|
اليسار الفلسطيني يتخلى عن برنامجه الثوري
حافظ عليوي
(Hafiz Ileawi)
الحوار المتمدن-العدد: 1227 - 2005 / 6 / 13 - 10:25
المحور:
القضية الفلسطينية
لسنا في هذه الدراسة بصدد وصف كل الثغرات ونواقص اتفاق اوسلو واستحقاقاته ، بل سيكون من الصعب ايجاد نقطة ايجابية واحدة في هذه التسوية المجحفة التافقدت الشعب الفلسطيني سيادته على ارضه . ان جوهر هذا الاتفاق هو ارغام الفلسطينيين على القبول بالاستيطان في المناطق المحتله ، والتنازل عن حق اللاجئين بالعودة . في هذا النظام يصبح دور السلطة الفلسطينية قمع اي معارضة منظمة ، مقابل حصولها على امتيازات اقتصادية وسياسية يستفيد منها نظامها والمقربون. في صفوف الشعب الفلسطيني ، في الوطن والشتات ، يسود شبه اجماع حول الطبيعة الاستسلامية لهذا الاتفاق ، وحول عجز السلطة الفلسطينية عن تحقيق ولو جزء بسيط من برنامجها الوطني الفلسطيني . وهناك اجماع اخر حول الشبه الكبير بين السلطة الفلسطينية ومثيلاتها من الانظمة العربية ، اللهم الا في امر اساسي واحد ، وهو مجرد وجود السلطة الفلسطينية متعلق بمدى تعاونها مع الجانب الاسرائيلي ، ولكن من جانب اخر لا يوجد هناك اجماع شعبي حول كيفية الخروج من هذا المأزق . ان احد الاسباب الرئيسية التي تمنع وجود هذا الاجماع ، هو امتناع القوى والمعارضة للاتفاق عن طرح نفسها بديلا للسلطة الفلسطينية ، وقبولها بدل ذلك بالشرط الذي حدده عرفات وهو " عدم احراج السلطة ، والاعتراف بها سلطة واحدة ووحيدة " . هكذا تفسر الديمقراطية وتطبق في الدول العربية كمصر والاردن وسائر الدول التي تعترف بوجود معارضة مشلوله ومخصية . نقول مخصية لانها تمتلك البرنامج البديل ولكنها لا تترجمه على ارض الواقع ، وتفضل اتباع استراتيجية " اقناع " السلطة بمواقفها . ان المفهوم المتداول للعملية الديمقراطية هو سيادة الشعب وحقه في اختيار قيادته بانتخابات حره ديمقراطية واستبدال النظام بنظام آخر ، اما في العالم العربي فالنظام ثابت ابدي ، وكذلك المعارضة ، والمطلوب من الشعب التعبير الابدي ايضا عن ولائه لهذا الترتيب الاستبدادي . والبرجوازية الفلسطينية قررت ان من حقها وحدها ان تقرر ماهو في مصلحة الشعب . وتماشت المعارضة مع هذا الرار ، مما افقدها مصداقيتها وقدرتها على بلورة قوة شعبية منظمة على اساس برنامج وطني بديل . وانطلاقا من هذا التفسير المشوّه للديمقراطية ، وبسبب قبول الاستبداد كميزة عربية حتمية ، لا يبقى امام المعارضة سوى طريق واحد ، وهو الحوار مع السلطة . وهي ماضية في مساعها هذا رغم انه لم يتمخض عن نتيجة ملموسة ، خاصة بسبب التزام السلطة الراسخ باتفاق اوسلو كونه المرجعية القانونية الوحيدة لوجودها .
