أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - فائز عبد الرزاق الحيدر - في رحاب الشهادة والخلود في الذكرى 36 لأستشهاد ستار خضير الحيدر عطاء متميز وشجاعة نادرة















المزيد.....


في رحاب الشهادة والخلود في الذكرى 36 لأستشهاد ستار خضير الحيدر عطاء متميز وشجاعة نادرة


فائز عبد الرزاق الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 1203 - 2005 / 5 / 20 - 11:02
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


ليس من السهل الحديث عن الشهداء ، فهم باقون مع أهلهم ورفاقهم وأصدقائهم الى الأبد . خاصة الذين تركوا بصمات ثورية في مسيرتهم النضالية . وأستذكار هؤلاء المناضلين ليس إلا جزء يسير من الوفاء لهم ولتأريخهم النضالي المجيد وتضحيتهم من أجل سعادة شعبهم وحرية وطنهم . نتباهى بأسمائهم ونضالاتهم فهم الشهداء بحق ، شهداء الشعب والوطن .
الشهداء هم آبائنا ، أخوتنا وأخواتنا .... أبنائنا ، هم جميعا" شهداء الوطن ، هذه الباقات من الأزهار الفواحة التي دخلت سفر التأريخ ، نمسّد على تراب قبورهم ، ونحمل لهم حنين الوطن ، حنين دجلة والفرات وأمواجها لتسقي ظمأهم وشوقهم لأرض الوطن . لننحني لقاماتهم الباسقة ونهتف تباركتم يا أحبتنا ، أنتم القناديل التي أضاءت الظلمة الحالكة ليستدل بها المناضلين بمثابات الطريق ، لكم دمعة بحجم الوطن من عوائلكم وذويكم تعانق قبوركم وأرواحكم من عين كل أم وأب وأخ وأخت وأبن وزوجة شهيد .
الألاف من أحبتنا الشهداء يعيشون في القلب والذاكرة الوجدان ، ونحتار عن من نتحدث فكلهم قمما" محملة بأروع وأنبل الصفات الأنسانية ، وجميعهم أصحاب قضية ومواقف بطولية كبيرة
لقد روت دمائهم أرض الوطن ، وبزغت من قبورهم أزهارا" تعانق الشمس ، وستبقى أسمائهم مطرزة بخيوط الشمس الذهبية وهي تشرق على العراق ، وستبقى قبورهم واحة خضراء ومزارا" لكل محبي الحرية .

دعونا الأن نتحدث عن شهيد مندائي آخر ، عمل في الحركة الوطنية العراقية لسنوات طويله ولغاية أستشهاده ، أنه الشهيد البطل ( ستار خضير الحيدر ) .
ودعونا نعود الى سنين طويل خلت ، الى ناحية ( المسيعيدة ) التابعة لمحافظة العمارة ، تلك الناحية الفقيرة بحالها والغنية برجالها الأبطال ، انها الناحية التي ولد فيها ستار خضير الحيدر عام / 1930 ، وتحول أسمها الى ناحية الكحلاء فيما بعد .
عاش الشهيد ستار صباه في أكناف عائلة مندائية كادحة تعمل بالصياغة والتي كانت في ذلك الوقت مهنة الكدح والتعب اليومي لبساطة الأدوات المستعملة في هذه المهنة الشاقة . كانت عائلة خضير صكر ميسورة الحال رغم الكدح اليومي قياسا" للعوائل المندائية الأخرى ، كان بيتهم ملتقى أكثر المندائيين ليلا" لشرب القهوة العربية التي يجيدون صنعها ولتبادل الأحاديث اليومية عن آخر الأخبار السياسية وأخبار السوق .
هذا هو البيت الذي عاش به ستار ، دخل مدرسة الكحلاء الأبتدائية عام 1937وتوفيت والدته وعمره تسع سنوات ، وترك هذا الحدث حزنا" وفراغا" كبيرا" في حياته ، فلجأ الى والده يساعده في العمل اليومي الشاق حيث يشعر بمسؤولية البيت .
يقضة ستار خضير الحيدر كانت مبكرة عن الطبقات والصراع الطبقي منذ أن تخرج من مدرسته الأبتدائية عام / 1944 وهو ينظر الى عيني والده تزدادان أحمرارا" وجسده يزداد نحولا" كلما وجد نفسه في دكان والده يساعده في مهنة التعب والنار والمنفاخ والطرق على السندان ، كي تزين بعد ذلك أعمالهم صدور وأيادي الفتيات الجميلات الثريات المتزوجات بمهورهن من الذهب الخالص من دكان خضير صكر الحيدر .
ودع الأهل والأحبة وغادر الكحلاء لأكمال دراسته في متوسطة العمارة عام 1945 ، مدينة العمارة الواقعة تحت سيطرة الأقطاع في ذلك الوقت ، وفي القسم الداخلي الذي يسكنه في المدينة ، ألتقى بزملاءه من الطلبة المثقفين حملة الفكر الشيوعي ، وزاده الحب والرغبة في التعرف على هذه الأفكار والسير تحت لوائها .
في مكان آخر من القسم الداخلي حيث كان يسكن ، كانت أعين المجرم ناظم كزار زميل الدراسة حينها ومدير الأمن العام في عهد البعث عند وصوله للسلطة عام / 1968 ، ترصدهم وترمقهم بعين الحقد تحت ستار الأبتسامة الكاذبة فقد رضع هذا المجرم حليب الوضاعة والقتل منذ نعومة أظافره ويفكر بالأنتقام منه ورفاقه يوما" .
في العمارة تعرف ستار وزملاءه على الشخصية الوطنية المناضل الشيخ حسين الساعدي ، صاحب دكان لبيع السكاير والتبوغ في سوق العمارة ، فأخذ هذا الشيخ يحدثهم عن هموم الشعب ومآسي العمال الكادحين والفلاحين فوجد فيهم تربة خصبة لتغذيتهم بالأفكار الوطنية .

