أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشار حسن الصايغ - الوطن لله والدين للجميع















المزيد.....

الوطن لله والدين للجميع


بشار حسن الصايغ

الحوار المتمدن-العدد: 1259 - 2005 / 7 / 18 - 09:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ماعلاقة الدين بالسياسة؟ ولماذا نطالب بفصلهما؟ سؤال يتكرر كثيرا بالمنتديات والمواقع الحوارية على الانترنت، وبالدواوين الشبابية، بالرغم كثرت الكتب والمقالات التي تحدثت عن الموضوع، ولماذا الليبرالية أنفع؟ وهل هي كفر والحاد كما يصورها المتأسلمين؟

لا علاقة فعلية بين الدين والسياسة، فالدين يحدد العلاقة مابين الرب والانسان، ويضع له أسس يسير عليها الانسان لتنفيذ أوامر الرب "وما خلقتكم الا لتعبدوني" والآية واضحة والأمر أوضح، وحين ذكر القرآن "وجعلنكم شعوب وقبائل لتتعارفو"، نجد أن الدين لم يحدد نوعية العلاقات الشعبوية السياسية، بل تركها للشعوب لتحدد هي علاقاتها مع بعضها البعض، وختمت الآية "ان اكرمكم عند الله اتقاكم" وهذا تأكيد على الأمر أن العلاقات مابين الشعوب وطبيعة الخلق لا تحددها قوانين دينية، بل الدين يحدد العلاقة الربانية-الانسانية.

تمثل الاسلام بالقرآن والسنة المحمدية، وكلاهما نتاج أحداث وقعت في زمان الرسالة المحمدية، تعلقت بزمان ومكان محدد، وقضايا أيضا محدده، ويمكن تحديد القرآن بقسمين، الآيات المكية والآيات المدنية، فالمكية ركزت على الجوانب الروحانية والدعوية للاسلام، كالتوحيد والتبشير بالجنة وتحذير الكافرين، وتلك الأمور في بداية الدعوة المحمدية من الضرورات لنشر الاسلام وفكره حينها، أما الآيات المدينة فأخذت جانب بناء النظام الاجتماعي للعرب لتقضي على عادات القبلية، وتشريع قوانين المعاملات وأصولها لتحل محل الأعراف.

يمكن القول ان القرآن وضع النظام الاجتماعي للمسلمين وترك السياسة بيد الرسول لادارة شؤون أمته الاسلامية، الأمر الذي أكده حرص صحابة الرسول على تدوين أحاديثه، واستخدماها كسنن نبوية ترسم لهم حياتهم بجانب القرآن، من هنا نستشف أن القرآن لم يكن يوما نظاما سياسيا لادارة الأمة الاسلامية، ورسم علاقاتها مع الشعوب الأخرى.

أما السياسة فهي علم بحد ذاته قائم على الاهتمام بشؤون الدولة و طبيعتها و علاقتها بالفرد و المجتمع و التعامل مع الدول الاخرى و مجاراة الاوضاع الدولية (تعريف ويكيبيديا)، أي أن السياسة لا تعني بشؤون الفرد وربه أو دينه، بل هي علم مختص بادارة المجتمعات من خلال نظام الدولة، وادارة الدولة من خلال منظومة دول العالم، والسياسة ليست تشريعات سماوية ولا آيات قرآنية، بل علم انساني تأسس وتطور مع تطور الحياة الانسانية وتوسع أفق الفرد في حياته وبناء مجتمعه ودولته.

اذا السياسة علاقة عكسية بين الفرد والدولة، والدين علاقة عكسية آخرى بين الفرد والرب، وهنا نطرح تساؤل مهم، هل الدين يمثل دولة؟ هل الاسلام ظهر كدولة أو رسالة دينية فقط تستبدل الواقع بواقع آخر؟ لو بحثنا بآيات القرآن، وكتب السير والأخبار، وكتب الصحاح، لن نجد كلمة دولة أو ما يدل على مفهوم الدولة، وأن مفهوم الدولة مستحدث على الاسلام وتاريخه، وما مقولة الدولة الاسلامية والدولة الأموية والعباسية وغيرها سوى استحداثات وضعها المعاصرون بالكتب الحديثه، ولكن في حقيقة الأمر لا وجود لما يسمى بالدولة الاسلامية بزمن الرسول ولا من بعده من الخلفاء، لأن مفهوم الدولة لا ينطبق أساسا على المجتمعات الاسلامية، ولا مقومات الدولة الحاضرة توافرت آنذاك.

