ضمير المتكلم
لن نفهم شيئا عن الحياة العقائدية، ما لم نصر على انتشال أولى البديهيات جميعها: أن نكون أحرارا في اختياراتنا التي نصوغها بطريقة واعية في كل واحد منا، وفي قلب إرادتنا وكرامتنا.
في قرننا هذا، رجل اسمه رياض الترك تمكن بتواريخ سجنه الحاسمة من جعلنا نتنفس حياتنا على إيقاع دخوله السجن وخروجه منه. خرج رياض الترك صبيحة السبت الماضي إلى الشمس. أطلقوا الرجل إلى زماننا فتكثف الزمان بدءا من لحظة إطلاقه. إن ساعة جديدة بدأت تنظم لنا الوقت. وكنا في الانتظار وفي الهذيان، وفي العالم الذي لا يثير حماستنا، وفي التعب، تعب ثقل الحياة من دون جسارة الرجال. وخرج الرجل مصوّبا القول والقلب ومخلّفا وراءه زمنا كبيرا في العتمة. سوريا تعيد طرح الأسئلة، ورياض يتكلم العربية ويدمن الإصغاء، فهل من يريد بصدق أن يسمع؟ رياض الترك طلقٌ كزهرة الربيع، نشط وهادئ ومتغطرس، وفيّ لرفاق العتمة ودمث حتى الوجع.
ثمينة لحظات عمره الآتي، ولا وقت يضيعه على الذكريات. وهو بدا على شاشاتنا بالابتسامة ذاتها، متهيئا إلى الزمن الجديد كمن لم ير زمنا من قبل. وهو منذ أن تفوّه بتلك الكلمات الشديدة الأثر، أدرك أنه لن يقوى بعد على التزحزح عنها. وكما يحدث في الأساطير التي تخبرنا أن من يتخلى عن رؤياه يسقط في متاهة لا يخرجه منها سوى الموت، بقي الرجل على عناده، وبقيت رؤياه ثاقبة غير ناقصة. رياض الترك ذاتٌ حرة، محصّنة ضد السقوط، يخرج إلينا باضطراد الصفاء والوعي بالذات، والتصميم على إطاعة الصوت الملح الذي يستحثه على المضي قدما. لسوف يستحم ويشذب أظافره ويأخذ غفوة قصيرة، ليقوم ويتفحص ما حوله بعين ذكية وقلب فطن، مدركا لمفاتن العودة إلى البيت ولجمال الأرض والسماء.
الرأي نشرة سياسية يصدرها الحزب الشيوعي السوري
العدد14/تشرين الثاني/ 2002