الاسلام ليس اكثر من بديل معنوي
في حين تيد المعارضة اليسارية نفسها بشروط عرفات ، تنشط المعارضة الاسلامية للحفاظ على ماتبقى من شعبيتها في صفوف الجماهير الفلسطينية . ولكن رغم ان عملياتها الانتحارية تحرج السلطة ، الا انها لا تقدم البديل للشعب ، خاصة ان القوى الاسلامية تعترف هي الاخرى بشرعية السلطة الفلسطينية ووحدانيتها . ان البديل الذي يقترحه التيار الاسلامي هو اامة دولة فلسطينية اسلامية على انقاض الدولة اليهودية ، ورفض التفاوض مع الاسرائيليين على حل وسط يقسم السيادة على الارض بين الطرفين . وبينما يحظى هذا الاقتراح بدعم ملحوظ في صفوف الشعب الفلسطيني الذي فد الثقة بامكانية الوصول الى حل وسط مع اسرائيل في اطار المفاوضات الراهنة ، الا ان هذا الطرح يفتقر لآلية التنفيذ . انه اقتراح معنوي اكثر منه برنامج عملي يمكنه توحيد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية في نضالها ضد اسرائيل . ان مايميز اليوم التيارين اليساري والاسلامي هو قبولهما بالنظام الامريكي الاستعماري كأمر واقع دائم لا يقبل التغيير . ان مواجهة اسرائيل معناها مواجهة الاستعمار الامريكي الواقف ورائها . ولكن ماثبت اكثر من مرة هو ان الاسلاميين يمتنعون عن مواجهة امريكا ، ويبحثون عن سبل التعاون معها للحفاظ على مصالحهم . والأمثلة على ذلك لا تحصى ، منها مايحدث اليوم في الشيشان ، واخيرا في البلقان وسابقا في افغانستان . الثورة الشعبية الحقيقية الوحيدة في المنطقة التي تحدّت امريكا ، كانت الثورة الايرانية . ومع ذلك ، فسرعان ما اتضح ان الخطاب الاسلامي للتطرف واعتماد الاقتصاد الايراني على اسس النظام الرأسمالي ، اوصلا القيادة الايرانية الى طريق مسدود يتجلى في الصراعات الداخلية الحادة بين التيار المتشدد برئاسة مرشد الجمهورية ، علي خامنئي ، والتيار المعتدل المنفتح على الغرب الذي يقوده الرئيس محمد خاتمي الذي اظهر تراجعا كبيرا في السنوات الاخيرة في حدة الخطاب وفي تعصب النظام .
سادت هذه النظرية في مطلع الستينات ، عندما كانت الانظمة البرجوازية مدفوعة نحو تحقيق التحولات التقدمية . وكان من اخطر انعكاساتها انها اثارت اسئلة في صفوف اليسار العربي حول ضرورة وجود احزاب مستقلة للطبقة العاملة ، وحول امكانية دمج هذه الاحزاب في اطار الاحزاب القومية البرجوازية . وقد تمتعت البرجوازية الوطنية العربية في عصرها الذهبي بدعم جماهيري عريض ، شمل الشرائح الوسطى والفلاحين وسكان الريف الذين استفادوا بشكل مباشر من الاصلاحات الاقتصادية التي ادخلتها . وتميزت هذه البرجوازية بالخطاب القومي للتطرف الذي كان غرضه التغطية الغزل بينها وبين الغرب من جهة ، وعلى قمعها الشديد لمنظمات الطبقة العاملة واحزابها من جهة اخرى . وادى الالتفاف الجماهيري حولها الى تردد اليسار في كيفية التعامل مع النظام الحاكم . وازاء هذه الظاهرة حذرت وثيقة الجبهة ، وبح ، الاحزاب اليسارية العربية من الانجرار وراء القيادة البرجوازية ولفتت انتباهها الى ان التناقض بين البرجوازية الوطنية وبين الاستعمار تناقض محدود ، وحذرتها من مغبة تسليم البرجوازية قيادة حركة التحرر الوطني والتنازل عن البرنامج الطبقي ، واكدت على ضرورة وجود حزب مستقل للطبقة العاملة .