كان في الصف الثالث المتوسط في العمارة عندما حدثت وثبة كانون 1948 وعمت المظاهرات مدينة العمارة ، وأول عمل قام به ستار وهؤلاء الشباب المناضلين هو نزولهم الى الشارع الرئيسي في العمارة والأشتراك في المظاهرة وهم يهتفون للوثبة ويطالبون بألغاء معاهدة بورتسموث وسقوط الحكومة ، وكان الشهيد ستار خضير أول من يهتف في هذه المظاهرة . هاجمتهم الشرطة ونجا ستار ورفاقه من رصاص الشرطة وقتل زميله الواقف بجواره وهرب الأخرين الى ناحية الكحلاء بعد أغلاق المدرسة والقسم الداخلي .

عاد ستار ورفاقه الى ناحية الكحلاء وأقاموا الفاتحة على أرواح الشهداء في مسجد الناحية المجاور لبيته وهم يستقبلون المعزين من الصابئة والمسلمين وكانت هذه صورة رائعة للتآلف بين مكونات المجتمع العراقي وهذا يعود للأفكار النبيلة التي يروجوها في الناحية .
بعد تخرجه من الثانوية وأكمال دورة المعلمين أنتقل الى بغداد ليعمل في التعليم في أحدى مدارس أبوغريب الأبتدائية في بداية عام /1951 لكنه فصل من الوظيفة في نهاية العام نفسه بسبب أنتمائه السياسي وأضطر العودة الى الكحلاء ليعمل من جديد مع الفلاحين الكادحين وهو يوزع عليهم منشورات الحزب الشيوعي من خلال دكان البقالة البسيط الذي فتحه حيث كان لقائه الأول مع المناضل الفلاحي ( صاحب ملا خصاف ) والذي أستشهد على يد الأقطاع بعد ثورة 14 تموز / 1958 حقدا" على موقفه من أهمية تطبيق قانون الأصلاح الزراعي .

وخلال أيام أنتفاضة تشرين عام 1952 وصلته من بغداد عن طريق أحد الأقارب رزمة من منشورات الحزب الشيوعي وبدأ بتوزيعها على أهل الكحلاء ، ونتيجة لوشاية أحدهم ويدعى جودي أبراهيم الذي سلم البيان الى مفوض الشرطة المجرم ( علي مجو ) فألقي القبض عليه وجميع أخوته وأقاربه من قبل رجال الشرطة وأرسلوا مخفورين الى دائرة أمن العمارة بتهمة توزيع النشرات الشيوعية حيث تعرض الجميع الى الضرب والأهانة وعندها قال ستار أمام المحقق ، أنا موزع المنشورات وحدي ولا شأن لهؤلاء بها .
أحيل ستار الى المحكمة وحكم عليه بالسجن ستة أشهر ، أكمل محكوميته وخرج من السجن أكثر شجاعة وهو يصرخ أمام الجميع .... ( الأن أزدهرت الشيوعية في أعماقي ) . وعاد الى ناحية الكحلاء وأستأنف نشاطه الحزبي مع رفاقه بين صفوف الفلاحين .

