أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين عبدالعزيز - الغربة















المزيد.....

الغربة


محمد حسين عبدالعزيز

الحوار المتمدن-العدد: 4309 - 2013 / 12 / 18 - 14:28
المحور: الادب والفن
    


الغٌربه

قديما قال الشاعر : أٌعللٌ النفسً بالآمال أرقُبُها
ما أضيقً العيشً لولا فُسحة الأملٍ

ثلاث درجات من سُلًم عماره مصريه قديمه تفصلنا عن بطلة قصتنا, بمجرد صعودك درجات السلم العريضه والواسعه إلا وتجد أنفك يستنشق عبق التاريخ, حينما كان بهو العمارات مكانا مناسبا لتعليق اللوحات الفنيه , والرسومات الزيتيه البديعه, فتخال نفسك وكأنك في زياره لأحد متاحف التاريخ . صناديق خشبيه صغيره, علي يمين الداخل, فٌتح بداخلها شق عًرضي وصُممت لتشبه خطابات البريد, بها فتحه زجاجيه صغيره أعلاها , يسكن في داخلها وريقه صغيره تحمل إسما لأشخاص سكان العماره .تللك المنطقه القابعه في قلب
القاهره حينما كان للجمال رواد, وللأصالة عٌشاق, حينما كانت البيوت تُبني لبث الراحه لا لمجرد تكديس الجثث.
سياج حديدي, يقبع خلفه باب خشبي مٌطعم بٍحٌليه ذهبيه,يقع في منتصفه قطعه خشبيه صغيره,نٌقش عليها بالخط العربي " د/ لٌبني
إسماعيل" أستاذ التاريخ المقارن وعلم اللاهوت.
تستطيع أن تٌميز دوما شقة الدكتوره رشا عن باقي شقق سكان العماره بميزه لم ولن تنساها ابدا مهما كان الفاصل الزمني بين زياراتك
" موسيقي الفصول الأربعه للرائع فيفالدي" . كان هذا جواب عم جوده بواب العماره, الذي ورث المهنه عن أبيه والذي بتوه قد ورثها عن جده. حينما سألته عن شقة الدكتوره . فأجاب " بُص يا أستاذ, حضرتك هتطلع السلم ده ومع الدرجه الاخيره, هتلاقي في صوت موسيقي " الفصول الأربعه" لفيفالدي خفيف جدا خارج. دي شقة الدكتوره رشا.
تعجبت, .. بواب عماره ويعرف موسيقي الفصول الأربعه لفيفالدي, .. لم تكد علامات التعجب تفارقني حتي قطعها عم جوده البواب, بضحكته التي أظهرت أسنانه التي طالتها يد الزمن بالقلع والحشو, " متستغربش يا أستاذ .... أصل أنا سمعتها كتير, فحبيت أعرف مره لما كنت بوصلها الطلبات, سألتها فقالتلي المعلومه دي , وكمان إديتني نسخه جرامافون ليها, من بتوع الأستاذ إسماعيل " الله يرحمه".
شكرته وصافحته بلطف وصعدت درجات السلم, فاليوم موعدي معها أثر قرار وقفها عن التدريس في الجامعه وإحالتها للتحقيق بشأن آرائها التي قالتها في قضية الحجاب والشريعه الإسلاميه في مقر معهد إعداد القاده حيث عُقد اللقاء الخامس والستون من مؤتمر شباب الجامعات.
حيث كانت كلماتها بمثابة القذائف حينما سألتها إحدي الطالبات عن موقفها من المد اليميني في مصر والعالم العربي, وكيف تري أفق الديموقراطيه في حال وصول المد اليمني لكرسي الحكم.
وكانت إجابتها " اليمين او اليسار ليس ما يعنيني, ما يعنيني هو عدم فرض ثوب إلزامي للدوله, ايا كان مسمي هذا الثوب, وايا كان من يفرضه, فالدوله دوله, وليست بحاجه للتوصيف. نحن بحاجه إلي حاكم لا للوصي علينا ,من يقبل بذلك فاهلاً به وسهلاً ومن لم يقبل, فليعرف, اننا بأصواتنا سنضعه في حجمه الطبيعي.
وكان السؤال الآخر " حضرتك متخصصه في علم اللاهوت, هل الدين يصلح كحاكم, وكمتخصصه في التاريخ, شايفه التجربه اليمينه في مصر إزاي في ضوء التجارب التاريخيه السابقه.
أجابت: مبتسمه, كل ده سؤال, مقدرش اجاوبك في جلسه, دي رسالة ماجستير...., بس ببساطه, احكام الشريعه مُقيده بحدود الزمان والمكان, وعلي من يطبقها أن يفهم ويعرف فقة الواقع وأن يدرس طبيعة الرعيه, اما بخصوص التجارب الإسلاميه السابقه, فاقدر أقولك وانا مطمئنه جدا انها بالقطع كانت تجارب فاشله.
وكانت كلمة فاشله, هي القشه التي قضمت ظهر البعير, حيث ضجت القاعه بالصراخ والضجيج, متهمين الدكتوره بالإلحاد والزندقه, ووصل الأمر الي تعدي بعض الطلاب عليها باليد, مما دفع أمن القاعه إلي إخراجها حفظا علي سلامتها.
ضغطه واحده من أصبعي علي الجرس, وكان الجواب في التو والحين, فٌتح الباب وكانت امامي د/ لبني إسماعيل
د/ إطفضل أقدر أساعدك في إيه
أنا/ انا أشرف نُصير صحفي بجرنال العدسه, كنت تواصلت مع حضرتك بشأن حوار مسجل عن قضيتك الأخيره
د/ مبتسمه أهلا بيك, إطفضل إستريح, دقايق واكون معاك
أنا/ خدي وقتك يا دكتوره.
إستغليت الفتره التي غابت فيها, واشتعلت حواسي الصحفيه " العين تحديدا" البيت بسيط جدا وبأثات أبسط, مجرد ما يقيم العيش ويسد الحاجه, علي طول الجدران الأربع نُصبت مكتبه ضخمه تحوي أمهات الكتب والمراجع التاريخيه مٌرتبه ترتيبا أكاديمياً صرفاً, تجمع بين الذخائر التراثيه, وأمهات الكتب الفقهيه في الإسلام والمسيحيه, دوريات متخصصه من جامعة برمنجهام حيث حصلت علي الماجستير, حوليات عربيه كلها تٌعني بالتاريخ. يتوسط المكتبه مكتب صغير, من خشب يدل المظهر علي انه يجمع بين المتانة والعراقه, إستنتجت ذلك من نقوش الأرابيسك ومن سماكة سطح المكتب. في الركن المجاور ينتصب مشغل موسيقي تنبعث منه في إنسيابيه نغمات موسيقيه تحيل المكان إلي جو شبه اسطوري.