استراتيجية الجبهة غير واقعية
وكانت المساهمة النظرية لمؤتمر الجبهة (1981) ، تحديد الدور الطليعي للطبقة العاملة في حركة التحرر الوطني : " ان مصير ومستقبل حركة التحرر العربية ، وقدرتها على النجاح في التصدي للمخطط الامبريالي ودحر العدوان الاسرائيلي ، وعلى متابعة المسيرة الوطنية الديمقراطية هي وحدها التي تكفل لها شروط الظفر والانتصار " ( الحرية 164 ). كما نلاحظ فقد حدد المؤتمر مهمة استراتيجية جديدة لليسار ، وهي ان ينتزع من البرجوازية قيادة حركة التحرر الوطني . وكان لهذه المهمة اساسان ، الاول يتعلق بافلاس القيادة البرجوازية ، والثاني نابع من التقديرات بأن الفترة التاريخية ، مطلع الثمانينات ، مهدت الطري للوصول للاشتراكية . ففي تلك الفترة انتصرت حركات التحرر الوطني في العالم على الامبريالية في نيكاراغوا وحتى انغولا واثيوبيا ، كما ساد اعتقاد راسخ بانتصار الاشتراكية على الرأسمالية التي دخلت ، حسب المفهوم الماركسي اللينيني ، آخر مراحلها التاريخية . ولكن رغم تحديد مهمة تولي الطبقة العاملة قيادة الحركة الوطنية ، فقد وقع في وثيقة الجبهة خلل برنامجي جوهري في تشخيص طبيعة التحالف الوطني المطلوب . وبدل ان تعتبر الوثيقة الطبقة العاملة والفلاحين عناصر التحالف الوطني العريض ، فقد حددت " ان البرجوازية يمكن وينبغي ان تبقى جزءا من التحالف الوطني " ( الحرية 163 ) ، وذلك عندما طرحت السؤال : " هل يعني هذا ان الثورة العربية في مرحلتها الراهنة قد فقدت سمتها الوطنية الديمقراطية وان التحالف مع البرجوازية الوطنية لم يعد ضروريا واصبح مطلوبا فكه والاستغناء عنه ؟ الجواب هو ايضا كلا . ولكن انفرادها بموقع القيادة في هذا التحالف لم يعد ينسجم مع المتطلبات الموضوعية لنهوض وتقدم حركة التحرر والثورة الوطنية الديمقراطية ، وهذا هو بالضبط ما عنيناه بتفاقم ازمة القيادة البرجوازية لحركة التحرر الوطني العربية " . ( الحرية 163 ) ان المهمة الاستراتيجية التي حددتها الجبهة الديمقراطية لنفسها لم تتحقق لانها لم تكن واقعية . ويتضح انه فيما يتعلق بالموقف من البرجوازية الفلسطينية ، وقعت الجبهة في نفس الخطأ الذي حذرت منه اليسار العربي مرارا . وقد لجأت الوثيقة الى اختراع ذهني لم يكن سوى انحراف عن الماركسية اللينينية عندما حددت نوعين من التناقضات : التناقض الرئيسي بين الشعب ( بكل طبقاته بما فيه الطبقة العاملة والبرجوازية ) من جهة اخرى ، والتناقض الثانوي بين الطبقة العاملة والبرجوازية داخل الشعب الفلسطيني نفسه . والحقيقة ان المصلحة المشتركة بين طبقات الشعب في مواجهة الاضهاد كانت موجودة دائما . فالبرجوازية الفرنسية مثلا ، نجحت في اسقاط النظام الاقطاعي بفضل مشاركة العمال والفقراء ، وكذا كان الوضع في روسيا . ولكن ماركس ولينين حذرا العمال دائما من هذا التعاون مع البرجوازية لانها لا تتوانى عن ذبح العمال بعد ان اوصلوها للسلطة على اكتافهم ، لمجرد مطالبتهم بحقوقهم . والنماذج العربية على ذلك عديدة ، منها مافعله نظام محمد نجيب بعمال مصر بعد انتهاء ثورة الضباط