في عام 1954 جاءت سيارة مسلحة من العمارة لألقاء القبض على ستار بسبب نشاطه الشيوعي فحاول الهرب الى قلعة صالح مشيا" على الأقدام إلا إن الشرطة تابعته على الطريق المؤدي الى القلعة وألقت القبض عليه وأعادوه الى الكحلاء بعد أن أعتدي عليه بالضرب أمام والده الذي يكن له الحب ويفتخر بنضاله وبطولته أمام أهالي الناحية فأنقض على الشرطة بعقاله وساهم أخيه الأصغر باسم بقذف الشرطة بالحجارة وأصاب شرطيين منهم وسالت الدماء من رؤوسهم فألقي القبض على الجميع وأرسلوا الى المحافظة ، تم التحقيق مع ستار بأعتباره عضوا" في الحزب الشيوعي العراقي وعلى والده وأخيه لأعتدائهم على الشرطة أثناء تأدية واجبهم ، بعد محاولات ووساطات ودفع مبالغ تنازل أفراد الشرطة عن حقهم وأطلق سراح الوالد خضير صكر وأخيه باسم وحكم على ستار بالسجن سنتين وسنة مراقبة وسفر فورا" الى سجن بعقوبة .
بدأت المضايقات للعائلة من قبل رجال الشرطة والأمن والعناصر الرجعية المرتبطة بالأقطاع مما أدى بعائلته وبقية عائلة الحيدر الى الهجرة القسرية من الناحية الى بغداد ومدن أخرى .

أنهى الشهيد ستار محكوميته وخرج عام 1956 وسفر فورا" الى مدينة بدرة وجصان قرب الكوت والمحاذية للحدود الأيرانية حيث يقضى المئات من الشيوعيين فترات مختلفة من الأبعاد بسبب نشاطهم السياسي .
بعد أكمال محكوميته في عام 1957 وقبل ثورة 14 تموز بأشهر قليلة ألتحق بعائلته في بغداد مواصلا" نضاله العنيد ضد الظلم والتعسف قبل وبعد ثورة الرابع عشر من تموز حيث عمل في تنظيمات مختلفة منها التنظيم العسكري للحزب حيث أثبت قدرة تنظيمية كبيرة ونشاط متميز .
ولظروفه المالية الصعبة حصل على عمل في حسابات معمل للأسبست في بغداد عن طريق أحد معارفه وأشتغل فترة قصيرة ، وبحكم ثقافته ونضالاته وخبرته مع السجناء السياسيين في سجن بعقوبة وبدرة أصبح من القياديين المتنورين فأنيطت به مهات صعبة وذات مسؤوليات كبيرة فأجاد بها .
بعد ثورة 14 تموز عمل موظفا" في مصرف الرافدين في بغداد لعدة أشهر قبل أن يستقيل بتوجيه من الحزب ليتفرغ للعمل الحزبي .

كتب عنه أحد رفاقه ما في ذاكرته :
في منتصف عام 1959 إتجه الحزب الى إعتماد التنظيم المحلي أساسا" للعمل التنظيمي لملاكات الحزب ، كنت عضوا" في أحدى اللجان المحلية التابعة للجنة منطقة بغداد وقد أنتدب الشهيد ستار ( مكافح ) لقيادة لجنتنا ، ويوما" بعد يوم توثقت العلاقة بيني وبينه وغدت صداقة أكثر مما هي علاقة تنظيمية . كانت والدتي تحبه كثيرا" وغالبا" ما تترك وجبة طعام محجوزة له فيما أذا عرفت أنه سيزورنا ، كان يجلس القرفصاء على الأرض عندما يتناول طعامه ، يأكل بالقدور التي تحتوي وجبته البسيطة بدلا" من الأواني والملاعق . كان دمث الأخلاق ، لطيف المعشر ، حاضر البديهية ، صديق الصغار قبل الكبار ، يحبه الجميع بدون استثناء . الأساءة وأيذاء الأخرين ليس لهما وجود في تصرفاته وطريقة كلامه . عندما تعاشره تدرك أنه نذر حياته للشعب ولأفكاره ومعتقداته التي كان يتطلع من خلالها لبناء مجتمع عادل حر . لم يضع مصالحه الشخصية في حسابه ، كان مترفعا" عن الصغائر ولا هدف له إلا في خدمة الناس والحزب ، لم يبخل بوقته لتطوير عمل منظمته إذ بذل جهدا" كبيرا" لتحسين عمل لجنتا وأصبحت محليتنا من أكبر محليات بغداد عندما كان مسؤولا" عنها ، كان يستمع بشكل جدي لكل الأفكار والأراء التي تنتقد سياسة الحزب وينقلها بكل أمانة للقيادة ، كان قائدا" نشطا" متوقد الذهن مؤمنا" بأن الشيوعية هي الطريق الوحيد الذي يحقق سعادة الشعب .
ويواصل حديثه بقوله ... لقد حضرت ورفاق آخرين مراسيم زواجه حيث طبق كافة الأجراءات الدينية مما دفع الأخرين للتندر عليه ، لكنه دافع بشدة عما قام به بأعتبار أن الشيوعيين أولى بتطبيق معتقدات المجتمع الدينية التي لا تضر بالفكر الذي يحمله المناضل بل بالعكس فان ذلك يقربه من جماهير الشعب . يوما" أخبرنا أن رفيقا" قياديا" سيحضر أجتماعنا المقرر لمناقشة سياسة الحزب . وكانت مفاجئة لنا عندما وجدنا بيننا الشهيد سلام عادل وتلاه في فترات اخرى رفاق آخرون من بينهم الشهداء محمد حسين أبو العيس ، ابراهيم الحكاك ، صبيح سباهي ، ألياس حنا ، وغيرهم .

