أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العربي غجو - لغز البيت الأبيض















المزيد.....

لغز البيت الأبيض


محمد العربي غجو

الحوار المتمدن-العدد: 1206 - 2005 / 5 / 23 - 08:30
المحور: الادب والفن
    


(لغز البيت الأبيض(خوان غويتصولو)
عندما استيقظ الرئيس كما اعتاد مع الطلائع الأولى للفجر, تأكد من صحة التوقعات الجوية : سماء صافية, حرارة مرتفعة شيئا ما. اغتسل ثم توقف لدقائق بالمكتب الذي يضع له فيه سكرتيره مفكرة اليوم, التي يكتبها مستشاره الروحي المفضل. مفكرةّ ذلك الصباح الخريفي الهادئ كانت تدحض تأكيدات أحد الملحدين بصدد مسألة تناغم الكون, تقول المفكرة: ّالرب وحده يسيطر على توازن الكون , ويرعى النظام الدقيق لدوران الأجرام, ولولاه لاصطدمت النجوم بعضها ببعض ّ عمق هذه العبارة أدهشه ومضى يرددها مع نفسه حتى حفظها. بعد ذلك اجتاز القاعات الفارغة واتجه إلى المدخل الذي يستقبل فيه الضيوف الأجانب, حتى يقوم بطقسه اليومي: التجول مع الكلب ليسلي.
كان من عادة الكلب الصغير أن يستيقظ باكرا كذلك, وينتظر الرئيس محركا ذيله, وحين يراه يبدأ يحوم حوله معبرا عن سعادته بنباح سعيد وجري لا يتوقف. لكن في الصباح المشؤوم ذاك لم يظهر للكلب أثر, ربما ظل نائما بعد برنامج زيارة طبيب الأسنان حيث يقوم أسبوعيا بإفراغ حرارته في كلبة لقيطة في حالة تهيج.
توجه نحو المكلبة التي تقع على حدود الغابة الصغيرة التي تعود ليسلي الركض فيها, فوجده نائما بالقرب من المدخل.. حين رآه الكلب وقف يتفحصه دون أن يبدي حراكا .. لا بل أحنى ذنبه وأرخى أذنيه وزمجر زمجرة
وأطلق نباحا كان في العادة يحتفظ به للغرباء . ومضى الرئيس ـ عبثا ـ يصفق, يخرج لسانه, يصفر, يلهج
بالمقاطع الأولى للنشيد القومي.. وانحنى محاولا مسح ظهره, غير أن الكلب أظهر أسنانه وضاعف زمجرته
وهم بعض الرئيس وهو منخرط في نباح لا يتوقف ..
ما الذي دها الكلب ؟ جفف الرئيس العرق من جبينه ونادى بالهاتف على رئيس البستانيين الذي كان يقوم على رعاية ليسلي, غير أن لقاءه له لم يكن أقل شراسة, حتى المربية التي نشأ بين يديها لم تسلم من غضبه .
ظل الجميع متحيرا أمام غضب الكلب المتصاعد متسائلين عن أي ولي صالح يتعين اللجوء إليه لمعالجة الكلب؟
أعضه كلب مسعور؟ مستحيل ـ أقسم رئيس الأمن الرئاسي ـ أن يتسرب حيوان أو شخص إلى المكان المحروس بعناية . حلاق ليسلي, الطبيب الشرفي للحيوانات, الخدم, الحراس ..كانواجميعا يراقبون المشهد باندهاش كبير. قرر الرئيس إخبار السيدة الأولى, فربما كانت....
خيبة أمل شاملة عمت الجميع, ليسلي حاول عض اليد التي أحسنت إليه .. مساعدوا الرئيس وكذا مستشاره الروحي أحسوا بالحزن. لا بد أنها حالة جنون عابرة, أو خلل ذهني ظرفي ناتج عن اضطراب نفسي
مرده إلى مخدر تم دسه في نظامه الغذائي المنتقى, لكن التحاليل الأولية كذبت هذا الطرح .. لم يكن هناك أثر لفيروس أو مخدر . ما أصاب ليسلي كان أشد كمونا وخفاء من الأسلحة الكيماوية والبكتريولوجية. لعل الإرهابيين عمدوا لاستعمال العناصر المجهرية لداء الجدري, أو الجمرة الخبيثة أو لعلهم أخضعوا ليسلي لإشعاع بواسطة أجهزة الليزر أو جهاز آخر مرعب في دقته وعدوانيته. لكن فكرة احتمال تعرض ليسلي لعملية غسيل مخ أو تنويم مغناطيسي بواسطة جهاز التحكم عن بعد, كان لها مناصرون كثر. وإذن ما جدوى وضع الأنظمة البصرية للمراقبة, وشبكة للكاميرات الثابتة, والحواجز الأمنية المجهزة بأنظمة الرصد الصوتية, بل ما جدوى طاقم الموظفين العالي التخصص أو هندسة التمويه غير المفيدة والعالية الكلفة ...
الخوف من فكرة الانتقال من التحكم في دماغ الكلاب إلى التحكم في دماغ البشر وإحداث أثر مشابه جعلت الجميع يرتجف هلعا ... ما عسى أن يقع إذا استيقظ الرئيس من نومه هو ومساعدوه والسيدة الأولى ذات صباح فوجدوا أنفسهم ضحية انهيار ذهني موجه عن بعد, وبدؤوا يعلنون أفكارا تتطابق مع أفكار الإرهابيين الدوليين المفترض أنهم في حالة حرب معهم.