الاحرار في 1952 ، وحزب البعث العراقي بعد استلامه مقاليد الحكم . في كتابه " خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية " لخص لينين موقفه من مسألة التحالفات في مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية في روسيا على خلفية تجربة ثورة 1905. وحدد ان البرجوازية ليست حليفا للطبقة العاملة ، واعتبر الفلاحين الاجراء حلفائها الاستراتيجيين في الثورة الديمقراطية . نموذج آخر في الاتجاه نفسه نجده في تحديد الحزب الشيوعي الفيتنامي مهمات ثورته الوطنية ضد الاستعنار الفرنسي ، في البرنامج الاساسي للحزب عام 1930 : " القيام بثورة برجوازية ديمقراطية تشمل كذلك الثورة الزراعية ، وذلك بغية قلب الامبرياليين الفرنسيين والحكام الاقطاعيين ، وتحيق الاستقلال الكامل وقيادة فيتنام نحو الاشتراكية والشيوعية . وكان من الضروري لضمان نجاح هذا الخط السياسي تأسيس حزب الطبقة العاملة ، وانشاء جيش عمالي وفلاحي ، واقامة تحالف عمالي فلاحي ، وخلق جبهة وطنية متحدة ... وثمة ترابط وثيق بين النضال المعادي للامبريالية والنضال المعادي للاقطاعية ، فالقوى الرئيسية للثورة تتألف من الفلاحين والعمال ، وعلى الحزب ان يقيم التحالف العمالي والفلاحي ويستخدم العنف الثوري الجماهيري للقيام بالانتفاضة واستلام السلطة " . ( " موجز تاريخ حزب العمال الفيتنامي 1930 - 1970 " ، اصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1973 ) . يتبين من هذا ان اجتهاد اليسار الفلسطيني للتوفيق بين مصالح البرجوازية الوطنية وبين مصالح الطبقة العاملة ، هو اختراع برنامجي ليس له ركيزة او سابقة في تاريخ الثورة الاشتراكية . فالحزب العمالي لايمكن ان يقود الطبقة البرجوازية لان البرجوازية ، ببساطة ، لا يمكن ان تقبل بأن تقودها الطبقة العاملة ، فهي مربوطة برأس المال الأجنبي ، ومصالحها الخاصة توجهها نحو التحالف مع الرجعية والاستعمار ضد الطبقة العاملة . هذا ماحدث مع البرجوازية المصرية والعراقية والسودانية ، واخيرا ايضا مع البرجوازية الفلسطينية التي دخلت فلك الاستعمار من ابواب اوسلو . ان استعداد اليسار العربي والفلسطيني ان يكون جزءا من حركة تحرر تقودها البرجوازية ، لايوازيه استعداد مماثل لدى البرجوازية . وقد اثبت التاريخ انه اذا كان على البرجوازية ان تختار بين الاخلاص لمصلحة الوطن او لمصلحتها الطبيقية ، ويحاول التيار الاسلامي عامة الاستفادة قدر الامكان من النظام الرأسمالي الجديد ، دون ان يفقد شعبيته بين الجماهير . فهو يصف الاسلام ب " دين المستضعفين " ليحظى بتأييد ملايين المسلمين الفقراء ، ولكنه لا يقترح نظاما اقتصاديا بديلا للنظام الرأسمالي العالمي الذي يسبب الفقر والمعاناة لكافة الشعوب المضطهدة و " المستضعفة " . والحقيقة ان الفقر لا يميز بين الاديان ، فكما ان هناك مسلمين فقراء هناك ايضا المسيحيين في امريكا اللاتينية والهندوس في الهند والبوذيين في شرق آسيا ، الذين يتعرضون لأبشع انواع الاستغلال من الطبقة الرأسمالية في بلدانهم والتي تعتنق نفس اديانهم .
