|
صورة صدام أمام شبح المعلم
جلال حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 4588 - 2014 / 9 / 29 - 09:31
المحور:
الادب والفن
لا أدري كيف حصلت تحديدا على صورة هذا القائد لكن الذي أتذكره أنها رافقتني منذ سنواتي الأولى ، و أذكر اني كنت احتفظ بها في كتاب القراءة في الصف الأول ، وجدها معلمي آنذاك و خفت من تبعاتها لكنه تأملها لفطرة من الزمن خلته غاب فيها عن الوعي و كادت عيناه تدمعان لم أكن بالطبع لأستوعب تلك النظرة الرهيبة لكني ربطتها مع شعوري ايضا بقوة الرجل و قيادته للجيوش العربية التي سوف تقتلع جذور اليهود و الشر على وجه الأرض .. كانت أحلامي تتنامى تباعا و كنت انتقل من صف لآخر أستبدل فيه الكتب و الدفاتر و الاقلام و الملابس و احلق شعر رأسي إلى الصفر .. لكن الصورة لا تتغير مع الايام إنها تزداد ألقا في محفظتي بين الكتب و الدفاتر و ترافقني احيانا عندما اذهب للرعي بالبقرات في الجبل البعيد حيث الكثير من الناس هجروا بيوتهم و حتى المدرسة هناك لم تعد تفتح ابوابها ، كنت أنظر إلى ذلك الوجه الرهيب في علو يمنحني الكثير من الراحة و الأمل لأعد هذا الرجل أني سأرعى هذه الأبقار حتى ينهض أبي سالما من فراش المرض و سألقن كتبي معنى الدراسة و الإجتهاد و يوما ما سأخلفه على هذه الأرض و سأفتح المدارس و المشافي و لن أدع الأطفال يرعون البقر و لن أدع الآباء يتألمون .. هكذا تنزل الأحلام كحمامات بريئة مسالمة لتنقر برقة زجاج الاأمل .. بعدها بسنوات و أذكر أني تعرفت على فتاة تكبرني بحوالي سنتين و كان ذلك في صباح ضبابي يفتح الشهية على الحزن اكثر و قد كان معلمي في السماوات العالية حيث تنزوي النجوم لشرب نخبها كل ليلة و لتحرس الأطفال الذين يسمعون حكايا جداتهم .. لا أذكر جيدا مالذي أتهم به ذلك المعلم الذي أهداني بعض قصائد مفدي زكرياء و هو يودعنا ذات عطلة يا ليتها لم تكن .. حتى وجده حارس المرأب القديم لشركة الغابات ملطخا في دمه و روحه غادرته رفقة النشيد و ضحكات الأطفال التي سقطة منه .. كانت تلك الفتاة جميلة ترتدي عدة ابتسامات كلما حاولت مغازلتها بتلعثمات بريئه و قد قررت بعد أخذ و رد أن اكتب لها كل الحرائق التي تطوق قلبي الصغير و سميت في إحدى الليالي ـ حيث نام أهلي في بيتنا المتواضع و أستطيع سماع شخيرهم ـ رسالتي الأولى " مؤتمر الحب " بما أني رأيت أن تلك الكلمات هي جمع لأشلائنا هناك حيث لا مكان للخوف أو التلعثم ، كتبت أستشهد ببعض المقاطع من قصائد لنزار الذي و لطالما أخفيت ديوانه عن الأنظار ، لم أعرف أن القدر يجدد نفسه مرة أخرى و بطريقة أخرى و قد وضعت الرسالة في المحفظة و حاولت دس الفرحة أيضا في مكان دافء هذه الفرحة التي أشعر بها أذهبت عني حقد الشتاء علينا نحن الفقراء .. دخلت الحجرة التي أدرس فيها و بعد مدة طلب منا المعلم إخراج كتاب القراءة سقطت الرسالة و وقع المحظور و حملها المعلم ليقرأ بصوت رخيم مؤتمر الحب ..آسف لأن الخطوات لم تسعفني لأفصح لك ... و انتزعتها من بين يديه و بضربة قوية كسرت زجاج النافذة و رميت مؤتمري و كل ما أردت قوله لتلك الفتاة إلى الريح المفزعة و يدي تنزف بغزارة حملت محفظتي و مضيت إلى البيت مشحونا بالغضب و الوحدة ... فقط عينا صدام حسين من بقي معي في تلك اللحظات و أحلامي تلملم شملها من الحقول الذهبية المتداعية و عمال الغابات يتوارون بفؤوسهم خلف السرو البعيد .. بكيت معلمي المقتول في تلك اللحظات و ها أنا الآن أبكي صدام الذي أخفيته كثيرا في محفظتي لكنهم عثروا عليه و قتلوه كما قتلوا أشياء أكبر من إخفائها بكثير جلال حيدر
#جلال_حيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آن رسم - لا -
المزيد.....
-
البعثة الأممية في ليبيا تعرب عن قلقها العميق إزاء اختفاء عضو
...
-
مسلسل روسي أرجنتيني مشترك يعرض في مهرجان المسلسلات السينمائي
...
-
عيد مع أحبابك في السينيما.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك أ
...
-
في معرض الدوحة للكتاب.. دور سودانية لم تمنعها الحرب من الحضو
...
-
الرباط تحتضن الدورة ال 23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية
...
-
الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 161 على قناة ا
...
-
-أماكن روحية-في معرض فوتوغرافي للمغربي أحمد بن إسماعيل
-
تمتع بأقوي الأفلام الجديدة… تردد قناة روتانا سنيما الجديد 20
...
-
عارضات عالميات بأزياء البحر.. انطلاق أسبوع الموضة لأول مرة ف
...
-
نزل تردد قناة روتانا سينما 2024 واستمتع بأجدد وأقوى الأفلام
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|