كان الشهيد رجل المهمات الصعبة بحق فقد نسب الى العمل في المنطقة الشمالية في بداية الستينات لأعادة بناء تنظيمات الحزب هناك بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها الحزب الشيوعي العراقي بعد محاولة الشواف الأنقلابية عام 1959 وأغتيال أعداد كثيرة من كوادر الحزب في مدينتي الموصل وكركوك حيث كان العمل الحزبي فيهما من المهمات الخطرة جدا" وتحتاج الى خبرة وذكاء وتحمل والتكيف للظروف الصعبة .
كان الشهيد يتنقل بين هاتين المدينتين وأختار أكثر المناطق خطورة فيهما مكان لسكنه لأبعاد الشبهات عنه ولتتبع آخر أخبار القوى المعادية للحزب وأخذ الأحتياطات اللازمة لتجنبها ، كان يتردد على المساجد ويقوم بالصلاة ليستمع الى الخطط الموضوعة لأغتيال كوادر الحزب والتي تنفذها القوى الأرهابية التي أتخذت من المساجد قواعد لأنطلاق عمليات الأغتيال ، ويوصل المعلومات الى الحزب وينبه رفاقه الى تجنب ذلك ، وبذلك أنقذ حياة العديد من رفاقه الذين وضعت أسمائهم في قوائم الأغتيالات ، كما أنه أتخذ من مقابر المدينة مرات عديدة مأوى له تجنبا" لمخاطر جمة تعرض لها ، أضافة لكل ذلك فقد كان يقود التنظيم العسكري في كردستان العراق . فعندما بدأت الحركة الكردية برفع السلاح عام / 1962 كان يبين موقف الحزب المعارض للقتال للملا مصطفى البرزاني مباشرة من خلال اللقاءات معه والذي من شأنه أن يضعف ثورة 14 تموز ويعرضها للخطر وهذا ما أستغلته القوى الرجعية للقيام بأنقلاب 8 شباط / 1963 المشؤوم .

بعد أكمال مهمته في شمال العراق بنجاح نسب مرة أخرى للعمل في بغداد في أواسط الستينات وتحمل مسوليات عدة نتيجة الخبرة المتراكمة في التنظيم السري ، كنت ألتقيه بين كل فترة وأخرى أخذ رأيه في كثير من المسائل التي تحتاج الى خبرة ومعرفة وهو يستمع لي بهدوء ويعطيني الجواب المناسب ، كنا نتحاور في كثير من الأمور السياسية ونختلف أحيانا" ، كان يكلفني بنقل البريد والرسائل الحزبية الى عناوين عديدة ، وبنفس الوقت أكون حلقة وصل بينه وبين كوادر من أحزاب سياسية أخرى لعقد اللقاءات المشتركة والتباحث في مستجدات الوضع السياسي العراقي . وكان يؤلمني أن أشاهده مع بقية قادة الحزب يتنقلون في الباصات العامة في وقت خطر للغاية وعندما كنت أكلمه بالموضوع يعطينى المبررات الكافية .
كما أنه أتخذ من دارنا مكان لعمله الحزبي لفترات طويلة مستخدما" الهاتف للقاء رفاقه وتسيير أمور ونشاط منظمته . كنا قلقين عليه بشكل دائم ، أذا غادر الدار لمهمة يخبرنا متى يعود ويتقيد بمواعيده ، وأذا تأخر بالعودة نقلق عليه كثيرا" ونتابع أخباره من بقية الأهل لنطمئن عليه .
همس مرة في أذن الوالد يطلب أستعارة المسدس المجاز الذي نملكه لأن لديه أحساس بأن لدى الحزب معلومات إن المخابرات العراقية تخطط لأغتياله ، وأن الشئ الوحيد الذي يخيفه هو الأغتيال وجدتها فرصة لي فأسرعت لأخراج المسدس من الحفرة في أحدى زوايا الدار ، نظفته من التراب وقمت بتزيته بشكل جيد وناولته له مع علبة من الرصاص تحوي على أثنى عشر رصاصة مع توصية الوالد بأن يكون على حذر دائما".