اليسار يسلم بأوسلو امرا واقعا
اما اليسار الفلسطيني ، او ماتبقى منه فيرى الحل في منافسة البرجوازية الفلسطينية على كيفية التعاطي مع الواقع الجديد بطريقة افضل . وتنصب اقتراحات اليسار اليوم على تصحيح ، او تجاوز ، او استغلال اتفا اوسلو بشكل افضل ، الامر الذي يعني تسليمه بالاتفاق كأمر واقع لا يمكن تغييره . وانطلاا من هذه المهمة الجديدة التي وضعها لنفسه ، يحاول اليسار ان يبرر ضرورة التوفيق بين مصلحة البرجوازية ومصلحة الطبقة العاملة ، على قاعدة مايسمى ب " القواسم المشتركة ". ولم يصل اليسار الى هذا الدرك رأسا ، بل مر بمرحلة تميزت بتراجع تدريجي . فمع توقيع اتفاق اوسلو كان اليسار معارضا بشدة ، ونادى بإسقاط الاتفاق . في عام 1996 رفض اليسار المشاركة في الانتخابات للمجلس التشريعي ، بادعاء ان المشاركة تضفي الشرعية على اتفاق اوسلو الاستسلامي . ولكن ، مع مرور الوقت ، طرأ تراجع على هذا الموقف ، تحديدا بعدما ركزت السلطة الفلسطينية سلطانها ، وبنت جهازا سلطويا متضخما في حين بقي اليسار في الهوامش . تولى بنيامين نتانياهو رئاسة وزراء اسرائيل في 1996 والائتلاف الحكومي الذي شكله اليمين المتطرف ، كانا بالنسبة لليسار الفلسطيني حجة مناسبة للتحالف مع السلطة في مواجهة الحلف اليميني الاسرائيلي . وبذلك اصبح النضال ضد اليمين الاسرائيلي اكثر اهمية من النضال ضد اتفاق اوسلو والسلطة التي تنفذه . وسرعان ما بدأت الجبهتان الديمقراطية والشعبية عملية الحوار مع عرفات بحثا عن القواسم الوطنية المشتركة . وازدادت حدة التراجع عندما نادت الجبهة الديمقراطية عرفات الى اعلان بسط السيادة على المناطق المحتلة ، من طرف واحد ، في الرابع من ايار 1999 . يذكر ان هذا هو التاريخ المعيّن في اتفاق اوسلو لانتهاء المرحلة الانتقالية ، والذي كان المفروض ان يتكلل باعلان الدولة الفلسطينية . بالطبع كان مصير هذه المبادرة الفشل نظرا لتمسك عرفات بعدم اغضاب الطرف الاسرائيلي . ولكن المثير للاستغراب هنا هو موف اليسار نفسه الذي انتل من معارضة اتفاق اوسلو جملة وتفصيلا الى المطالبة بالالتزام بالجدول الزمني المحدد فيه . وتواصل هذا الخط بعد سقوط نتانياهو وصعود براك . فقد نادى اليسار عرفات للتمسك بأن ينفذ ايهود براك اتفاق واي ريفر الموقع مع نتانياهو في تشرين اول 1998 ، وهو نفس الاتفا الذي سبق لليسار ان عارضه واستنكره في مؤتمرين بدمشق ورام الله . ويتبين اليوم ان محاولات اليسار اقناع السلطة الفلسطينية بالعودة للخندق الوطني ، قادته هو للوقوع في خندق السلطة . ووصل اليوم الى درجة عرض خدماته في ادارة المفاوضات بشكل مباشر مع اسرائيل ، على الاسس المتفق عليها في اوسلو ، بحجة تحقيق نتائج افضل من تلك التي حققها عرفات للآن .
