امجد نيوف
الحوار المتمدن-العدد: 1198 - 2005 / 5 / 15 - 11:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" يقضي الانسان سنواته الأولى في تعلّم النّطق ، وتقضي الأنظمة العربية بقيّة عمره في تعليمه الصّمت "
رواية ذاكرة الجسد ، أحلام مستغانمي
كيفما تحرّك إنسان العالم العربي تمتلىء عيناه بصور التسلّط والقهر ، ولا يعلم أيّ نوع من الضحايا يمكن أن يكون ، أين ومتى ؟
في البيت كما في الشارع ، وفي المدرسة كما في الجامعة ،الانسان محكوم بعلاقات القهر والتسلّط ، فارضة عليه سؤال القلق على المصير ؟! .. حتى الحبّ في عالمنا العربي يُعَاش تحت شعار التسلّط والرضوخ ، تسلّط المحبوب ورضوخ الحبيب ...
الاستبداد تربة خصبة ، ومناخ ملائم بامتياز لزراعة ونموّ شجرة التخلّف . شجرة نُسْغها قمع وقهر ، وإزهارها استغلال ، وإثمارها استعباد . وإنسان التخلّف ، إنسان مقهور أمام قوة ما مفروضة . فالتخلّف ، على قاعدة الاستبداد ، كما يسلب رغيف الخبز فانه يسلب النفس ، والعقل ، والقيم .
في عالم التسلّط واللاّديمقراطية ، الانسان لا قيمة له ، ولا حقّ له ، ولا مكانة له ، إلا ما شاء السلطان ان يتكرّم به عليه .ويصبح الرضوخ والتبعية عنواناً للحياة ، كما الوقوع في الدونيّة Inferiorityهو المُقدّر والمكتوب .
وبناء عليه ، تتبخّر علاقة الاعتراف بالآخر كقيمة إنسانية ، ليتحوّل هذا الآخر-الكائن الى شيء لا اعتراف به ، باعتباره شيئاً.
من هنا يصبح كل ما يتعلق بهذا الآخر-الكائن-الشيء مُباحاً لأيّ اعتداء ، أو تسلّط ، أو استغلال ، بما يشبع طغيان السلطان الأنَويّةEgocentrism.
ولانعدام علاقة التكافؤ وقيام علاقة التشييىء تتضخّم ذات المتسلّط ، كما تنكمش ذات التابع المقهور حتى تكاد تتلاشى .وبمقدار ما يظهر من علاقات الضعف والاستكانة في سلوكيات الانسان المقهور ،بمقدار ما يتأكد في عقلية المتسلّط أسطورة تفوّقه ، وخرافة غباء وانعدام آدميّة هذا الانسان .
وبالتالي يصبح عنف علاقة التسلّط هو القانون الذي يحكم تفاصيل الحياة .ومن هنا شيوع تصرفات التزلّف والاستزلام ، والمبالغة في تعظيم الحاكم وصولاً الى ما يشبه التأليه Deification .
في ظل الاستبداد ، زماناً و/أو مكاناً ، الانسان-الكائن-الشيء متّهم حتى العظم حتى تثبت براءته . انْ رَضَخ أو استكان فهو لا يفهم إلاّ لغة القمع، أو هو بلا إحساس ، وانْ انتفض وتمرّد فهو جاحد وناكر للنعمة !!.نعمة التزلّف والاستزلام .. النعمة الوحيدة التي أتاحها الحاكم المستبّد ..النعمة الضامنة لرغيف الخبز .
من هنا تعشعش في الذاكرة هواجس الحفاظ على النعمة التي تَكرّم بها الحاكم .أي تكرار الرضوخ والتبعية ونتيجته إطالة عمر الاستبداد .
الخطاب السائد في ملحمة الاستبداد العربي قوامه الكذب ، والخداع ، والتضليل ، تحت شعار الغايات النبيلة :
خطط التنمية ، والتقدّم ، والتحرير ... الخ .
والجماهير العربية تخاطب سلاطينها بلغتهم .فهي تخادع ،وتضلّل ، حين تدّعي الولاء ، وتتظاهر بالتبعية .
وهكذا يصبح الكذب عنواناً " للحوار " ، وجزءاً من العلاقات العامة : كذب في الحبّ والزواج ، كذب في المعرفة ، كذب في الإيمان ...الخ .ويصبح لزاماً على " كلّ " فرد من المجتمع أن يدخل اللعبة وفقاً لقدراته .
فاستدراج الآخرين ، ونصب الفِخاخ ، يُعتَبر نوعاً من البراعة ، كما تصبح النية الطيّبة ، والصدق ، والأمانة ، نوعاً من الغباء ، أو السذاجة .
تدلّ الوضعية العلائقية السابقة على مدى الانهيار الذي الّم بقيمة الانسان في عالمنا العربي ، والتي أصبحت مشاعر الدونية تميز " موقفه " خلال حياته اليومية .
ولا يمكن لهذا الانسان المقهور ان يقوم بأيّ نوع من المجابهة الحقيقية . وبذلك يسيطر عليه قلق التوقّع والانتظار .
ومن الطبيعي ، في هذه الحالة ، من التعلّق بوهم " القائد المُنتظَر " ، أو " القائد الضرورة " ، أو " القائد الذي لا شريك له " تعلّقاً يغري بالتسلّط والديكتاتورية ، تحت شعار مسيرة الإنماء والتطوير ، أو معركة التحرير والمصير ، أو إنقاذ الوطن والجماهير .
الانسان العربي ، على قاعدة ما سبق ، يعاني " عقدة النقص " التي تنسيه اسمه ، لما تقدّمه من خوف مركّب يسيطر عليه : خوف من السلطة ، خوف من الآخرين ، خوف من القدرة على المجابهة والتغيير ، وعندها يكون قد سقط في شبكة انعدام الكفاءة الاجتماعية Social Capacity التي تجابه ، في معظم الأحيان ،أيّة عملية تغييرية ، أو تحديثية .
ثم ان "عقدة النقص " تجعل من الانسان في حالة دفاع دائم ضد افتضاح عجزه وبؤسه، وعليه تصبح "السِتْرة " إحدى هواجسه الأساسية ، ويصبح التمسّك بالمظاهر حجاباً لستر البؤس والقهر الداخليين .
والتستّر على العار الذاتي لا ينطبق على المحكوم المسحوق فقط ، بل على الحاكم الساحق . فقوى الاستبداد والتسلّط تعيش دائماً هاجس الفضيحة ، سواء أمام الداخل ، أو الخارج ، آو حتى أمام نفسها .وكما الرجل المسحوق يتشفّى من المرأة كي يستر عاره الذاتي . كذلك المتسلّط ، من خلال بطشه وجبروته ، يحسّ بالمتعة والقوة ، ساتراً نقصه وعاره .
في ذروة ازدحام ذاكرة الماضي ، والحاضر.. وعلى سور بيت متكىء على الفقر المعجون بالألم .. عربيّ وبقلم تعب ومرتجف يرسم كلمة " الانتماء " الى رغيف الخبز وعبء الفراغ .
عربيّ طموحاته كبيرة وهواجسه أكبر ، فلأيّ منهما سيكون أميناً بانتمائه ؟ وهل سيقرأ في زمن ما حكاية نصر أم هزيمة ؟
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