مساعدوا الرئيس نصحوه بان يخضع الكلب ليسلي لمجموعة من التجارب العلاجية النفسية كإجراء يسبق وضع أي مخطط دفاعي, ومن ثم قرروا أن يستعرضوا أمام ليسلي مجموعة صور ثابتة في القاعة التي يشاهد فيها الرئيس وزوجته أفلامهم المفضلة, وذلك لمعرفة ردود أفعاله.
بدؤوا بصور لقادة القارة العجوز, وعندها تلاشت ملامح الغضب من وجه ليسلي ليحل محلها تعبير من اللطف والبشاشة والرضى, ولكن عندما ظهر على الشاشة ثلاثي جزر الأشور( بوش, بلير,أزنار)* اختفت السماحة والطبع الرضي وبدأ الكلب يزمجر ويظهر أنيابه إلى حد الاختناق وكأنه وقع فريسة نوبة هستيرية مفاجئة . وعلى العكس تماما حينما ظهرت صور شرير الجبال البيضاء ( أسامة بن لادن) أو الطاغية صاحب الشنب (صدام حسين) فقد بدأ الكلب يقفز فرحا, وتعين على الحراس لجمه حتى لا يذهب في اتجاههما مبرزا كل
مظاهر الحنان والتحبب.
قام الرئيس على الفور باستدعاء مجلس الأمن القومي, لزم القيام بمسح عميق لبنك المعلومات المتوفرة حول كل من يحتك بليسلي أو يستطيع الوصول إليه .. الحلاق , كبير البياطرة, المربية , الخدم, البستانيون , وذلك لمعرفة أصولهم الإثنية, ماذا يقرؤون؟ ما هي أفكارهم, وهل لديهم اتصالات محتملة مع العدو؟
بعد ذلك قام بإرسال رسالة إلكترونية لمسؤولي الدفاع ضمنها تعليمات بصدد ضرورة حفظ العناصر المادية التي قد يكون لها علاقة بالتحقيق: الاتصالات الهاتفية, المذكرات, الرسائل, الوثائق...
بعد ساعات, قامت الوكالة بتقديم المؤشرات الأولى والخطيرة : مائة وثمانون نسخة إلكترونية لتقرير معزز بشروح وتعليقات بها إشارة إلى مواقع محددة , كما تتضمن الرسائل إشارات متعددة للكلب ليسلي ..لأذواقه
وعاداته.. وكذا تصميما لحدائق البيت الأبيض , مع الإشارة الدقيقة إلى المكلبة. معظم الرسائل كانت مكتوبة بالعربية, والفارسية, والأردية, ولغات أخرى صعبة التمييز كالأوزبكية والأزيرية ولهجات أفغانية متعددة وأخرى من شمال القوقاز. اشتغل مترجموا الوكالة دون كلل لكشف مغاليق المتن المعقد.. لم ينم أحد تلك الليلة في القصر الرئاسي, ظلت الأضواء متلألئة .. كانت النقاشات حادة رغم أنها لم تؤد إلى مواجهات فردية . ما هو الموقف الذي يتعين اتخاذه إزاء هذا الخطأ الجسيم والمتكرر الذي وقعت فيه أجهزة الاستخبارات والذي سيعمق بشكل أقوى فقدان الثقة لدى الناخب , ويضاعف من الانتقادات لعمل هذه الأجهزة وقدرتها على التكهن؟ ما هو التصرف الأصح؟ هل هو التكتم والتعرض للتسريبات الصحفية القاتلة أو التوجه برصانة
إلى الأمة بخطاب رصين ودراماتيكي حول ما حصل: أي وجود تهديد مفاجئ من نوع جديد؛ دقيق وغير مرئي يتربص بالمواطنين.
وقد صير إلى تبني الاختيار الأخير حسب ما تم نشره بشكل سري؛ ففضلا عن الخسائر الخيالية الناجمة عن السلاح المضاد للصواريخ العابرة, والحروب الوقائية وجب إضافة نظام باهظ التكلفة من شأنه التصدي للاضطراب الذهني الموجه عن بعد, لكن كيف لناخب فقد ثقته ـ بعد ما يزيد عن سنتين عاشهما في رعب وخوف وخداع ـ أن يقوم من جديد بتمشيط جيوبه؟
استمرت المناقشات بشكل سري, ولا يعرف لحدود اللحظة ما آلت إليه. لكن بقي ليسلي , كيف يجب التصرف معه؟ هل القيام بإذاعة شريط الفيديو الذي يدين تصرفه الودي اتجاه ّبارديّ أروبا العجوز أو فرحه الجنوني بالإرهابي رقم واحد في العالم وصنوه المتبجح صاحب الشنب؟
هل يصار إلى إعادة تربيته على نحو جديد, بإشراف لجنة من علماء النفس وفقهاء الجن؟ هل يرسل هو أيضا إلى ّغوانتناموّ؟
مات ليسلي ـ حسب ما وصل إلى علمنا ـ موتة طبيعية ـ حسب البعض ـ وبالحقنة المميتة أو بالأشعة الموجهة عن بعد ـ حسب البعض الاخر ـ ومهما اختلف الطرفان حول كيفية موته, فهما متفقان حول ضرورة تنحية هذا الشاهد المزعج, والتـأكد من التدبير الجيد لهذا الموضوع.

عن صحيفة البايس ـ خريف2003
ترجمة : محمد العربي غجو



#محمد_العربي_غجو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع السيدة إيزابيل لوبيز أوليستيا العضوة القيادية في الي ...


المزيد.....




- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العربي غجو - لغز البيت الأبيض