البحث عن الحل ضمن النظام الرأسمالي الراهن
في كتابه " اوسلو والسلام الآخر المتوازن " ( بيسان للنشر ، 98 ) يذكر نايف حواتمه ، امين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، ان المفتاح للحل يكمن في " اعادة بناء البيت الفلسطيني " . الكتاب هو محاولة للاثبات بأن اليسار الفلسطيني نجح في الماضي ، برغم الخلافات ، ان يعيد اليمين البرجوازي ( فتح ) . للبيت الفلسطيني وللقواسم المشتركة ، وان ينقذه من محاولاته الانحراف عن البرنامج الوطني والانخراط في صيغة كامب ديفيد ، او تفويض الاردن بالتمثيل الفلسطيني . في الكتاب يرى حواتمة ان الوحدة الوطنية يمكن ان تحدث في المعجزات ، وتعيد موازين القوى لصالح الطرف الفلسطيني ، فهو يكتب : " اعادة بناء البيت الفلسطيني هو وحده الذي يفتح اعادة بناء العلاقة الفلسطينية - العربية مع الاقطار العربية ، ( شعوبا وقبائل ) ، وعلى قاعدة المصالح العليا المشتركة في انجاز عملية التحرر الوطني لشعب فلسطين ، وانسحاب المحتلين الى ما وراء خطوط 4 حزيران ( يونيو ) 1967 ، بما فيها القدس الشرية عاصمة دولة فلسطين " . ( ص 230 ) وقد يشكك المرء بجدية المؤلف ومايقصده ، اذ اننا نعرف تماما ماهو وضع الانظمة العربية التي تخلت منذ زمن عن عجز القضية الفلسطينية ، وتعاني من الشرذمة والانقسام ، وتعجز حتى عن عقد قمة عربية لانجاز امر ابسط من تحرير القدس ، وهو رفع الحصار عن العراق ماقبل الاحتلال الامريكي . بل ان مايعرقل الوحدة الوطنية الفلسطينية ، هو الدعم الكبير الذي تغدقه الانظمة العربية على السلطة الفلسطينية الفاسدة . وتصل اوهام المؤلف ذروتها عندما يكتب في نفس الصفحة ان الوحدة الوطنية ستؤدي الى ان " تصحح الادارة الامريكية سياستها الاسرائيلية ، الفلسطينية ، الشرق اوسطية ، الامريكية - العربية ، ويصبح ممكنا الافادة من مساحة مصالح الدور الاروبي في الشر الاوسط ومساحة مصالح روسيا والصين واليابان .. ويصبح ممكنا اعادة الروح لقرارات ومرجعية الشرعية الدولية ، ووقف تآكلها منذ اوسلو حتى الآن " . حواتمة ، اذن ، لايرى لزوما لتغيير النظام العالمي الجديد الذي فرض على الشعب الفلسطيني اتفاق اوسلو ، بل يعتقد بوجود امكانية للتوصل الى تفاهم مع امريكا ايضا ، وايجاد اسم مشترك مع برجوازيتها ، وربما ايضا ادارتها . وقد طور جورج حبش امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المستقيل ، فكرة الفصل بين اسرائيل وامريكا في حوار مطوّل نش في كتيب بعنوان " حوار شامل مع جورج حبش " ( مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، بيروت 1998 ) . في هذا الحوار يقول حبش : " ليس الانتصار على امريكا هو الشرط لتحقيق اهدافنا ، ولا يمكن القول اننا لا نستطيع ان ننتصر على اسرائيل الا اذا انتصرنا على امريكا . لماذا ؟ لاننا نريد مصارعة موقع من مواقع الامبريالية ، وليس امريكا . انا اصارع هذا الموقع المرتبط بالامبريالية ، وشرط انتصارنا في هذا الموقع لا يعني مقارعتنا للامبريالية في كل المواقع والانتصار عليها " ( ص92 ) وتحضرنا لدى قراءة هذه المقولة محاولات القيادة العربية ابان الانتداب البريطاني على فلسطين ، " اقناع " الاستعمار البريطاني بأن العرب لا ينوون محاربته بل هم على استعداد لخدمته ، وان كل هدفهم هو دحر الحركة الصهيونية ، ولذلك من مصلحة البريطانيين منع الهجرة اليهودية لفلسطين ودعم العرب . وقد اتضح لاحقا الى اين اوصلتنا هذه " الاستراتيجية " . وانتهجت الانظمة العربية سياسة مشابهة بعد حرب 1967 ، حتى ان جمال عبد الناصر نفسه امتنع عن محاربة امريكا ، واكتفى بالصراع مع اسرائيل فقط . ومن بعده صرّح انور السادات بأن 99% من اوراق المنطقة بيد امريكا ، لذا فلا داعي لمحاربتها بل يجب كسب تأييدها للموقف العربي . ويؤكد اتفاق اوسلو الآن ان هذه الاستراتيجية العمياء ومحدودة الأفق ، لاتقود الا الهزائم والطرق المسدودة . مع انهيار الاتحاد السوفيتي بدأ اليسار الفلسطيني يترجم من جديد مبادىء الماركسية لتلائم المفاهيم الطبقية الجديدة والخاطئة التي تبناها . في وثيقة الاجتماع العام الثالث للجبهة الديمقراطية التي نشرت في 1994 ( بند 2/5 ص 87 ) ، تشطب الجبهة جوهر الماركسية المتمثل بشعار " دكتاتورية البروليتاريا " عندما تقول انه : " لم يعد يستوعب ، ولا يعبر بدقة عن ، التنوع في الاشكال السياسية وفي المضامين الاجتماعية والمهمات والتحالفات الطبقية التي تميز الدولة في مرحلة الانتقال الى الاشتراكية ، وبخاصة في اطوارها وفتراتها الاولى انطلاقا من وضع المجتمعات الرأسمالية المختلفة " . ان استعجال الجبهة الديمقراطية بتحديث الماركسية في غير الأوان ودون الاعتماد على تجربة اشتراكية ثورية جديدة ، يفسر التراجع الكبير الذي اصابها . فبدل اعتماد استراتيجية صراع الطبقة العاملة ضد النظام الرأسمالي العالمي ، فضّلت تكتيك البحث عن " مساحة مصالح دور اوروبا وروسيا والصين واليابان " . وقد وصف حبش الامر نفسه في الحوار المذكور ، بالكلمات التالية : " ضمن هذا التصور ارى لن على العرب والفلسطينيين الاستفادة من هذه الاقطاب الصاعدة لمواجهة التفرد والهيمنة الامريكية وحليفتها اسرائيل ، خصوصا ان مصالح اوروبا واليابان ، والأهم الصين ، تتناقض مع الهيمنة الامريكية ، ولاسيما على النفط العربي . وهذا يستدعي من العرب استثمار ما يملكون من اوراق اقتصادية وجغرافية وبشرية بصورة ملائمة لمصالحهم ، وعدم وضع رهانهم في سلة الولايات المتحدة " . ( ص 93 ) ويتضح ان تبسط الماركسية وافراغها من مضمونها الثوري قد أعاد القيادات اليسارية الى اصلها القومي البسيط ، والى الاستعاضة عن الرؤية الجدلية للتاريخ بالنظرة البرغماتية . وتناست هذه القيادات الثمن القاسي الذي دفعه الشعب الفلسطيني على سياسة الحاج امين الحسيني الذي كان بين اوائل الذين سارعوا " لاستغلال التناقضات بين الاقطاب الاستعمارية " ، فأيد المانيا في حربها ضد بريطانيا ، وانتهى هذا الرهان بهزيمة القضية الفلسطينية وقيام الدولة اليهودية . لقد علّمنا لينين في الحرب العالمية الأولى ان واجب العمال هو الامتناع عن تأييد اي من الأقطاب المتصارعة ، والسعي ، بدل ذلك ، الى تحويل الحرب بين الدول الاستعمارية الى حرب اهلية ، بين الطبقة العاملة والبرجوازية الحاكمة ، سعيا لتحقيق الثورة الاشتراكية . في النظام الرأسمالي العالمي القائم اليوم ، ليس هناك مجال للاعتماد على اجهزة " الشرعية الدولية " ، وحتى لو بدأت الصراعات داخل المعسكر الاستعماري بالبروز . فالشرعية الدولية كانت