محمد الأحمد العلي
الحوار المتمدن-العدد: 1291 - 2005 / 8 / 19 - 07:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل الطروحات الجديدة حول الشرق الأوسط الكبير و ما يحمله هذا المشروع من تهديد لكل من الشعوب و أنظمة الحكم في البلدان المعنية بهذا الأمر على حدّ سواء ، بدأنا نرى موجة تغيير في طبيعة النظم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية تجتاح تلك البلدان ، وقد تباينت هذه التغييرات مابين القبول ( الخضوع ) و الرفض ، وكلّ كان له أدواته في التعبير عن موقفه .
و حين نتحدث عن تيّار رافض للشرق أوسطية يتبادر فورا إلى الذهن اسما سوريا و إيران باعتبارهما يمثلان أقوى صوت معارض لهذا المشروع إن لم يكن الأوحد ، و الفترة الماضية أبرزت حدثين هامين في كل منهما ؛ ففي سوريا انعقد المؤتمر القطري حاملا مجموعة تحديات بينما في إيران أجريت الانتخابات الرئاسية وسط جو دولي محموم ، وفي حين أن الإيرانيين عقدوا العزم على المضي قدما في المواجهة من خلال اختيار رئيس متحفز و متحمس للبرنامج النووي ؛ نجد في المقابل أنّ السوريين لم يخرجوا بموقف واضح و كل ما تمخّض عنه مؤ تمر الحزب الحاكم هو مجموعة توصيات ينبغي أن تصدر بصيغة قرارات قبل أن تنفذ مما يتطلب وقتا ليس بالقصير وصبرا من المعنيين بالشأن السوري ، فإذا كان الشعب السوري مضطرا للصبر وفقا للمثل القائل ( داروا سفهاء قومكم ) فهل أصحاب الشرق أوسطية أي الإدارة الأمريكية مستعدة للصبر أم أنّها أشد سفاهة من السفيه ؟..
منذ أحداث نيويورك الشهيرة و حتى يومنا هذا ، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش بإشعال الحروب في المناطق الأكثر تخلفا في العالم كما وأطلق تهديدات لم تنفذ بنقل ساحة المعركة إلى بقاع أخرى من العالم ، وساق في معرض تبريره للحرب ذرائع متعددة ..
لو عدنا إلى الوراء قليلا و نظرنا إلى حال تلك البلدان لوجدنا أنّها تتشابه في أمرين وإن بنسب متباينة :
• الأول : يتعلق بالرادع العسكري الذي تمتلكه هذه البلدان في مواجهة آلة الحرب الأمريكية ، هذا الرادع الذي بات يعرف بالسلاح النووي ، وهو ما لم تكن تملكه هذه الدول ؛ والولايات المتحدة تعلم هذا الأمر علم اليقين .
• الثاني : يتعلق بمدى الاستياء الشعبي في هذه الدول من تسلط الحكومات المستبدة و قمعيتها ، الأمر الذي يدفع هذه الشعوب إلى اتخاذ موقف حيادي في الصراع القائم بين الحكومات المستبدة و الولايات المتحدة .
و بناء على هذا الأساس فإن الدول المرشحة لأن تكون الوجهة المقبلة للإدارة الأمريكية ينبغي أن يتوفر فيها الشرطان السابقان ،و على فرض أنّ الدول المتداولة على الألسن في وسائل الإعلام كوجهة مقبلة للغزو الأمريكي يتوفر فيها الشرط الثاني أي الاستياء الشعبي وهو أمر لا جدال عليه والمقصود هنا ( سوريا ، كوريا ، ومن ثم إيران بدرجة أخف ) إلا أننا يجب أن نتوقف مطولا عند الشرط الأول أي وجود الرادع النووي ..
مما لا شك فيه أن السياسة العسكرية الأمريكية مبنية على أساس عدم خسارة أي جندي أمريكي و عدم تعريض الشعب الأمريكي للخطر في حال نشوب الحرب ، و هذا الأمر تكفله الآلة العسكرية المتطورة في حال كون المواجهة تقليدية ، لكن ماذا لو كانت هذه المواجهة من نوع آخر ؟..
