أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد العمري - عقوبة الاختلاف في الرأي في الوطن العربي: الجَلد والسجن و-المنع من الكتابة-!















المزيد.....

عقوبة الاختلاف في الرأي في الوطن العربي: الجَلد والسجن و-المنع من الكتابة-!


محمد العمري

الحوار المتمدن-العدد: 1243 - 2005 / 6 / 29 - 12:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم أصدق ما قرأته يوم 20 مارس 2005 في أحد المواقع الإكترونية رغم كل التفاصيل المصاحبة للخبر. فقد جاء فيه: "أصدرت المحكمة الجزئية في الرياض أمس حكما على أستاذ اللسانيات في جامعة الملك سعود الدكتور حمزة المزيني بناء على دعوى الحسبة التي قدمها ضده عبد الله بن صالح البراك، الأستاذ المشارك في قسم الثقافة الإسلامية في الجامعة نفسها... وتضمن الحكم الذي صدر بعد أربعة شهور من المداولات المنع من ممارسة الكتابة، والسجن أربعه شهور، و200 جلدة". (إيمان القحطاني، مراسل إيلاف، من الرياض).



الأستاذ حمزة المزيني معروف كثيرا عند اللسانيين المغاربة، خاصة المشتغلين بالنحو التوليدي. أول عمل تلقيته منه عند لقائنا بالرياض، منذ عقد من الزمان، كان بعنوان: "دفاع عن اللسانيين العرب في المغرب العربي". انتقد فيه الخطاب المزدوج الذي يمارسه بعض المثقفين المشارقة، حسب المكان الذي يتحدثون منه. أما آخر عمل وصلني من الأستاذ المزيني فهو ترجمته الرائقة لكتاب: »الغريزة اللغوية: كيف يبدع العقل اللغة «، لستيفن بنكر. وهو كتاب ضخم صدر بالرياض، سنة2000. وللباحث أعمال علمية أصلية ومترجمة، كما أن له نشاطا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا يمكن الاطلاع عليه في موقعه على الأنتيرنيت:www.almozainy.com شغل منصب رئيس قسم اللغة العربية بجامعته لسنوات، وهو الآن متقاعد؛ يعمل في جامعته في إطار تعاقدي.

هذه ملامح الصورة الخارجية للأستاذ المرشح لمحنة أفلتت من رقابة العقل والشرع على حد سواء: الجلد + المنع من الكتابة + السجن. وللشخصية المذكورة عمق فكري وإنساني يعرف بقراءة أعمال، في موقعه المذكور. وقد لا يدرك بعض القراء أن القراءة والكتابة بالنسبة لعينات من الناس ـ ابتلاها الله بهما وبمسؤوليتهما ـ أهم من الماء والغذاء.



لن يستطيع القارئ، مهما أوتي من سعة الخيال، تخمين فداحة الجرم الذي قد يكون هذا العالم المجتهد ارتكبه في عز حياة مليئة بالعطاء ليستحق هذا العقاب المهين السالب لإنسانية الإنسان!

لا يذهب خيالك بعيدا، أيها القارئ الكريم؛ فليس في الأمر قتل ولا خيانة كبرى أو صغرى، ولا فاحشة مبينة! إن الأمر لا يعدو خلافا في الرأي بين زملاء، صادف أن أحدهم تمسح بالمقدس، فصار لا يفرك ولا يلمس إلا وأشهَر الحسبةَ المفترى عليها في هذا الزمن العربي الأسود.

الحكاية ببساطة، وبكل موضوعية، أن الأستاذ حمزة كتب مقالا بعنوان: "انحسر التنوير مثلما اختفت البسمة من عسير"، وذلك في أعقاب مقال للأستاذ علي الموسى: "التنوير: جامعة الملك سعود أنموذجا"، بدأه بالسؤال التالي: "هل تخلت جامعة الملك سعود عن دورها الاجتماعي التنويري؟"". (الوطن 1332، 23/5/2004م). وقد اقترح السؤال على بعض المهتمين لإبداء الرأي، وفي هذا الإطار أدلى الأستاذ المزيني بدلوه متحدثا عن مظاهر تردي أوضاع التعليم والمعرفة بجامعة الملك سعود بعد فترة كانت فيها رائدة. فقال ما ننقله نصا وتلخيصا بكل أمانة. يرى الأستاذ المزيني أن "إنشاء جامعة الملك سعود كان حدثا تنويريا"، فقد أدخلت مجموعة من العلوم الإنسانية والطبيعية، "في سياق ثقافة كانت تتسم بالمحافظة الدينية والاجتماعية الشديدة، كما قامت بدور تنويري نشط من خلال النشاطات الاجتماعية والثقافية العامة"، دون أن يؤدي ذلك إلى أي تطاول على الحدود الشرعية.

