أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد بشير تيلجي - عنف الفكر الاصولي















المزيد.....

عنف الفكر الاصولي


خالد بشير تيلجي

الحوار المتمدن-العدد: 4266 - 2013 / 11 / 5 - 08:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يصف الفيلسوف زيجمونت بومان حالة مابعد الحداثة بالحداثة السائلة، حيث لم يعد هناك متسع للحقائق الصلبة الراسخة والتي كانت تمنح الانسان الشعور بالطمأنينة. هذه الحقائق الصلبة التي لا تتغير مع تغير الزمان والمكان ولا مع السياق، أصبحت غير متماشية مع واقع مابعد الحداثة، وصار على الٳ-;---;--نسان قبول الحقيقة بشكلها اللين. هذا الشعور بفقدان الأرض الصلبة التي كان الٳ-;---;--نسان يستند عليها، لحد تقديسها، جعلته يشعر بحالة من التيه والخوف في عالم متحرك، تتفاعل فيه الشعوب والأمم مع الواقع على شتى الأصعدة حتى وإن رفضته وحاولت التقوقع في واقعها المحلي. من هنا فإن حالة السيولة هي مسألة لا تخص الغرب فقط على سبيل المثال، أو تؤثر على فئة معينة من الناس الذين يتبعون فكراً معيناً دون غيرهم.
انطلاقا من هذا الواقع يحاول أستاذ الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع ليونيل كابلان فهم فكرة "الأصولية" بالمعني الأوسع من الاستخدام الضيق لها في السياق الديني، فهو يفهم الأصولية كخطاب يندرج ضمن ما أسماه الفيلسوف ميشيل فوكو "نظام الحقيقة". وفقاً لكابلان، تتجاوز الأصولية المجال الديني، حيث يدعي الأصوليون أنهم وحدهم الذين يملكون الحقيقة المطلقة في عالمنا. من خلال هذا المعتقد، سواء أكان دينياً أو غير ديني، يفصل أتباع الفكر الاصولي بين أنفسهم والآخرين، وبين أولئك الذين يعلمون والذين لا يعلمون الحقيقة الكاملة والصحيحة في أي سياق. وبحسب كابلان هذا قد يجعلنا جميعاً الى حد ما، وفي نطاق معين "أصوليين"، ﻹ-;---;--يماننا الراسخ ببعض الحقائق على أنها حقائق مطلقة تشمل جميع العالم سواء أمنوا بها أو لا.
هنا يكمن الخطر في محاولة تطبيق هذه الحقيقة ألأصولية على الآخرين بالجبر أو بالقوة أو حتى باستعمال العنف. إن ربط الحقيقة الصلبة بالعنف نابع من تعريف الفيلسوف الإيطالي اليساري جياني فاتيمو للعنف على انه إسكات الآخر. هذه الحقيقة الميتافيزيقية التي تقدم نفسها بٳ-;---;--عتبارها فريدة ومطلقة هي حقيقة عنيفة. من هذا المنطلق نحاول هنا فهم "الأصولية" كونها حقيقة ميتافيزيقية صلبة، والفكر الأصولي على أنه ٳ-;---;--يمان ديني أو غير ديني بالحقيقة وفقاً لفهمه لها، وبالتالي فٳ-;---;--ن هذه الحقيقة العنيفة هي جوهر الفكر الأصولي، والذي يظهر بأشكال ومستويات مختلفة. هنا تبرز مسألة الإرهاب كأحد اسوأ حالات العنف. فبحسب فاتيمو رغم أن العنف لا يحدث دائماً انطلاقاً من حقيقة صلبة، لكنه يتجلى في شكله الأكثر حدة عندما ينطلق من حقيقة كهذه. هنا تأتي مسألة الحرب على الإرهاب - التي أعلنتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبرعام 2001، التي أرتكبها الأصوليون المتدينون- مثالاً على ذلك الربط بين الإرهاب المبني على فكر أصولي، وبين مواجهته بفكر أصولي آخر.
من الأمثلة على الفكر الأصولي المرتبط بالمسألة الدينية هو ما يسمى ب"الملحدين الجدد" وعلى رأسهم عالم البيولوجيا التطورية ريتشارد دوكينز، الذي يتبنى فكراً أصولياً لمواجة فكر أصولي آخر، بغض النظر عن أي سياق تاريخي أو ٳ-;---;--جتماعي. يفهم دوكنز الحقيقة العلمية بٳ-;---;--عتبارها الحقيقة الوحيدة، ويقف ضد حقيقة الدين بٳ-;---;--عتباره حقيقة زائفة.
مسألة القومية الدينية هي مثال ثالث على الفكر الاصولي وهي حالة خاصة تجمع ما بين حقيقتين صلبتين، وهما الدينية والقومية. فوسط التحديات التي تواجه القومية العلمانية في عصر العولمة، وفي زمن (الحداثة السائلة) بحسب بومان، تقدم القومية الدينية نفسها بٳ-;---;--عتبارها الحل لضعف القومية العلمانية. هذا الدمج يبعث على القلق. فمن ناحية تجد القومية دعماً في الدين كونه حقيقة صلبة، ويضع هذا الدمج مفهوم الديمقراطية في خطر. ومن ناحية أخرى، فإن الدين الذي يسعى الى السلطة داخل نظام سياسي، يحول الإيمان الى مسألة سياسية، كحقيقة موضوعية مشروعة من قبل الدولة.