تتلخص الإجابة في استقراء الأحداث التي شهدها العالم في الأعوام القليلة الماضية حيث نلاحظ أنّ الرئيس الأمريكي قد أشعل حرب أفغانستان و هو يعلم مسبقا أن لا مجال للمقارنة بين الترسانة العسكرية التقليدية للولايات المتحدة و بين البنادق الأفغانية مع إهمال الجانب النووي الذي سقط سهوا .
في مرحلة لاحقة عاد الرئيس الأمريكي يعزف على وتر الحرب مجددا انطلاقا من مبدأ نقل المعركة إلى الخارج ، و ما لبث أن خرج ببدعة محور الشر ( إيران ، العراق ، كوريا الشمالية ) . و لو جئنا إلى الوضع الإقليمي و القومي لهذه الدول لوجدنا أن العراق كان محصنا أكثر من غيره في هذا الجانب ، بينما كانت كوريا الشمالية و لا تزال في وضع لا تحسد عليه على الصعيد القومي ، أضف إلى ذلك أعداءها الكثر في محيطها الإقليمي ، لكن و مع هذا تم التغاضي عن كوريا و اختير العراق كهدف سهل و ممكن ! ...
إذاً ما دفع الإدارة الأمريكية لاختيار العراق دون غيره هو توفر الشرطين اللذين ذكرتهما مع التأكيد على أنّ الشرط الثاني كان ضروريا لطرح الأول و العكس ليس صحيحا في تبرير الحرب ضدّ أي كيان .
و إذا تتبعنا مجرى الأحداث سنجد أنّ الخيار الذي بدأت تردده الإدارة الأمريكية كوجهة مقبلة للغزو بعد العراق لم يكن أحد أطراف محور الشر و إنّما كانت سوريا علما أنّها لم تكن مدرجة على الأجندة الأمريكية من جهة ، و من جهة أخرى فإن النظام السوري لا يملك تلك الأسلحة النووية المزعومة ، هنا نعود للشرط الثاني أي وجود النظام المستبد في الدول المحتملة كوجهة للحرب ؛ و هذا الشرط متوافر في سوريا و إلا ما الذي جعل الولايات المتحدة تكف عن تهديد إيران التي لا تملك السلاح النووي وفقا لتقارير لجان التفتيش عن الأسلحة النووية ، إنّه الإجماع الشعبي على نظام الحكم في إيران .
و في خضم التهديد الأمريكي لسوريا يخرج الرئيس السوري متسائلا ببراءة حول ماهية المطالب الأمريكية التي لا تنتهي ، و معتبرا أنّ تنفيذ القيادة السورية للقرار 1559 سيكون غير كاف لوقف المطالب الأمريكية حتى بعد تنفيذه ، والرجل هنا إذ يقول هذا الكلام فإنه يشيح بنظره عن تصور بوش لشرق أوسطه الكبير؛ كما أنه يتجاهل الحقيقة القائلة بأن النظام المستبد مستعد في سبيل الحفاظ على وجوده أن يقدم التنازلات الواحدة تلو الأخرى ، و هذه هي النظرة المترسخة عند الإدارة الأمريكية عن الأنظمة المستبدة و عن النظام السوري كواحد من أهم معاقل الاستبداد في الشرق الأوسط ؛ و هي النظرة ذاتها التي كانت مرسومة للنظام العراقي الذي فعل ما بوسعه لإرضاء الأمريكيين إلا أنه في نهاية الأمر تقدم الولايات المتحدة على الغزو بعد أن تكون تلك التنازلات قد أزالت جزءا من العقبات التي قد تعيقها .
أقول للرئيس السوري و لغيره أن يتذكروا مقولة المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي ( الاستعداد للحرب يمنع الحرب ) و على فرض أنّنا نسلم جدلا بانعدام فرص المنافسة مع القوات الأمريكية بالسلاح التقليدي ، فإننا يمكن أن نفهم مقولة الكواكبي بواحد من اثنين :
- الاستعداد يعني أن تكون لديك ترسانة من الأسلحة النووية تجعل الإدارة الأمريكية تقلع عن فكرة الغزو أو تعيد حساباتها تجاهك على أقل تقدير ..
- أو أن يكون لديك نظام حكم قائم على المشاركة الشعبية بحيث تعجز الإدارة الأمريكية عن اختراقه ..
و سوى هذا فإنّ الحرب ستكون خياركم فما هي آراؤكم .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