|
خلفيات الميزانية
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 1223 - 2005 / 6 / 9 - 11:49
المحور:
الادارة و الاقتصاد
خلفيات الميزانية المنطلقات والتهيئ المجلس الحضري للقنيطرة نموذجا
يبدو أن المبدأ الواحد والوحيد الظاهر الذي يُرتكزعليه لإعداد الميزانية هو الحفاظ على مبدأ التوازن. لكن هل من معنى لهذا المبدأ في ظل غياب رؤية واضحة المقاصد حول الغرض من الميزانية؟ القاعدة هي احترام جملة من المقتضيات لتسهيل المصادقة على الميزانية من طرف سلطات الوصاية. لكن هل هذا المنطلق ينسجم وهمّ التنمية المحلية؟ أم أن الحرص على إحترامها لذاتها وفي ذاتها هو من باب البحث على "قوالب" لتمرير أرقام وكفى لشيء واحد لا ثاني له وهو ضمان المصادقة؟ هذا هوالسؤال. لذا يتساءل الكثيرون عن أسباب عدم إعداد الميزانية انطلاقا من هاجس التصدي للاختلالات القائمة منذ سنوات خلت بالمدينة. ومهما يكن من أمر لازال التواصل بين الأغلبية والاقلية يشوبه شدّ الحبل والتوتر. ومازال لم يتأسس بعد على قاعدة الاقناع والاقتناع من أجل خدمة الشأن العام.
بعض مواصفات الميزانية
تفوق ميزانية المجلس الحضري لمدينة القنيطرة 16 مليار سنتيما لكنها تظل مثقلة بكتلة أجور "طيطانيكية" بفعل جيش عرمرم من الموظفين والذي لا يتناسب إطلاقا مع القدرات الذاتية للجماعة. وهذا سيظل عاملا مستداما للهدر ولمعاكسة أي شكل من أشكال الحكامة. وهذه حقيقية وجب أوّلا الاعتراف بها، وثانيا التفكير الجدي والمسؤول في سبيل التقليل من انعكاساتها السلبية. وعلاوة على ذلك، فهو واقع يبيّن بجلاء كيف أن أخطاء الماضي يمكنها أن ترهن الحاضر والمستقبل. لاسيما وأنه لازال هناك غياب تام لأي نهج أوتصور قبلي للتعاطي مع إشكالية إعداد الميزانية. وهذا مشكل عام مشترك لدى الأغلبية الساحقة لجماعات بلادنا باعتبار طبيعة العنصر البشري ونوعية عقليات التسيير والتدبير السائدة بها. عنوان
من الموضوعي، اعتبارا للوضعية وتدهور الحال، أن يتساءل المرء بصدد وجود اختلالات وخروقات. كما من حق المرء أن يتساءل هل كل المصوتون على الميزانية يصوتون فعلا عن قناعة وبمسؤولية وعن بيّنة وسابق معرفة، أم أن أغلبهم يصوتون فعلا عن قناعة وبمسؤولية وعن بيّنة وسابق معرفة، أم أن أغلبهم يصوتون لأنه وجب التصويت قصد التمرير؟ وهل المصوتون على الميزانية أوالحساب الاداري في مقدرتهم تحديد هدف واحد واضح كان قد تقرر تحقيقه بواسطة الميزانية التي صوتوا عليها أم أن دورهم ينحصر فقط، وبالتمام والكمال، في رفع الأصبع بمجرد سماعهم من مع الميزانية؟ إنه تساءل يفرضه الواقع الذي تعيشه المدينة وليس نابعا من خلفيات باعتبار أن المستشار في مغرب اليوم لم يعد مجرد قطعة لتأثيت المنظر أو آلة لرفع الأصبع عند التصويت، وإنما عليه أن يكون فاعلا وأن يتحمل مسؤوليته كاملة في تدبير الشأن العام، لأن العصر هو أولا عصر المسؤولية والمساءلة، وأن قبول تحمل المسؤولية تتبعها بالضرورة المساءلة أراد من أراد وكره من كره، باعتبار أن التاريخ لا يرحم. فهل الذين صوتوا على الميزانية والحساب الاداري بحركة سهلة -رفع الأصبع أو اليد- يعتبرون أنها تستجيب، ولو في جزء يسير منها، إلى تطلعات الساكنة وانتظاراتهم؟ وقبل هذا وذاك هل المجلس الحالي في حاجة لموجه لتوجيهه نحو التعامل مع إشكالية الميزانية بجدية ومسؤولية حتى يبدو بوضوح: لماذا إعداد الميزانية؟ وما هوالهدف المركزي المراد التوصل إليه عبرها وبواسطتها؟ وهنا يبرز تساءل آخر لايقل أهمية وهو: هل الاستخفاف الحاصل في التعامل مع إشكالية إعداد الميزانية هوناتج عن قلة المعرفة والدراية في المجال المالي والتدبير المالي، أو عدم القدرة أو الجرأة عن تحديد أهداف مركزية أو عن غياب رؤية واضحة المقاصد لكيفية الفعل في آليات التنمية المحلية؟ إنها تساؤلات كبيرة مطروحة منذ مدّة طويلة لكن يتم المرور عليها مرّ الكرام. وهذا إن ينم عن شيء، فإنه قد ينم عن غياب في الانخراط الفعلي في رغبة تنمية حقيقية للمدينة.ولا أدل على هذا عدم وضوح أي هدف مركزي يرغب المجلس الحالي في تحقيقه، إن على المستوى القريب أو المتوسط أو البعيد. فليس هناك هدف واضح انطلاقا منه يتم اعداد الميزانية، وبالتالي تظل مجرد موازنة بين أرقام لا تستند على معطيات ذات ارتباط بالواقع، وإنما هي في نهاية المطاف تخريجات مرقمة الهدف الأسمى منها هوضمان مصادقة مصالح الوصاية عليها للتمكن من صرفها أو تأجيل صرفها دون غاية واضحة، وهذا أمر لم يعد مقبولا في واقع مطبوع بأزمة خانقة ظلت ولازالت تسير نحو التعمق. لقد قيل بالأمس القريب: سنتصدى لإشكالية سوق الجملة وسنعالج إختلال المداخيل وسنعمل على تهييء دفاتر الشروط والتحملات الخاصة بجملة من القطاعات والأنشطة وسنقوم برفع الضبابية على المرافق الجماعية وممتلكاتها بغية تحسين تدبيرها. فكلما تم التطرق لإختلال من الاختلالات إلاّ وقيل أنه وجب القيام بدراسة، لكن ولودراسة أقيمت. لقد قيل وقيل، وفي كل سنة يقال ماقيل سابقا، ويمرّ الحساب الاداري. وفي السنة الموالية يتكرر نفس السيناريو، باعتبار أن الأمر يحسم دائما من طرف أشخاص لا دور لهم إلا رفع اليد عند سماع من يوافق على الحساب الاداري؟ وهكذا ذواليك.
أضحى العادي والبادي الآن يعرف أن هناك عدّة إمكانيات لتحسين المداخيل، على الأقل من أجل تبرير مردودية ولومحتشمة للجيش العرمرم من الموظفين والذين يفوق عددهم 1700 نفر وكلهم محسوبون على المجلس والجماعة. فهناك عدّة مصادر مداخيل لازالت معطّلة بفعل التسيب والإستهتار أو الزبونية أو غياب المهنية أو التسامح أو تقديم المصلحة الشخصية عن المصلحة العامة أو التدبير الاستهتاري أو لمجرد التخلي عن القيام بالمسؤولية. فهناك انجاز عمليات بيع وشراء وترويج السلع الإستهلاكية خارج الدوائر المخصصة لها بفعل التواطؤ وغض النظر. وهناك عدم الاهتمام الفعلي والمسؤول بتحسين مداخيل الرسوم المفروضة على الاقامة والمؤسسات السياحية والضريبة المفروضة على الملاهي والحانات والمشروبات. وهذا علاوة على إشكالية التعامل مع الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، وإشكالية تفويت بعض المرافق دون جني نتائج.وإشكالية الرسوم المفروضة على المنتوجات الصناعية، وهي رسوم يمكنها أن تذر مداخيل هامة لكن الأمر مازال لم يحض بعد بالأهمية التي يستوجبها الوضع وتفرضها المسؤولية. فهل الأمر مرتبط بلوبيات تسعى على الدوام لإبقاء الحال على ما هو عليه؟
