في غمرة التصريحات الرسمية التي تملأ الدنيا صخبا و التحليلات الأعلامية السياسية و العسكرية و الأقتصادية و النفسية ….الخ التي لا تنتهي حول مستقبل العراق و مصيركم شخصيا و في لجة إختلاط الحابل بالنابل و إختلال المقاييس و الموازين و دخول شعيط و معيط على الخطوط ، و التي لا بد وجعلت منكم كريشة في مهب الرياح وحسبة تجيبكم و حسبة توديكم على حد تعبير الأغنية العراقية المشهورة ، قررت أنا أيضا أن أكتب لكم. وفي الوقت الذي لا يذكر الناس إلا مساوئ سياساتكم بإستثناء عدالتكم في توزيع ظلمكم على كل العراقيين ، لابد من الأعتراف بميزة أخرى لحكمكم وهي أن كبتكم الشديد للعراقيين ألهب خيال الكثيرين منهم وجعلهم كتابا رغم أنفهم ورغم إفتقارهم لعدد الكتابة و خبرات التحليلات السياسية و الأستراتيجية مستفيدين من نعم الثورة المعلوماتية و الأنترنيت .
ولمعرفتي بعدم اقتناعكم إلا بأمهات الأشياء كأم المعارك و أم الهزائم و أم القرارات ، رغم براءة الأمومة من كل ذلك ، قررت أن أعنون رسالتي هذه بأم الرسائل علها تثير إهتمامكم أولا ولتليق بمقامكم ثانيا ولأبلغكم بأنني لن أعود الى الكتابة لكم بعد رسالتي هذه ثالثا.
ليقيني بأن المحيطين بكم من المنافقين و الأفاقين و القتلة لن يتجرؤا أن يتفوهوا الا بما ترغبون بسماعه ولن يقدموا لكم النصيحة و المشورة للخروج من هذا المأزق الذي وضعتم العراق وشخصكم فيه ، بل يمكن أن تتسبب طروحاتهم في إحلال الكارثة بالشعب العراقي و بكم شخصيا ، لذا قررت أن أبادر الى إدلكم على المنفذ الوحيد ألا وهو الأستسلام الى محكمة جرائم الحرب في لاهاي .
لن أتعجب كثيرا من غضبكم من هذا الكلام للوهلة الأولى ، ولكنكم إذا كظمتم غيظكم للحظات وقررتم إلقاء نظرة سريعة على مايلي من رسالتي هذه ستدركون محاسن هذه المبادرة الانسانية. أعرف أن مفهومكم البعثي ذي الرسالة الخالدة للمحاكم و السجون يترادف مع إمتهان كرامة الأنسان من خلال تعليقه و إجباره على الجلوس على القناني و إبتلاع السمك من المؤخرة و إستخدام الصدمات الكهربائية و قلع العيون و الأظافر والى آخر القائمة من الأكتشافات الرهيبة التي سجلت بإسمكم في التاريخ ولايمكن لأحد أن يدعي بأنه سبقكم إليها . من الضروري أن أوضح لك بأن السجون في هولندا لمعرفتي بها بحكم مهنتي التي فرضت علي دخولها و معالجة نزلائها ومن بينهم العديد من العراقيين لا بسبب قيامهم بجرائم حرب أو جرائم ضد الأنسانية أو الأتجار بالمخدرات أو الأغتصاب ، بل وفي أكثر الأحوال بسبب عدم معرفتهم لقوانين هذه البلاد التي أجبرهم عنفك الى اللجوء اليها و قضاء أيامهم الحزينة و المليئة بالحسرات فيها. هذه السجون التي أتحدث عنها هي السجون العادية وهي بمستوى فنادق الخمسة نجوم في إمبراطوريتك الشريرة ، فكيف بسجن محكمة لاهاي المخصص لك و لرفاقك من أمثال سلوبودان ميلوسوفيتش و نزار الخزرجي و وفيق السامرائي و زعماء التوتو و الهوتسي و غيرهم . في هذه السجون لا