وليدة الحرب العالمية الثانية التي افرزت المعسكرين المتضادين ، الاشتراكي المسلح بالقوة النووية والاستعماري الذي لا يقل قوة من الناحية العسكرية . لقد كان معنى انهيار الاتحاد السوفيتي اختفاء الاطار العالمي الذي مكّن الفلسطينيين من النضال نحو التحرر . وقد تغير وضع القضية الفلسطينية بعد ان قضى النظام الامريكي الجديد على كل الآليات والأجهزة القديمة التي شكلت في الامس القريب سندا للقضية الفلسطينية . وكان من جملة هذه الآليات الامم المتحدة ومجلس الامن اللذان اصبحا منحازين تماما لمصلحة امريكا . الجامعة العربية والعلاات العربية - العربية هي الاخرى دخلت الى جمود تام ، نزولا عند المصلحة الامريكية التي لاتريد اي نوع من الوحدة التقدمية بين الدول العربية . وعلى الصعيد الفلسطيني أُلغيت منظمة التحرير الفلسطينية ، وحلت محلها السلطة الفلسطينية التي شطبت الميثاق الوطني رضوخا للاملاء الاسرائيلي ، وعلى شرف زيارة الرئيس الامريكي كلينتون لغزة ( كانون اول 1998 ) . ان المصير الذي آل اليه اليسار الفلسطيني وفقدانه الدعم الجماهيري ، اشارة الى عدم امكانية بناء برنامج وطني سليم بمعزل عن الرؤية الشمولية للعالم . ومن يريد اليوم ايجاد الحلول خارج التغيير الاشتراكي الثوري ، وضمن الاطار العالمي الرأسمالي القائم ، لا بد ان يقبع في خندق البرجوازية الكمبرادورية ، ويلتحق بمسيرتها تحت غطاء تصحيح طريقها او انقاذ مايمكن انقاذه من الخراب الذي احدثته . ان واجب الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة في العالم اجمع ادراك التنافر بين الاقطاب الرأسمالية المختلفة ، واكتشاف ثغرات هذا النظام ، بهدف تغييره بنظام عالمي اشتراكي جديد .
#حافظ_عليوي (هاشتاغ)
Hafiz_Ileawi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإفراج عن معتقلين فلسطينيين خدعة إعلامية وحاجة إسرائيلية !!
-
الفقه الوقائي
-
يا فاطمة .. الأمعاء الخاوية ستنتصر
-
لوجهها لون الحريق .. والعدس
المزيد.....
-
الجيش الأردني يصدر بيانا عن مسيرة محملة بالمتفجرات سقطت في م
...
-
دبلوماسيون: محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة وسط ت
...
-
ترامب يلوّح بالقوة ونتنياهو يتحدث عن مفاجآت وشيكة... هل تقتر
...
-
تخفيف الرقابة على تأشيرة الدراسة للأجانب في الولايات المتحدة
...
-
حين تصطدم إيران بإسرائيل، العالم يختار كلماته بعناية
-
رضائي: نقلنا اليورانيوم المخصب إلى أماكن آمنة
-
بيسكوف: بوتين يحافظ على اتصالات مع إيران وإسرائيل
-
الإسعاف الإسرائيلي يكشف حصيلة القتلى والجرحى جراء الهجمات ال
...
-
إيران تصدر تحذيرا لإخلاء مقر القناة -14- العبرية في تل أبيب
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر بيانا حول اليوم السابع من المواجهة مع
...
المزيد.....
-
1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت
...
/ كمال احمد هماش
-
في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ محمود خلف
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ فتحي الكليب
-
سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية
...
/ سمير أبو مدللة
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
المزيد.....
|