وقد كان لكلية الآداب دور متميز في هذا المجال؛ ثم يسرد نماذج من علامات الانفتاح والتنوير التي مارستها هذه الكلية مما تم التراجع عن أكثره: "فمن مظاهر ذلك الانفتاح: إدخال أساتذة الجامعة، … كثيرا من المناهج وطرق النظر الحديثة في دراسة اللغة العربية والأدب العربي والتاريخ. كما أنشئ في الكلية في تلك الفترة تخصص لم يكن ليُرضى عن إنشائه في السياق الديني السائد، وهو تخصص الآثار…

وأنشئ في تلك الفترة كثير من الجمعيات العلمية التي ترعى النشاطات البحثية في مختلف التخصصات؛ وكان منها ـ وهو ما صار مستغربا في الفترات اللاحقة ـ جمعية للهجات العربية.

أما النشاطات الثقافية والفكرية فقد كانت تقام بانتظام أمسيات لشعراء من داخل المملكة وخارجها ... وكانت المحاضرات العلمية والثقافية العامة تقام بانتظام كذلك، وكان يسهم في إلقائها عدد من العلماء والمثقفين السعوديين وغيرهم.

ومن النشاطات التي ربما لا يصدق القارئ الآن أنه كان مسموحا بها أنه كان يُعرض في مدرج كلية الآداب في المَلَز بعض الأفلام العربية والأجنبية في أمسيات الخميس.

وكانت المناسبات الاجتماعية تقام باستمرار؛ وكانت تتميز بجوها المرِح والفرِح؛ ومما لا يصدقه القارئ الآن كذلك، أنه كان يتخلل تلك المناسبات الاجتماعية عزف وغناء ومسرحيات وفقرات كثيرة تشيع البهجة وتروح عن النفس.

ومن أهم ما كانت تتميز به جامعة الملك سعود أن أساتذتها كانوا يدرِّسون طالبات الدراسات العليا مباشرة. وكان رؤساء الأقسام يجتمعون مباشرة مع عضوات هيئة التدريس.

لكن أكثر هذه المظاهر اختفى، وذلك بعد أن ظهر التيار الصحوي".

ثم يضيف مفسرا ظروف الردة: "لقد كان تخلي جامعة الملك سعود عن دورها التنويري حصيلة لازمة للجو الفكري والاجتماعي الذي فرض نفسه بتأثير الحركات الإسلامية السياسية التي هربت من بلدانها ووجدت ملجأ لها في المملكة في الستينيات والسبعينيات من القرن الميلادي العشرين، وهي التي أخذت تنفِّذ مخططاتها في المملكة لما أتيح لها من فرص التمكين في مجال التعليم العام والتعليم الجامعي خاصة. ومما زاد في أثرها تلاقيها مع التيار الديني المحلي المحافظ مما أنتج مزيجا استطاع في نهاية الأمر أن يكتسح تلك الموجة التنويرية المتفتحة.

لقد بدأت مرحلة انحسار التنوير بالتزامن مع إدخال بعض المواد الدراسية الإلزامية لطلاب الجامعة. ومن أهمها ما يسمى بـ"الثقافة الإسلامية" التي تستحوذ الآن على ثماني ساعات دراسية. والناظر في مسميات هذه المواد الأربع يجد أنها، فعلا، مأخوذة بشكل مباشر من برامج الحركات الإسلامية السياسية ومخططاتها، ومنها مخططات الإخوان المسلمين. وهي: "مدخل إلى الثقافة الإسلامية"، "النظام السياسي في الإسلام"، "النظام الاقتصادي في الإسلام"، "الإسلام وبناء المجتمع". وتطرق الباحث خلال ذلك عن تكون ما يشبه نواة استقطاب "للصحويين" من خارج الجامعة ـ مع تهميش الطاقات الذاتية للجامعة ـ حيث تزاوج تيار "الإخوان" مع التوجه الديني المحلي المتشدد، فأنتجا التيارات الإرهابية التي أفلتت من أي سيطرة. وتميز هؤلاء بالتركيز على بعض المظاهر مثل الحجاب وتضخيمها.

