علم الدين عبد اللطيف
الحوار المتمدن-العدد: 1209 - 2005 / 5 / 26 - 10:25
المحور:
المجتمع المدني
(نص المداخلة التي ألقيت حول محاضرة (الدولة ـ الديموقراطية ـ المجتمع المدني ـ في طرطوس بتاريخ 23/5/2005)
- أشكر المحاضر الأستاذ شاهر نصر على هذه المحاضرة أولاً .. وأشير بالتقدير الكبير لجهده الملحوظ في وضع كتاب (( الدولة والمجتمع المدني )) ثانياً .. الذي كان لي شرف الإطلاع عليه وقراءته .
- المحاضرة هي إجتزاء انتقائي من الكتاب الذي يقدم بشكل موسع الموضوعات المتصلة بالعنوان. أي الدولة والمجتمع المدني. وظروف تشكّل الدولة, ومؤسسات المجتمع المدني في أوروبا. ومن ثم في منطقتنا العربية . إلا أن المحاضرة – بتقديري, لم تعط مفهوم نشأة الدولة – من الناحية التاريخية والموضوعية- حقه من التفصيل. وهو الأمر الذي يعرضه الكتاب بمستويات قد تكون للقارئ إضافاته وتعقيباته عليها ..وربما تحفظاته . إلا أنه من المهم هنا أن نذكر أن الدولة كمفهوم – وهو ما يشير إليه عنوان الكتاب, الذي يحيل إلى العمومية –مطلق دولة -.. نشأت في أوروبا تحديداً تحت مسمى الدولة الأمة. وعلى أنقاض مفهوم الأمة الدولة، بعد انهيار النظام البابوي القروسطي . والأشكال الإمبراطورية ((النمساوية والهنغارية والعثمانية)).
إن مفهوم الدولة الأمة, يقوم على التوحيد والمجانسة (( اللغة والاقتصاد والتعليم والجيش )) في سبيل إنتاج هوية وطنية واحدة. مقابل التعدد والاختلاف والتمايز, الذي كانت تتسم به الإمبراطوريات الممثلة أنموذج الأمة الدولة.. وفي هذا المجال تم العمل على عقلنة المجتمع في الدولة, وتوحيد فعالياته وأنساقه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ووضعها في خدمة نموذج الدولة المعقلنة والمقومنة (من قومية) في آن واحد, وبأشكال قد تكون مختلفة, وتحت تأثير النظريات الدولتية من هيغل إلى ميكيافيلي.. وفيخته ورينان.. مروراً بجان جاك روسو ومونتسكيو. في سبيل تعميم نموذج الدولة الأمة, التي روّج لها المفكرون الدولتيون. وتمت عبادتها في أوروبا باعتبارها المكان الوحيد في العالم الذي يتسع لإنسانية الإنسان.. وظهرت نماذج الدولة الأمة أولاً بشكل الدولة الفعلية ((النابليونية)) - المفترضة والمفروضة بآن - ثم الدولة القانونية، والدولة الدستورية.. والدولة التعاقدية...ثم الدولة الشعبوية ((الديمقراطيات الشعبية)) وغيرها.
في كل هذا لا نجد ملمحاً للدولة العصرية التي نتكلم عنها هنا. والتي تم العمل فيها على ترسيخ وتمثّل مفاهيم الديمقراطية, وحرية العمل السياسي والإعلامي والثقافي ...إنها الدولة الحديثة والحداثوية. التي يرتفع فيها سقف الحريات. وتمتد آفاق الفعل الإنساني المبدع. والتي لم تكن موجودة قبل الحرب العالمية الثانية – أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والدول الاسكندنافية..والتي عممت منظومة قيم جديدة, تقوم الدولة بموجبها بدور الإشراف والرعاية فقط . في إطار الدستور والقوانين المنبثقة عن مجلس تمثيلي منتخب بشكل ديمقراطي.. وهذا يحيل إلى مسألة التراكم النوعي للقيم التي جاءت بها الثورة الفرنسية. إلا أنها بدت متنامية التطور –أفقيا ورأسياً – الفرد المتملك لحريته يطور المجتمع.. ويقوم المجتمع بدوره بتطوير الأفراد بشكل مضطرد... وهي الشكل الأكثر اختزالاً للمجتمعات المدنية التي تنشأ فيها النقابات الحرة والمستقلة والجمعيات غير الحكومية وجماعات الضغط السياسي ذوي البرامج المتغايرة... والمنتديات وسلطة الصحافة... وغير ذلك... إلاّ أنّ أوربا المنتدبة على بلدان الشرق حاولت تعميم نموذج الدولة ـ الأمة في مناطق الانتداب أو الحماية أو الوصاية أو الاستيطان... دون أن تلقي بالاً إلى مقومات قيام الدولة التي راعتها بدقة في أوربا ـ وأعني هنا التوحيد والمجانسة... في مجتمعات تنتمي ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً إلى ما قبل مرحلة الأمة... مجتمع أهلي قوامه الأسرة والعشيرة والطائفة والقبيلة... وربما البداوة وعدم الاستقرار والتمركز... وحتى إنّه إبان تكوين الأحزاب السياسية... من اليمين إلى اليسار... وقد ذكر الأستاذ المحاضر ذلك صراحة ـ فقد كان لتدخل القوى الخارجية... من أمريكا وأوربا إلى الاتحاد السوفيتي و"الكومنترن"... دور في تخليق هذه الأحزاب... بمعنى أنّها لم تشكل انبثاقاً وتمظهراً لحالة سياسية وثقافية فعلية في هذه البلدان... والتي يفترض أن تقوم بدور الرافعة التنظيمية فيها مؤسسات المجتمع المدني الحقيقي... ومن هنا رأينا تعثر هذه الأحزاب وإخفاق برامجها... وغربتها... وانشقاقاتها... ومواجهة السلطات لها كطرف منعزل وضعيف.
ـ الكتاب "الدولة والمجتمع المدني" يقدم توثيقاً دقيقاً ومهماً... للأحزاب والجمعيات والصحف والدوريات التي قامت أو صدرت في سورية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى خمسينات القرن الماضي... وحبذا لو اتسعت المحاضرة لتبيان ظروف نشاط كل منها... ودلالة تسمياتها... ودورها... وبرامجها.
أكرر شكري للأستاذ شاهر على كتابه المعلَّم... وعلى تقديم هذه المحاضرة في هذا الوقت بالذات، الذي تكثر فيه السجالات حول دور المجتمع المدني... وطبيعة وجوده في بلادنا... وهو جهد يضاف إلى جملة إنجازات أخرى في مجال الفكر والعلم والأدب... ويشكل معلماً مهماً للمثاقفة الحرة والجريئة... وشكراً..
طرطوس 23/5/2005 المحامي: علم الدين عبد اللطيف
[email protected]
#علم_الدين_عبد_اللطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