هناك أيضاً العديد من الأمثلة الأخرى الغير مرتبطة بالدين، ومع ذلك يكون فيها رد فعل الفكرالأصولي عنيف ضد الحقائق التي لا تتوافق معه. ففي نظرية صامويل هنتنجون، والتي يطرحها في كتابه عن صراع الحضارات، مثال على الخطاب السياسي الذي يتبنى شكلاً من أشكال الفكرالأصولي. بحسب هنتنجون، بعد نهاية مرحلة الحرب الباردة أصبحت الهويات الثقافية والدينية تمثل أرضية للصراعات المستقبلية. هذه الرؤية الأحادية، والمطلقة، والتي تقدم نفسها على شكل حقيقة ثابتة عن شعوب العالم، و تقسمها بشكل قاطع بين (شرق و غرب) و بين (نحن و هم) هي حقيقة مبنية على فكر اصولي وتحمل في طياتها العنف تجاه الآخر.
مثال خامس من المواجهة القائمة على الفكر الأصولي يمكن أن نستشفه من خلال ربط طرح ناعومي كلاين، في كتابها المعنون تحت اسم: (عقيدة الصدمة : صعود رأسمالية الكوارث)، حيث تنتقد كلاين الفكر الاصولي الذي يؤمن بتطبيق الصدمة، كوسيلة علاجية لتحقيق أهداف معينة. تحدد كلاين نوعين من الصدمة: الجسدية والٳ-;---;--قتصادية. تعتبر ناعومي الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان عرّاب السوق الحر و رمز التفكير النظري لليبرالية الٳ-;---;--قتصادية الجديدة. وفقاً لكلاين سعى فريدمان ٳ-;---;--لى ايجاد حالة رأسمالية نقية، خالية من كافة المعوقات التي تنشأ نتيجة التنظيم الحكومي والحواجز التجارية والمصالح الراسخة. يتطلب هذا اﻹ-;---;--يمان ٳ-;---;--يجاد صدمة عن طريق اللجوء للعنف في حالة عدم حصولها بشكل طبيعي. هذه الفكرة المثالية هي حالة أخرى من التفكير الأصولي الرأسمالي.
مثال سادس علي الأصولية هو أصولية السوق الحر التي يعبر عنها رجل الاعمال جورج سوروس، فٳ-;---;--ن فكره اﻹ-;---;--قتصادي العنيف يتبنى أيضاً حقيقة مثالية حتى وإن اقتضى تطبيقها اللجوء الى ٳ-;---;--ستخدام الصدمة أو القوة العسكرية. ينتقد سوروس أصولية السوق الحر، لٳ-;---;--يمانها بأن تقديم المصلحة العامة يتم على أفضل وجه عندما يسمح للناس تحقيق مصالحها الخاصة، بحسب النظام الرأسمالي العالمي الذي يستند على نظرية المنافسة الكاملة، وهذا يشمل رفع جميع القيود المفروضة على المنافسة الحرة. لكن طبقاً لسوروس، تكمن المشكلة في أن السوق مصمم لرعاية المصالح الخاصة وليست العامة. ٳ-;---;--ن "أصولية السوق الحر" كنظام سياسي ومالي تكمن في ٳ-;---;--يمانه التام بالأداء المثالي للسوق الحر، كحقيقة مطلقة في أي سياق، متجاهلاً العديد من الحقائق الاخرى، ومنها الخاصة بالعوامل السياسية وحقوق الإنسان.
استناداً لفكرة الفيلسوف فريدريك نيتشه القائلة بأنه لم تعد هناك حقائق ولكن فقط تفسيرات، يبين فاتيمو أنه من ضمن ٳ-;---;--ستراتيجيات تجنب العنف والٳ-;---;--شتباكات نتيجة تصادم الحقائق الصلبة المختلفة، ٳ-;---;--نهاء فهم الحقيقة الميتافيزيقية بوصفها حقيقة صلبة وعنيفة. بدون وجود الحقائق الميتافيزيقية الصلبة والقوية، أصبح انسان ما بعد الحداثة غير قادر على ٳ-;---;--تخاذ القرارات أو معرفة وجهة الذهاب. هذا يعني بأن الحقيقة لابد وأن تفهم ضمن سياق اجتماعي وتاريخي معين، حيث يطلق على هذا النوع من الحقيقة بالحقيقة "اللينة"، ليس لكونها حقيقة عديمة القوة ولكن بٳ-;---;--عتبارها حقيقة غير صلبة أوعنيفة، حيث يمكنها التعايش مع غيرها من الحقائق. ٳ-;---;--ن مخاوف الانسان المعاصر في زمن الحقائق السائلة لا يمكن أن تصبح سبباً لٳ-;---;--حتضان الفكر الأصولى، المبني على حقائق صلبة ، كوسيلة للاختباء وراء أمان كاذب، والذي يمكن أن يؤدي إلى العنف.



#خالد_بشير_تيلجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد بشير تيلجي - عنف الفكر الاصولي