في تلك الأيام الصعبة التي يمر بها الوطن ، عاد حزب البعث الفاشي للسلطة من جديد في 17 ـ 30 تموز من عام 1968 وتحت شعارات وهمية مزيفة أنطلت مع الأسف على الكثير من القوى السياسية العراقية ، وقد كرس الشخص الثاني في حزب البعث المجرم صدام حسين جل أهتمامه لتقوية منظمة حنين الأرهابية والتي تظم داخلها القتلة المحترفين وطورها لتصبح جهاز المخابرات العراقية ليقوم بتصفية قادة وكوادر القوى السياسية سواء بالتصفيات الجسدية أو الدهس بالسيارات أو بالسموم القاتلة بناء على الأوامر الصادرة منه مباشرة والذي كان يقود ويشرف على كل الأجهزة الأمنية والمخابراتية ووضع على قمة تلك الأجهزة قتلة محترفون أمثال المجرم ناظم كزار وقيادات البعث التي أتخذت من قصر النهاية مقرا" للتصفيات الجسدية لكل القوى السياسية .
وأتخذت قيادة البعث قرارا" بتصفية كوادر وقيادات الحزب الشيوعي العراقي بما فيهم الشهيد ستار خضير عضو اللجنة المركزية للحزب ، وباشرت عبر أجهزتها المختلفة بجمع المعلومات عن الشيوعيين من كل الجوانب مستغلة بعض نقاط الضعف في عمل الحزب الشيوعي العراقي .
ففي عصر يوم 16 / حزيران /1968 خرج الشهيد ستار خضير من بيت في حي المعلمين / شارع فلسطين في بغداد وتوجه الى موقف الباصات للعودة الى أهله ، وأثناء أنتظاره باص المصلحة توجه أليه شخصين مسلحين وأطلقا النار عليه سوية من سلاحيهما فأصيب بعدة أطلاقات في بطنه غير أنه أستطاع أن يركض بأتجاههم ويمسك بأحدهم ويسقطه أرضا" وسقط معه لكنه أستطاع الوقوف رغم جراحه لكن القاتل الأخر عالجه برصاصة أخرى أصابته في رجله أعاقته من الحركة وغادر القتلة المكان وهو ينزف بشدة وهو ينادي الواقفين في محطة الباص بأنه ستار خضير عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وطلب أسعافه وغاب عن الوعي ونقل من قبل شرطة النجدة الى مستشفى الطوارئ بعد مرور أكثر من ساعة على أصابته ولحد الأن لا نعرف هل كان المسدس معه ام لا ؟ أين تركه في تلك الساعة وهو يدرك جيدا" أنه مستهدف ؟ وأذا تركه في مكان معين فما هو السبب !!!! أسئلة كثيرة تحتاج الى حل اللغز .
تلقت العائلة الصدمة في ساعة متأخرة من الليل ، لا نعرف ماذا نفعل الكل في أتجاه ، غادرت البيت الى المستشفى بعد سماعي الخبر ، ألقى رجال الأمن القبض على أخوته وعمه بسبب تواجدهم في ساحة المستشفى وأتهموهم بالشيوعية وأطلق سراحهم في اليوم التالي . الكثير من عوائلنا تنتظر عند مدخل المستشفى نتيجة العملية الجراحية المعقدة التي قام بأجرائها الدكتور الجراح نوري فتاح باشا والطبيب الشيوعي محمد صالح سميسم الذي بذل كل الجهود لأعتناء به وأبقاءه حيا" ، أوقف النزيف الدموي ، وأستئصل قسم من الأمعاء المصابة ، أستخرجت الرصاصة من رجله وأخرج من غرفة العمليات ليلا" ..
بعد ساعات أفاق الشهيد من المخدر وأستطاع أن يتحدث الى أهله وأخوته عن الحدث وهذا ما أكده أمام حكام التحقيق وأحد رجال الأمن الذين حققوا معه وسألوه :
ـ من تعتقد الذي أطلق النار عليك .... ؟
ـ أنهم أعداء الحزب الشيوعي العراقي .
ـ هل أنت من الحزب الشيوعي العراقي أم من جماعة عزيز الحاج ... ؟
ـ لا يوجد في العراق غير حزب شيوعي واحد هو الحزب الشيوعي العراقي .
فعلق رجل الأمن ( هذا أشكد صلب ) .
.
رغم الحراسة المشددة من قبل الشرطة لغرفته كان أخوته ومعارفه يتناوبون بالدخول أليه ليل نهار ، وكان القصر وصدام حسين وناظم كزار يتابعون أخباره عن بعد في محاولة لأجهاز عليه فيما لو تحسنت حالته من جديد .
أستطعت الدخول وأن أقف معه داخل غرفة الأوكسجين بجانب اخيه الدكتور الذي لازمه طيلة بقاءه في المستشفى محاولا" تدليك يداه وأمسح العرق من جبينه وأضع قطرات الماء على شفتيه ولكن بدأت عيونه بالأصفرار وضاق تنفسه وأدركت أنها النهاية وأخذت دموعي تنهال وأصبر على نفسى ولكنه كان يحاول جهد الأمكان أن يضغط على يدي ولا أعرف ماذا كان يقصد من ذلك ، قد يوصيني بمواصلة المسيرة ويشد من عزيمتي ، أو يحاول أن يبين أنه لا زال حيا" وسيبقى . أنها ساعات من الألم والترقب والغضب والتنديد بالقتلة .
تدهورت صحة الشهيد وبدأت أعراض التسمم تتوضح وفي اليوم الثالث تدهورت صحته أكثر أثر التسمم الذي بدأ يسري في جسمه وحاول الأطباء جهد أمكانهم رعايته دون جدوى كان أخيه الدكتور باسم لا يفارقه طيلة بقاءة في المستشفى ورن جرس الهاتف :
ـ أننا من القصر كيف حاله الأن ؟ نحن مستعدون لأرساله الى أية دولة للعلاج فورا" !!!!
ـ شكرا" على أقتراحكم المتأخر لأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة .

فقد رحل الشهيد ظهر يوم 19 / 6 / 1969
لقد أرتعشت الغرفة الصغيرة في مستشفى الطوارئ حين فارق الحياة وصرخ الناس من رفاق وأصدقاء الواقفين أمام المستشفى وساحتها الموت للقتلة البعثيين ، عاش الحزب الشيوعي العراقي .
وفي قصر النهاية صرخ القتلة وعلى رأسهم المجرم ناظم كزار وهو يشرب كأس النصر مع القتلة الأخرين ..... مات الشيوعي ستار خضير الحيدر
وبنفس الوقت صرخ الحزب وأهتزت مدينة الكحلاء وصرخ محبيه ورفاقه وأصدقاء العائلة

لم يمت ستار خضير الحيدر فهو يحيا في القلوب
وسنواصل المسيرة

بعد أن قام حاكم التحقيق تدوين أقوال المدعين بالحق الشخصي والذين طلبوا الشكوى ومعرفة الجناة وبعد ورود التقرير التشريحي لجثة الشهيد ستار خضير الحيدر قرر قاضي التحقيق غلق التحقيق لمجهولية الفاعل .
و الأن وقد سقط الصنم ، فعلى الحكومة العراقية الحالية وبطلب من الحزب الشبوعي العراقي أعادة فتح ملف التحقيق في أغتياله وتطبيق القانون بحق القتلة .

إن ما كتبته في هذه السطور وكتبه الأخرون لهو جزء يسير من حياة هذا البطل الخالد .

كندا ـ لندن ـ أونتاريو




#فائز_عبد_الرزاق_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية
- بيلوسي للطلبة المتظاهرين: انتقدوا إسرائيل كما شئتم لكن لا تن ...
- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...
- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - فائز عبد الرزاق الحيدر - في رحاب الشهادة والخلود في الذكرى 36 لأستشهاد ستار خضير الحيدر عطاء متميز وشجاعة نادرة