محمد الأحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1203 - 2005 / 5 / 20 - 07:30
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
ما بين السياسي والمثقف ثمة بون شاسع يقف إليه القارئ في كتاب عولمة بالدهن الحر (الشارع السياسي الثقافي)- حيث يمتثل السؤال شاخصا حول من هو المثقف الفاعل في الكشف واستقراء المستقبل، ومن هو السياسي العامل في ارض الواقع الملموس، افترش الكتاب، للقارئ، أكثر من ثلاثين رأياً سياسيا مثقفاً، توزع ما بين الجرأة الموضوعية، والنظرة بإحياء إلى ما فات من خلط ضبب المشهد الإعلامي. وصديقنا (وجيه عباس) احد واجهات الأعلام الفاعلة في العراق الذي بقي منتجاً بعطاء على مدى أكثر من ثلاثين موقعا انترنيتياً، وقد حايَثَََ أهم التحولات الجذرية الحادة التي خاضها العراق الحديث ما بين عهدين طويلين، الأول امتد لأكثر من خمس وثلاثين عاماً تحت وصاية الفكر الواحد، والنظرة الضيقة، وقد خلف العراق بعده كسيرا متصدعاً تتناوشهُ قوى تودّ تمزيقه إلى نتفٍ كأنها قدره المحتوم، والعهد الثاني، هو يومنا هذا، الذي لم نر فيه ما قد وصفوه لنا، عهدُ الانفتاح والديمقراطية التي تمنهجها الإرادة البراغماتية نحو (شرق أوسط جديد)، حيث جاءت عاصفة حافلة بالجديد الجاد على أنقاض انهيار الأول وما خلف من انسلاخ قاس في كل حيوات مواطنينا العراقيين، عانّ فيها المجتمع العراقي برمته بلا استثناء، وبكل طيفه، من جملة مسائل أهمها صراعات المؤسسات الاستحواذية مع بعضها على ارض العراق، إرهاباً، وثقافة، وموقعاً، بشتى السبل، فأخذت عواصفها تجرف الدم العراقي الزكي، ما بين سيارات مفخخة وعصابات الاغتيالات التي لم تستثن أحدا، لا الزمان ولا المكان، وهو لا حول وقوة. (إن إحدى مهام المثقف هي السعي لكسر التصنيفات المقولبة، والمختزلة التي تحدّ من التفكير والتواصل الإنساني كثيراً- ادوارد سعيد ). وطبول الإعلام تدمدم متناسية الجرح النازف، والموقف المتهاوي.. للديمقراطية وقدٌ خاص في نفوس المثقفين، ربما لأنهم قرأوا عنها، وربما تلقوا فيضاً مما يدور عنها في المجتمعات الأخرى، وعلينا الاعتراف إن ما يصلنا من الخارج لا يعدو في بعض وجوهه المظاهر البراقة حسب، وإنما الجوهر فهو شيء آخر، وليس مختلفاً بالضرورة، فالفضائيات تعلق صلبانها، وتصلب الشعب الذي اقبل على عموده بنفسه، بكل حرمان وتعطش راح العراقي المحروم ينهل من الفضاء الأثيري كل محطاته، والمطبوعات التي زخَّت عليه المقال بعد المقال، والتحقيق تلو التحقيق، حتى المواقع الأنترنيتية هي أيضاً التي لم تشأ؛ إلا أن تكون حاضرة في المجال الذهني للعراقي الحر العزيز الكريم، تريد (تقييده بسلاسل أقوى من الحديد عن طريق أفكاره نفسه – ميشيل فوكو).. والمثقف العراقي يرنو إلى بتطلعِ ابن أول الحضارات وأقدسها، في غمرة تنوع ثقافي خلفت له مفارقة معقدة تتعلق بالأوضاع المختلفة المتضاربة بين جيل و آخر، أو شعب وآخر أو بين منطقة وأخرى في أرجاء الأرض المعمورة (العالم قرية صغيرة). فكونها اتصلت المفاصل عبر بعضها البعض بواسطة الأثير التكنولوجي، وصار وصلة واحدة، فالاعتراف بالتنوع الثقافي اليوم، يعدّ أساساً للديمقراطية وصلبها، فهو ظاهرة حسنة، لأن مساره كمثقف كاشف في ليل