خلاصة القول هناك نفس النغمة ظل المواطن يسمعها كل سنة. في كل مرّة يتم الإقرار بالاختلالات ويتم التصريح بضرورة التصدي لها، كما أنه قيل ويقال سيتم عقد دورة استثنائية بخصوص هذا الاختلال أو ذاك أو إحداث لجنة للتتبع والمراقبة. إنها نغمة لازالت تردد إلى حذّ الآن وتظل الاختلالات هي هي، وعقلية التعامل مع الميزانية هي ذات العقلية ونهج إعدادها هونفس النهج إلى حدّ وقوع ملل في هذا الصدد. فهل النهج المعتمد لإعداد الميزانية والتعامل معها له صلة بالتدبير العقلاني وقواعد حكامة الشأن العام؟ الجواب يعرفه الجميع. وهل المهم والأهم هو الموازنة سعيا وراء المصادقة أم البحث على جعل الميزانية آلية من الآليات الأساسية لتغيير واقع تم توصيفه؟ والجواب كذلك واضح في هذا الشأن. ويبدو أن أول ما يجب القيام به هو توصيف الواقع الفعلي للحال للمجلس، بشرا وإدارة وأملاكا وأدوات وآليات ومرافقا، لأنه لا يعقل أن يكون صاحب الشأن جاهلا لحاله وواقعه لأنها طامّة ما بعدها طامة. وفي نهاية المطاف يبدو أن الهدف الوحيد الطاهر من الميزانية الاخيرة لمجلس القنيطرة هوتحقيق فائض في انتظار بلورة رؤية تمكن من استعمال الميزانية كآلية لخدمة هدف مازال في نطاق خبر كان إلى حد الآن. إدريس ولد القابلة
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدث للذكرى
-
الشباب والممارسة الديمقراطية بالعالم القروي
-
مأساة مطرودي و مطرودات شركة لامونيكاسك المغرب محنة القرن
-
مفهوم الاعتقال السياسي بالمغرب
-
مقالع الرمال : نهب و أضرار بامتياز
-
هل تدني الأجور ميزة مغربية أم مصيبة؟
-
ماذا حدث يوم 23 مارس 1965؟
-
إشكالية النفايات الطبية أو الاستشفائية
-
حديث حول جحيم تازمامارت
-
شهادات بدون قيود من أجل الحقيقة
-
تازمامارت آكل البشر
-
ذلك الشباب
-
أداب مهنة الطب و حقوق الإنسان
-
الخط الأحمر الفعلي
-
مغرب ـ جزيرة ومغرب ـ محيط
-
ملف الشهيد عمر بنجلون لازال مفتوحا
-
مشروع قانون الأحزاب السياسية خطوة إيجابية وجب إغناؤها
-
ملف الاختفاء القسري من الصمت إلى طرح الإشكالية
-
هذا هو حال المثقفين المغاربة
-
ما زالت شركة التبغ تستبلد المواطنين بمباركة وتزكية الحكومة
المزيد.....
-
الاقتصاد الأميركي في تراجع وسط تصاعد الحرب التجارية مع الصين
...
-
خط بحري لنقل الركاب بين مرفأي لارنكا وجونية
-
البنك الدولي: تواصل ارتفاع أسعار الأغذية في الأردن للشهر الث
...
-
آسيا الوسطى تسعى لتوسيع أسواقها وأفغانستان تبحث عن بديل تجار
...
-
الصين تقيّم عرضا أميركيا لمناقشة الرسوم الجمركية وتحذر من -ا
...
-
مظهر صالح: الأمانات الضريبية جزء من الحيز المالي وتأمين الإن
...
-
اسعار الذهب ترتفع رغم تسجيلها أسوأ أداء أسبوعي
-
يافلينسكي: الولايات المتحدة أحبطت سرا الإصلاحات الاقتصادية ف
...
-
هل تفي الحكومة المصرية بوعدها توفير كهرباء بلا انقطاع في الص
...
-
الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من -الابتزاز-
...
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|