مصباح عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 1217 - 2005 / 6 / 3 - 06:40
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
هي محاولة لإثارة الفتنة بين العرب و الأكراد، تتكرر تجاريبها الفاشلة منذ بداية السنة الحالية، بصورة ملحة.. فلا تني الجهات الطامحة في حصد الثمار، تحاولها المرة تلو المرة، ليس فقط في منطقة تسلطها الرئيسية- سورية بل أيضا هنا في منطقة نفوذها/ احتلالها المحررة- لبنان- و قد كانت أحداث القامشلي أخطرها، و لكن العقل الذي تحلى به الأكراد خاصة قطع الطريق على المجربين، طبعا إضافة لانكشاف الجريمة التي يخطط لها النظام، و انفضاح حقيقة معاداة النظام للشعب؛ الأمر الذي مثل حماية ذاتية للشعب، احرزها عبر تجارب عديدة مكلفة مع طغمة حكمته بأبشع و أخبث طرائق الحكم و كادت أن تذهب بمستقبله لعقود و عقود.. و كما أن لكل حال ضده، فقد كان هذا بمثابة ترجمة للمثل القاشل" رب ضارة نافعة".. حين أدى تهور النظام و صلفه و ولوغه في حقوق و كرامة و حياة شعبه- حتى منهم المحسوبين عليه- إلى نوع من وحدة وطنية عفوية، أساسها معاداته، أو على الأقل عدم تصديقه، و هو ما شكل لهم بالتالي بديلا عن وعي مصادر عبر الطرق العصرية( حرية صحافة، و حرية تشكيلات سياسية، و توفر معارضة حرة الحركة..). هذا ما أعتقد به؛ فهل يكون النظام هو المستفيد من فتنة داخلية، على الضد مما درجت عليه النظم الحاكمة- و بخاصة الشمولية، التي يعتبر النظام السوري من نماذجها، أو مخلفاتها- التي تستمد ضرورتها، أو تثبت شرعيتها، بدافع حماية النفس على الأقل، عبر فرض السلم الأهلي، و لو كان من نمط سلم الأموات- كما هو واقع الحال في سورية، حتى الوقت الحاضر.
عند البحث عن المستفيد من محاولة إثارة الفتنة في واقع كان مضبوطا بسلم أهلي إكراهي( و هذا لا يعني أنه ضد السلم الأهلي ذاتيا)، لا بد من تجنب التركيز على الفائدة المباشرة، نحو تقصي الفائدة البعيدة، أي المربوطة ربطا بعيدا عن الظاهر البادي للعيان.. و عليه فإن الفتنة ستكون في جملة تداعياتها ذريعة لتشديد النظام قبضته الأمنية، التي راحت أظافرها المنغرزة في جسد الشعب المأسور تتلقى الضربات، من الخارج و الداخل، لكي تحرر الشعب المكبل.. و كما هو واضح فإن تارخ هذا النظام لم يعرضه قط لمثل هذا النوع من الضغوط، و بهذا الحجم. و لأسباب تتعلق بحرية الإنسان. و عليه أيضا تبدو الفتنة، بنظر العناصر الأكثر وحشية في النظام المتهالك، هي الدواء الناجع- أو ربما المتبقي- لما يعانيه لنظام من آلام، لا تقل عن آلام سكرات الموت، إن لم تكن هذ هذه(؟) و ذلك لتأمين واقع يجدد استدعاء الحاجة إليه إقليميا، عبر خوف النظام العراقي الوليد من انهدام السد الحدودي كليا أمام التسرب الإرهابي إليها، و عبر تغاضي- بل مباركة- تركيا عن إلهاء الشعب الكردي بما يحد من نمو طموحاته، و يصرفه بالتالي عن أي معاودة لمعزوفة الدولة المستقلة، التي لا يقل خوف النظام السوري منه عن الخوف التركي، بل يفوقه( و الدليل هامش الحرية التي عيشها الأكراد في تركيا، طبعا بالقياس إلى سوريا).. و دوليا عبر مباركة أمريكية في شأن داخلي، هو من النوع الذي لا يهدد أمنها و مخططاتها.. و عربيا عبر تولد شعور عربي بضرورة النظام لخدمة ظرف معقد، ليس بمقدور أحد غيره التحكم به..
قد تكون كل هذه المبررات مرحلية، و مركوزة على منصات متحركة.. و لكنها تفيد على الأقل كنوع من الحلول الإسعافية السريعة، في مغامرة كسب الوقت التي يبدو أن ليس أمام النظام سواها، الآن أو ما هو أفضل منها- ما دام ليس في وارد الإصلاح و الانفتاح على الشعب، و القبول بولادة دولة القانون و الديمقراطية و الحرية و التداول السلمي للسلطة.. و ليس ذلك في مقدوره، و هو في نظره معادل للانتحار.
بالطبع ثمة العديد من الاحتمالات التي يمكن أن تنسب المسؤولية في محاولة إثارة الفتنة لجهات اخرى غير النظام(؟،؟،؟)؛ و لكن غلطة المجرم- التي لا تترك جريمة كاملة- و المتمثلة هنا في تغييب الشيخ المغدور، و التنكر لوجوده، قبل أن يظهر فجأة على هذا النحو المفاجئ الغريب، مقتولا، و عليه آثار تعذيب( رغم ما يحمله هذا الظهور من علامات استفهام قوية- كما لو ان السلطة تعترف بالقتل)؛ أقول هذه الغلطة تجعل من البحث عن جهات أخرى تصلح لتحميلها المسؤولية عملا غير ضروري.
و على كل فالاعتراف الصريح لأية جهة عن مسؤوليتها بالقيام بالفعل، لا يبطل دور التحقيق و البحث في الجريمة إلى النهاية. و هنا فإن الدعوات و المطالبات بالمحكمة الدولية و التحقيق الدولي تحمل وجاهة و أهمية لا لبس فيهما. و لا يقلل من هذه الوجاهة و تلك الهمية خشية البعض من تبعات و مستحقات التدخل الخارجي في الشرون المحلية.. فالتدخل الدولي الحقوقي و القانوني هو ما تفتقر له الدول العربية، من جملة دول العالم الأخرى التي تقاربها في الوضع؛ و ليس التدخل الحالي المتناسب مع طبيعة الأنظمة المستبدة بالشعوب و المستنزفة لطاقات البشر و الطبيعة معا.
#مصباح_عبد_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