حالك، جعل العالم من حوله قد امتلأ بالنزاعات الايدولوجية، بحيث لابد من الوقوف على بنية مختلف الحركات القوية في التاريخ والتي أعطته معنى من مرحلة إلى مرحلة أخرى، فصار التوجه الذي تطرحه بعض الإعلاميات، ويجد صداه لدى البعض فيدافع عن إقامة سياسات وطنية وإقليمية تحمي (المنتجات الذهنية) للشعوب ضد اضمحلالها، وعدم تطبيق نفس قواعد (المنتجات المادية) عليها. (لا نريد أن نأسف و نلطم أو نمزق الجيوب، فما فات قد مات)، ففي حقبة وما بينها ظهر المثقف بصورة (دانتي)، و(كوبرنيكوس)، و(غاليليو)، و(ديكارت)، و(سبينوزا)، و(نيوتن)، و(كانت)، و(هيغل)، و(فيخته)، و(ماركس)، و(فرويد)، (ابن رشد)، و(طه حسين)، ليقول بالصوت الجهير (حقيقة إن ما يجري في مجتمعنا ليس من أخلاق مجتمعنا)، وراحت الصورة البشرية تتسع لمدى أوسع على الرغم من انه قوبل بالتنكيل، والإجحاف. (فثمة خطر من إن صورة المثقف يمكن أن تختفي في كتلة كبيرة من التفاصيل، وان المثقف يمكن أن يصبح مجرد حرفي آخر أو صورة في وضع آخر-ادوارد سعيد )، فحدا ذلك التوجه الذي تدعمه المؤسسات التكنولوجية الاتصالية التي ترفض منح (المنتجات الذهنية) أي خصوصية كانت، وبالتالي فإنها تعالج التنوع الثقافي بتوسيع عروضها التجارية وجعل المواطن سوقاً للتوجه الذي يطرحه دعاة خلق مجال عمومي عالمي ما بعد قومي،(لان قدرة الناس على التضحية ومواجهة الموت لقاء هدف مجهول أو يتعذر تحقيقه، هي قدرة محدودة لا يمكن الركون إليها، أو الاعتماد عليها). والذين يرون إن تقلص أو نهاية الأمة يتطلب تدعيم مجتمع مدني مخلط ذي بعد دولي يؤمن التنوع الثقافي داخله وبما يخفف حدة النزعة الأصولية للاختلاف الثقافي والتي تنفي إمكانية تمازج الثقافات وترافدها. (دع الناس مطمئنين، أيها الرئيس لا أعينهم، إذا فتحت أعينهم، فما الذي سيرون؟ بؤسهما دعهم إذن مستمرين في أحلامهم - نيكوس كازنتزاكي )، بمعنى إن المثقف لم يكن في يوم ما أداة بيد احد، فهو المستقرأ، المستشرف، الباصر.. يرى عن بعد أن السياسي منفذا للقرارات التي تمسي مقررة من مقرر لا يقل شاننا بثقافته عن ثقافة المثقف. (ليس هناك أية قطيعة بالمعنى الحرفي، فإذا حدثت قطيعة سياسية فان امتداد بقية الميادين يأخذ شكله بصور وعلاقات متعددة ابسطها هو التبادل الثقافي والتواصل الاجتماعي)، أسئلة شاخصة تبقى متواصلة، ومتواترة يسألها الذي رأى ما لا يرى.. فالكتاب رجل إعلام محنك، وأسئلتهُ تفيض حيوية، وجاءت بلغة جزلة شفافة، تصل المتلقي بيسر (إن بعض القضايا الصغيرة في الحياة قد تتحول إلى معضلات في الشارع السياسي، ويجب أن نتدارك ذلك بحكمة وبتدابير جريئة.. فهل نفعل؟).. تسير حلقات الزمن متواصلة، ولا تنفك إحداها من الأخرى، فينتج المثقف دروسا وعبرا لن تتجاهلها أية مدرسة سياسية، كونها تحتاج العين الشاملة التي ير بها المثقف ذاته وسط عالم يعجُّ بالانهيارات، و شارع المثقف يواصل كشفه لأي مقرر سياسي، فالمثقف يعرف بان الحرف إشارة، وان النصح إضاءة في طريق مظلم وعر فعلينا أن نسأل أنفسنا ماذا فعلنا لغدنا، ماذا أنجزنا إلى اللذين يأتون من بعدنا في ميادين الحياة أو في معترك المسؤولية التي توليناها
#محمد_الأحمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