رد الأستاذ البراك على مقال المزيني بمقال بعنوان: "د. عبد الله البراك مدافعا عن جامعة الملك سعود" (ملحق الرسالة، جريدة المدينة 4/7/1425هـ)، بدأ بمدخل سيكولوجي (باطوس) لائما المزيني على نكران جميل الجامعة التي قدمت له خدمات. ثم دخل في مناقشة المفاهيم والوقائع، فقال: "المشكل في فهم التنوير الذي أسقطته!!, فأنت لم تحدد لنا ما التنوير الذي تتمناه وتتحسر على فقده: إن كان ما ذكرت من بعض التصرفات: (مشاهدة أفلام ، تدريس الطالبات مباشرة ، اختيارات دينيه متشددة مثل الحجاب) فوا أسفي على هذا الفهم من مثلك , والواجب أن يعاد صياغة (كذا) مفهوم التنوير مرة أخرى". واكتفى بهذا الأسف لرفض المفهوم دون أن يقدم اقتراحا مخالفا.

ثم تطرق إلى نقده للمقررات فقال: "هذه المقررات مما تعين (كذا) الطلبة على زيادة معارفهم الثقافية وتربطهم بهويتهم الإسلامية. ومما زاد الطين بلة لما (كذا) اتهم الدكتور المقررات التي تدرس مسائل شرعية وثقافية واقتصادية وسياسية :(أنها مأخوذة من برامج الحركات الإسلامية) !! ولا أدري هل كل لفظة وردت في أدبيات هذه الحركات مطالبون نحن بالهرب منها". هذا عن الاتهام الأول، أما الاتهام الثاني والثالث فيجمل الرد عليهما في الجملتين التاليتين:

" الاتهام الثاني لمن يدرس هذه المقررات وهو من خارج القسم وأنهم إنما يدرسون برامج الحركات الإسلامية ولا أدري من أين أتى بهذه المعلومات ، وما هو تاريخها بالضبط ، ولعله يأتي . بل يقوم بالتدريس نخبة من الأساتذة والأستاذات لجميع منسوبي الجامعة وهم محل الاهتمام والشكر من المسؤولين ، جمعوا العلم والاعتدال ، لا إفراط ولا تفريط . الاتهام الثالث للمشرفين على الأنشطة بأنهم مؤدلجون .هل هذا من أدب الاختلاف ، هات برهانك ، أليسوا إخوانك؟"

عاد الأستاذ المزيني إلى الرد بمقال ثان بعنوان: "مفاهيم الدكتور البراك المغلوطة" (نشر في صحيفة الوطن، عدد 1434، بتاريخ 2 سبتمبر 2004م).. بدأه بعد الإحالة بقوله:

"ويمثل هذا التعقيب (يقصد تعقيب البراك) نموذجا لفكر "الصحوة" المتطرف الذي ازدهر في فترة صرنا نشكو نتائجها الآن، ونجني مرَّ ثمارها. فهو يتصف بنزعة حادة لإقصاء الآخرين، وادعاء الوصاية الدينية عليهم، وإشاعة الخصام والتنابذ. كما يشهد بأن الدكتور البراك لم يقرأ المقال الذي كان يعقب عليه قراءة صحيحة ولم يفهمه حق الفهم، وأنه بحاجة إلى من يصحح له مشكلاته المفاهيمية التي كشف عنها "مقاله" هذا". (وكانت عبارة البراك بدورها فرصة سانحة للوخز: إذ هي ركيكة فعلا ومليئة بالأغلاط).



انصب جل كلام المزيني على محاولة رفع اللبس الذي بدا له أن البراك تعمد اصطناعه قصد إصدار إدانة جاهزة. ثم ختم كلامه بهذه الفقرة اللاسعة: "إن مضمون ما كتبه الدكتور البراك شاهد واضح على ما كنت قد اتهمت الجامعة به من انحسار التنوير فيها؛ ذلك أن واحدا من منسوبيها يأتي الآن بهذه الأغاليط المفاهيمية التي تمثل دليلا آخر على أن مستوى بعض منسوبيها صار لا يرقى إلى المستوى الذي يصلح أن يكون قدوة للطلاب من حيث النضج المعرفي. أضف إلى هذا أن هذا (المقال!) ببنيته المتهالكة وجمله الركيكة وبعض تعبيراته الخاطئة ومظاهر العجز عن التعبير فيه شاهد على المستوى اللغوي غير المقبول من أستاذ ينتمي إلى جامعة كانت منارا للفكر النير واللغة المشرقة".

هذا أهم ما دار بين "المتحاورين"، ولم أجد في كلام الرجلين معا ما يخرج عن مجال اختصاص "محكمة البلاغة"، أو نظرية تحليل الخطاب الحجاجي؛ يمكن لكل منهما أن يرفع دعواه أمامها متهما الآخر بالخروج عن أسلوب الحوار البناء عارضا حججه على المختصين وجمهور القراء ليسحب من الآخر ما يمكن سحبه من رصيده المعنوي، ومدى الاحترام الذي يجده عند القراء وفي المحيط الثقافي الذي ينتمي إليه ويعتز بصفته فيه، وذلك منتهى العقاب في هذا الباب. فالاتهامات المتبادلة تتعلق بالمعرفة التاريخية والكفاءة الحجاجية والقدرة التعبيرية.



المزيني يقول (ومعه آخرون ذكرهم) إن التنوير انحسر، والبراك يقول (ومعه آخرون بادروا لمناصرته) التنوير لم ينحسر، ولكن المفهوم اختلف. هذه مسألة اجتهاد وتموضُع (أو تحيز إلى فئة ورأي)، مثلها مثل مسألة الحداثة والديموقراطية، ستظل محل نزاع ـ وذلك بعد أن فرضت نفسها ولم تعد من "الكفريات" بالبديهة ـ بين من يحفظ لها مفهومها الأصلي ويُبَيئُه، وبين من يلتف عليها من خلال عملية إفراغ وشحن. ولا أعتقد أن الفصل في هذه القضية من اختصاص القاضي سواء كان شرعيا أم مدنيا، أم كان ملفقا منهما.

المزيني يقول، ومعه آخرون: إن السبب في الانحسار هو التشدد الديني الذي انطلق مع ورود مجموعة من زعماء الإخوان المسلمين على السعودية خلال الستينيات والسبعينيات،وهذا أمر معروف ليس في السعودية وحدها بل في كثير من البلاد العربية، كما صرح القرضاوي مرارا في سياق الحديث عن تجربته في الجزائر.. والبراك يقول إن هذا غير صحيح. وبذلك يظل الخلاف قائما ينتظر المؤرخين ليفحصوا دعوى الطرفين. والقاضي غير مؤهل للحسم في هذه القضية بوجه من الوجوه، وإجراء الخبرة فيها لا يجدي فتيلا، فحتى لو أخطأ أحد الطرفين فهو مثابٌ في الظاهر والله يتولى السرائر.

المزيني يتهم البراك، بـ "عدم الفهم، عدم النضج المعرفي، العجز عن التعبير، تضليل القراء". فلا يجيب، بل ينوب عنه في ذلك الأستاذ على الصياح ـ أحد مناصريه ـ معتبرا هذه المآخذ مما لا يستحق الرد. "لأنَّ الدخول معه (أي مع المزيني) في مثله (كذا) مهاترات لا شأن لها في الموضوعية، وكل أحدٍ يقدر على هذه الأساليب، ولكنّ الكرام يترفعون عنها".

غير أن هذا "الترفع" مجرد تهرب مخذولٌ بنص كلام الصياح نفسه. كيف يتحدث عن الترفع وقد بدأ مقاله بلمز أخلاق محاوره والتعريض بأصله وفصله والنبش في خفيات نفسه بدون مناسبة ولا بينة، وختم بالتعريض بحلق اللحية والتهديد بحكم الشرع في ذلك. وبذلك دخل الصياح بالنقاش إلى غرفة مظلمة حيث ينتصر العميان لا محالة. وهذا منتهى ما يمكن أن يصدر في حقه من عقاب.

وكان الأستاذ المزيني قد ختم تعقبه على البراك بالإشارة ـ بشكل مجمل وغامض ـ إلى صورة البراك المرافقة للمقال بقوله: "وأخيرا فإن صورة الدكتور البراك المرفقة بـ"مقاله" شاهد دقيق آخر على مدى التغير الذي حدث لجامعة الملك سعود في السنوات الأخيرة، وكان من أسباب انحسار التنوير فيها. ذلك أن لأعضاء هيئة التدريس فيها سمتا ومظهرا معروفين لا تمثلهما صورته تلك". ومن هذه الإشارة الغامضة فهم الصياح وتبعه القاضي أن الأمر يتعلق باللحية، وضاعت الحكمة الإسلامية الرفيعة حين دعت إلى درء الحدود بالشبهات، كما ضاعت حكمة التشريع المدني الحديث: البراءة لفائدة الشك.