قاطعت خيالاتي, حينما تكلمت. أهلا بيك أستاذ أشرف.
إنتصبت واقفا, فـــ اشارت إلي أن اجلس " مفيش داعي للرسميات دي, البيت مكان لتخفيف الهموم , أردفت مٌبتسمه"
أنا/ نبدأ الحوار
د/ يشرفني
أنا/ ممكن اعرف خلفية حضرتك الدينيه
د/ بسرعه كده, عاوزتفتح النار ...
يا سيدي, ديني ومعتقدي يخصني أنا بس, وعشان الفضول هقولك " أدينٌ بدين الحب"
أنا/ إجابه تحمل كافة المعاني
د/ عشان تفسرها وتفصلها زي ما انت عايز
أنا/ حوارك الأخير عمل ضجه كبيره جدا, أثارت لغط وسخط الكثيرين
د/ المشكله مش في الضجه ولا في السخط, المشكله في بٍرك المياه الآسنه
انا/ تقصدي أساتذة الجامعه
د/ الأستاذيه منصب ومش بالضروره تعكس معرفه أو قيمه
أنا/ حضرتك تقصدي مين ؟
د/ كل من يري في المخالف عدوا, كل من سمح لنفسه بمجرد شهاده مهما علت, ان يُنصب من نفسه حاكما, كل من استغل علمه في التسطيح والتسفيه, وممارسة العهر العلمي.
أنا/ ممكن أعرف تحديدا موقفك من فرضية الحجاب
د/ مبتسمه وفي هدوء .... إنت مين عشات تفرض علي
أنا/ الشرع, الدين, مشايخ الأزهر, وغيرهم من أكاديمين ومعنينن, وصلوا بالأمر لحد ....... وملكت علي لساني
د/ قوول, قوول متخفش, متتكسفش مش هزعل, لحد تكفيري وإتهامي بنشر الرذيله والإباحيه.
د/ إن قذفت بالحجر في المياه الآسنه , فبلا شك سيطول ثوبك جزء من الريح المٌنتنه
أنا/ جزعت جدا من التشبيه, لكني إستنتجت أن الموسيقي الهادئه, والإبتسامه الطفوليه, تخفي ورائها شخصيه صلبه,قادره علي الردع والمواجهه.
انا/ يعني حضرتك بترفضي مرجعيتهم ؟
د/ في قبولي لمرجعيتهم, إلغاء لعقلي وفكري وقدرتي علي البحث والوصول للحقيقه.
انا/ شايفه حضرتك إن الموضوع بيتحرك من خلفيه شخصيه او عدائيه بينك وبين حد
د/ معروف عني من زمان , إني مش محبوبه, عشان انا صريحه, الأشخاص ميعنونيش, المهم عندي الجيل اللي طالع, المهم عندي الفكر.
أنا/ يعني الحرب مٌستمره
د/ الصراع بين العقل واللاهوت مُمتد عبر التاريخ
انا/ خايفه ولا عندك أمل
د/ لو خفت مكنتش قولت, اما بالنسبه للأمل , صمتت لحظات, مدت إيدها إلي المكتب, وسحبت أحد الكتب, وقالت أما تخرج من عندي بص في المقدمه.
أنهيت الحوار مبتسما, وبمجرد مغادرتي للباب, فتحت الغلاف ووجدت البيت الشعري " أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيقٌ العيش لولا فُسحة الأمل"



#محمد_حسين_عبدالعزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلتي - مع العريفي
- عم مُختار المكوجي
- لروح الراحل أحمد فؤاد نجم
- الآثار الجانبية للمعرفه
- سلسلة الرد المٌلجم علي صحيح مسلم-2
- إنتي مين -قصيده
- قطار البدرشين-قصيده عاميه


المزيد.....




- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين عبدالعزيز - الغربة