فالعامل المشترك اذا بين الدين والسياسة هو الفرد، وتلك العلاقة لا تمثل ارتباط حقيقي بينهم، فلا السياسة دين ولا الدين سياسة، والتاريخ يؤكد لنا أن محاولات تسييس الدين واستغلاله سياسيا للوصول الى السلطة للسيطرة من شأنه أن يسقط النظام ويفشله، ولنا بالتاريخ شواهد عديده، فالانشقاق الذي يعاني منه المسلمون الى اليوم نتيجة خلاف سياسي باسم الدين للوصول الى السلطة بعد وفاة الرسول، والكنيسة حين حاولت السيطرة على مجتمعاتها دينيا اسقطتها الثورة العلمانية، ودولة افغانستان انهارت بعد وصول النظام الطالباني الى الحكم، وكذلك الجمهورية الايرانية بعد وصول الرئيس الخميني بثورة اسلامية نجدها الآن تعاني اضطرابات داخلية تنذر بسقوط النظام.

لماذا الفصل بين الدين والسياسة؟ الدين علم إلهي مقدس، والسياسة علم انساني وضعي، والخلط بينهم من شأنه العبث بالعلم الإلهي وقدسيته، ورسالة الرب الى الانسان، والعلاقة الربانية، فكم من رسالة ربانية حرفت لترضي رجال الدين والسياسة والضحية الفرد، ولولا أن معجزة الاسلام القرآن لأصابه ما أصاب سابقيه من الأديان، ولكن الضرر وقع على السيرة النبوية وأحاديثه التي حرفت والغي منها الكثير واضيف لها الأكثر، ومن واقعنا اليوم، كم من فتوى دينية مزيفة ظهرت وكم من آية أول تفسيرها لترضي الأنظمة الحاكمة والمستبده منها؟ وان خالفت الحقيقة الاسلامية، وكم من رجل دين بنى آراءه بما يدفع له أو يعطى من سلطة!؟

الفصل يسمو بالدين من العبث الانساني، ويحافظ على قدسيته من الاستغلال السياسي.

وكثيرا ما تفهم كلمة الفصل بالانسلاخ عن الدين، والانحلال الأخلاقي، والتعدي على الحقوق الالهية، والالحاد والكفر، وتلك التهم الموجه دائمة الى الليبرالية والعلمانية، ويدعم تسويق تلك المغالطات التيار الديني الاسلامي الاصولي، ولكن الليبرالية تحث على احترام الأديان، وحرية الفرد باختيار ما يناسبه دينيا، وحرية اقامة شعائره الدينية، فحرية الدين مطلقة.

مساحة الحرية الدينية بالفكر الليبرالي تتعارض بشكل مباشر مع مساحات فكر التيارات الاسلامية الاصولية وليس الاسلام، "لا إكراه في الدين" – سورة البقرة، "لكم دينكم ولي ديني" – سورة الكافرون وهذا ما اقره قرآن الاسلام، وتلك حرية إلهية للانسان باختيار دينه، فالله هو من يحاسب الانسان المؤمن والغير مؤمن، وهو وحده من يعرف الحقيقة، وهذا الأمر متوافق مع الليبرالية ونظرتها الى الأديان كعلاقة مابين الرب والانسان. ولولا الليبرالية لما انتشرت مراكز الدعوة الاسلامية بالدول الغربية، وما اننتشر الاسلام بفضل التسهيلات التي تمنحها تلك الأنظمة الليبرالية للمراكز والدعاة، ولا بنيت المساجد بعقر دار دول الكفر (كما تطلق عليها التيارات الاسلامية المتشددة)، وان كان شر البلية ما يضحك فنضحك على "خيبتنا" حين نرى الأنظمة الليبرالية لا تفرق بين مسلم سني وآخر شيعي فكلاهما مسلمين أحرار بمذاهبهم، والأنظمة الليبرالية حين اتجهت الى البوسنة والهرسك لانقاذ الأقليات والمجتمعات المضطهده لم تنظر الى أديان تلك المجتمعات بل الى انتمائها الانساني، والتبرعات التي قدمتها مجموعة الثمان الصناعية والتي بلغت 3 مليار دولار الى الشعب الفلسطيني لم تفرق بين سنتهم وشيعتهم، مسلميهم ومسيحيهم.

بالمقابل نجد أن فكر التيار الاسلامي الاصولي يمنع اقامة الكنائس والمعابد بدوله، ويمنع تدريس الأديان الآخرى بمدارسه، ويفرض على الآخرين قوانينه الخاصة دون احترام لمعتقدات الآخرين وانتماءاتهم الدينية، وما ينال اليهود والنصارى من منابر المساجد الاسلامية، وهدم حضارات الأديان الأخرى المقامة على أراضيهم، ناهيك عن ما يتعرض له المسلمون من اخوانهم المسلمين من تحقير وتكفير سواء على المستوى الطائفي أو مستوى الأنظمة الحاكمة، ولو أردنا حصر الأحداث الاسلامية المتطرفة بالدول العربية والاسلامية على الأقل لاحتجنا الى صفحات لن تنتهي لأن في كل يوم مجزرة، وفي كل يوم جريمة!

