قطر والبيب والديموقراطية

بتول جبير

الحوار المتمدن-العدد: 4408 - 2014 / 3 / 29 - 23:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لعل أفضل ما يختصر وصف دويلة قطر وحركتها دولياً وإقليمياً وسياستها الداخلية هو هذا البيت من الشعر النبطي للشاعر سلطان العلي والذي عبّر فيه عن تذمر أهل قطر وما آلت إليه رواتب بعض شباب أسرة الحاكم- الذين كان يطلق عليهم شعبياً آنذاك أهل البيب ..(أنبوب نقل النفط)، بعد بدء قطر بتصدير النفط عام 1949 .... ... يقول الشاعر العلي:

البيب فاض ومنقع السيل لبنان وأهل الملاهي من غديره يروون

فمنذ ذلك التاريخ 1949 بدأ التحوّل في قطر من إدارة مشيخة تقليدية إلى نمط إداري أكثر حداثة، وبدأ معها الشعور الشعبي بالحيف والغبن جراء الاستئثار بالموارد والسلطة. فقد استأثر الحاكم وأسرته حتى عام 1970 بما بلغ 64.7% من عائدات الدولة من النفط في قطر مقارنة ب42.7% في أبو ظبي و42% في البحرين و5.5 في الكويت، هذا على الصعيد الداخلي.
اما على الصعيد الخارجي فالثروة المفاجئة التي حلّت على قطروالتي اتخمت جيوب حكامها بعد أن كانت مجرد دويلة هامشية صغيرة تعتاش على التجارة والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، جعلتها تعيش أوهام القوة والقدرة على التأثير، فمدت اذرعها بمختلف الاتجاهات لتتدخل في الشؤون الداخلية للدول بحجج ارساء الديمقراطية والتخلص من الأنظمة الشمولية فيها فكانت في طليعة الدول واكثرها تدخلا في شؤون ما يسمى ب(دول الربيع العربي) مما يضعنا في دائرة التساؤل حول تجربة قطر في مجال التحوّل الديمقراطي وهل تبنّت هي الخيار الديمقراطي كي تسعى لإرساء دعائمه في الدول الأخرى وتكون عراباً للتغيير في المنطقة.
دعونا نحلل الامر من خلال بعض مفردات الديمقراطية والتي تتضمن تداولا سلميا للسلطة، ومدى الالتزام بالدستور، ومستوى المشاركة الشعبية في الحكم، وحرية التعبير والاعتقاد وتشكيل الاحزاب والجمعيات.
فبالنسبة للتداول السلمي للسلطة، تعد قطر دولة الانقلابات وشهد تاريخها انقلابان على الحكم كان أبطالها أفراد الأسرة الحاكمة أنفسهم: الأمير السابق خليفة بن حمد آل ثاني هو والد الأمير الحالي الشيخ حمد، وخليفة نفسه وصل الى السلطة من خلال قيامه بانقلاب، بعد أشهر قليلة على استقلال قطر، على ابن عمه أحمد بن علي. في سنوات حكمه الأولى.
ففي شهر حزيران يونيو من عام 1995، استفاد حمد من وجود والده في أحد قصوره في سويسرا ليعلن نفسه أميراً للبلاد بهدوء ودون إهراق قطرة دم واحدة حيث نفى حمد والده الذي أقام فترة في سوريا قبل أن يسمح حمد له بالعودة إلى قطر عام 2004، وتم الانقلاب بدعم وزير الخارجية أنذاك الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي كان عيّن في هذا المنصب في العام 1992.
أما الانقلاب الأخير فهو تسليم أمير قطر حمد السلطة لإبنه تميم طوعاً نتيجة ضغوط وتهديدات خليجية من السعودية والإمارات بسبب سياسة الأمير السابق في دعم الإخوان المسلمين في حكم دول المنطقة وفي دعم الجهاديين المرتبطين بتنظيم القاعدة في أكثر من دولة عربية.
أما بشأن مدى التزام قطر بالدستور فقد صدر النظام الأساسي المؤقت بتاريخ 2/4/1970 قبل إعلان الاستقلال بستة أشهر في سبتمبر أيلول 1970. وقد نص النظام الأساسي المؤقت لعام 1970 في مادته الأولى على أن "قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة.... دينها الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيس لتشريعها، ونظامها ديمقراطي، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية. وشعب قطر جزء من الأمة العربية"، ونصت الفقرة (حـ) من المادة (5) على أن "توجّه الدولة عنايتها في كل المجالات لإرساء الأسس الصالحة لترسيخ دعائم الديمقراطية الصحيحة.
وبرغم تضمّن الدستور على العديد من النصوص التي تشير إلى إرساء نظام ديمقراطي، إلا أنها كانت مجرد نصوص لم يتك العمل بها في السلطتين التشريعية والتنفيذية اللتين أوكلتا للحاكم ومجلس الوزراء. ويتضح ذلك من الاختصاصات الموكلة للحاكم ونائب الحاكم ومجلس الوزراء والتي تعبّر عن اقتسام السلطة بينهما من دون وجود سلطة تشريعية مستقلة عن السلطة التنفيذية، وهنا نجد سلطة مطلقة للحاكم يتقاسمها مع ولي العهد نائب الحاكم.
أما مجلس الشورى الذي نص عليه الدستور في المادة (43) من الفصل الرابع، فهو مجرد هيئة استشارية وقراراته ترفع على شكل توصيات غير ملزمة. وجدير بالذكر أن مجلس الشورى هذا لم ينتخب ولم يعيّن طوال السنتين التي استمر فيهما العمل بالنظام الأساسي المؤقت لعام 1970.
وفي الباب الخامس (أحكام عامة) تقول المادة (74) "يجوز للحاكم تنقيح هذا النظام الأساسي بالتعديل أو الحذف أو الإضافة إذا رأى أن مصالح الدولة العليا تتطلب مثل هذا التنقيح". وبذلك يتأكد أن النظام الأساسي المؤقت خاضع لإرادة الحاكم.
أما النظام الأساسي المؤقت لعام 1972 المعدل فيضيف صلاحيات جديدة ويركزها بيد الحاكم الأوحد. والتعديل الذي جرى يتمثل في حذف المادة (21) و(26) اللتين كانتا تعبّران عن تفاهمات 1960 واقتسام السلطة بين الأمير وولي العهد نائب الحاكم. إضافة الى النص على تولّي الأمير رئاسة مجلس الوزراء مباشرة، حيث تغيّر لقب الحاكم إلى الأمير في النظام الأساسي المؤقت المعدل وأصبح يتولى رئاسة مجلس الوزراء أيضاً. وبذلك تتركز كافة السلطات في يد الأمير رئيس مجلس الوزراء، والنقطة التي تحتسب لهذا التعديل هي نصها على إقرار مبدأ انتخابات عامة سريّة مباشرة، وهي نفسها المادة التي استهدفتها التعديلات في عامي 1973 و1975.

#بتول_جبير (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات