عابد الأسود
الحوار المتمدن-العدد: 1230 - 2005 / 6 / 16 - 07:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا أردت لأمة أن تنهض بعد أن رزحت طيلة قرون مضت مكبلة بقيود التخلف و التبعية و الاستبداد , فلا بد لك من أن تفهم المنظومة القيمية و الأسس الأخلاقية التي تؤثر في المجتمعات و تشكل الحامل الثقافي لها , اضمحلالاً وركوداً أو عمراناً و نهوضاً.
لا بد لك من أن تتفهم المنظومة القيمية و تحترم الاتساق التاريخي لها , ومن ثم توجهها و ترتبها حسبما تكون الإيديولوجيا التي تحمل إلى أن تصل , ولو من الناحية النظرية, إلى الأهداف التي تضعها نصب عينيك وفكرك .
ولئن كانت الشعوب العربية عقائدية بشكل مبالغ فيه يميناً ويساراً , فإن ذلك من الممكن أن يغدو نعمة لا نقمة كما يعتبر الكثير من المنظرين . و بداهةً إن كون ذلك نعمة أو نقمة يعتمد على طريقة استغلال ذلك سلباً أو إيجاباً .
على مرور العقود الماضية كانت الإيديولوجيات المتناثرة في المنطقة العربية تعتبر نقمة , على كل المؤمنين بها و المعتقدين بالخلاص عن طريقها في الدرجة الأولى.
ذلك لأن من مثّل هذه الإيديولوجيا , كما العديد من الثوار التقدميين العرب عمل على المتاجرة بها مستغلاً البعد الطائفي الإثني .
لقد نجحت الثورات التقدمية العربية إلى أن استطاع (الثوار) أن يحكموا البلاد بقبضة من حديد العقد التاريخية الطبقية , دون أن يمتنعوا عن ارتداء قفاز يحجب ولو مجازاً القبضة الحديدية .
للأسف كان هذا القفاز مخملياً بنفس درجة بريق الشعارات الجوفاء , مطاطاً بنفس القابلية على تماهي الشعارات و تداخلها .
وعلى الرغم مما سمي بالتطورات الاقتصادية و السياسية فإن تلك الأخيرة لم تستطع أن تعمل على إزالة ( أو تطوير ) القيم القبلية و العشائرية التي ما لبثت أن اتخذت اتجاهات دينية , طائفية و مذهبية , وحتى يسارية.
كل ما قد حصل فعلاً أن القيم القبلية اختبأت تحت ستار الإيديولوجيات العالمية القادمة إلينا من الغرب , من الشرق , أو من التاريخ ....
وبدل أن تبنى الايديولوجيا العربية على أسس المنظومة الأخلاقية القبلية , تم استغلال الايديولوجيات لتكريس جميع الجوانب السلبية من التراث القبلي كأبشع ما يكون الاستغلال .... هكذا لم يكن التحديث و التجديد الذي أصاب العالم العربي إبان الثورات التقدمية في الخمسينات والستينات لم يكن إلا تجديداً شعاراتياً فارغاً من أي مضمون , على الأقل هذا ما يفسر كون حزب البعث العربي الاشتراكي ذو المنطلقات اليسارية أكثر الأحزاب العربية يمينيةً في العالم المعاصر.
ببساطة مفضوحة استطاع الزعماء العرب أن يضحكوا على الشعوب العربية من وراء حجب الشعارات المتوهجة التي ضحى في سبيلها الكثيرون . لكن وعلى الرغم من كل تلك البساطة انطوت اللعبة على الجماهير , لا لشيء إلا لأنها ضحكت هي الأخرى على نفسها فهي وإن كفرت بالقبلية العشائرية فقد اعتنقت القبلية المقنعة !!!
ذلك لأنها في الحقيقة لم تدرس الايديولوجيات دراسة موضوعية حيادية.... بل وجدت نفسها منقادة بشكل أو بآخر حسب الولاءات الدينية , الطائفية أو العائلية إلى تلك الإيديولوجيا . مما سهل مهمة الثوار بعد أن تماهوا مع كل الشعارات التي رفعوها .
اليوم ... وتبعاً لمصالح حيوية تتجدد المنظومة القيمية في العالم أجمع , لكننا و في بلادنا البعيدة عن مسار التاريخ فإننا نتخوف من أن تبقى المنظومة القيمية مرتبطة بالشعور القبلي الطائفي الكريه , دون أن يمنع ذلك من تجديد شعاراتي ظاهري حسبما تبرره دواع النظام , وهنا فإننا لا نقصد بالضرورة النظام الحاكم , وإنما النظام المجتمعي بالكامل.
في يومنا هذا فإننا في الساحة السورية في أشد الحاجة لتجديد الإيديولوجيا تجديدياً علمياً وحقيقياً , لحسن الحظ بات حزب البعث الاشتراكي يطالب باقتصاد السوق ( الاجتماعي ) , الأخوان المسلمون في سوريا يقتربون من العلمانية أكثر من أي وقت مضى , أما بعض الشيوعيين السوريين فقد سموا أنفسهم باسم حزب الشعب الديمقراطي بعد أن كانوا قد عرفوا على مدار التاريخ بشعار : دكتاتورية البوليتاريا.
ليس في كل ذلك من عيب ... إذ أن تأويل المفاهيم و المنطلقات أمر مبرر يكتسب شرعيته من مجرد الانتماء للعصر , لكن العيب كل العيب في أن يقتصر هذا التجديد على الشعارات لتبقى مفاهيمنا القبلية كما هي منذ مئات السنين . ولنبقى أسرى و الحال كذلك في عصور ليست عصور(نا) .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