اذا أراد الفكر الاسلامي وتياراته المحافظة على الشخصية الاسلامية وهويتها العالمية، عليه التخلي عن فكرة المؤامرة العالمية للقضاء على الاسلام، وعقدت الاضطهاد الديني، وعليه أن يعي جيدا أن فضاء الكون الفسيح يتسع لجميع الأديان، والتواجد بوسط الأديان الأخرى لا يعني صراعا، بل تعايشا كما ذكر القرآن " وجعلنكم شعوب وقبائل لتتعارفو"، "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، فالدعوة ليست الى حروب أديان، ولا صراع حضارات، بل الى السبيل لله.

الفكر الذي يدعو الى احترام الأديان والتعايش وسط اختلافاتها لا يمكن ان يدعو بالخفاء الى الانسلاخ من الأديان، والا كان فكر متناقض، وهذا ما يؤكده تنوع الاتجاهات الدينية لليبراليين، فنجد الليبرالي المسيحي والليبرالي المسلم وحتى الليبرالي الملحد، وهذا ما تحث عليه الليبرالية بالحرية الدينية المطلقة، فالدين مجددا العلاقة السامية بين الرب والانسان، واحترام التنوع الديني يعني احترام الأمر الالهي بما انزله من رسالات، وهذا ما نص عليه كلام الله بقوله "ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة".

هذا التنوع الديني الجميل بالفكر الليبرالي، برداء الحرية الشخصية للفرد التي تتيح له أن يمارس معتقداته وعباداته بعيدا عن الضغوطات السياسية والتمييز الديني المذهبي والطائفي والجنسي والعرقي، ويضمن للمؤسسات الدينية المتعدده العمل وفق مبادئ الحريات العامة شريطة أن لا تتعارض مع سلطات القانون وأن لا تعمل على تقييد حرية الآخرين، فهي جزء من المجتمع المدني، ولا يمكن ان نصل الى تلك المرحلة الا من خلال فصل الدين عن السياسة.

"أن فصل الدين عن السياسة هو الأداء العلماني الذي يؤكد تكريم الدين وتكريس عقائديته لدى مختلف طوائف المجتمع الدينية والمذهبية، والارتفاع به عن الميكافيلية السياسية والانتهازية والنفعية، والنأي بقدسيته عن القاذروات الدنيوية والسياسية، ولكي يبقى الدين مصونا مكرما عباديا وروحيا في نفوس المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والفكرية والعقائدية" – إسحاق الشيخ يعقوب.

الفكر الليبرالي ليس كما تحاول أن تصوره الآلة الاعلامية الاسلامية الاصولية، فالليبرالي ليس بالضرور أن يكون ملحد وكافر (وان كان فهذا قراره واختياره والرب من يحاسبه وليس البشر والمؤسسات الدينية)، والليبرالية ليست مذهب ديني ولا دين جديد، وليست منافس ديني لما هو موجود من الأديان.

الليبرالية حركة سياسية فكرية قائمة على عدة أيدويولجيات تاريخية وحاضرة، وتدور حول محور الفرد الحر والدفاع عنه دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، والأفراد جميعهم أحرار متساوين في الكرامة والحقوق الانسانية. تكفل الليبرالية للفرد حرية التفكير والتعبير وابداء الرأي، وتؤيد الليبرالية حق الفرد في الاختلاف مع الفكر المقابل له أو السلطات في المواضيع التي ترسم حياته الخاصة عن أن لا تتعدى حرية الآخرين. (الشبكة الليبرالية الكويتية).

ولتحقيق مفهوم الليبرالية، أتت ضرورة فصل الدين عن السياسة والدولة، احتراما لحرية الفرد الشخصية، واحتراما لسائر الأديان والعقائد، وللتخلص من سلطة رجال الدين على المجتمع لبناء المجتمع المدني الحر، ولاعادة توزيع المهام والأعمال، فرجل السياسة يتجه نحو العمل السياسي، ورجل الدين يتجه نحو العمل الدعوي الديني، والفرد يمارس حريته الشخصية باختيار المنهج الديني الذي يناسبه والفكر السياسي الذي يقنعه.

خلاصة الحديث، فصل الدين عن الدولة والسياسة يؤمن بناء مجتمع عصري قائم على احترام حقوق الانسان والمساواة والتسامح بين البشر مهما اختلفت أجناسهم، فلا رجال دين يفرضون آرائهم مستغلين سلطاتهم السياسية ولا دولة تضطهد الأقليات الدينية فيها لأنها لا تتبع دين الدولة، فالدين لله والوطن للجميع.



#بشار_حسن_الصايغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد الحديث على القم ...
- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...
- معركة اليرموك.. فاتحة الإسلام في الشام وكبرى هزائم الروم
- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشار حسن الصايغ - الوطن لله والدين للجميع