لا شك في أن اتهام أستاذ جامعي مختص في قراءة كلام الله بانعدام الكفاءة اللغوية والاختلال الحجاجي أمر محرج له. ولكن ما الحيلة وما المفر من ذلك؟ إن الأمر أشبه بالنهي عن المنكر، خاصة والنص المنتقد مثبت بالاسم والصورة، والأعراب بالباب. فكيف تحولت هذه القضية إلى ساحة القضاء أولا، وكيف حكمت ضد الدكتور حمزة ثانيا؟.

وعموما فإننا حين نطلع على صحيفة الدعوى التي رفعها البراك إلى المحكمة وننظر في كتابات المزيني في موقعه المذكور نتأكد أن الأمر يتعلق بالسعي إلى إخراس هذا الكاتب وأمثاله من المثقفين الستنيرين الذين رفضوا هيمنة "رجال الدين" على مجال حيوي هو مجال التعليم. ولذلك تعدى الاتهام السخرية من كفاءة البراك وهيئته إلى الاتهام بـ"السخرية من تعاليم الإسلام في إعفاء اللحية"، و"السخرية من هيئة كبار العلماء والمجلس الأعلى للقضاء"، لمجرد إبداء الرأي في قضية الأهلة...وغير ذلك من القضايا الخلافية.



ومن عجائب هذه المحاكمة أن القاضي حكم أول الأمر بخمس وسبعين جلدة وشهرين سجنا، ثم سأل المزيني إن كان عنده ما يضيفه، فأعاد المزيني على مسامع القاضي نفس الدفع الذي ردده من بداية المحاكمة؛ وهو أن الملف من اختصاص وزارة الثقافة والإعلام، كما نص على ذلك نظام المطبوعات فما كان من القاضي إلا أن رفع الجلد إلى مائتي جلدة، وضاعف السجن فأصبح أربعة أشهر، وأضاف المنع من الكتابة، وهذا بيت القصيد، ومنتهى المنى والمراد: إسكات الرجل.



أما بعد، فمن المؤسف أن يحتاج بعض المثقفين (أو العلماء) إلى تدخل السلطة السياسية لتخبرهم بأن هذا الاختلاف البلاغي، هذا الاختلاف في الرأي، شأن من شؤون وزارة الثقافة والإعلام. فقد تدخلت السلطات العليا في السعودية وأحيلت القضية على لجنة متعددة الأطراف أولا، ثم صدر أمر أميري بتوقيف الحكم وإحالة القضية على وزارة الثقافة والإعلام للاختصاص. وهنا ثارت ثائرة "العلماء" فأصدروا فتوى تكفيرية. جاء في القدس العربي ليوم 11/04/2005:

"وصف عدد من علماء الدين في المملكة القرارات الأخير التي اتخذتها السلطات السعودية بعدم نظر المحاكم الشرعية في الشكاوي التي تتعلق بما ينشر في الصحف والمجلات المحلية وإحالتها إلي وزارة الإعلام بأنها خروج عن الملة وكفر بالله العظيم .

ودعا البيان العلماء والقضاة والدعاة إلي صدّ هذا المنكر العظيم، والاحتساب في مقاومته ومجاهدته، فإنه يتعلق بالتوحيد والإيمان والكفر، والعدولُ عن الحكم بالشريعة إلي القوانين البشرية كفرٌ بالله العظيم وخروجٌ عن الملة.

وقال العلماء في بيانهم لا يمكن أن يُستثني أحد كائنا من كان من الشريعة، فلا يُحكم عليه من خلال المحاكم الشرعية لا الصحافيون ولا السياسيون ولا العسكريون ولا الموظفون ولا غيرهم، ولا الفصل أيضا بين الدين والصحافة أو السياسة وغيرها" .



هكذا سيلاحظ القارئ كيف انتقل الصراع حول التعليم والتنوير من صفحات الجرائد إلى ساحات المحاكم، ثم كيف تغيرت طبيعته فصار صراعا حول من يحكم؟ إنه سؤال متقدم جدا في تلك البيئة. لقد بدأت عملية فرز لا مفر منها مهما بدت عسيرة. فالإرهاب الداخلي والترهيب الدولي لا يتركان اختيارا آخر.

د. محمد العمري
أستاذ النقد والبلاغة

كلية الآداب ـ فاس

www.medelomari.net




#محمد_العمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد العمري - عقوبة الاختلاف في الرأي في الوطن العربي: الجَلد والسجن و-المنع من الكتابة-!