م.كنان جسومه
الحوار المتمدن-العدد: 1198 - 2005 / 5 / 15 - 11:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نظرة مدققة حول الأسس لآلية عمل الدماغ البشري
*م.كنان جسومه
إذا شئنا عمل مخطط صندوقي للدماغ فسنمثله بعلبة مغلقة لها عدة مدخلات (inputs)، وعدة مخرجات (outputs)، وما سيجري تركيز الاهتمام عليه في العرض التالي هو: المدخلات القادمة من المحيط و ليست من داخل الفرد، و المخرجات ذات المظهر القصدي للتأثير في المحيط وليست المتجهة إلى داخل الفرد. والمثال المدروس هو نموذج افتراضي – حسب رؤية الكاتب-لإنسان وسطي وعام وبالحد الأدنى من التشوهات الشخصية والخلْقية كماً وكيفاً.
المدخلات هي عبارة عن الحواس: النظر و السمع و الشم و التذوق وتحسس المحيط - الجلد- و ما يمكن إضافته إليهم، وكذلك نواتج الإستطالات المبتكرة لهذه الحواس، على سبيل المثال: الميكروسكوب، أو رؤية الموجات الصوتية بواسطة راسم الاهتزاز المهبطي..الخ.
على مدى حياة الفرد تتفاعل هذه المدخلات فيما بينها، متشابكة أو منفردة داخل الدماغ، حيث تلعب الاستجابة العاطفية أو الحالة الانفعالية للمتلقي، و على الأخص في السنوات الأولى من العمر، دوراً هاماً في الصياغة أو إعادة الصياغة بالحذف أو الإضافة أو التعديل، و بشكل مستمر، في توليد الصفة الخام للشيء من أثره المحسوس، وتشذيبها وتليينها، وفصلها عن منشئها أو تعميمها، ومن ثم تكوين المعنى، الذي هو بدوره أحد لبنات بناء المفهوم، وفي إنشاء السلوك البسيط، كاستجابة أو رد الفعل لتلك التفاعلات.
إن تكوين المفاهيم في المستوى التأسيسي، على الأقل، داخل الدماغ مبني على خبرة السلوك المفيد أو غير المؤذي للعضوية (كيان الفرد)، وكذلك يكون السلوك بتنوعات مظاهره المختلفة من حركة وفعل إراديين خرج (output) للدماغ إن السلوك و المفهوم خاضعان بدورهما لتعديل التشكيل جزئياً أو كلياً أثناء تفاعلهما مع المحيط وفقاً لقانون تحقق المنفعة الذاتية، حيث يمكن للسلوك ومخرجات المفاهيم أن تكون غير متطابقة مع حالة سابقة، حتى و إن تطابقت شروط المحيط في البدء مع تلك الحالة، ذلك التفاعل الذي يقود بدوره إلى اكتساب خبرة جديدة مبنية على الاستفادة من الخبرات الماضية.
إن للسلوك بنظرة إجمالية، بنية هادفة تسعى لتحقيق غايات آنية، أو مؤجلة يجري تحقيقها بشكل تراكمي، تلك الغايات أو الأهداف متغيرة في درجة أهميتها وفقاً لارتباطاتها المتعددة مع احتياجات البنية العضوية، و من ناحية أخرى وفق الحالة الراهنة التي يكون عليها الفرد.
إن درجة الأهمية للأهداف الآنية و السعي للوصول إلى الأهداف البعيدة يتناسبان عكساً مع مستوى الإشباع للحاجات، مع ملاحظة أن السلوك الآني على علاقة مباشرة بتقييم الموقف الناشئ، دون إغفال الأثر المتراكم عن الخبرات السابقة في التقييم، الذي قد يتعارض في تلك اللحظة مع مستوى الأهمية المحدد بالحاجات البنيوية أو درجة الإشباع لها.
إن متطلبات البنية العضوية المتكونة من خلال تراكمات عديدة عبر مراحل التطور للنوع البشري هن بشكل جذري: الحفاظ على الفرد و الحفاظ على النوع، بالإضافة إلى متطلب آخر أقل أهمية هو: تقنين استهلاك الآلة البشرية لإعطاء العمر الأطول لها، أي تقليل العناء و تفضيل الراحة.
تلك المتطلبات المحددة لن يتم السعي في الوصل إليها أو تحقيقها دون محفزات أو محركات داخل بنية العضوية نفسها، هذه المحركات ليست إلا اللذة و الألم، و ما يمكن أن ينتمي إليهما من أحاسيس ؛ وذلك بالعودة إلى الأصل من خلال الإجابة على سؤال: لماذا كان هذا الإحساس؟ أي ما هو جذر باعثه الداخلي؟ ( دون إهمال تدرجات القياس لتلك الأحاسيس)، مثل: السرور و الارتياح و الاسترخاء و التوتر و الغضب و الحزن و الخوف و القلق و التحفز و الترقب و النشوة و الألم البسيط العارض أو الحاد إلى درجة الإغماء...الخ.
الوظائف الرئيسة لمدخلات الدماغ المذكورة أعلاه هي:
أولاً: استشعار المحيط،، أي قراءته، متآزرة فيما بينها، والدماغ هو الذي يوجه ويصحح وينسق وينتقي ويحرّف حسب تآثر (تبادل الأثر) الحالة الموضوعية مع كل من، الحالة الذاتية الظرفية الطارئة، وتلك التي يمكن أن تمتلك صفة الامتداد الزمني مثل: الحاجة، والرغبة أو الأمل، والخلفية المعرفية الثقافية، والخبرات المتراكمة.
ثانياً: الإحساس باللذة والألم.
ثالثاً: وسائط (غير محايدة أو مقادة) لإدخال المعلومات من المحيط إلى الدماغ.
إن النشاط الدماغي الموجه نحو الخارج وما ينبثق عنه من منتجات، التي قد تبدو للوهلة الأولى أنها ليست على علاقة بالمتطلبات الأساسية، أو أنها نتاج ثانوي لذلك النشاط مثل الفن والاختراع و الابتكار.... الخ، هذا النشاط محصور ضمن أفق البنية العضوية ومتطلباتها الأولية و ما يبنى على تلك المتطلبات من تفرعات.
*كاتب سوري
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