أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوري العلي - القراءة الخاطئة















المزيد.....

القراءة الخاطئة


نوري العلي

الحوار المتمدن-العدد: 325 - 2002 / 12 / 2 - 03:18
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


                                  

حينما تسير قيادة البلد أي بلد في اتجاه معاكس لتجارب شعوب كانت قد تجاوزت المحن والانتكاسات التي صادفتها ولتحقق التقدم والرقي والقوة, فإن هذا السير المعاكس لابد أن يكون نتيجة قراءة خاطئة لمعطيات العصر والتأريخ بسبب من الموروث الثقافي والحضاري, حيث يكون فيه هامش الوهم والخرافة كبيراً, لاعتماده قراءة الحاضر على الخلفيات التاريخية ورموزها التي لعبت دورها ضمن ظروف موضوعية ومعطيات وآليات محيطة ومتوفرة في حينها , وبالتالي أدت ما أدت إليه سلباً أو إيجاباً على المستوى الشخصي أو على مستوى الأمة أو على كليهما معاً, إن استذكار الماضي واستذكار رموزه ومن ثم اعتبار جيل اليوم قادر على الإتيان بما فعله وبما صنعه أولئك العظام الأولين , هو كالنفخ في  كيس متهرئ, فعرب اليوم ليسوا كحملة رسالة الإسلام من أجدادهم, ولا اليونانيين اليوم قادرين على الإتيان بمثل فلسفة أجدادهم, وهكذا الحال على الإيطاليين والفرس والأتراك حيث سادت إمبراطورياتهم شرقاً وغرباً, لقد تطور العالم بسرعة وبمتغيرات مستمرة ودائمة تختلف حساباتها وآلياتها وحتى مبادئها عن القديم الموروث, إن متطلبات العصر و أولوياته ومفاهيمه قد طرأ عليها تحولات وإضافات جذرية كالكرامة والقوة والعظمة والمجد والرقي والحقوق والإنسانية , حيث ارتبطت هذه المفاهيم مع بعضها كحلقات لسلسة واحدة وفق ضوابط من الأخلاقيات والقواعد والمعايير متفق عليها من كل السائرين بتوازٍ مع العصر, بما يمنع الشطط والخروج عما متفق عليه ضمن حلقات السلسلة. لقد نجحت أُمم من هذا العصر قد لا يكون البعض منها من المفتخرين أو المتبجحين بماضيه لعدم امتلاكه أساساً تأريخاً, نجحت في تخطي انهزامها وانهيارها, حيث استطاعت أن تجد آليات وأسباب أخرى للقوة غير السلاح للنهوض وتحقيق عظمتها ومكانتها بين أُمم العالم.                                                                   
إن اكبر المهزومين في العصر الحديث هم الولايات المتحدة حين تلقت الضربة القاصمة على قاعدة بيرل هاربر البحرية من قبل القوة الجوية اليابانية حيث دُمِّـرَ معظم الأسطول البحري الأمريكي ذراعها وسلاحها الاستراتيجي ووسيلتها لوصول قواتها إلى ساحات القتال خارج حدودها, و أيضاً هزيمتها المخزية في فيتنام... وبريطانيا حين هربت قواتها أمام القوات النازية في معركة دنكرك وخسارتها أمام القوات اليابانية في الملايو وانهزامها أمام شيخ الهند العجوز النحيف غاندي... وفرنسا حيث احتلت القوات النازية نصفها بضمنها باريس, وانهزام قواتها أمام الفيتناميين في معركة ديان بيان فو... أما ألمانيا واليابان , فبقدر ما استطاعتا من تحقيق انتصارات كبيرة , كانت هزيمتهما ساحقة ومدمرة توجت بالإذلال من خلال احتلال ألمانيا من قبل الحلفاء ومحاكم نورنبرك لمجرمي الحرب لكبار قادتها... ومن خلال توقيع إمبراطور اليابان (المؤله من قبل الشعب الياباني) وثيقة الاستسلام للقوات الأمريكية على ظهر البارجة العسكرية الأمريكية ميسوري ومحاكمة كبار القادة اليابانيين كمجرمي حرب في مانيلا بالفليبين  , وقد كبل كلا البلدان بشروط قاسية بما لا يعطيهما الفرصة لإعادة بناء قوتهما العسكرية إلا بما حددته هذه الشروط عدةً وعدداً , ولم يسمح لهما بإرسال قواتهما المسلحة خارج حدود بلديهما, وفي العام1999  سمح لألمانيا بذلك شريطة أن تكون بإمرة حلف الناتو.                                                                        
هذه الدول تختلف مع بعضها جذرياً من حيث التأريخ والتقاليد والطبيعة... فالولايات المتحدة لا تمتلك تاريخاً... وبريطانيا العريقة التي لم تغب الشمس يوماً ما عن مستعمراتها... وألمانيا الدولة الحديثة التي ظهرت كدولة موحدة في العام          1871           واليابان ذات الأرض الفقيرة زراعة ومعادن...وفرنسا الثقافة والمودة وأجنحتها الممدودة على معظم دول أفريقيا... هذه الدول تتفق في قراءة صحيحة واحدة للواقع ومتطلبات هذا العصر والصراع مع هذا الواقع , ونتج عن ذلك أن تصبح كل من هذه الدول عملاقاً بين الأُمم...                                                                                 
إن إفرازات الواقع تستوجب الفهم السليم لمسببات بروز هؤلاء العمالقة , حيث سيتضح عدم ضرورة خيار قوة السلاح خياراً وحيداً لتجاوز حالة الانهزام ورفض القعود والخذلان... إذ تأكد من تجربة ألمانيا واليابان أن القوة الاقتصادية سبباً كافياً (بعد أن اغلق في وجهيهما الأسباب الأخرى) لعظمة الارتقاء إلى المكان اللائق بين الأُمم.          