يستطيع أحد أن يمتهن كرامة الأنسان بل و يمنع إسكان سجينين في غرفة واحدة إحتراما لخصوصيات البشر . والوجبات الغذائية التي تقدم للسجناء أكثر صحية من معظم المطاعم في هذه البلاد . يمكنك في السجن أن تقرأ ما ترغب في قرائته إذ لا توجد هناك قوائم الكتب الممنوعة السائدة في إمبراطوريتك بل و تستطيع ان تكتب روايات جديدة هابطة على شاكلة زبيبة و الملك و لكنني لا أستطيع أن أضمن لك ناشرا يأخذ على عاتقه مهمة نشرها أو نقاد يعقدون المؤتمرات الدولية لتقويم أبداعاتك الأدبية و الأفكار الفلسفية العميقة التي تختزنها رواياتك ، لأن الذين كانوا يشاركون في هذه المؤتمرات لقاء كوبونات النفط أو الشيكات المصرفية لن يحضروا بعد أن تأكدوا من خواء جيوبك ولابد أنهم وجدوا لهم من بين الحكام من يحلم بالحلول محلك على مسرح الأحداث . ولكنني أستطيع أن أجزم بأنك ستعثر دائما على من يبحث عن المثير من أخبار الشرير . كما إنك تستطيع أن تتابع من زنزانتك تلفزيونات العالم دون رقيب. صحيح إنك لن تشاهد التسجيل الكامل لخطبك المملة و زياراتك السياحية و لقاءاتك الحميمة بجرينوفسكي و هايدر و باللهلوبة أم محمد و المهرج محمد صبحي ومهندس الحقد شبيلات و غيرهم من الأمعات ، الا أنك ضمنت لنفسك دخول التاريخ من بابه السري رمزا للشر و الكراهية و ستبقى شاشات التلفزيون تتذكرك من حين لآخر عندما تتحدث عن فترات الرعب و القسوة في التاريخ العراقي و الأنساني ، ولا أستبعد أن تتحول أفعالك و جرائمك الى موضوع محبب لمخرجي أفلام الرعب و الكوميديا السمجة لآجال طويلة . كما أنك ستجد في السجن من تقوم بتدليك ظهرك بأيدي ناعمة تساعدك على التغلب على آلام الظهر التي تراودك بين فترة و أخرى و التي جعلت منك كائنا شرسا تكره البشرية . كما أنك وبعكس تصرفك مع ضحاياك ستنال الفرصة الكاملة للدفاع عن نفسك و رسالتك الخالدة لأيصال البشرية الى حافة الجحيم و الأستعانة بجيش من المحامين للدفاع عنك .
الأهم من هذا و ذاك أنك ستنام ملئ عينيك و لن تضطر الى تغيير سريرك و غرفة نومك عدة مرات في الليلة الواحدة كما تفعل الآن و منذ أكثر من عقدين من الزمن . ولن تكون بحاجة الى من يتذوق الطعام قبل أن تتناوله لأن لا أحد يريد تسميمك في السجن. ومن الحسنات الأخرى لسجن لاهاي هو أنك ستتخلص من التحديق بالوجوه الكالحة لعدي و عزة و طه و مزبان و جربان وغيرهم . و مهما كانت الجرائم التي أرتكبتها فظيعة و بعد أن تتثبت منها المحكمة من خلال التدقيق بأطنان من الوثائق و الأستماع الى المئات و يمكن الآلاف من ضحاياك لن تواجه بحكم الأعدام بل ستكتفي المحكمة بسجنك مدى الحياة ، وأنت القائل مرة لأحد زعماء العشائر في الحويجة بأنك أذا كنت تفكر بأخذ ثأرك مني عندما يسقط النظام لن تجد مني قطعة صغيرة لأن العراقيين سيسبقونك الى تقطيع أوصالي .ألا يستحق كل هذا أن تستمع الى مشورتي وتسلم نفسك الى محكمة لاهاي لمجرمي الحرب ؟!!
محسن عجيل البغدادي
12 . 11 . 2002