ، بطبيعة الحال، أن يقفوا ضد النظام الثوري حالما تطبق الخطوات الأولى من المرحلة الاشتراكية. بالتالي هدفت السياسة البلشفية إلى عقد تحالف مؤقت معهم وتسهيل الانفلاقات(الانشقاقات) الداخلية في صفوفهم.
(62) لابد من التوضيح بأن السجال حول المسألة الزراعية وتطور البنى الريفية المعاصرة في البلدان التابعة لا يمكن تحجيمه إلى مجرد سجال حول الفلاحين، أنا شخصياً ، لم أستوعب بشكل كاف الحجج الواردة في تلك المساجلات الأساسية. وثمة كتابات وفيرة بصدد الفلاحين تستحق الكتابات التالية منها تنويهاً خاصاً: Theoder Shanin, roots of otherness (already edited) (….) , James scott, The Maralzconoing of The Peasant,Aebellion and subsistence in southeast Asia, Yal Univ, Pres, 1576
(63) هناك أمثلة عدة حول هذا الشكل من التصرف، بما فيها أمور تتعلق بـ ماو .
لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار السياق التاريخي والظرفي، لا يمكن التأكيد بأن الكوادر الماويين كانوا أكثر محافظة في هذا المجال من مناضلين ثوريين معاصرين في العالم الغربي...
(64) انظر بين كتابات أخرىhua cheng-ming, la condition fe,winine et les
Communists chionoiseu achon, yanan 1935-1946, paris: centre de ucher-che et de documentationtation sur la chine con tempozaine et Ecole…,1981(…)
انظر أيضاً تقارير مذكورة سابقاً من قبل BELDEN AND HINTON
كذلك Isabel and david crook, revolution in Chinese village(…),1959

(65) لهذا السبب أعتقد أنه من غير المناسب وصف الحزب الشيوعي الصيني بـ الستالينيّ بالمعنى الأيديولوجي للكلمة. كان الحزب الشيوعي الصيني بالضبط ...ماويّاً.
(66) كتب جاك بلدن :"كنت غالباً أندهش خلال وجودي في المناطق المحررة حينما أسمع الشيوعيين وغير الشيوعيين يصرحون بأن الاتحاد السوفيتي قد حول الفلاحين إلى أقنان الدولة . بالإضافة إلى ذلك ، كان الشيوعيون الصينيون نقديين جداً تجاه العنف الذي رافق الإصلاح الزراعي السوفيتي. غالباً ما قالوا لي: "نريد تجنب ذلك" ، "لم يرتكب الروس فقط أخطاء عديدة علينا ألا نكررها ، بل إن برنامجهم الأساسي قد لا يناسب الصين".(الصين تهز العالم، ص103-104)
(67) التسلح الخلقي هو الطريقة المفضلة لمحاربة البيروقراطية. لم يكن دور الديمقراطية السياسية في النظام الاشتراكي معروفاً في الأساس. فقط في منتصف الخمسينيات، إثر الأزمة الهنغارية وأزمة ألمانيا الشرقية، بدأ ماو تسي تونغ يتعاطى مع مشاكل خاصة بمجتمع انتقالي (لا يمكن تحجيمها إلى مجرد ثقل من الماضي أو ضغط من الإمبريالية).
(68) الشبكة العالمية للأحزاب الشيوعية التي تأسست بعد حل الكومنتيرن .
(69) تساءل الزعيم اليوغسلافي ديدجر "كيف يمكن الشيوعيين الصينيين الموافقة على هذا القرار المخزي الموجه ليس فقط ضد اليوغسلافيين بل أيضاً ضد كل المبادئ التي تطورت على أساسها الثورة الصينية وانتصرت؟ " (فلاديمير ديديجر، المعركة التي خسرها ستالين، نيويورك: غروسيه، ص103. ورد اليوغسلاف الصاع بعد سنتين عندما رفضوا إدانة التدخل الأميركي في كوريا، وهو مثال تدخل إمبريالي تحت حماية علم الأمم المتحدة.
(70) يجب ألا ينسى ذلك المناضلون الغربيون "الذين أحبطتهم" حركات التحرر القومي لأن ثوراتها لم تكن جميلة بقدر ما تمنوا. فشعوب العالم الثالث والحركات الثورية فيه قد دفعت ثمناً غالياً للمعارك التي خسرت في أوروبا (هزائم تتحمل الستالينية المسؤولية عنها إلى حد بعيد).
(71) كان تأثير الستالينية كبيراً إلى حد أنه لا يمكن فهم أي اتجاه ثوري معاصر بمعزل عن هذا التأثير. إن جذور الأممية الرابعة تمتد بالضبط إلى النضال المعادي للبيروقراطية الذي انطلق في العشرينات والثلاثينيات في الاتحاد السوفيتي ضد الانحطاط الستالينيّ للثورة الروسية.
(72) عرضت هذه الفكرة في سجال حول الأحزاب الشيوعية والستالينية في مجلة (marx ou creve ) critique communiste في عدد 1975-1976. انظرmichel lequenne, "sur la centris me," (n21,april-may,1975): Christian leucate, "sur la crise du stalinisme" (n25,feb—march 1976), Pierre rousset, "stslinisme, ceutrisme d,………" أعيروا انتباهكم بالأساس إلى المقالة الأخيرة التي تحوي نقداً كاملاً ومثيراً جداً لكتابي الصادر عام 1975 ، بعنوان le parti communiste vietnamien.



#بيير_روسيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة الصينية-الجزء الثاني - الفصل الخامس 1937- 1945 الحرب ...
- الثورة الصينية : امتحان المشروع الماويّ في النضال من أجل الس ...
- الثورة الصينية الثانية وتشكل الرؤية الماويّة - الفصل الثالث- ...
- الثورة الصينية الثانية وتشكل الرؤية الماوية - الفصل الثاني - ...
- الثورة الصينية الثانية وتشكل الرؤية الماوية- الجزء الأول - ن ...
- الثورة الصينية الثانية وتشكل الرؤية الماويّة - الجزء الأول- ...
- الثورة الصينية الثانية وتشكل الرؤية الماوية


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بيير روسيه - الثورة الصينية-الجزء الثاني - ماوية يانان: الثورة والإكراه التاريخي