أن سلطة بغداد لابد وإنها فهمت معطيات التأريخ العربي بشكل مغلوط , بسبب ارتباطها الزائف و غير الموضوعي بهذا التاريخ , وبما انعكس سلباً على خطابها السياسي , وفي قراءتها غير الصحيحة للعصر... كما انعكس سلباً على قراراتها الكبرى... كحربها مع إيران , تحت شعار حماية البوابة الشرقية للامة العربية, ناسية ومتناسية البوابة الشمالية, حيث منبع نهري دجلة والفرات, منهلا ديمومة الحياة على ارض الرافدين , ورافدي شط العرب مخزون احتياط المياه العذبة لعرب الجزيرة , فالخطر الكبير يأتيك , ممن يطبق بيديه على رقبتك , اكثر من الجالس جنبك أو تحت قدميك... وقرارها احتلال الكويت متناسية أن فلسطين محتلة من قبل إسرائيل... لقد اعتبر مؤخراً أحد البعثيين من أعضاء مجلس الشعب السوري عملية احتلال دولة الكويت نوع من أنواع الوحدة ينسجم مع تطلعات حزب البعث العربي الاشتراكي, بما يذكرنا بمذكرة الوفد السوري بتاريخ26-5-1965 إلى مجلس الدفاع العربي المشترك, حيث طلب فيها استعمال القوة المسلحة لمواجهة التجزئة في العالم العربي وفرض الوحدة على الأقطار العربية , مجسداً بذلك فكراً بسماركياً منقرضاً, كما نقله نصاً وروحاً رواد الفكر القومي العربي .                                                 
لقد عجز هؤلاء الرواد والأحزاب  الحاملة لهذا الفكر من ربط أوصال الأمة العربية , كما ربطها الإسلام يوماً ما , بل أدى السعي لهذا الربط إلى تعزيز القطرية والإقليمية , عكس ما أرادوه وتمنوه  ... لقد كانت فترة الستينات تموج وتمور بفوران قومي عارم , في كل زاوية وشارع في العالم العربي, مصحوباً بخطاب سياسي ثوري , لمعظم حكومات الدول العربية , واستعدادات تعبوية عسكرية, إلا أنها لم تستطع صد التوسع الإسرائيلي, رغم أن كل السياقات التعبوية كانت تميل  لصالح  العرب , من حيث المساحة والعمق الاستراتيجي وعدد النفوس والثروة ومصادر الطاقة والإمكانات الاقتصادية... إلا واحدة كانت في صالح الدولة العبرية...  فهذه الدولة الصغيرة , مساحة ونفوساً , قد أتمت مرجعيتها التاريخية (رغم أن غالبية هذه المرجعية خرافية وأسطورية) بأن جعلت الواقعية , الأساس الذي ارتكزت عليه في التعامل مع العصر , لتحقيق وتأمين متطلبات صمودها ومكامن قوتها أمام العرب...وهذا ما لم يفعله القادة العرب لا في حينه ولا الآن...                                                                                    
اليوم نحن في أوليات الألفية الثالثة , وقد تطورت مجمل وسائل وآليات الحياة , بما قزم العالم إلى قرية صغيرة... وظهرت رؤى جديدة للعلاقات الدولية , بكل تفاصيلها بعد أن اقتلعت نسمات الديمقراطية وحقوق الإنسان , بعذوبتها ورقتها , أعتى الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية , وسالت العولمة ما وراء البحار , مخترقة الحدود و الحواجز والموانع, لتنساب في شرايين كل مفاصل ومناهل الحياة وأجزائها وأطرافها, حاملة معها عطاءات الفكر الإنساني الثقافية والعلمية, وإنجازاته التكنولوجية لخدمة البشرية , لتجعل الحياة اجمل وايسر... في هذا الزمن وهذا الوقت , يقف رئيس النظام العراقي محيياً قطعات جيشه بإطلاق النار , من بندقية  يحملها بيده رمزاً للتحدي , بما يؤكد استمرار تمسكه لخيار السلاح خياراً وحيداً لقوة العراق , ومتحدياً بذلك (أسياده) أمريكا وبريطانيا, بوعي أو بدون وعي منه إن تحديه هو للعصر قبل أن  يكون لهاتين الدولتين.                                                          
إن فرصة ذهبية , كانت ومازالت متاحة ومنذ ظهور العراق كدولة في العصر الحديث , بأن يعتمد العراق الاقتصاد وتقدم البلد مرتكزاً وأساساً لقوته , بدلاً من تشتيت إمكانياته الهائلة , في بطش وتنكيل شعبه ومصادرة حرياته وحقوقه , كما كان ذلك دَيدَن معظم الحكومات العراقية , منذ التأسيس والى يومنا هذا , أو في حروب مع دول الجوار بحجج مصطنعة أو مشاكل كان بالإمكان حلها ودياً... واليوم وبعد كارثة احتلال الكويت وهزيمة جيشه وتدمير آلته العسكرية وإجباره على التخلص من أسلحة الإبادة الجماعية وبالتالي سقوط خيار السلاح كمصدر لقوته... كان الأولى بسلطة بغداد استبدال هذا الخيار بالخيار الاقتصادي , لإعادة بناء العراق ليكون هو خيار القوة , إلا إن انجرار هذه السلطة  وهرولتها , وراء هواجس الخوف والشك والريبة , أدى إلى أن تجعل استمرارها في الحكم  الأساس والفيصل بين الانتصار والهزيمة... إن تدني وانهيار مفاصل الحياة ومفـرداتها في العراق , تأتت من اعتماد سلطة بغداد الاستمرار في الحكم معياراً ومرتكزاً لسياستها الداخلية والخارجية ومنطلقاً لتقييم علاقاتها مع المحيط  الخارجي... إن المتاح للعراق الآن أو سابقاً , لم يكن متاحاً مثيله لا لليابان ولا لألمانيا... إلا إن ما ينقصه هو التعامل الواقعي السليم مع العصر , ومتطلبات هذا التعامل وإيجاد البدائل للقوة بما يتناسب مع معطيات الواقع...                                                                                 
 فهل ستتعلم سلطة بغداد القراءة الصحيحة؟ ... المؤشرات تقول إن الأوان قد         فات , بعد أن قطعت هذه السلطة كل خطوط الرجعة مع شعبها... فلم تعد هناك فرصة لإصلاح ما خربته... ولم يعد هناك مَن يناصرها ويساندها ولا حتى من سيأسف  على رحيلها... ولم  يعد لديها ما تخدع به الشعب العراقي أو العالم , كسباً للوقت لإطالة  مدة بقاءها على سدة الحكم...فعلاً لقد فات الأوان ...وآن وقت الرحيل والعودة...رحيلهم إلى حيث رحل الطغاة قبلهم , وعودة العراق العزيز إلى أبناءه البررة .!                                         

                                                              نوري العلي - كوبنهاكن

 



#نوري_العلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما يجمع ويفرق بين العراق و سويسرا ويوغسلافيا
- اليورانيوم المنضب وجرائم السلطة


المزيد.....




- بايدن يعلق على تصريح ترامب بشأن رفض التعهد بقبول نتائج الانت ...
- الاستخبارات الأمريكية تحذر من خطط إيران بشأن حرب غزة
- أمريكا: ننتظر رد -حماس- على مقترح وقف إطلاق النار.. والحركة: ...
- الجيش الأمريكي يكشف ملابسات قتل مدنيا في غارة على سوريا -عن ...
- مربو الحشرات يلجأون للذكاء الاصطناعي لمساعدتهم في خفض التكال ...
- فيديوهات مضللة ترافق احتجاجات الجامعات الأميركية
- تايوان: رصدنا 26 طائرة و5 سفن صينية في محيط الجزيرة
- المغرب يستعد لتسليم أحد أخطر زعماء العصابات المطلوبين لفرنسا ...
- خبير بريطاني: تصريحات ماكرون حول إرسال قوات إلى أوكرانيا تظه ...
- سيناتور أمريكي ينتقد تصرفات إسرائيل في غزة ويحذرها من تقويض ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوري العلي - القراءة الخاطئة